الكلمات القصار للامام الجواد
توجد في مطاوي موسوعات الأحاديث كلمات قصار للنبي (صلي الله عليه و آله و سلم) و الأئمة الطاهرين (عليهم السلام) في المواعظ و النصائح، بل و في الأحكام الشرعية ايضا، و هذه الكلمات القيمة قليلة الألفاظ، كثيرة المعاني، غزيرة الفوائد و المنافع، و كأنها عصارة و خلاصة كلمات كثيرة، و مواضيع مفصلة، قد يصعب حفظها، و لا يسهل الاحتفاظ بها عن الزيادة و النقصان، ولكنها اذا لخصت في كلمات قليلة، و ألفاظ موجزه كان من السهل حفظها.
و للامام الجواد (عليه السلام) كلمات قصار، و لا يطاوعني القلم أن اقول عنها: انها كلمات ذهبية.
اذ ما قيمة الذهب أمام هذه الكلمات الصادرة من منابع المعرفة، و ينابيع الحكمة، و مهابط الوحي؟!
و اليك شيئا من تلك الكلمات.. فما يلي:
في كتاب (الدرة الباهرة) للشهيد الأول:
قال الامام الجواد (عليه السلام):
1- من أطاع هواه أعطي عدوه مناه.
[ صفحه 383]
2- راكب الشهوات لا تستقال له عثرة.
3- كيف يضيع من الله كافله؟! كيف ينجو من الله طالبه؟!
4- من انقطع الي غير الله وكله الله اليه. (أي الي الغير).
5- من عمل علي غير علم كان ما أفسد أكثر مما يصلح.
6- القصد الي الله تعالي بالقلوب أبلغ من اتعاب الجوارح بالأعمال.
7- من هجر المداراة قاربه المكروه.
8- من لم يعرف الموارد أعيته المصادر.
9- من انقاد الي الطمأنينة قبل الخبرة فقد عرض نفسه للهلكة، و العاقبة المتعبة.
10- الثقة بالله ثمن لكل غال، و سلم الي كل عال.
11- اياك و مصاحبة الشرير، فانه كالسيف المسلول يحسن منظره، و يقبح أثره.
12- اذا نزل القضاء ضاق الفضاء.
13- كفي بالمرء خيانة أن يكون أمينا للخونة.
14- عز المؤمن غناه عن الناس.
15- نعمة لا تشكر كسيئة لا تغفر.
16- لا يضرك سخط من رضاه الجور.
17- من لم يرض من أخيه بحسن النية لم يرض بالعطية.
[ صفحه 384]
و في كتاب نزهة الخاطر عنه: (عليه السلام):
18- من استغني كرم علي أهله.
فقيل له: و علي غير أهله.
فقال: لا، الا أن يكون يجدي عليهم نفعا.
ثم قال (عليه السلام) - للذي قال له [ذلك] -: من أين قلت؟ [1] .
قال (الرجل): ان رجلا قال - في مجلس بعض الصادقين -: ان الناس يكرمون الغني و ان كانوا لا ينتفعون بغناه.
فقال (الامام): لأن معشوقهم [و هو المال] عنده.
19- قد عاداك من ستر عنك الرشد اتباعا لما تهواه.
20- من عتب من غير ارتياب، اعتب من غير استعتاب.
21- الحوائج تطلب بالرجاء، و هي تنزل بالقضاء، و العافية أحسن عطاء.
22- لا تعادين أحدا حتي تعرف الذي بينه و بين الله تعالي، فان كان محسنا لم يسلمه اليك، فلا تعاده، و ان كان مسيئا فان عملك به يكفيكه، فلا تعاده.
23- لا تكن وليا لله في العلانية، عدوا له في السر.
24- التحفظ علي قدر الخوف، و الطمع علي قدر السبيل.
[ صفحه 385]
25- سوء العادة كمين لا يؤمن، و أحسن من العجب بالقول أن لا يقول.
26- الأيام تهتك لك الأسرار الكامنة.
27- ما شكر الله أحد علي نعمة أنعمها عليه الا استوجب بذلك المزيد، قبل أن يظهر علي لسانه.
28- تعز عن الشي ء - ان منعته - بقلة صحبته اذا اعطيته.
و في كتاب (تحف العقول):
قال له رجل: أوصني.
قال (عليه السلام): و تقبل؟
قال: نعم.
29- قال: توسد الصبر، و اعتنق الفقر، و ارفض الشهوات، و خالف الهوي، و اعلم أنك لن تخلو من عين الله، فانظر كيف تكون؟!
30- و قال (عليه السلام): أوحي الله الي بعض الأنبياء:
«أما زهدك في الدنيا فتعجلك الراحة، و أما انقطاعك الي فيعززك بي، ولكن هل عاديت لي عدوا، و واليت لي وليا؟»
31- و قال (عليه السلام): تأخير التوبة اغترار، و طول التسويف حيرة، و الاعتلال [2] علي الله هلكة، و الاصرار علي الذنب أمن لمكر الله (و لا يأمن مكر الله الا القوم الخاسرون).
32- و قال (عليه السلام): كانت مبايعة رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم)
[ صفحه 386]
النساء: أن يغمس يده في اناء فيه ماء، ثم يخرجها، و تغمس النساء بأيديهن في ذلك الاناء بالاقرار و الايمان بالله، و التصديق برسوله علي ما أخذ عليهن.
33- و قال (عليه السلام): اظهار الشي ء قبل أن يستحكم مفسدة له.
34- و قال (عليه السلام): المؤمن يحتاج الي ثلاث خصال:
توفيق من الله، و واعظ من نفسه، و قبول ممن ينصحه.
و في كتاب (كشف الغمة):
35- قال (عليه السلام): أربع خصال تعين المرء علي العمل:
الصحة، و الغني، و العلم، و التوفيق.
36- و قال: ان لله عبادا يخصهم بالنعم، و يقرها فيهم ما بذلوها، فاذا منعوها نزعها عنهم، و حولها الي غيرهم.
37- و قال: ما عظمت نعمة الله علي عبده الا عظمت عليه مؤونة الناس، فمن لم يحتمل المؤونة فقد عرض النعمة للزوال.
38- و قال: أهل المعروف الي اصطناعه أحوج من أهل الحاجة اليه (أي الي المعروف) لأن لهم أجره، و فخره، و ذكره، فمهما اصطنع الرجل من معروف فانما يبدأ فيه بنفسه، فلا يطلبن - شكر ما صنع الي نفسه - من غيره.
39- و قال: من أمل انسانا فقد هابه، و من جهل شيئا عابه، و الفرصة خلسة، و من كثر همه سقم جسده، و المؤمن لا يشتفي غيظه، و عنوان صحيفة المؤمن حسن خلقه.
40- و قال - في موضع آخر -: عنوان صحيفة العسيد حسن الثناء عليه.
[ صفحه 387]
41- و قال: من استغني بالله افتقر الناس اليه، و من اتقي الله أحبه الناس و ان كرهوا.
42- و قال: عليكم بطلب العلم، فان طلبه فريضة، و البحث عنه نافلة، و هو صلة بين الاخوان، و دليل علي المروة، و تحفة في المجالس، و صاحب في السفر، و أنس في الغربة.
43- و قال: العلم علمان: مطبوع و مسموع، و لا ينفع مسموع اذا لم يكن مطبوع، و من عرف الحكمة لم يصبر علي الازياد منها، الجمال في اللسان، و الكمال في العقل.
44- و قال (عليه السلام): العفاف زينة الفقر، و الشكر زينة الغني، و الصبر زينة البلاء، و التواضع زينة الحسب، و الفصاحة زينة الكلام، و العدل زينة الايمان، و الكسينة زينة العبادة، و الحفظ زينة الرواية، و خفض الجناح زينة العلم، و حسن الأدب زينة العقل، و بسط الوجه زينة الحلم، و الايثار زينة الزهد، و بذلك الجهود زينة النفس، و كثرة البكاء زينة الخوف، و التقلل زينة القناعة، و ترك المن زينة المعروف، و الخشوع زينة الصلاة، و ترك ما لا يعني زينة الورع.
45- و قال (عليه السلام) حسب الانسان من كمال المروءة تركه مالا يجمل به.
و من حيائه: أن لا يلقي احدا بما يكره.
و من عقله: حسن رفقه.
و من أدبه: أن لا يترك ما لابد له منه.
و من عرفانه: علمه بزمانه.
و من ورعه: غض بصره، و عفة بطنه.
[ صفحه 388]
و من حسن خلقه: كفه أذاه.
و من سخائه: بره بمن يجب حقه عليه، و اخراجه حق الله من ماله.
و من اسلامه: تركه ما لا يعنيه، و تجنبه الجدال و المراء في دينه.
و من كرمه: ايثاره علي نفسه.
و من صبره: قلة شكواه.
و من عقله: انصافه من نفسه.
و من حلمه: تركه الغضب عند مخالفته.
و من انصافه: قبوله الحق اذا بان له.
و من نصحه: نهيه عما لا يرضاه لنفسه.
و من حفظه جوارك: تركه توبيخك عند اسائتك، مع علمه بعيوبك.
و من رفقه: تركه عذلك (اي ملامتك) عند غضبك، بحضرة من تكره.
و من حسن صحبته لك: اسقاطه عنك مؤونة اذاك.
و من صداقته: كثرة موافقته، و قلة مخالفته.
و من صلاحه: شدة خوفه من ذنوبه.
و من شكره: معرفة احسان من أحسن اليه.
و من تواضعه: معرفته بقدره.
و من حكمته: علمه بنفسه.
و من سلامته: قلة حفظه لعيوب غيره، و عنايته باصلاح عيوبه.
[ صفحه 389]
46- و قال (عليه السلام): لن يستكمل العبد حقيقة الايمان حتي يؤثر دينه علي شهوته، و لن يهلك حتي يؤثر شهوته علي دينه.
47- و قال (عليه السلام): الفضائل أربعة أجناس:
أحدها: الحكمة، و قوامها في الفكر.
و الثاني: العفة، و قوامها في الشهوة.
و الثالث: القوة: و قوامها في الغضب.
و الرابع: العدل، و قوامها في اعتدال قوي النفس.
48- و قال (عليه السلام): العامل بالظلم، و المعين له، و الراضي به شركاء.
49- و قال: يوم العدل علي الظالم أشد من يوم الجور علي المظلوم.
50- و قال: أقصد [3] العلماء للمحجة: الممسك عند الشبهة.
51- و الجدل يورث الرياء.
52- و من أخطأ وجوه المطالب خذلته الحيل.
53- و الطامع في وثاق الذل.
54- و من أحب البقاء فليعد للبلاء قلبا صبورا.
55- و عنه (عليه السلام) عن أميرالمؤمنين (عليه السلام) انه قال:
من وثق بالله أراه السرور.
و من توكل عليه كفاه الأمور.
[ صفحه 390]
و الثقة بالله حصن لا يتحصن فيه الا مؤمن أمين.
و التوكل علي الله: نجاة من كل سوء، و حرز من كل عدو.
و الدين عز، و العلم كنز، و الصمت نور، و غاية الزهد: الورع.
و لا هدم للدين مثل البدع، و لا أفسد للرجال من الطمع.
و بالراعي تصلح الرعية، و بالدعاء تصرف البلية.
و من ركب مركب الصبر اهتدي الي مضمار الصبر.
و من عاب عيب، و من شتم أجيب.
و من غرس أشجار التقي اجتني ثمار المني.
56- و قال (عليه السلام): العلماء غرباء لكثرة الجهال بينهم.
57- و قال الصبر علي المصيبة مصيبة علي الشامت بها.
58- و قال: التوبة علي أربع دعائم: ندم في القلب، و استغفار باللسان، و عمل بالجوارح، و عزم علي ان لا يعود.
59- و ثلاث من عمل الأبرار: اقامة الفرائض، و اجتناب المحارم، و احتراس من الغفلة في الدين.
60- و ثلاث يبلغن بالعبد رضوان الله: كثرة الاستغفار، و خفض الجانب، و كثرة الصدقة.
61- و أربع من كن فيه استكمل الايمان: من أعطي لله، و منع في الله، و أحب لله، و أبغض فيه.
62- و ثلاث من كن فيه لم يندم: ترك العجلة، و المشورة، و المتوكل - عند العزم - علي الله عزوجل.
[ صفحه 391]
63- و قال: لو سكت الجاهل ما اختلف الناس.
64- و قال: مقتل الرجل بين لحييه، و الرأي مع الأناة، و بئس الظهير: الرأي الفطير. [4] .
65- و قال: ثلاث خصال تجتلب بهن المحبة: الانصاف في المعاصرة، و المواساة في الشدة، و الانطواء [5] و الرجوع الي قلب سليم.
66- و قال: فساد الأخلاق بمعاشرة السفهاء، و صلاح الأخلاق بمنافسة العقلاء، و الخلق أشكال، فكل يعمل علي شاكلته.
67- و الناس اخوان، فمن كانت أخوته في غير ذات الله فانها تحوز عداوة، و ذلك قوله تعالي: (الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو الا المتقين).
68- و قال: من استحسن قبيحا كان شريكا فيه.
69- و قال: كفر النعمة. داعية المقت، و من جازاك بالشكر فقد أعطاك أكثر مما اخذ منك.
70- و قال (عليه السلام): لا يفيدك الظن علي صديق، و قد أصلحك اليقين له. و من وعظ أخاه سرا فقد زانه، و من وعظ علانية فقد شانه.
71- استصلاح الأخيار باكرامهم، و الاشرار، بتأديبهم.
72- و المودة: قرابة مستفادة.
73- و كفي بالأجل حرزا.
[ صفحه 392]
74- و لا يزال العقل و الحمق يتغالبان علي الرجل الي ثمانية عشر سنة، فاذا بلغها غلب عليه أكثرهما فيه:
75- و ما أنعم الله علي عبد نعمة فعلم أنها من الله الا كتب الله (جل اسمه) له شكرها قبل ان يحمده عليها.
و لا أذنب ذنبا فعلم أن الله مطلع عليه - ان شاء عذبه، و ان شاء غفر له - الا غفر الله له قبل أن يستغفره.
76- و قال (عليه السلام): الشريف كل الشريف من شرفه علمه؛
و السؤدد حق السؤدد لمن اتقي الله ربه.
و الكريم [6] من اكرم عن ذل النار وجهه.
77- و قال: من أمل فاجرا كان أدني عقوبته الحرمان.
78- و قال: اثنان عليلان أبدا: صحيح محتمي، و عليل مخلط.
79- موت الانسان بالذنوب أكثر من موته بالأجل.
و حياته بالبر أكثر من حياته بالعمر.
80- و قال (عليه السلام): لا تعالجلوا الأمر قبل بلوغه فتندموا، و لا يطولن عليكم الأمد، فتقسو قلوبكم، و ارحموا ضعفاءكم، و اطلبوا الرحمة من الله بالرحمة لهم.
اقول: بالله عليك انظر الي هذه الكلمات نظرة تأمل و تدبر، و لا تنس بأنها صادرة من شاب في ريعان شبابه، و من امام لم يتخرج من مدرسة أو كلية سوي كلية الوحي و الامامة، و لم يتلق علومه من أي معلم
[ صفحه 393]
أو أستاذ سوي الله تعالي الذي يقذف ما يشاء من العلوم في قلب من يشاء.
و لا أدعي ان هذه الكلمات القصار هي جميع ما صدر من الامام الجواد (عليه السلام) و ما يدريك؟ فلعل الذي لم تسجله الكتب، و لم تحفظه القلوب أكثر مما وصل الينا.
ثم ان هذه الكلمات الطافحة بالحكمة و المعرفة توقظ القلوب، و تنضج الأفكار، و تجعل الانسان بصيرا بالحياة و بالمجتمع، و تكون أقوي العلاقات و الروابط بين العبد و خالقه، و تسوق الانسان الي الأخلاق الفاضلة، و الصفات الحميدة.
و كأنها حصيلة تجارب حكيم عاش مئات السنين، و عرف الحياة، حلوها و مرها، اطلع علي المجتمعات البشرية: أخيارهم و أشرارهم، و عرف عواقب الامور، و نتائج الأعمال بكافة انواعها و أقسامها.
و لعمري: ان هذه الكلمات تحتاج الي شرح واف، و الي كتاب مستقل، و تأليف خاص، لأنها تعالج مشاكل الحياة، مشاكل الفرد و المجتمع، و تصلح كل ما افسده اتباع الهوي و الانحرافات.
و قبل ان أختم هذه البحث يجب ان لا ننسي ان هذه الكلمات - التي لا يمكن تثمينها - هي بعض العطاء الفكري الذي اسداه الامام الجواد (عليه السلام) الي البشرية، بالرغم من قصر عمره المبارك و قلة الامكانات، بسبب الظروف العصيبة التي عاشها، و الضغط و الكبت الذي كان لا يفارق حياته.
اذن: فما تقول لو كان الامام الجواد (عليه السلام) يعيش عشرات السنين مع توفر الوسائل و عدم وجود الموانع و الحواجز، و فسح المجال أمامه؟!
[ صفحه 394]
من الواضح انه كان يفيض علي الناس المزيد من انتاجاته و انجازاته، من علوم و خطوات اصلاحية في جميع مرافق الحياة.
اذن.. لكانت الدنيا مملوءة بالخيرات و البركات، و لكانت السعادة تغمر كافة الطبقات، و جميع المجتمعات.
ولكن الامام الجواد (عليه السلام) كان - كآبائه الطاهرين (عليهم السلام) - مسلوب الامكانات، ممنوعا عن التصرفات، بسبب تمجيد مواهبه، و خنق طاقاته، و تطويق عظمته.
و بعبارة أخري: ان اللوم و المسؤولية علي اولئك الذين تفرقوا عن آل رسول الله (عليهم السلام) و التفوا حول اعدائهم و مناوئيهم، و انقادوا لهم - بجيمع معني الكلمة - و صاروا أدوات طيعة، و وسائل مذللة.
و هكذا تقوي الباطل و أهله، و ضعف الحق و أهله!
[ صفحه 395]
پاورقي
[1] اي: قال الامام للرجل: كيف قلت: و علي غير اهله؟.
[2] الاعتلال: ابداء الحجة او الاعتذار بأعذار غير صحيحة.
[3] أقصد أي: أكثر قصدا، و القصد - هنا -: الاعتدال.
[4] الفطير: كل ما اعجل عن ادراكه، و غير الناضج.
[5] الانطواء: الاحتواء علي شي ء، و معناه هنا انطواء القلب علي المحبة.
[6] لعل الصحيح: الكريم كل الكريم.