بازگشت

الريان بن شبيب


هو خال المعتصم العباسي، لأن (ماردة) ام المعتصم اخت الريان.

كان الريان من أصحاب الامام الرضا و الامام الجواد (عليهماالسلام) و روي عن الامام الرضا أحاديث كثيرة متنوعة، و خاصة في فضل زيارة مولانا الحسين (عليه السلام) و ثواب البكاء عليه.

يعتبر من الثقاة، و قد سكن مدينة قم و روي عنه أهلها.

في كتاب (الاحتجاج) عن الريان قال: لما اراد المأمون أن يزوج ابنته ام الفضل أباجعفر محمد بن علي (عليهماالسلام) بلغ ذلك العباسيين فغلظ عليهم، و استنكروه منه، و خافوا أن ينتهي الأمر معه الي ما انتهي مع الرضا (عليه السلام).

فخاضوا في ذلك، و اجتمع منهم أهل بيته الأدنون منه فقالوا: ننشدك الله يا أميرالمؤمنين (!) أن تقيم علي هذا الأمر الذي عزمت عليه من تزويج ابن الرضا.

فانا نحاف أن يخرج به عنا أمر قد ملكناه الله عزوجل [1] و ينزع منا عزا قد ألبسناه الله، و قد عرفت ما بيننا و بين هؤلاء القوم قديما و حديثا، و ما كان عليه الخلفاء الراشدون قبلك، من تبعيدهم و التصغير بهم!!

و قد كنا في وهلة من عملك مع الرضا ما عملت، فكفانا الله المهم من ذلك (يقصدون بذلك وفاة الامام الرضا)



[ صفحه 179]



فالله الله! أن تردنا الي غم قد انحسر عنا، و اصرف رأيك عن ابن الرضا و اعدل الي من تراه من أهل بيتك يصلح لذلك دون غيره.

فقال لهم المأمون: أما ما بينكم و بين آل أبي طالب فأنتم السبب فيه، ولو أنصفتم القوم لكانوا أولي بكم.

و أما ما كان يفعله من قبلي بهم فقد كان قاطعا للرحم، و أعوذ بالله من ذلك، والله ما ندمت علي ما كان مني من استخلاف الرضا، و قد سألته أن يقوم بالأمر و انزعه من نفسي،و كان أمر الله قدرا مقدورا!! [2] .

و أما ابوجعفر محمد - الجواد - بن علي فقد اخترته لتبريزه (اي تفوقه) علي كافة أهل الفضل في العلم و الفضل مع صغر سنه، و الاعجوبة فيه بذلك، و أنا أرجو أن يظهر للناس ما قد عرفته منه، فيعلمون أن الرأي ما رأيت فيه.

فقالوا له: ان هذا الفتي - و ان راقك منه هديه [3] - فانه صبي لا معرفة له و لا فقه، فأمهله ليتأدب، ثم اصنع ما تراه بعد ذلك.

فقال لهم: ويحكم! اني اعرف بهذا الفتي منك، و ان اهل هذا البيت علمهم من الله تعالي و مواده و الهامه، لم يزل آباؤه اغنياء - في علم الدين و الأدب - عن الرعايا الناقصة عن حد الكمال، فان شئتم فامتحنوا



[ صفحه 180]



اباجعفر بما يتبين لكم به ما وصفت لكم من حاله.

قالوا: قد رضينا لك - يا اميرالمؤمنين!! [4] - و لأنفسنا بامتحانه فخل بيننا و بينه، لننصب من يسأله بحضرتك عن شيي ء من فقه الشريعة، فان اصاب في الجواب عنه لم يكن لنا اعتراض في امره، و ظهر للخاصة و العامة سديد رأي اميرالمؤمنين فيه!!

و ان عجز عن ذلك فقد كفينا الخطب في معناه.

فقال لهم المأمون: شأنكم، و ذلك متي اردتم.

فخرجوا من عنده و اجتمع رأيهم علي مسألة يحيي بن اكثم،و هو - يومئذ - قاضي الزمان علي أن يسأله مسألة لا يعرف الجواب فيها، و وعده بأموال نفيسة علي ذلك، و عادوا الي المأمون و سألوه ان يختار لهم يوما للاجتماع، فأجابهم الي ذلك.

فاجتمعوا في اليوم الذي اتفقوا عليه، و حضر معهم يحيي بن أكثم، و امر المأمون ان يفرش لابي جعفر - الجواد - دست [5] و يجعل فيه مسورتان [6] ففعل ذلك، و خرج ابوجعفر - الجواد - و هو يومئذ ابن تسع سنين - فجلس بين المسورتين، و جلس يحيي بن اكثم بين يديه، و قام الناس في مراتبهم [7] و المأمون جالس علي دست متصل بدست ابي جعفر (عليه السلام).



[ صفحه 181]



فقال يحيي بن اكثم - للمأمون -: يأذن لي اميرالمؤمنين أن اسأل اباجعفر عن مسألة؟

فقال له المأمون: استأذنه في ذلك.

فأقبل عليه يحيي بن اكثم فقال: اتأذن لي - جعلت فداك - في مسألة؟

فقال ابوجعفر (الجواد): سل ان شئت.

قال يحيي: ما تقول - جعلت فداك - في محرم قتل صيدا؟

فقال ابوجعفر - الجواد (عليه السلام): قتله في حل أو حرم؟

عالما كان المحرم او جاهلا؟

قتله عمدا او خطأ.

حرا كان المحرم أم عبدا؟

صغيرا كان او كبيرا؟

مبتدءا بالقتل او معيدا؟

من ذوات الطير كان الصيد أم من غيرها؟

من صغار الصيد أم من كبارها؟

مصرا علي ما فعل أو نادما؟

في الليل كان قتله للصيد أم في النهار؟

محرما كان بالعمرة - اذ قتله - او بالحج كان محرما؟

فتحير يحيي بن اكثم، و بان في وجهه العجز و الانقطاع، و لجلج حتي



[ صفحه 182]



عرف جماعة اهل المجلس عجزه!!

فقال المأمون: الحمد لله علي هذه النعمة و التوفيق لي في الرأي!

ثم نظر - المأمون - الي اهل بيته فقال لهم: اعرفتم الآن ما كنتم تنكرونه؟!

ثم اقبل علي ابي جعفر (عليه السلام) فقال له: اتخطب يا اباجعفر؟

فقال (عليه السلام): نعم..

فقال له المأمون: اخطب لنفسك - جعلت فداك - قد رضيتك لنفسي، و أنا مزوجك «ام الفضل» ابنتي، و ان رغم قوم لذلك.

فقال ابوجعفر (عليه السلام): الحمد لله اقرارا بنعمته، و لا اله الا الله اخلاصا لوحدانيته، و صلي الله علي محمد سيد بريته، و الأصفياء من عترته.

أما بعد: فقد كان من فضل الله علي الأنام، أن اغناهم بالحلال عن الحرام، و قال سبحانه: (و انكحوا الأيامي منكم و الصالحين من عبادكم و امائكم ان يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم».

ثم ان محمد بن علي بن موسي يخطب ام الفضل بنت عبدالله المأمون، و قد بذل لها من الصداق مهر جدته فاطمة بنت محمد (صلي الله عليه و آله) و هو خمسمائة درهم جيادا [8] فهل زوجته بها علي هذا الصداق المذكور؟

فقال المأمون: نعم، قد زوجتك - يا اباجعفر - ام الفضل علي



[ صفحه 183]



الصداق المذكور، فهل قبلت النكاح؟

قال ابوجعفر (عليه السلام): قد قبلت ذلك و رضيت به.

فامر المأمون ان يعقد الناس علي مراتبهم في الخاصة و العامة.

قال الريان: فلم نلبث ان سمعنا اصواتا تشبه اصوات الملاحين في محاوراتهم، فاذا الخدم يجرون سفينة مصنوعة من فضة، مشدودة بالحبال من الابريسم، علي عجلة، مملوة من الغالية.

ثم امر المأمون ان تخضب لحاء الخاصة من تلك الغالية [9] ثم مدت الي دار العامة، فتطيبوا منها، و وضعت الموائد فاكل الناس، و خرجت الجوائر الي كل قوم علي قدرهم.

فلما تفرق الناس، و بقي من الخاصة من بقي قال المأمون - لابي جعفر (عليه السلام) -:

ان رأيت - جعلت فداك - ان تذكر الفقه الذي فصلته من وجوه قتل المحرم لنعلمه و نستفيده؟

فقال ابوجعفر (عليه السلام): نعم، ان المحرم اذا قتل صيدا في الحل و كان الصيد من ذوات الطير، و كان من كبارها فعليه شاة.

فان اصابه في الحرم فعليه الجزاء مضاعفا.

و اذا قتل فرخا في الحل فعليه حمل قد فطم من اللبن.

و اذا قتله في الحرم فعليه الحمل [10] و قيمة الفرخ.



[ صفحه 184]



فاذا كان من الوحش و كان حمار وحش فعليه بقرة.

و ان كان نعامة فعليه بدنة.

و ان كان ظبيا فعليه شاة.

و ان كان قتل شيئا من ذلك في الحرم فعليه الجزاء مضاعفا هديا بلغ الكعبة.

و اذا اصاب المحرم ما يجب عليه الهدي فيه [11] و كان احرامه بالحج نحره [12] بمني، و ان كان احرامه بالعمرة نحره بمكة، و جزاء الصيد علي العالم و الجاهل سواء، و في العمد عليه المأثم، و هو موضوع عنه في الخطأ،

و الكفارة علي الحر في نفسه، و علي السيد في عبده، و الصغير لا كفارة عليه، و هي علي الكبير واجبة، و النادم يسقط ندمه عنه عقاب الآخرة، و المصر يجب عليه العقاب في الآخرة.

فقال المأمون: احسنت يا اباجعفر: احسن الله اليك، فان رايت ان تسأل يحيي عن مسألة كما سألك.

فقال ابوجعفر (عليه السلام) - ليحيي - اسألك؟

قال: ذلك اليك جعلت فداك! فان عرفت جواب ما تسألني عنه والا استفدته منك!!

فقال ابوجعفر (عليه السلام): اخبرني عن رجل نظر الي امرأة في اول النهار فكان نظره اليها حراما عليه.



[ صفحه 185]



فلما ارتفع النهار حلت له.

فلما زالت الشمس (اي صار الظهر) حرمت عليه)

فلما كان وقت العصر حلت له.

فلما غربت الشمس حرمت عليه

فلما دخل وقت العشاء الآخرة حلت له

فلما كان وقت انتصاف الليل حرمت عليه

فلما طلع الفر حلت له

ما حال هذه المرأة، و بماذا حلت له و حرمت عليه؟

و قال يحيي ابن اكثم: والله لا اهتدي الي جواب هذا السؤال، و لا اعرف الوجه فيه فان رأيت ان تفيدناه!!

فقال ابوجعفر (عليه السلام): هذه أمة [13] لرجل من الناس نظر اليها اجنبي في اول النهار فكان نظره اليها حراما.

فلما ارتفع النهار ابتاعها من مولاها [14] فحلت له.

فلما كان عند الظهر اعتقها فحرمت عليه

فلما كان وقت العصر تزوجها فحلت له

فلما كان وقت المغرب ظاهر منها [15] فحرمت عليه.

فلما كان وقت العشاء الآخرة كفر عن الظهار فحلت له.



[ صفحه 186]



فلما كان نصف الليل طلقها واحدة فحرمت عليه

فلما كان عند الفجر راجعها فحلت له

قال: فأقبل المأمون علي من حضره من اهل بيته فقال لهم: هل فيكم من يجيب هذه المسألة بمثل هذا الجواب، او يعرف القول فيما تقدم من السؤال؟

قالوا: لا والله، ان اميرالمؤمنين (!!) اعلم و ما رأي

فقال: ويحكم! ان اهل هذا البيت خصوا من الخلق بما ترون من الفضل، و ان صغر السن فيهم لا يمنعهم من الكمال.

اما علمتم ان رسول الله (صلي الله عليه و آله) افتتح دعوته بدعاء اميرالمؤمنين علي بن ابي طالب (عليه السلام) و هو ابن عشر سنين، و قبل منه الاسلام و حكم له به، و لم يدع احدا في سنه غيره؟

و بايع - النبي - الحسن و الحسين (عليهماالسلام) و هما ابنا دون الست سنين، و لم يبايع صبيا غيرهما؟

اولا تعلمون ما اختص الله به هؤلاء القوم، و انهم ذرية بعضها من بعض، يجري لآخرهم ما يجري لأولهم؟

فقالوا: صدقت يا اميرالمؤمنين!!

ثم نهض القوم.

فلما كان من الغد احضر الناس، و حضر ابوجعفر (عليه السلام) و سار القواد و الحجاب و الخاصة و العمال [16] لتهنئة المأمون و ابي جعفر (عليه السلام)



[ صفحه 187]



فاخرجت ثلاثة اطباق من الفضة، فيها بنادق مسك و زعفران معجونا في اجواف تلك البنادق رقاع مكتوبة باموال جزيلة، و عطايا سنية، و اقطاعات.

فأمر الأمون بنثرها علي القوم من خاصته، فكان كل من وقع في يده بندقة اخرج الرقعة التي فيها، و التسمه، فاطلق يده له.

و وضعت البدر [17] فنثر ما فيها علي القواد و غيرهم، و انصرف الناس و هم اغنياء بالجوائز و العطايا...).

و في تفسير علي بن ابراهيم عن محمد بن عون النصيبي روي مثل هذا الخبر، و كذلك في كتاب الارشاد للشيخ المفيد بسند آخر عن الريان بن شبيب.


پاورقي

[1] يقصدون: السلطة، و علي زعمهم الخلافة.

[2] قد ذكرنا - في ترجمة المأمون، و في اوائل الكتاب - ان المأمون كان ذكيا في شيطنته، و هنا يظهر لك ذلك، فتراه يقول للعباسيين: (والله ما ندمت علي ما كان مني من استخلاف الرضا...) ثم هو يقدم علي قتل الامام الرضا (عليه السلام) عن طريق دس السم اليه، و هذا التلون و التناقض بين القول و العمل دأب كل سياسي تابع للظروف.

[3] اي: و ان اعجبك سلوكه و سيرته.

[4] قد ذكرنا - في اوائل الكتاب - كلمة حول لقب (اميرالمؤمنين) و انه خاص بخليفة رسول الله: الامام علي (عليه السلام) و ان من رضي بهذا اللقب - من الحكام - فهو علامة علي شذوذه الجنسي - كما في الحديث -.

[5] الدست - كلمة فارسية -: الفراش الذي يجلس عليه.

[6] المسورة: المتكأ المصنوع من الجلد.

[7] اي: جلسوا في الاماكن المعدة لهم.

[8] الجياد - جمع جيد -: ضد الردي ء.

[9] لحاء: جمع لحية.

[10] الحمل: الخروف اذا بلغ ستة اشهر.

[11] الضمير يعود الي الحرم.

[12] الضمير يعود الي الهدي.

[13] اي: جارية.

[14] ابتاع: اشتري.

[15] ظاهر منها: قال لها: انت علي كظهر امي.

[16] العمال: الولاة.

[17] البدر - جمع بدرة -: كيس فيه عشرة آلاف درهم.