بازگشت

الطب في تراث الإمام الجواد


لقد استوعب أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) شتّي العلوم ومنها علوم الطبّ والحكمة بما آتاهم الله من فضله، وأطلعهم علي غيبه، وحباهم من نوره، وألهمهم من معرفته، وبما ورّثوه من علوم خاتم الأنبياء وسيّد المرسلين (صلي الله عليه وآله)، فكانوا (عليهم السلام) يعالجون المرضي تارةً بالقرآن والدعاء والأحراز والرقي والصدقة، وتارةً يوصونهم بضرورة النظافة والطهارة والوقاية العامّة، وثالثة يصفون لهم الأعشاب والنباتات وغيرها من العقاقير الطبّية التي كانت تؤثر بشكل فعّال في



[ صفحه 220]



شفاء المرضي ممّا يدلّ علي قدراتهم (عليهم السلام) الكبيرة وإمكاناتهم الواسعة بتشخيص المرض من دون اللجوء إلي إجراء التحليلات المختبريّة والصور الشعاعيّة والتخطيطات وما إلي ذلك من الوسائل المتطورة الحديثة المعروفة في يومنا هذا.

وينمّ أيضاً عن درايتهم (عليهم السلام) واطّلاعهم الواسع بخواص تلك العقاقير وتأثيرها المباشر علي المرض وبالتالي صحّة تشخيصهم لمختلف الأمراض.

وتجدر الإشارة هنا إلي أنّه بعد مرور عدّة قرون جاء الطبّ الحديث بإمكاناته الواسعة ليبرهن علي صحة وصواب ما ورد عنهم (عليهم السلام) من أخبار وأحاديث في هذا المجال لا بل إنّه اعتمد الكثير من تلك الأخبار، وما العودة إلي استخدام الحجامة والفصد علاجاً أساسياً أو مساعداً لغيره من العلاجات ومتعاضداً معها للوصول إلي الشفاء إلاّ مثالاً صارخاً علي صحة ما ذكرناه.

ولقد أقرّ الكثير من العلماء والمستشرقين في بحوثهم وتحقيقاتهم بتلك الحقائق والأخبار الواردة عنهم (عليهم السلام) واتّفقوا علي أنّ قوانين الطبّ قد جمعت في قوله تعالي: (كلوا واشربوا ولا تسرفوا) [1] ولا بأس أن نذكر هنا لمحاً عن الحجامة والفصد.

يقال: فصد العرق فصداً: شقّه، ويقال: فُصد المريض: اُخرج مقدار من دم وريده.

وقد تكامل الفصد اليوم باستعمال إبرة واسعة القناة بواسطتها ويؤخذ الدم من الوريد مباشرة، وتتراوح كميّة الدم المفصود بين 300 ـ 500 سم3، ويجب أن يتم بأسرع ما يمكن.

وتختلف الحجامة عن الفصد في أنّ الأخير هو إخراج دم الوريد بشقّه كما هو نقيّاً كان أو غليظاً، بينما الحجامة هي إخراج الدم الفاسد بواسطة آلة ماصّة من



[ صفحه 221]



العروق الدقيقة والشعيرات الدمويّة المبثوثة في اللحم، والفصد يقلل الدم، وبالتالي يحتاج إلي تعويض وخلق جديد، بينما الحجامة تنقّي الدم وتصفّيه دون أن يفقد الجسم كميّة كبيرة منه بل العكس أنّها تنشّط الدورة الدمويّة وتوجب الرشد. وعلي هذا فالحجامة لا تضعف البدن كما في الفصد.

وتستعمل الحجامة أساساً للتخفيف عن الدورة الدمويّة وما يثقلها من سموم الفضلات والدهون والمتخلّفات من الإفراز، وقد استعملت منذ قديم الزمان كواجب من الواجبات الفصليّة، وكعلاج ناجح لعدد من الأمراض كالجلطة الدمويّة والسكتة القلبيّة، وانفجار الشريان الدماغي. قال رسول الله (صلي الله عليه وآله): «عليكم بالحجامة، لا يتبيّغ الدم بأحدكم، فيقتله».

وقال جالينوس: دمك عبدك، وربّما قتل العبد سيّده، فأطلقه، فإن رأيته صالحاً فأمسكه.

والأحاديث فيها كثيرة ويعدّ العلق الطبّي ـ واحدتها علقة ـ وهي دودة تعيش في الماء تمص الدم ـ من ملحقات الحجامة، وله اهميته أيضاً في العلاج الموضعي لكثير من أمراض الأوردة الدمويّة كركود الدم في منطقة ما في الجسم، وذلك بما يتمتع به العلق من غريزة خاصّة في مصّ الدم الفاسد، وإدخاله الهواء أثناء عمليّة المصّ تحت الجلد.

ومن ناحية أخري ينفرد الفصد في علاج الحالات التالية:

1 ـ الهبوط الوظيفي في البطين الأيسر المؤدّي إلي تورّم في الرئتين ينجم عنها عسر شديد في التنفس. 2 ـ ضغط الدم الدماغي العالي لغلظة الدم. 3 ـ إزدياد عدد كريات الدم الأولي. 4 ـ الإحتقان الرئوي.

وللفصد عروق معروفة ولها أسماء خاصة كالعرق الزاهر والأكحل يخرج منها الدم، وقد ورد عن النبيّ والأئمّة صلوات الله عليهم أن للفصد أوقات معينة.

وأمّا الحجامة فلها مواضع معروفة كاليافوخ من الرأس والنقرة من الظهر



[ صفحه 222]



وغيرها، ولها أوقات معيّنة أيضاً، وردت عن النبيّ والأئمّة صلوات الله عليهم في الأحاديث الشريفة.

1 ـ جاء في المناقب لابن شهرآشوب: وفي كتاب «معرفة تركيب الجسد» عن الحسين بن أحمد التيميّ: روي عن أبي جعفر الثاني (عليه السلام): أنّه استدعي فاصداً في أيّام المأمون فقال له: أفصدني في العرق الزاهر! فقال له:

ما أعرف هذا العرق ياسيّدي، ولا سمعت به. فأراه إيّاه، فلمّا فصده خرج منه ماء أصفر، فجري حتّي امتلأ الطست، ثمّ قال له:

أمسكه. وأمر بتفريغ الطست ;

ثمّ قال: خلّ عنه. فخرج دون ذلك، فقال:

شدّه الآن. فلمّا شدّ يده أمر له بمائة دينار، فأخذها وجاء إلي يوحنّا بن بختيشوع [2] فحكي له ذلك، فقال:

والله ما سمعت بهذا العرق مذ نظرت في الطبّ، ولكن هاهنا فلان الأسقف [3] قد مضت عليه السنون، فامض بنا إليه، فإن كان عنده علمه وإلاّ لم نقدر علي من يعلمه، فمضيا ودخلا عليه وقصّا القصة.

فأطرق مليّاً، ثمّ قال: يوشك أن يكون هذا الرّجل نبيّاً أو من ذريّة نبيّ. [4] .

2 ـ وجاء في رجال الكشيّ: ـ يأتي في باب حال عمّ أبيه عليّ بن جعفر (عليه السلام):



[ صفحه 223]



ودنا الطبيب ليقطع له العرق، فقام عليّ بن جعفر (عليه السلام) فقال:

ياسيّدي، يبدأ بي ليكون حدّة الحديد فيّ قبلك...


پاورقي

[1] الأعراف (7): 31.

[2] ويوحنا بن بختيشوع: هو طبيب أخي المعتمد، شخص أسقفاً علي الموصل سنة (893 م) ـ (279 هـ) وهذا التاريخ بعيد عن حياة الإمام الجواد (عليه السلام) والّذي اُستشهد سنة 220 هـ.

والظاهر أنّه جبرئيل بن بختيشوع بن جورجيس، طبيب المأمون، توفي سنة (828 م) (212 هـ).

واُسرة بختيشوع: اُسرة أطباء من النساطرة أصلها من جند نيسابور، خدمت الخلفاء العباسيين نحو ثلاثة قرون.

اشتهر منها: جورجيس بن جبرئيل وبختيشوع بن جبرئيل.

[3] الأسقف: فوق القسيس ودون المطران، والكلمة يونانيّة.

[4] المناقب: 3 / 495، وبحار الأنوار: 50 / 57 ضمن ح31، ومدينة المعاجز: 533 ح60.