وفاته و شهادته
من الواضح الذي لا شك فيه ان الامام الجواد (عليه السلام) ما مات حتف أنفه، و لم يذكر احد من المؤرخين أن الامام اصيب بمرض او داء عضال أودي بحياته، بل من الصحيح ان نقول: بأن المؤرخين و المحدثين - الا النادر - قد اتفقت كلمتهم علي ان الامام الجواد قضي نحبه مسموما.
و قد اختلفت كلماتهم في كيفية دس السم اليه، ولكنهم أجمعوا علي ان المعتصم هو السبب الرئيسي لهذه الجريمة النكراء، و الجناية العظيمة.
و نحن نستعرض الأقوال، ثم ننظر اين ينتهي بنا الكلام:
قد ذكرنا - في حرف الميم، في ترجمة محمد بن الحسين بن ابي الخطاب - قصة السارق الذي اختلف فقهاء البلاط العباسي في قطع يده، و دخل ابن ابي داؤد علي المعتصم ينصحه، و يلومه علي الأخذ بقول الامام الجواد، و ترك اقوال الفقهاء. و هنا نذكر بقية الحديث:
قال: فأمر [المعتصم] اليوم الرابع، فلانا [من كتاب وزرائه] بأن يدعوه [اي يدعو الامام الجواد] الي منزله، فدعاه، فأبي أن يجيبه، و قال: قد علمت أني لا احضر مجالسكم!
[ صفحه 400]
فقال: اني انما ادعوك الي الطعام، و أحب أن تطأ ثيابي [1] ، و تدخل منزلي فأتبرك بذلك، فقد أحب فلان بن فلان (من وزراء المعتصم) لقاءك
فسار اليه، فلما طعم منه أحس السم، فدعا بدابته، فسأله رب المنزل أن يقيم، قال: خروجي من دارك خير لك.
فلم يزل يومه ذلك و ليله في خلقة [2] حتي قبض (عليه السلام) [3] .
و في (المناقب): لما بويع المعتصم جعل يتفقد أحواله [اي احوال الامام الجواد] فكتب الي عبدالملك الزيات أن ينفذ اليه التقي [الامام الجواد] و أم الفضل.
فأنفذ الزيات علي بن يقطين اليه، فتجهز، و خرج الي بغداد، فأكرمه و عظمه، و انفذ (المعتصم) اشناس [4] بالتحف اليه و الي أم الفضل.
ثم أنفذ شراب حماض الاترج [5] تحت ختمه علي يدي اشناس فقال [اشناس]: ان أميرالمؤمنين (اي المعتصم) ذاقه قبل أحمد بن ابي داؤد، و سعيد بن الخضيب، و جماعة من المعروفين، و يأمرك ان تشرب منها بماء الثلج، و صنع بالحال.
[ صفحه 401]
و قال [الامام] أشربها بالليل.
قال [اشناس]: انها تنفع باردا، و قد ذاب الثلج.
و أصر علي ذلك، فشربها..).
و في (عيون المعجزات).. ثم ان المعتصم جعل يعمل الحيلة في قتل ابي جعفر (الجواد) عليه السلام، و أشار علي ابنة المأمون: زوجته [اي زوجة الامام] بأن تسمه، لأنه وقف [6] علي انحرافها عن ابي جعفر (عليه السلام) و شدة غيرتها عليه، لتفضيله أم ابي الحسن (الهادي) عليها، و لأنه لم يرزق منها [7] ولدا؛
فأجابته الي ذلك، و جعلت سما في عنب رازقي، و وضعته بين يديه فلما أكل منه ندمت، و جعلت تبكي!!
فقال (الامام): ما بكاؤك؟ والله ليضربنك الله بعقر [8] لا ينجبر، و بلاء لا ينستر.
فماتت بعلة في أغمض المواضع من جوارحها، صارت ناصورا [9] ، فأنفقت مالها، و جميع ما ملكته علي تلك العلة، حتي احتاجت الي الاسترفاد. [10] .
و هناك قول آخر في كيفية دس السم الي الامام الجواد من ناحية زوجته أم الفضل، و لا داعي لذكره.
[ صفحه 402]
و قد ذكرنا - في اوائل الكتاب، عند التحدث عن والدة الامام الجواد (عليه السلام) - كلام الامام الرضا (عليه السلام) لرجل من أصحابه - و هو كليم بن عمران -: قد ولد لي شبيه موسي بن عمران... ثم قال الرضا (عليه السلام): يقتل غصبا، فيبكي له و عليه أهل السماء، و يغضب الله تعالي علي عدوه و ظالمه، فلا يلبث الا يسيرا، حتي يعجل الله به الي عذابه الأليم، و عقابه الشديد..).
و اختلفت الأقوال في تاريخ وفاته، و المشهور أنه (عليه السلام) توفي في آخر ذي القعدة سنة مائتين و عشرين من الهجرة و عمره خمسة و عشرون سنة، و أشهر و أيام.
[ صفحه 403]
پاورقي
[1] تطأ ثيابي: اي تضع قدمك علي فراشي حتي أتبرك بذلك!!.
[2] الخلفة: الهيضة و الاسهال علي أثر التسمم.
[3] تفسير العياشي ج 1 / 319.
[4] اشناس: قائد تركي من قواد المعتصم العباسي.
[5] حماض - علي وزن رمان - نبت حامض، له ورد أحمر، و يقال له - بالفارسية -. ريواس. و هو علي أقسام، و قسم يقال له: حماض الاترج. (لغت نامه دهخدا).
[6] وقف: علم و اطلع.
[7] اي من ام الفضل.
[8] العقر: الجرح.
[9] الناصور - او: الناسور - علة او قرحة في اسافل البدن.
[10] الاسترفاد: الاستعطاء.