بازگشت

سياسة العباسيين مع الرعية


لا نريد أن نعرض لأنواع الظلامات التي كان العباسيون يمارسونها، فإن ذلك مما لا يمكن الإلمام به ولا استقصاؤه في هذه العجالة.

وإنما نريد فقط أن نعطي لمحة سريعة عن سيرتهم السيئة في الناس، ومدي اضطهادهم وظلمهم لهم، وجورهم عليهم، الأمر الذي أسهم إسهاماً كبيراً في كشف حقيقتهم أمام الملأ، حتي لقد قال أبو عطاء السندي المتوفّي سنة (180 هـ):



يا ليت جور بني مروان دام لنا

وليت عدل بني العباس في النار [1] .



[ صفحه 57]



إنّ المثل الأعلي للعدالة والمساواة الذي انتظره الناس من العباسيين، قد أصبح وهماً من الأوهام، فشراسة المنصور والرشيد وجشعهم، وجور أولاد علي ابن عيسي وعبثهم بأموال المسلمين، يذكّرنا بالحجّاج وهشام ويوسف بن عمرو الثقفي، ولقد عمّ الاستياء أفراد الشعب بعد ان استفتح أبو عبدالله المعروف بـ «السفّاح» وكذلك «المنصور»، بالإسراف في سفك الدماء، علي نحو لم يعرف من قبل [2] .

ويقول المؤرخون أيضاً عن أبي العباس السفاح انّه كان سريعاً الي سفك الدماء، فاتبعه عمّاله في ذلك، في المشرق والمغرب، واستنوا بسيرته، مثل: محمد بن الاشعث بالمغرب، وصالح بن علي بمصر، وخازم بن خزيمة، وحميد ابن قحطبة، وغيرهم.. [3] .

لقد كان أبو جعفر المنصور يعلق الناس من أرجلهم حتي يؤدّوا ما عليهم.. [4] ووصفه آخرون بأنه كان غادراً خدّاعاً، لا يتردد البتة في سفك الدماء... كان سادراً في بطشه، مستهتراً في فتكه، وتُعتبر معاملته لأولاد عليّ من أسوأ صفحات التاريخ العباسي [5] .

وأما الهادي فقد كان يتناول المسكر ويحب اللهو والطرب وكان ذا ظلم وجبروت. وكان سيئ الاخلاق، قاسي القلب، جبّاراً، يتناول المسكر، ويلعب [6] .



[ صفحه 58]



واما الرشيد، فيكفيه انه ـ كما ينص المؤرخون ـ يشبه المنصور في كل شيء إلاّ في بذل المال حيث يقولون ان المنصور كان بخيلاً.

وهكذا لم يكن بقية الخلفاء العباسيين أفضل من الذين أشرنا اليهم، ولا كانت أيامهم بدعاً من تلك الأيام.

ولعل الكلمة التي تجمع صفات بني العباس الخلقيّة، هي الكلمة التي كتبها المأمون، وهو في مرو في رسالة منه للعباسيين، بني أبيه في بغداد، والمأمون هو من أهل ذلك البيت، الذين هم أدري من غيرهم بما فيه، لأنهم عاشوا في خضمّ الأحداث، وشاهدوا كل شيء عن كثب، يقول المأمون في تلك الرسالة:

«... وليس منكم إلاّ لاعب بنفسه، مأفون في عقله وتدبيره، إما مغنّ، أو ضارب دفّ، أو زامر، والله لو أن بني اُمية الذين قتلتموهم بالأمس نُشِروا، فقيل لهم: لا تأنفوا من معائب تنالوهم بها، لما زادوا علي ما صيّرتموه لكم شعاراً ودثاراً، وصناعة وأخلاقاً.

ليس منكم إلاّ من إذا مسّه الشر جزع، وإذا مسّه الخير منع. ولا تأنفون، ولا ترجعون إلاّ خشية، وكيف يأنف من يبيت مركوباً، ويصبح بإثمه معجباً. كأنه قد اكتسب حمداً، غايته بطنه وفرجه، لا يبالي ان ينال شهوته بقتل ألف نبي مرسل، أو ملك مقرب، أحب الناس اليه مَن زيّن له معصية، أو أعانه في فاحشة، تنظفه المخمورة..» [7] .



[ صفحه 59]




پاورقي

[1] الحياة السياسية للامام الرضا (عليه السلام): 108.

[2] الحياة السياسية للإمام الرضا(عليه السلام): 108 ـ 109.

[3] مروج الذهب: 3 / 222.

[4] المحاسن والمساوئ: 339.

[5] مختصر تاريخ العرب و التمدن الاسلامي: 184.

[6] تاريخ الخميس: 2 / 331.

[7] الحياة السياسية للإمام الرضا (عليه السلام): 463 ـ 464.