بازگشت

الامام الجواد في ظل والده العظيم


و عاش الامام الجواد (عليه السلام) بصحبة والده العظيم سنوات لا تتجاوز اصابع اليد الواحدة و كانت دلائل امامته تظهر يوما بعد يوم، و آيات عظمته تتجلي ساعة بعد ساعة، و علامات جلالته تنكشف في كل حين، و قد حل في اوسع مكان في قلب والده البار العطوف، يشمله بعواطفه و يغمره بألطافه.

و كان الامام الرضا (عليه السلام) يعجبه أن يذكر ولده العزيز بكل تعظيم و تجليل، فلا بذكره باسمه، بل يذكره دائما بكنيته، و يخاطبه بأبي جعفر و يذكره بأبي جعفر.

فهذا محمد بن ابي عباد كان كاتبا للامام الرضا (عليه السلام) يقول:

ما كان يذكر الامام الرضا (عليه السلام) ابنه محمدا الا بكنيته، يقول: «كتب الي أبوجعفر» و «كتبت الي ابي جعفر» و هو صبي بالمدينة، فيخاطبه بالتعظيم.

و ترد كتب أبي جعفر (عليه السلام) في نهاية البلاغة و الحسن، فسمعته (اي الامام الرضا) يقول: ابوجعفر وصيي، و خليفتي في أهلي



[ صفحه 44]



من بعدي. [1] .

و خرج الامام الرضا (عليه السلام) من المدينة نحو مكة، و منها الي خراسان، و فرق الدهر الخؤون بين الوالد العظيم، و ولده الحبيب العزيز الصغير، و فلذة كبده و قرة عينه، و ثمرة فؤاده، فكان يرسل الرسائل العديدة الي ولده العزيز، و ربما كتب له: «فداك ابوك»!.

نعم، فارق الامام الرضا (عليه السلام) ولده و هو يعلم انه لا يرجع اليه بعد ذلك اليوم فانه (عليه السلام) جمع عياله و أمرهم أن يبكوا عليه و قال: اني لا ارجع الي عيالي ابدا. [2] .

و في (اثبات الوصية): و روي جماعة من أصحاب الرضا (عليه السلام) قال: قال الرضا: «لما أردت الخروج من المدينة جمعت عيالي و أمرتهم أن يبكوا علي حتي أسمع بكاءهم، ثم فرقت فيهم اثني عشر ألف دينار، لعلمي أني لا أرجع اليهم أبدا».

قال: ثم أخذ [الامام الرضا] أباجعفر [الجواد] فأدخله المسجد [النبوي] و وضع [الامام الرضا] يده [الامام الجواد] علي حائط القبر [قبر رسول الله] و ألصقه به، و استحفظه رسول الله [سأله أن يحفظه].

فقال [الامام الجواد] له: «يا أبت، أنت - والله - تذهب اي الله» ثم أمر أبوالحسن [الرضا] (عليه السلام) جميع وكلائه بالسمع و الطاعة له [الامام الجواد] و ترك مخالفته، و نص عليه عند ثقاته، و عرفهم أنه القيم مقامه... الخ [3] .



[ صفحه 45]



و انقضت سنوات اربع أو خمس، و استشهد الامام الرضا (عليه السلام) في بلاد الغربة، و قضي نحبه مسموما.

و أخبر الامام الجواد (عليه السلام) الاسرة الكريمة و العائلة الشريفة - في نفس اليوم - أن يقيموا المأتم لذلك الامام الذي قتل بالسم غريبا عن أهله و عشيرته.

و حضر الامام الجواد عند والده قبل وفاته - و هو ابن تسع سنين - و لما توفي الامام الرضا قام الامام الجواد بتجهيز جثمان والده، من التغسيل و التحنيط و التكفين و الصلاة عليه، كل ذلك بقدرة الله تعالي و معجزة الامامة.

و سنذكر التفاصيل في حرف العين في ترجمة عبدالسلام بن صالح الهروي المعروف ب (ابي الصلت).



[ صفحه 46]




پاورقي

[1] كتاب عيون أخبار الرضا.

[2] عيون أخبار الرضا.

[3] اثبات الوصية ص 178 طبع النجف.