بازگشت

موجبات العداء بين أئمة أهل البيت و بين خصومهم


لقد ابتلي كل امام من ائمة أهل البيت (عليهم السلام) بطاغوت من طواغيت عصره، و فرعون من فراعنة زمانه، يجرعه الغصص، و يحاربه بكل ما اوتي من حول و قوة، و يسعي في اطفاء نور الله (و يأبي الله الا أن يتم نوره).

و لأجل أن نعرف شيئا من أسباب النزاع و الخصومة، و دواعي التضاد، و موجبات العداء و البغضاء بين أئمة أهل البيت (عليهم السلام) و بين الجانب المعادي لهم، لا بأس بذكر مقدمة تكشف لنا جانبا من هذه الجوانب، فنقول:

لقد كان أئمة أهل البيت (عليهم السلام) مظاهر للحق و الحقيقة، تتجلي فيهم فضائل الأخلاق و تتفجر من جوانبهم المعارف و العلوم، و تنبع الحكمة من أقوالهم و افعالهم.

فلا تجد في حياتهم موضعا للملاهي و المناهي و المنكرات، بل تجد حياتهم زاخرة بالمكارم - بجيمع أنواعها و أقسامها - لا يسبقهم سابق و لا يلحقهم لاحق.

فاذا نظرت اليهم من زاوية العلم فهم أعلم أهل السماء و الأرض، قذف الله في قلوبهم علوم الأولين و الآخرين.



[ صفحه 50]



و اذا بحثت عن حياتهم الاقتصادية تجدهم أزهد الزهاد، لا يبالون بزخارف الحياة، و لا يعبؤن بلذائذ العيش، و ينظرون الي متاع حياة الدنيا نظرة تحقير و استهانة.

و اذا ذهبت الي بيوتهم - في ساعات متأخرة من الليل - فانك تسمع - هناك - أصوات تلاوة القرآن بكل خضوع و خشوع، يتلون القرآن حق تلاوته، لا يمرون بآية من آياته الا و هم يعلمون ظاهرها و باطنها و تفسيرها و تأويلها، و المعني المراد منها، و المفاهيم المقصودة بها.

يقرأون القرآن بكل وعي و معرفة، و تدبر و تفكر، تنسجم نفوسهم مع معانيه، و تندمج أرواحهم و قلوبهم بما أوحي الله الي نبيه (صلي الله عليه و آله و سلم) قد ملك القرآن مشاعرهم، و جذب أفكارهم، فكأنهم فقدوا الوعي عن كل شي ء الا عن كتاب الله الذي أخذ بمجامع قلوبهم.

فتراهم بين تلاوة القرآن و بين التهجد و الصلاة، يستلذون بمناجات ربهم و هم في قيامهم و ركوعهم و سجودهم و قنوتهم متوجهون الي الله تعالي بكلهم، بقلوبهم و ارواحهم و مشاعرهم، و كأنهم - في تلك اللحظات - لا يدركون عن العالم الخارجي شيئا، و كأنهم غفلوا عما حولهم من الزمان و المكان، بل و حتي عن ذواتهم، قد أغرقتهم العبادة، و استولي علي وجودهم التوجه الي الله تعالي.

عظم الخالق في انفسهم، فصاروا لا يملكون دموعهم عن الجريان، و لا يستطيعون حبس أصواتهم عن الخشوع و البكاء، يعتبرون أنفسهم مقصرين أمام عظمة الله سبحانه، فيلوذون بعفوه، و يعوذون بحلمه، و يستغفرونه، و قد عصمهم الله من الزلل، و اذهب الله عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا.

و في النهار... يدخل عليهم الداخل فيجد فيهم البشاشة و سعة



[ صفحه 51]



الصدر و الترحيب، و التواضع و التجاوب و أنواع العطف و الحنان، قد ضربوا الرقم القياسي في اصول الانسانية و الأخلاق و أعراف المعاشرة، و صفاء القلب، و طيب النفس و حب الخير للناس، و الاحسان حتي الي من أساء اليهم.

يسألهم السائل عن الدين و الدنيا و الآخرة و عن السماء و الأرض و عن الفقه و غيره، و عن كل موضوع، فلا يسمع الا الجواب الصحيح المقنع، و لم يسجل التاريخ في حياة ائمة أهل البيت (عليهم السلام) كلمة: لا أدري، لا أعلم، لا أعرف، في مقابل الأسئلة الموجهة اليهم!!

هذه روزنة ضيقة نظرنا منها الي جانب من حياة ائمة أهل البيت الاثني عشر (عليهم السلام).

و اذا اردنا أن نتحدث عن حياة طواغيت عصرهم و فراعنة زمانهم فسوف يتبدل هذا الكتاب الي ملفات سوداء مظلمة، و الي تراجم اناس لطخوا صفحات التاريخ بفجائعهم و شنائعهم و جرائمهم و جناياتهم، فكانوا سبة الدهر و لعنة التاريخ.

و نكتفي بالقول: ان اولئك الطواغيت كانوا علي خلاف ما ذكرناه من سيرة ائمة أهل البيت (عليهم السلام) مائة بالمائة.

و حيث أن هذا الكتاب يتضمن شيئا من حياة الامام الجواد (عليه السلام) فسيكون الحديث - هنا - عن فراعنة زمانه و طواغيت عصره، و علي رأسهم المأمون العباسي و المعتصم العباسي:



[ صفحه 52]