بازگشت

ما بعد الوفاة


انطفي كوكب الامامة في سماء العلم و الشرف و العظمة..

فارق الامام الجواد (عليه السلام) الحياة و هو في ريعان شبابه، و غضارة عمره..

انتهت تلك الحياة المشرقة المباركة.

استراح ابن رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) من هذه الحياة الممزوجة بالمكاره و الآلام و تحققت امنية المعتصم و من يدور في فلكه من الحاسدين و الحاقدين، و الجناة المجرمين، الذين كانوا ينزعجون من وجود الامام الجواد، و يعتبرونه المنافس الوحيد الذي يملك القلوب، و تهوي اليه النفوس.

و كيف لا يكون كذلك و هو محاط بهالة القداسة و النزاهة و العصمة و الطهارة؟!

الامام الهادي يخبر عن استشهاد والده

لقد اخبر الامام الهادي (عليه السلام) الناس - و هو في المدينة المنورة - عن استشهاد والده الامام الجواد (عليه السلام) و وفاته في بغداد.



[ صفحه 404]



يقول هارون بن الفضل: رأيت اباالحسن [الهادي] (عليه السلام) في اليوم الذي توفي فيه ابوجعفر (عليه السلام) فقال: انا لله و انا اليه راجعون، مضي ابوجعفر.

فقيل له: و كيف عرفت ذلك؟

قال: تداخلني ذلة لله، لم اكن اعرفها [1] .

و عن رجل كان اخا للامام الجواد من الرضاعة، ان الامام الهادي (عليه السلام) كان جالسا بين جماعة اذ بكي بكاءا شديدا، ثم دخل المنزل فارتفع الصياح و البكاء من المنزل، ثم خرج فسألوه عن البكاء؟

قال: ان ابي قد توفي الساعة.

فقيل له: بما علمت؟

قال: قد دخلني من اجلال الله ما لم اكن اعرفه قبل ذلك، فعلمت انه قد مضي.

قال الراوي: فتعرفنا ذلك الوقت من اليوم و الشهر [2] فاذا هو مضي في ذلك الوقت. [3] .

و عن الحسن بن علي الوشا قال:

جاء المولي ابوالحسن علي [الهادي] بن محمد (عليهماالسلام) مذعورا حتي جلس في حجر أم موسي: عمة ابيه، فقالت، مالك؟

فقال لها: مات ابي الساعة.



[ صفحه 405]



فقالت: لا تقل هذا.

فقال: هو - والله - كما اقول لك.

فكتب الوقت و اليوم، فجاء - بعد ايام - خبر وفاته (عليه السلام) و كان كما قال. [4] .

و يقتضي - هنا - ان نتحدث عن علم الامام - بصورة عامة - و حيث انه يتطلب الشرح و التفصيل لذلك نرجي ء البحث الي كتاب (الامام الهادي من المهد الي اللحد) انشاءالله تعالي.

الامام لا يصلي عليه الامام

و مما ثبت عند الشيعة، و صار جزءا من معتقداتهم - علي ضوء الأحاديث الشريفة - هو: ان الامام [المعصوم] لا يعسله الا الامام، و لا يصلي عليه الا الامام.

و قد ذكرنا بعض ما يتعلق بهذا الموضوع في كل من كتاب (فاطمةالزهراء من المهد الي اللحد) و (الامام المهدي من المهد الي الظهور).

و لما فارق الامام الجواد (عليه السلام) الحياة قام ولده الامام علي الهادي (عليه السلام) بتغسيله و تكفينه و الصلاة عليه.

و السؤال: كيف تحقق ذلك، و الامام الهادي كان - يومذاك - في المدينة المنورة، و الامام الجواد قضي نحبه في بغداد، و بين البلدتين اكثر من الفي كيلومتر؟



[ صفحه 406]



الجواب: ان الله تعالي منح اولياءه قدرة المعجزة و خرق العادة، و قد مر عليك - في حرف العين، في ترجمة علي بن خالد - بحث حول طي الأرض، و أن الامام الجواد (عليه السلام) استخدم هذه القدرة، فقطع المسافات الطويلة - من الشام الي الكوفة ثم الي المدينة المنورة ثم الي مكة المكرمة ثم عاد الي الشام - كل ذلك في ليلة واحدة.

كما ذكرنا - في حرف العين ايضا عند ترجمة عبدالسلام بن صالح الهروي - ان الامام الجواد (عليه السلام) حضرت من المدينة المنورة الي خراسان عند وفاة والده الامام الرضا عليه السلام و ذلك عن طريق طي الارض و لما سأله الهروي عن كيفية دخوله الدار و الأبواب مغلقة، قال (عليه السلام): الذي جاء بي من المدينة في هذا الوقت هو الذي ادخلني الدار و الباب مغلق..).

و نفس هذه القدرة متاحة للامام الهادي (عليه السلام) فلا شك انه حضر في بغداد عن طريق طي الأرض، و غسل اباه، و صلي عليه في جو من الكتمان و الاستتار، ثم عاد الي المدينة المنورة.

و ذكر المسعودي - في كتاب مروج الذهب - ان الواثق بن المعتصم العباسي هو الذي صلي علي جنازة الامام الجواد (عليه السلام) فان صح هذا القول فانما هو علي الظاهر، أي ان الامام الهادي (عليه السلام) هو الذي تولي تغسيل ابيه و الصلاة عليه، من دون ان يعرف به احد، و في كتمان شديد، ولكن الواثق العباسي صلي علي جنازة الامام بمرأي من الناس.

هذا اولا.

و ثانيا: ان صلاة الواثق العباسي علي جنازة الامام انما كانت لتغطية



[ صفحه 407]



الجريمة، فالكثير من الحكومات تقوم باغتيال الشخصيات سرا، ثم تقيم العزاء و تعلن الحداد عليها جهرا، كل ذلك محاولة لتغطية الجريمة و التبري منها، و هكذا العباسيون، و منهم المعتصم تراه يأمر بدس السم الي الامام الجواد (عليه السلام) ثم يأمر ابنه الواثق ليصلي علي جنازة الامام، و يحاول - بهذا - ان يدفع عن نفسه تهمة اغتيال الامام (عليه السلام)!!

و في كتاب (الامام الصادق و المذاهب الأربعة).

... حاول المعتصم أن يدفن الامام سرا، و لا يسمح لأحد في تشييع جنازته، ولكن الشيعة خرجوا بذلك الموكب المهيب، الذي يربو عددهم علي اثني عشر ألفا، و السيوف علي عواتقهم، فشيعوا جنازة الامام (عليه السلام) رغم معارضة السلطة. [5] .



[ صفحه 408]




پاورقي

[1] بصائر الدرجات.

[2] اي: ضبطنا الوقت و سجلناه.

[3] بصائر الدرجات. نقلناه ملخصا من تصرف يسير.

[4] عيون المعجزات.

[5] ج 1 / 226.