بازگشت

من مآثر الولاية


عيون أخبار الرضا عليه السلام 2 / 172 - 167، ب 41، ح 1: حدثنا أبوالحسن محمد بن القاسم المفسر قال: حدثنا يوسف بن محمد بن زياد و علي بن محمد بن سيار عن أبويهما، عن الحسن بن علي العسكري، عن أبيه علي بن محمد، عن أبيه محمد بن علي عليهم السلام:...

ان الرضا علي بن موسي عليه السلام لما جعله المأمون ولي عهده احتبس المطر فجعل بعض حاشية المأمون و المتعصبين علي الرضا عليه السلام يقولون: انظروا لما جاءنا علي بن موسي و صار ولي عهدنا فحبس الله عنا المطر، و اتصل ذلك بالمأمون فاشتد عليه، فقال للرضا عليه السلام: قد احتبس المطر، فلو دعوت الله عزوجل أن يمطر الناس.

فقال الرضا عليه السلام: نعم.

قال: فمتي تفعل ذلك؟ و كان ذلك يوم الجمعة.

قال: يوم الاثنين.

فلما كان يوم الاثنين غدا الي الصحراء و خرج الخلائق ينظرون فصعد المنبر فحمد الله و أثني عليه ثم قال: اللهم يا رب أنت عظمت حقنا أهل البيت فتوسلوا بنا كما أمرت و أملوا فضلك و رحمتك، و توقعوا احسانك و نعمتك



[ صفحه 22]



فاسقهم سقيا نافعا عاما غير رائث، و لا ضائر، وليكن ابتداء مطرهم بعد انصرافهم من مشهدهم هذا الي منازلهم و مقارهم.

قال: فو الذي بعث محمدا بالحق نبيا، لقد نسجت الرياح في الهواء الغيوم و أرعدت و أبرقت، و تحرك الناس كأنهم يريدون التنحي عن المطر.

فقال الرضا عليه السلام: أيها الناس هذه سحابة بعثها الله عزوجل لكم فاشكروا الله تعالي علي تفضله عليكم، و قوموا الي مقاركم و منازلكم فانها مسامتة لكم و لرؤسكم ممسكة عنكم الي أن تدخلوا مقاركم ثم يأتيكم من الخير ما يليق بكرم الله تعالي و جلاله، و نزل من المنبر و انصرف الناس فما زالت السحابة ممسكة الي أن قربوا من منازلهم ثم جاءت بوابل المطر فملأت الأودية و الحياض و الغدران و الفلوات فجعل الناس يقولون: هنيئا لولد رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم كرامات الله عزوجل.

ثم برز اليهم الرضا عليه السلام و حضرت الجماعة الكثيرة منهم فقال: يا أيها الناس اتقوا الله في نعم الله عليكم، فلا تنفروها عنكم بمعاصيه، بل استديموها بطاعته و شكره علي نعمه و أياديه، و اعلموا أنكم لا تشكرون الله عزوجل بشي ء بعد الايمان بالله، و بعد الاعتراف بحقوق أولياء الله من آل محمد رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم أحب اليه من معاونتكم لاخوانكم المؤمنين علي دنياهم التي هي معبر لهم الي جنان ربهم فان من فعل ذلك كان من خاصة الله تبارك و تعالي.

و قد قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم في ذلك قولا ما ينبغي لقائل أن يزهد في فضل الله تعالي عليه فيه ان تأمله و عمل عليه.

قيل: يا رسول الله هلك فلان يعمل من الذنوب كيت و كيت.

فقال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: بل قد نجا و لا يختم الله تعالي عمله الا بالحسني و سيمحو الله عنه السيئات، و يبدلها له حسنات انه كان يمر مرة في طريق عرض له مؤمن قد انكشفت عورته، و هو لا يشعر فسترها عليه و لم يخبره بها مخافة أن



[ صفحه 23]



يخجل ثم ان ذلك المؤمن عرفه في مهواه.

فقال له: أجزل الله لك الثواب، و أكرم لك المآب و لا ناقشك في الحساب، فاستجاب الله له فيه، فهذا العبد لا يختم الله له الا بخير بدعاء ذلك المؤمن.

فاتصل قول رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم بهذا الرجل فتاب و أناب و أقبل علي طاعة الله عزوجل فلم يأت سبعة أيام حتي أغير علي سرح المدينة فوجه رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم في أثرهم جماعة، و ذلك الرجل أحدهم فاستشهد فيهم.

قال الامام محمد بن علي بن موسي عليه السلام: و عظم الله تبارك و تعالي البركة في البلاد بدعاء الرضا عليه السلام و قد كان للمأمون من يريد أن يكون هو ولي عهده من دون الرضا عليه السلام و حساد كانوا بحضرة المأمون للرضا عليه السلام.

فقال للمأمون بعض أولئك: اعيذك بالله أن تكون تاريخ الخلفاء في اخراجك هذا الشرف العميم، و الفخر العظيم، من بيت ولد العباس الي بيت ولد علي، لقد أعنت علي نفسك و أهلك، جئت بهذا الساحر ولد السحرة، و قد كان خاملا فأظهرته، و متضعا فرفعته، و منسيا فذكرت به، و مستخفا فنوهت به، قد ملأ الدنيا مخرقة و تشوقا بهذا المطر الوارد عند دعائه.

ما أخوفني أن يخرج هذا الرجل هذا الأمر عن ولد العباس الي ولد علي، بل ما أخوفني أن يتوصل بسحره الي ازالة نعمتك، و التواثب علي مملكتك، هل جني أحد علي نفسه و ملكه مثل جنايتك؟

فقال المأمون: قد كان هذا الرجل مستترا عنا يدعوا الي نفسه فأردنا أن نجعله ولي عهدنا ليكون دعاؤه لنا، و ليعترف بالملك و الخلافة لنا، و ليعتقد فيه المفتونون به أنه ليس مما ادعي في قليل و لا كثير.

و ان هذا الأمر لنا من دونه و قد خشينا ان تركناه علي تلك الحالة أن ينفتق



[ صفحه 24]



علينا منه ما لا نسده و يأتي علينا منه ما لا نطيقه.

و الآن فاذ قد فعلنا به ما فعلناه، و أخطأنا في أمره بما أخطأنا و أشرفنا من الهلاك بالتنويه به علي ما أشرفنا، فليس يجوز التهاون في أمره ولكنا نحتاج أن نضع منه قليلا قليلا حتي نصوره عند الرعية بصورة من لا يستحق لهذا الأمر ثم ندبر فيه بما يحسم عنا مواد بلائه.

قال الرجل: فولني مجادلته فاني أفحمه و أصحابه، و أضع من قدره، فلولا هيبتك في نفسي لأنزلته منزلته، و بينت للناس قصوره عما رشحته له.

قال المأمون: ما شي ء أحب الي من هذا.

قال: فاجمع وجوه أهل مملكتك من القواد و القضاة، و خيار الفقهاء لأبين نقصه بحضرتهم، فيكون أخذا له عن محله الذي أحللته فيه، علي علم منهم بصواب فعلك.

قال: فجمع الخلق الفاضلين من رعيته في مجلس واسع قعد فيه لهم، و أقعد الرضا عليه السلام بين يديه في مرتبته التي جعلها له.

فابتدأ هذا الحاجب المتضمن للوضع من الرضا عليه السلام و قال له: ان الناس قد أكثروا عنك الحكايات، و أسرفوا في وصفك بما أري أنك ان وقفت عليه برئت اليهم منه، فأول ذلك أنك قد دعوت الله في المطر المعتاد مجيئة فجاء فجعلوه آية معجزة لك أوجبوا لك بها أن لا نظير لك في الدنيا و هذا المأمون أدام الله ملكه و بقاؤه لا يوازن بأحد الا رجح به، و قد أحلك المحل الذي قد عرفت.

فليس من حقه عليك أن تسوغ الكاذبين لك و عليه ما يتكذبونه.

فقال الرضا عليه السلام: ما أدفع عباد الله عن التحدث بنعم الله علي و ان كنت لا أبغي أشرا و لا بطرا، و أما ذكرك صاحبك الذي أحلني، فما أحلني الا المحل الذي أحله ملك مصر يوسف الصديق عليه السلام و كانت حالهما ما قد علمت.



[ صفحه 25]



فغضب الحاجب عند ذلك، فقال: يابن موسي لقد عدوت طورك و تجاوزت قدرك أن بعث الله بمطر مقدر وقته لا يتقدم و لا يتأخر جعلته آية تستطيل بها، وصولة تصول بها، كأنك جئت بمثل آية الخليل ابراهيم عليه السلام لما أخذ رؤس الطير بيده و دعا أعضاءها التي كان فرقها علي الجبال، فأتينه سعيا و تركبن علي الرؤس، و خفقن و طرن باذن الله تعالي.

فان كنت صادقا فيما توهم فأحيي هذين و سلطهما علي فان ذلك يكون حينئذ آية معجزة.

فأما المطر المعتاد مجيئة فلست أنت أحق بأن يكون جاء بدعائك من غيرك الذي دعا كما دعوت و كان الحاجب أشار الي أسدين مصورين علي مسند المأمون الذي كان مستندا اليه، و كانا متقابلين علي المسند.

فغضب علي بن موسي الرضا عليه السلام و صاح بالصورتين: دونكما الفاجر!

فافترساه و لا تبقيا له عينا و لا أثرا، فوثب الصورتان و قد عادتا أسدين فتناولا الحاجب [وعضاه] و رضاه و هشماه و أكلاه و لحسا دمه و القوم ينظرون متحيرين مما يبصرون.

فلما فرغا منه أقبلا علي الرضا عليه السلام و قالا: يا ولي الله في أرضه! ماذا تأمرنا نفعل بهذا؟ أنفعل به فعلنا بهذا؟ يشيران الي المأمون فغشي علي المأمون مما سمع منهما:

فقال الرضا عليه السلام: قفا فوقفا.

ثم قال الرضا عليه السلام: صبوا عليه ماء ورد و طيبوه، ففعل ذلك به، و عاد الأسدان يقولان: أتأذن لنا أن نلحقه بصاحبه الذي أفنيناه؟

قال: لا، فان لله عزوجل فيه تدبيرا هو ممضيه.

فقالا: ماذا تأمرنا؟



[ صفحه 26]



قال: عودا الي مقركما كما كنتما، فعادا الي المسند، و صارا صورتين كما كانتا.

فقال المأمون: الحمدلله الذي كفاني شر حميد بن مهران يعني: الرجل المفترس ثم قال للرضا عليه السلام: يابن رسول الله هذا الأمر لجدكم رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم ثم لكم، فلو شئت لنزلت عنه لك.

فقال الرضا عليه السلام: لو شئت لما ناظرتك و لم أسألك فان الله عزوجل قد أعطاني من طاعة سائر خلقه مثل ما رأيت من طاعة هاتين الصورتين الا جهال بني آدم فانهم و ان خسروا حظوظهم فلله عزوجل فيهم تدبيرا.

و قد أمرني بترك الاعتراض عليك، و اظهار ما أظهرته من العمل من تحت يدك، كما أمر يوسف عليه السلام بالعمل من تحت يد فرعون مصر.

قال: فما زال المأمون ضئيلا في نفسه الي أن قضي في علي بن موسي الرضا عليه السلام ما قضي.



[ صفحه 27]