بازگشت

التمهيد لإمامة علي الهادي المبكرة


من المهام التي اشترك فيها الائمة (عليهم السلام) دعوتهم الي الإمام الآتي بعدهم. وقد سار الإمام الجواد (عليه السلام) علي منهج آبائه في قضية الدعوة الي الإمام القادم بعده وترسيخ ذلك عند الطليعة المؤمنة من الاُمة، وفيما يأتي أمثلة علي هذا الأمر عند الإمام (عليه السلام):

أ ـ عن الخيراني عن أبيه انه قال: كنت الزم باب أبي جعفر (عليه السلام) للخدمة التي وُكّلت بها، وكان احمد بن محمد بن عيسي الاشعري يجيء في السحر من آخر كل ليلة ليتعرف خبر علّة أبي جعفر (عليه السلام)، وكان الرسول الذي يختلف بين أبي جعفر وبين الخيراني إذا حضر قام أحمد وخلا به.



[ صفحه 192]



قال الخيراني: فخرج ذات ليلة وقام أحمد بن محمد بن عيسي عن المجلس، وخلا بي الرسول، واستدار احمد فوقف حيث يسمع الكلام، فقال الرسول: ان مولاك يقرأ عليك السلام، ويقول لك: «اني ماض، والأمر صائر الي ابني علي، وله عليكم بعدي ما كان لي عليكم بعد أبي».

ثم مضي الرسول ورجع احمد الي موضعه، فقال لي: ما الذي قال لك؟ قلتُ: خيراً، قد سمعتُ ما قال، وأعادَ عليّ ما سمع، فقلتُ له: قد حرّم الله عليك ما فعلتَ، لان الله تعالي يقول: (ولا تجسّسوا) [1] ، فاذا سمعت فاحفظ الشهادة لعلّنا نحتاج اليها يوماً ما، واياك ان تظهرها الي وقتها.

قال: واصبحتُ وكتبتُ نسخة الرسالة في عشر رقاع، وختمتها ودفعتها الي عشرة من وجوه أصحابنا، وقلتُ: إن حدث بي حدثُ الموت قبل ان اطالبكم بها فافتحوها واعملوا بما فيها.

فلمّا مضي أبو جعفر (عليه السلام) لم اخرج من منزلي حتي عرفتُ أن رؤساء العصابة قد اجتمعوا عند محمد بن الفرج [2] يتفاوضون في الأمر. وكتب اليّ محمد ابن الفرج يُعلِمُني باجتماعهم عنده ويقول: لولا مخافةُ الشهرة لصرتُ معهم اليك، فاُحِبّ أنْ تركب اليّ. فركبتُ وصرتُ اليه، فوجدتُ القومَ مجتمعين عنده، فتجارينا في الباب، فوجدت اكثرهم قد شكّوا، فقلتُ لمن عنده الرقاع ـ وهم حضور ـ: أخرجوا تلك الرقاع، فأخرجوها، فقلت لهم: هذا ما امرتُ به.

فقال بعضهم: قد كنّا نحبّ ان يكون معك في هذا الأمر آخر ليتأكّد القول.

فقلتُ لهم: قد أتاكم الله بما تحبّون، هذا أبو جعفر الاشعري يشهد لي



[ صفحه 193]



بسماع هذه الرسالة فاسألوه، فسأله القوم فتوقّف عن الشهادة، فدعوته الي المباهلة، فخاف منها، وقال: قد سمعتُ ذلك، وهي مكرمةٌ كنتُ اُحبُّ ان تكون لرجل من العرب، فأما مع المباهلة فلا طريق الي كتمان الشهادة، فلم يبرح القوم حتي سلّموا لأبي الحسن (عليه السلام) [3] .

ب ـ عن اسماعيل بن مهران، قال: «لمّا خرج أبو جعفر(عليه السلام) من المدينة الي بغداد في الدفعة الاُولي من خرجتيه، قلت له عند خروجه: جُعلت فداك إنّي أخاف عليك في هذا الوجه، فإلي من الأمر بعدك؟ فكرّ بوجهه اليّ ضاحكاً وقال: ليس الغيبة حيث ظننتَ في هذه السنة، فلمّا اُخرج به الثانية الي المعتصم صرت اليه، فقلتُ له: جُعلت فداك أنت خارج، فإلي من هذا الأمر من بعدك؟ فبكي حتي اخضلّت لحيته، ثم التفت اليّ، فقال: عند هذه يُخاف عليّ، الأمرُ من بعدي إلي ابني علي» [4] .

ج ـ عن محمد بن الحسين الواسطي انه سمع احمد بن أبي خالد مولي أبي جعفر يحكي انه اشهده علي هذه الوصية المنسوخة:

«شهد أحمد بن أبي خالد مولي أبي جعفر أن أبا جعفر محمد بن علي بن موسي بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام) أشهده أنه أوصي الي علي ابنه بنفسه وإخوانه وجعل أمر موسي [5] إذا بلغ إليه وجعل عبد الله بن المساور قائماً علي تركته من الضياع والاموال والنفقات والرقيق وغير ذلك إلي أن يبلغ علي بن محمد، صيّر عبد الله بن المساور ذلك اليوم اليه، يقوم بأمر نفسه، وإخوانه ويصيّر أمر موسي اليه، يقوم لنفسه بعدهما علي شرط أبيهما



[ صفحه 194]



في صدقاته التي تصدق بها وذلك يوم الاحد لثلاث ليال خلون من ذي الحجة سنة عشرين ومائتين وكتب أحمد بن أبي خالد شهادته بخطّه وشهد الحسن بن محمد ابن عبد الله بن الحسن بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام) وهو الجوّاني علي مثل شهادة أحمد بن أبي خالد في صدر هذا الكتاب وكتب شهادته بيده وشهد نصر الخادم وكتب شهادته بيده» [6] .

قال الطبرسي بعد نقل هذه النصوص الثلاثة: والأخبار في هذا الباب كثيرة، وفي إجماع العصابة علي إمامته وعدم من يدّعي فيه إمامة غيره غناء عن إيراد الأخبار في ذلك، هذا وضرورة أئمتنا (عليهم السلام) في هذه الأزمنة في خوفهم من أعدائهم وتقيّتهم منهم اُحوجت شيعتهم في معرفة نصوصهم علي من بعدهم الي ما ذكرناه من الاستخراج حتي أنّ أوكد الوجوه في ذلك عندهم دلائل العقول الموجبة للامامة وما اقترن الي ذلك من حصولها في ولد الحسين (عليه السلام)، وفساد أقوال ذوي النحل الباطلة وبالله التوفيق [7] .


پاورقي

[1] الحجرات (49): 12.

[2] هو محمد بن الفرج الرُخّجي، من أصحاب الرضا والجواد والهادي (عليهم السلام).

[3] الارشاد: 2 / 298 ـ 300.

[4] اُصول الكافي: 1 / 323.

[5] يعني ابنه الملقب بالمبرقع المدفون بقم.

[6] اُصول الكافي: 1 / 261.

[7] إعلام الوري: 339.