المعتصم العباسي
لما مات المأمون قام بعده أخوه محمد بن هارون الرشيد، الملقب بالمعتصم بالله، و هو الثامن من خلفاء بني العباس، و قد أخبر عنه الامام أميرالمؤمنين (عليه السلام) بقوله: «و ثامنهم كلبهم».
و أمه جارية اسمها ماردة، عاش ثمانية و اربعين سنة، و حكم ثمان سنين، و بلغ في الترف و البذخ و الكبرياء درجة لم يسبقه اليها أسلافه.
فانه لما مات ترك ثمانية آلاف دينار، و ثمانية عشر مليون درهم و ثمانين ألف من الخيل، و ثمانين ألف من الجمال و البغال، و ثمانية آلاف مملوك، و ثمانية آلاف جارية!!
و قتل من البشر عشرات الآلاف!!
و كانت له روح سبعية، فاذا غضب لا يبالي بما فعل، و كان فاقدا للثقافة، حاهلا بالأحكام، و كان يقتل كل من يخشي منه الثورة عليه، حتي أنه قتل ابن أخيه: البعاس بن المأمون!
و قال دعبل الخزاعي في هجائه:
ملوك بني العباس في الكتب سبعة
و لم يأتنا من ثامن منهم الكتب
كذلك أهل الكهف في الكهف سبعة
غداة ثووا فيها و ثامنهم كلب
و اني لأزهي كلبهم عنك رغبة
لأنك ذو ذنب و ليس له ذنب
[ صفحه 67]
لقد ضاع أمر الناس حيث يسومهم
وصيف واشناس و قد عظم الخطب
و اني لأرجو أن تري من مغيبها
مطالع شمس قد يغص بها الشرب
ايها القاري ء: لا أريد أن أسود كتابي - هذا - بتراجم هؤلاء الظلمة الجناة المجرمين، ولكن الكتاب يتطلب مني شيئا من ترجمة حياة هؤلاء حتي تعرف الذين تلطخت أيديهم بدماء آل رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) و عترته الطاهرة.
و حتي تعرف: ان الذين كانوا يدعون خلافة رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) كانوا قد تجاوزوا حدود كل فسق و فجور، و أنهم جرؤا الناس علي المنكرات في البلاد الاسلامية، بحيث زال قبح المعاصي عند بعض الناس في تلك العصور.
فما تقول في شعب يكون خليفتهم سكيرا، مولعا بالغناء، يقضي ليله و نهاره بين المغنيات و المغنين، و بين كؤوس الخمور؟!
يشرب و يسقي ندماءه السفلة المتملقين، الذين كانوا يتقربون اليه بشتي انواع الجرائم و الجنايات، فكان الخليفة يهب الآلاف و عشرات الآلاف من الأموال لهؤلاء الذين باعوا ضمائرهم و دينهم و شرفهم للخليفة، في مقابل الأموال التي جعلها الله تعالي للفقراء و المساكين و الأرامل و الأيتام و العجزة و أمثالهم!!
أو كان يشتري بتلك الأموال انواع الخمور لنفسه و حاشيته القذرة.
نعم، كانت أموال المسلمين تصرف في هذه الموارد!
و ليس المعتصم هو الذي تفرد بهذه الجرائم و المخازي، بل سبقه أسلافه من حكام بني العباس و طواغيت بني امية.
و مات المأمون و جلس المعتصم مكانه، و جلساؤه و ندماؤه هم حاشية
[ صفحه 68]
المأمون، و هم الحاسدون و الحاقدون الذين كانوا يحسدون الامام الجواد (عليه السلام) في عهد المأمون.
و تراهم هنا يتقربون الي المعتصم بكل ما يعجبه، و لا يهمهم سخط الله تعالي و غضبه.
فلا عجب اذا قاموا بالوشاية ضد الامام الجواد و أثاروا الحقد و العداء في قلب المعتصم الذي تلطخت يد أبيه هارون الرشيد بدم الامام موسي بن جعفر (عليه السلام).
و تلطخت يد أخيه المأمون بدم الامام الرضا (عليه السلام).
فلماذا لا يتبع المعتصم خطة أسلافه، و يلطخ يده بدم الامام الجواد (عليه السلام) اليس المعتصم هو الذي قتل عشرات الآلاف من البشر؟
فلماذا يخاف من اغتيال الامام الجواد؟
[ صفحه 69]