بازگشت

ثورة أبي السرايا


من أعظم الثورات الشعبية التي حدثت في عصر الإمام أبي جعفر (عليه السلام) ثورة أبي السرايا التي استهدفت القضايا المصيرية لجميع الشعوب الإسلامية، فقد رفعت شعار الدعوة إلي (الرضا من آل محمّد (عليه السلام)) الذين كانوا هم الأمل الكبير للمضطهدين والمحرومين، وكادت أن تعصف هذه الثورة بالدولة العبّاسية، فقد استجاب لها معظم الأقطار الإسلامية، فقد كان قائدها الملهم أبو السرايا ممّن هذّبته الأيام، وحنّكته التجارب، وقام علي تكوينه عقل كبير، فقد استطاع



[ صفحه 65]



بمهارته أن يجلب الكثير من أبناء الإمام موسي بن جعفر (عليه السلام) ويجعلهم قادة في جيشه، ممّا أوجب اندفاع الجماهير بحماس بالغ إلي تأييد ثورته والانضمام إليها إلاّ أنّ المأمون قد استطاع بمهارة سياسية فائقة أن يقضي علي هذه الحركة، ويقبرها في مهدها، فقد جلب الإمام الرضا (عليه السلام) إلي خراسان، وأرغمه علي قبول ولاية العهد، وأظهر للمجتمع الإسلامي أنّه علوي الرأي، فقد رفق بالعلويّين، وأوعز إلي جميع أجهزة حكومته بانتقاص معاوية والحطّ من شأنه، وتفضيل الإمام أمير المؤمنين علي جميع صحابة النبيّ (صلي الله عليه وآله) فاعتقد الجمهور أنّه من الشيعة واستطاع بهذا الاُسلوب الماكر أن يتغلّب علي الأحداث ويخمد نار الثورة [1] .

لقد عاش الإمام أبو جعفر محمّد الجواد (عليه السلام) معظم حياته في عهد المأمون، ولم يلبث بعده إلاّ قليلاً حتي وافاه الأجل المحتوم.. ويري بعض المؤرّخين أنّ المأمون كان يكنّ له أعظم الودّ وخالص الحبّ، فزوّجه من ابنته اُمّ الفضل، ووفّر له العطاء الجزيل، وكان يحوطه، ويحميه ويخشي عليه عوادي الدهر، ويضنّ به علي المكروه، وكان يصرّح أنّه يبغي بذلك الأجر من الله، وصلة الرحم التي قطعها آباؤه، وفيما أحسب أنّ ذلك التكريم لم يكن عن إيمان بالإمام أو إخلاص له، وإنّما كان لدوافع سياسية نعرض لها في المباحث الآتية.

وعلي أيّة حال فلابدّ لنا من وقفة قصيرة لدراسة حياة المأمون، والوقوف علي اتّجاهاته الفكرية والعقائدية، والنظر فيما صدر منه من تكريم للإمام (عليه السلام) فإنّ ذلك ممّا يرتبط ارتباطاً موضوعيّاً بالبحث عن حياة الإمام أبي جعفر (عليه السلام).



[ صفحه 66]




پاورقي

[1] راجع حياة الإمام محمد الجواد (عليه السلام): 198 ـ 199.