بازگشت

حكيمة بنت الامام الرضا


روي محمد بن ابراهيم الجعفري، عن حكيمة بنت الرضا (عليهماالسلام) قالت: لما توفي اخي محمد ابن الرضا (عليهماالسلام) صرت يوما الي امرأته أم الفضل، بسبب احتجت اليها فيه.

قالت: فبينما نحن نتذاكر فضل محمد (عليه السلام) و كرمه، و ما اعطاه الله تعالي من العلم و الحكمة، اذ قالت امرأته أم الفضل: يا حكيمة اخبرك عن ابي جعفر ابن الرضا بأعجوبة لم يسمع احد بمثلها.



[ صفحه 368]



قلت: و ما ذاك؟

قالت: انه كان ربما اغارني [1] مرة بجارية و مرة بتزويج، فكنت اشكوه الي المأمون، فيقول: يا بنية احتملي فانه ابن رسول الله.

فبينما أنا ذات ليلة جالسة اذ اتت امرأة فقلت: من أنت؟ - و كأنها قضيب بان، أو غصن خيزران - [2] .

قالت: أنا زوجة لأبي جعفر.

قلت: من ابوجعفر؟

قالت: محمد ابن الرضا، و أنا امرأة من ولد عمار بن ياسر.

فدخل علي من الغيرة ما لم املك نفسي، فنهضت من ساعتي و صرت الي المأمون، و قد كان ثملا من الشراب [3] و قد مضي من الليل ساعات، فأخبرته بحالي، و قلت له: انه يشتمني و يشتمك و يشتم العباس و ولده، و قلت ما لم يكن قاله [الامام] فغاظه ذلك مني جدا، و لم يملك نفسه من السكر، و قام مسرعا و ضرب بيده الي سيفه و حلف أنه يقطعه بهذا السيف، ما بقي في يده. و صار اليه.

قالت [ام الفضل]: فندمت عند ذلك، و قلت - في نفسي -: ما صنعت؟! هلكت و أهلكت؟!

قالت: فعدوت خلفه لأنظر ما يصنع، فدخل اليه و هو نائم،



[ صفحه 369]



فوضع فيه السيف فقطعه قطعة قطعة، ثم وضع سيفه علي حلقه فذبحه، و أنا انظر اليه و ياسر الخادم، و انصرف و هو يزبد مثل الجمل. [4] .

قالت: فلما رأيت ذلك هربت علي وجهي حتي رجعت الي منزل ابي، فبت بليلة لم انم فيها، الي أن أصبحت، فلما اصبحت دخلت اليه و هو يصلي!! و قد افاق من السكر، فقلت له: يا أميرالمؤمنين! هل تعلم ما صنعت الليلة؟

قال: لا والله، فما الذي صنعت ويلك؟

قلت: فانك صرت الي ابن الرضا و هو نائم، فقطعته اربا اربا [5] و ذبحته بسيفك و خرجت من عنده.

قال: يا ويلك ما تقولين؟

قلت: اقول ما فعلت.

فصاح [المأمون]: يا ياسر ما تقول هذه الملعونة.. ويلك؟

قال: صدقت في كل ما قالت.

قال: انا لله و انا اليه راجعون، هلكنا و افتضحنا. ويلك - يا ياسر - بادر اليه و أتني بخبره.

فمضي اليه، ثم عاد مسرعا و قال: يا اميرالمؤمنين! البشري.

قال:و ما وراءك؟



[ صفحه 370]



قال [ياسر]: دخلت عليه [6] فاذا هو قاعد يستاك [7] فبقيت متحيرا في امره، ثم اردت ان انظر الي بدنه، هل فيه شي ء من الأثر، فقلت له: احب ان تهب لي هذا القميص الذي عليك لأتبرك به؟

فنظر (عليه السلام) الي و تبسم، كأنه علم ما اردت بذلك، فقال: اكسوك كسوة فاخرة.

فقلت: لست اريد غير هذا القميص الذي عليك.

فخلعه و كشف لي عن بدنه.. فوالله ما رأيت اثرا.

فخر المأمون ساجدا، و وهب لياسر الف دينار و قال: الحمد لله الذي لم يبتلني بدمه.

ثم قال: يا ياسر أما مجيي ء هذه الملعونة الي و بكاؤها بين يدي فأذكره، و أما مصيري اليه فلست اذكره.

فقال ياسر: والله ما زلت تضربه بالسيف و أنا و هذه ننظر اليك و اليه، فقطعته قطعة قطعة، ثم وضعت سيفك علي حلقه فذبحته، و انت تزبد كما يزبد البعير.

فقال [المأمون]: الحمد لله.

[قالت أم الفضل]: ثم قال لي: والله لئن عدت بعدها الي شكواك مما يجري بينكما لأقتلنك.



[ صفحه 371]



ثم قال لياسر: احمل اليه عشرة آلاف دينار و سله الركوب الي، و ابعث الي الهاشميين و الأشراف و القواد [8] ليركبوا معه الي عندي، و يبدؤا بالدخول اليه و التسليم عليه.

ففعل ياسر ذلك، و صار الجميع بين يديه [عليه السلام] و اذن للجميع، فقال [عليه السلام]: يا ياسر هذا كان العهد بيني و بينه [حتي يهجم علي بالسيف؟! أما علم أن لي ناصرا و حاجزا يحجز بيني و بينه؟!] [9] .

قال: يابن رسول الله ليس هذا وقت العتاب، فوحق محمد و علي ما كان يعقل من أمره شيئا. [10] .

ثم اذن [عليه السلام] للأشراف كلهم بالدخول، الا عبدالله و حمزة ابني الحسن، لأنهما كانا وقعا فيه عند المأمون [11] و سيعا به مرة بعده اخري، ثم قام [عليه السلام] فركب مع الجماعة و صار الي المأمون، فتلقاه و قبل ما بين عينيه، و اقعده علي المقعد في الصدر، و أمر أن يجلس الناس ناحية، و خلا به يعتذر اليه.

فقال ابوجعفر [عليه السلام]: لك عندي نصيحة، فاسمعها مني.



[ صفحه 372]



قال: هاتها.

قال [عليه السلام]: اشير عليك بترك الشراب المسكر.

قال: فداك ابن عمك، قد قبلت نصيحتك. [12] .

اقول لقد قرأت أن المأمون العباسي وضع السيف في الامام الجواد، فقطعه قطعة قطعة، ثم وضع سيفه علي حلق الامام فذبحه...

و يحتمل في هذه الحكاية - بناءا علي صحتها - احتمالان:

الأول: أن المأمون العباسي قطع الامام الجواد (عليه السلام) اربا اربا حقيقة، اي قد تحقق هذا العمل في الخارج، و وقعت هذه الجريمة النكراء من المأمون العباسي ولكن الله تعالي - بقدرته - أفاض علي الامام الجواد العافية بابراء جميع جراحاته كما حدث في قصة ابراهيم الخليل (عليه السلام) قال تعالي:

(و اذ قال ابراهيم رب أرني كيف تحيي الموتي قال أو لم تؤمن قال بلي ولكن ليطمئن قلبي قال فخذ أربعة من الطير فصرهن اليك، ثم اجعل علي كل جبل منهن جزءا ثم ادعهن يأتينك سيعا و اعلم ان الله عزيز حكيم). [13] .

فقد ورد في التفسير أن الله تعالي أمر ابراهيم الخليل (عليه السلام) أن يأخذ أربعة من الطير، مختلفة الأجناس، و هي: الطاووس و الديك، و الحمام و الغراب و أمر أن يقطعها، و يخلط ريشها بدمها، و يفرق أجزاءها علي عشرة جبال.



[ صفحه 373]



ففعل ابراهيم ذلك، ثم دعاهن و قال: «أجبن باذن الله».

فكان ابراهيم ينظر الي الريش يسعي بعضها الي بعض، و كذلك العظام و اللحوم، فكانت تجتمع و يأتلف لحم كل واحد و عظمه الي رأسه، ثم أتيته مشيا علي أرجلهن.

الاحتمال الثاني: أن عملية ضرب المأمون جسد الامام الجواد بالسيف، و تقطيعه اربا اربا لم تحدث و لم تقع في الخارج، بل ان الله تعالي ألقي شبه الامام الجواد (عليه السلام) علي شي ء من الأشياء الموجودة هناك، فظن المأمون أن ذلك الشي ء هو الامام الجواد، فقطعه اربا اربا، كما حدث ذلك في قضية عيسي بن مريم (عليه السلام) فقد قال تعالي: و ما قتلوه و ما صلبوه ولكن شبه لهم و ان الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به من علم الا اتباع الظن. و ما قتلوه يقينا) [14] فقد ألقي الله تعالي شبه عيسي بن مريم علي يهوذا اسخريوطي، او طيطانوس أو انسان آخر (علي اختلاف بين المفسرين) الذي أرسله يهوذ رأس اليهود للبحث عن عيسي بن مريم، فرفع الله عيسي الي السماء، و القي الله شبه وجه عيسي أو شبه جسد عيسي علي طيطانوس، فصلبوه و هو يقول: لست بصاحبكم [عيسي]، أنا الذي دللتكم عليه. ولكنهم لم يصدقوا كلامه لأنهم رأوه شبيه عيسي فصلبوه.

فالله الذي خلق عيسي بن مريم علي صورة من الصور قادر علي أن يجعل ملايين البشر علي صورة عيسي او غير عيسي مما يشاء، و لا يعجزه عن ذلك شي ء.

و لأجل تقريب المعني الي الأذهان نقول:



[ صفحه 374]



من الممكن أن يكون القاء الشبه عن طريق التصرف في الشي ء المرئي، كما حدث ذلك في ذلك الانسان الذي القي الله عليه شبه عيسي بن مريم.

و قد يكون عن طريق التصرف في عين الرائي كما حدث ذلك في قصة سحرة فرعون الذين (سحروا أعين الناس) [15] (فاذا حبالهم و عصيهم يخيل اليه من سحرهم أنها تسعي) فقد جاء في التفسير: (يخيل اليه) اي يخيل الي موسي أو فرعون، و انما قال: (يخيل) لأنها لم تكن تسعي حقيقة، و انما تحركت لأنهم جعلوا الزئبق من تلك الحبال و العصي فلما حميت الشمس طلب الزئبق - بطبيعته - الصعود، فحركت الشمس ذلك، فظن أنها تسعي، اي تسير و تعدوا، مثل سير الحيات.

فاذا كان الانسان المخلوق قادرا علي التصرف في اعين الناس، بحيث يرون الأشياء علي خلاف حقيقتها، فالله تعالي الخالق اقوي و اقدر علي التصرف في اعين الناس، ولكن لا عن طريق السحر و أمثاله، و انما بارادته التي تخضع لها الأشياء. قال سبحانه: (انما امره اذا اراد شيئا ان يقول له «كن» فيكون).

فلا يبعد ان يكون الذي حصل للمأمون - في تلك الليلة التي هجم فيها علي الامام الجواد (عليه السلام) و ضربه بسيفه - كان تصرفا من الله تعالي في عينيه و اعين من كان معه، فكان المأمون يضرب بالسيف شيئا آخر، و يخيل اليه انه يضرب الامام الجواد (عليه السلام).

و هذه الوجوه المحتملة كلها تحليلات مادية لتقريب المعني الي الذهن،



[ صفحه 375]



و أما المعجزة فهي فوق المقاييس الطبيعية و المادية، و لا يمكن تحليلها علي ضوء المادة ابدا. و لا شك ان الامام الجواد (عليه السلام) رد كيد المأمون عن طريق المعجزة التي مكنه الله منها، يستخدمها متي شاء.


پاورقي

[1] أغارني: أثار غيرتي بسبب زواجه علي.

[2] القضيب: العود. البان: شجر سبط القوام، لين و ورقه الصفصاف، و يشبه به الانسان لطول قامته و لطافة بدنه. و هكذا الخيزران - بضم الزاء - فهو شجر هندي و له عروق ممتدة في الأرض، يضرب به المثل في اللين و اللطافة.

[3] الثمل: السكران.

[4] الزبد: الرغوة. زبد الجمل: الزغوة تعلو مشافره اذا هاج. فقولها: «يزبد مثل الجمل» اشارة الي غضبه و ظهور الرغوة علي جانبي الفم.

[5] الارب: القطعة.

[6] اي علي الامام الجواد (عليه السلام).

[7] يستاك: ينظف اسنانه بالمسواك.

[8] القواد: جمع قائد.

[9] هذه الزيادة وردت في رواية اخري مذكورة في كتاب مهج الدعوات.

[10] و في الرواية الاخري ان ياسر قال للامام (عليه السلام). يا سيدي يابن رسول الله، دع عنك هذا العتاب و اصفح، والله و حق جدك رسول الله ما كان يعقل شيئا من أمره، و ما علم اين هو من ارض الله..).

[11] وقع فيه: اغتابه و ذكره بسوء.

[12] بحارالأنوار ج 50 ص 69 نقلا عن كتاب الخرائج.

[13] سورة البقرة آية 260.

[14] سورة النساء / 157.

[15] سورة الأعراف / 116.