يحيي بن موسي الصنعاني
في الكافي بسنده عن يحيي الصنعاني قال:
دخلت علي أبي الحسن الرضا (عليه السلام) بمكة، و هو يقشر موزا و يطعم أباجعفر - الجواد - عليه السلام.
فقلت له: جعلت فداك، هذا هو المولود المبارك؟
قال: نعم، يا يحيي هذا المولود الذي لم يولد في الاسلام مثله مولود أعظم بركة علي شيعتنا منه. [1] .
ايضا: عن يحيي بن موسي الصنعاني قال: دخلت علي ابي الحسن الرضا (عليه السلام) بمني و ابوجعفر الثاني علي فخذه و هو يقشر له موزا و يطعمه. [2] .
[ صفحه 355]
أقول: يعتبر هذا الحديث من أعجب الأحاديث الواردة في شأن الامام الجواد (عليه السلام) و من الممكن ان يتبادر الي الذهن ان معني الحديث هو أن الامام الجواد أعظم بركة علي الشيعة من جميع الأئمة الذين كانوا قبله، اولئك الأئمة الذين عمت بركاتهم العباد و البلاد، و بقيت آثار تلك البركات الي اليوم و بعد اليوم، الذين كانوا أعظم شأنا، و أجل قدرا، و أرفع مكانة من الامام الجواد.
ولكن هذا المعني ليس مقصودا من هذا الحديث، و لا بأس ان نضع الحديث علي طاولة التشريح و التحليل، ثم ننظر الي اين ينتهي بنا الكلام؟:
لم يقل الامام الرضا (عليه السلام): «باني هذا لم يولد أعظم بركة علي شيعتنا منه» و انما قال: «هذا المولود الذي لم يولد في الاسلام مثله مولود اعظم بركة علي شيعتنا منه».
و في اصطلاح العلماء الاصوليين: ذكر الوصف مشعر بالعلية.
و معني ذلك ان هذا المولود بسبب ولادته لم يولد مولود في الاسلام اعظم بركة منه.
و تحليله العلمي: ان كلمة: «المولود» - هنا - هو موضوع الحكم، و الحكم ينطبق علي المولود بصفته مولودا.
و بيان ذلك:
لم يحدث في حياة امام من أئمة اهل البيت (عليهم السلام) شي ء يورث الشك - عند بعض الشيعة - في امامة ذلك الامام، ولكن حياة الامام الرضا (عليه السلام) كانت تمتاز بنوع من الخصائص.
فقد ذكرنا - في أوائل هذا الكتاب - ان الامام الرضا (عليه السلام)
[ صفحه 356]
رزقه الله الولد، و هو في سن متأخرة، فقد كان عمره - يوم ولادة ولده الامام الجواد عليه السلام - قد تجاوز خمسة و أربعين سنة، و لم يعهد في حياة بقية الأئمة ان لا يولد لهم الي تلك المرحلة من السن.
و صار هذا سببا لافتراء بعض الواقفية علي الامام الرضا (عليه السلام) بأنه عقيم، و الامام لا يكون عقيما.
و معني كلامهم هو الطعن في امامة الامام الرضا، فتكون النتيجة الطعن في امامة الأئمة الذين كانوا قبله، و قطع خط امامة الأئمة الذين بعده.
لأن الأحاديث الواردة عن رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) حول امامة الأئمة تصرح بأن الأئمة اثنا عشر. لا أقل و لا أكثر، و تسعة منهم من صلب الامام الحسين (عليه السلام).
فاذا نقص عن هذا العدد واحد او زاد واحد، صار تشكيكا أو تكذيبا لكلام رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) و اختلف المقاييس، و انهارت الحقائق، و حصل الشك في الدين، و تضعضعت مفاهيم الاسلام. و لم يبق حجر علي حجر.
و لما ولد الامام الجواد (عليه السلام) صارت ولادته سببا لتكذيب كلام الواقفية و تفنيد اباطيلهم، و ازاحة الشبهات التي اثاروها حول امامة الامام الرضا (عليه السلام).
و اعادت ولادته (عليه السلام) الحياة الي هيكل الامامة - مع الانتباه الي ما تتمتع به الامامة من عظمة القدسية و علو المنزلة و بالغ الأهمية -
و بولادته (عليه السلام) ارتفعت معنويات الشيعة الثابتين علي الحق.
و لعل هذا معني كلام الامام الرضا (عليه السلام): «هذا المولود
[ صفحه 357]
الذي لم يولد في الاسلام مثله مولود أعظم بركة علي شيعتنا منه».
ذكرنا هذا الشرح المتواضع لهذا الحديث - حسب ما تبادر الي الذهن - و هو احد الوجوه المحتملة في معني الحديث.
و يمكن أن يكون للحديث معان اخري.
و ما يدرينا؟!
فلعل ولادة الامام الجواد (عليه السلام) كانت مشفوعة بأنواع من البركات، و قد أهملها التاريخ (كما هو شأنه و دأبه تجاه أهل البيت) و لم تفطن اليها أذهاننا.
و يمكن ان يكون الحديث اشارة الي ما حدث من الاحتجاج بين الامام الجواد و بين يحيي بن اكثم، و انتصار الامام عليه، فلم يعهد في التاريخ ان صبيا عمره عشر سنوات، يدخل في ساحة الاحتجاج مع أكبر شخصية علمية في الدولة، و هو قاضي القضاة، فيتغلب الصبي علي تلك الشخصية بحيث يتلجلج في الكلام و يظهر عجزه و خجله في ذلك المجلس الرهيب المهيب، و بمرأي من شخصيات الدولة، و رجال الحكومة، و علي رأسهم المأمون العباسي الذي كان يعتبر نفسه خليفة رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم)!
و من الواضح ان هذا الانتصار الذي تحقق علي يد الامام الجواد (عليه السلام) كانت له بركات عظيمة، فقد رفع معنويات الشيعة في كل مكان، و رفع رؤوسهم يفتخرون بهذا الشرف و الموفقية التي تجلت فيها نبذة من عظمة امامهم، و بعض جوانب قدرته العلمية و هو في تلك السن المبكرة.
و قد ذكرنا الاحتجاج في صفحة 81 و في حرف الراء في ترجمة الريان بن شبيب.
[ صفحه 358]
هذا.. و اعلم ان هذا الحديث - المروي عن يحيي الصنعاني - مروي ايضا عن ابي يحيي الصنعاني بتغيير يسير في الفاظه، و سوف نذكره في باب الكني من هذا الكتاب انشاءالله تعالي.
پاورقي
[1] الكافي ج 6 ص 360.
[2] الكافي ج 6 ص 360.