بازگشت

احتجاجه مع يحيي بن أكثم


74 -74- روي الطبرسي:

عن الريان بن شبيب قال: لما أراد المأمون أن يزوج ابنته أم الفضل أباجعفر محمد بن علي عليهماالسلام، بلغ ذلك العباسيين فغلظ عليهم ذلك و استنكروا منه و خافوا أن ينتهي الأمر معه الي ما انتهي مع الرضا عليه السلام، فخاضوا في ذلك و اجتمع منهم أهل بيته الأدنون منه، فقالوا: ننشدك الله يا أميرالمؤمنين أن تقيم علي هذا الأمر الذي قد عزمت عليه من تزويج ابن الرضا عليه السلام، فانا نخاف أن تخرج به عنا أمر قد ملكناه الله، و تنتزع عنا عزا قد ألبسناه الله، و قد عرفت ما بيننا و بين هؤلاء القوم قديما و حديثا، و ما كان عليه الخلفاء الراشدون قبلك من تبعيدهم و التصغير بهم و قد كنا في وهلة من عملك مع الرضا عليه السلام ما عملت، و كفانا الله المهم عن ذلك فالله الله أن تردنا الي غم قد انحسر عنا، و اصرف رأيك عن ابن الرضا عليه السلام، و اعدل الي من تراه من أهل بيتك يصلح لذلك دون غيره.

فقال لهم المأمون: أما ما بينكم و بين آل أبي طالب فأنتم السبب فيه، ولو أنصفتم القوم لكان أولي بكم، و أما ما كان يفعله من قبلي بهم فقد كان به قاطعا للرحم و أعوذ بالله من ذلك، و والله ما ندمت علي ما كان مني استخلاف الرضا و لقد سألته أن يقوم بالأمر و أنزعه عن نفسي فأبي «و كان أمر الله قدرا مقدورا» [1] .

و أما أبوجعفر محمد بن علي فقد اخترته لتبريزه علي كأفة أهل الفضل في العلم و الفضل مع صغر سنه و الأعجوبة فيه بذلك و أنا أرجو أن يظهر للناس ما قد عرفته منه، فيعلموا أن الرأي ما رأيت، فقالوا: ان هذا الفتي و ان راقك منه هديه، فانه صبي لا معرفة له و لا فقه، فأمهله ليتأدب، ثم اصنع ما تراه بعد ذلك.



[ صفحه 70]



فقال لهم: و يحكم اني أعرف بهذا الفتي منكم، و ان هذا من أهل بيت علمهم من الله تعالي و مواده و الهامه، لم يزل آباؤه أغنياء في علم الدين و الأدب عن الرعايا الناقصة عن حد الكمال، فان شئتم فامتحنوا أباجعفر بما يتبين لكم به ما وصفت لكم من حاله.

قالوا: لقد رضينا لك يا أميرالمؤمنين و لأنفسنا بامتحانه، فخل بيننا و بينه لننصب من يسأله بحضرتك عن شي ء من فقه الشريعة، فان أصاب في الجواب عنه لم يكن لنا اعتراض في أمره و ظهر للخاصة و العامة سديد رأي أميرالمؤمنين فيه و ان عجز عن ذلك فقد كفينا الخطب في معناه.

فقال لهم المأمون: شأنكم و ذلك متي أردتم، فخرجوا من عنده و اجتمع رأيهم علي مسألة يحيي بن أكثم و هو يومئذ قاضي الزمان علي أن يسأله مسألة لا يعرف الجواب فيها، و وعدوه بأموال نفيسة علي ذلك و عادوا الي المأمون، فسألوه أن يختار لهم يوما للاجتماع، فأجابهم الي ذلك، فاجتمعوا في اليوم الذي اتفقوا عليه و حضر معهم يحيي بن أكثم، و أمر المأمون أن يفرش لأبي جعفر دست و يجعل له فيه مسورتان، ففعل ذلك و خرج أبوجعفر عليه السلام و هو يومئذ ابن تسع سنين و أشهر، فجلس بين المسورتين و جلس يحيي بن أكثم بين يديه، فقام الناس في مراتبهم و المأمون جالس في دست متصل بدست أبي جعفر عليه السلام.

فقال يحيي بن أكثم للمأمون: أتأذن لي يا أميرالمؤمنين أن أسأل أبا جعفر عن مسألة؟ فقال المأمون: استأذنه في ذلك، فأقبل عليه يحيي بن أكثم فقال: أتأذن لي جعلت فداك في مسألة؟

فقال أبوجعفر عليه السلام: سل ان شئت، فقال يحيي: ما تقول جعلت فداك في محرم قتل صيدا؟

فقال أبوجعفر عليه السلام: قتله في حل أو حرم، عالما كان المحرم أو جاهلا، قتله عمدا أو خطأ، حرا كان المحرم أم عبدا، صغيرا كان أم كبيرا، مبتدئا بالقتل أو



[ صفحه 71]



معيدا، من ذوات الطير كان الصيد أم من غيرها، من صغار الصيد أم من كباره، مصرا علي ما فعل أو نادما، في الليل كان قتله للصيد أم في النهار، محرما كان بالعمرة اذ قتله أو بالحج كان محرما؟

فتحير يحيي بن أكثم و بان في وجهه العجز و الانقطاع، و لجلج حتي عرف جماعة أهل المجلس عجزه، فقال المأمون: الحمدلله علي هذه النعمة و التوفيق لي في الرأي، ثم نظر الي أهل بيته، فقال لهم: أعرفتم الآن ما كنتم تنكرونه، ثم أقبل الي أبي جعفر، فقال له: أتخطب يا أباجعفر؟ قال: نعم يا أميرالمؤمنين، فقال له المأمون: اخطب لنفسك جعلت فداك [2] ، فقد رضيتك لنفسي و أنا مزوجك أم الفضل ابنتي و ان رغم أنوف قوم لذلك.

قال أبوجعفر: الحمدلله اقرارا بنعمته، و لا اله الا الله اخلاصا لوحدانيته و صلي الله علي سيد بريته و الأصفياء من عترته.

أما بعد فقد كان من فضل الله علي الأنام أن أغناهم بالحلال عن الحرام، فقال سبحانه: «و أنكحوا الأيامي منكم و الصالحين من عبادكم و امائكم ان يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله و الله واسع عليم» [3] ثم ان محمد بن علي بن موسي يخطب أم الفضل بنت عبدالله المأمون، و قد بذل لها من الصداق مهر جدته فاطمة بنت محمد صلي الله عليه و آله و هو خمسمائة درهم جيادا، فهل زوجته يا أميرالمؤمنين بها علي هذا الصداق المذكور؟

فقال المأمون: نعم قد زوجتك يا أباجعفر أم الفضل ابنتي علي الصداق المذكور، فهل قبلت النكاح؟

قال أبوجعفر عليه السلام: نعم قد قبلت ذلك و رضيت به، فأمر المأمون أن يقعد الناس علي مراتبهم من الخاصة و العامة.



[ صفحه 72]



قال الريان: و لم نلبث أن سمعنا أصواتا تشبه أصوات الملاحين في محاوراتهم، فاذا الخدم يجرون سفينة مصنوعة من فضةء تشد بالحبال من الابريسم علي عجلة مملوة من الغالية، فأمر المأمون أن تخضب لحي الخاصة من تلك الغالية، ففعلوا ذلك ثم مدت الي دار العامة، فتطيبوا منها و وضعت الموائد فأكل الناس و خرجت الجوائز الي كل قوم علي قدرهم.

فلما تفرق الناس و بقي من الخاصة من بقي قال المأمون لأبي جعفر عليه السلام: ان رأيت جعلت فداك أن تذكر الفقه فيما فصلته من وجوه قتل المحرم لنعلمه و نستفيده.

فقال أبوجعفر عليه السلام: نعم ان المحرم اذا قتل صيدا في الحل و كان الصيد من ذوات الطير و كان من كبارها فعليه شاة، و ان أصابه في الحرم فعليه الجزاء مضاعفا، و اذا قتل فرخا في الحل فعليه حمل قد فطم من اللبن، فاذا قتله في الحرم، فعليه الحمل و قيمة الفرخ، فاذا كان من الوحش و كان حمار وحش فعليه بقرة و ان كان نعامة، فعليه بدنة و ان كان ظبيا، فعليه شاة، فان كان قتل شيئا من ذلك في الحرم فعليه الجزاء مضاعفا هديا بالغ الكعبة، و اذا أصاب المحرم ما يجب عليه الهدي فيه و كان احرامه للحج نحره بمني و ان كان احرامه بعمرة نحره بمكة و جزاء الصيد علي العالم و الجاهل سواء، و في العمد عليه المأثم، و هو موضوع عنه في الخطأ و الكفارة علي الحر في نفسه و علي السيد في عبده، و الصغير لا كفارة عليه، و هي علي الكبير واجبة، و النادم يسقط ندمه عنه عقاب الآخرة، و المصر يجب عليه العقاب في الآخرة.

فقال المأمون: أحسنت يا أباجعفر أحسن الله اليك، فان رأيت أن تسأل يحيي عن مسألة كما سألك؟

فقال أبوجعفر ليحيي: أسألك؟

قال: ذلك اليك جعلت فداك، فان عرفت جواب ما تسألني عنه و الا استفدته



[ صفحه 73]



منك.

فقال أبوجعفر عليه السلام: أخبرني عن رجل نظر الي امرأة في أول النهار، فكان نظره اليها حراما عليه، فلما ارتفع النهار حلت له، فلما زالت الشمس حرمت عليه، فلما كان وقت العصر حلت له، فلما غربت الشمس حرمت عليه، فلما دخل وقت العشاء الآخرة حلت له، فلما كان وقت انتصاف الليل حرمت عليه، فلما طلع الفجر حلت له، ما حال هذه المرأة و بماذا حلت له و حرمت عليه؟

فقال له يحيي بن أكثم: لا والله لا أهتدي الي جواب هذا السؤال و لا أعرف الوجه فيه، فان رأيت أن تفيدنا.

فقال أبوجعفر عليه السلام: هذه أمة لرجل من الناس نظر اليها أجنبي في أول النهار فكان نظره اليها حراما عليه، فلما ارتفع النهار ابتاعها من مولاها فحلت له، فلما كان عند الظهر أعتقها فحرمت عليه، فلما كان وقت العصر تزوجها فحلت له، فلما كان وقت المغرب ظاهر منها فحرمت عليه، فلما كان وقت العشاء الآخرة كفر عن الظهار فحلت له، فلما كان نصف الليل طلقها تطليقة واحدة فحرمت عليه، فلما كان عند الفجر راجعها فحلت له.

قال: فأقبل المأمون علي من حضر من أهل بيته و قال لهم: هل فيكم من يجيب عن هذه المسألة بمثل هذا الجواب أو يعرف القول فيما تقدم من السؤال؟ قالوا: لا والله ان أميرالمؤمنين أعلم بما رأي، فقال: و يحكم ان أهل هذا البيت خصوا من الخلق بما ترون من الفضل و ان صغر السن لا يمنعهم من الكمال.

أما علمت أن رسول الله صلي الله عليه و آله افتتح دعوته بدعاء أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام و هو ابن عشر سنين، و قبل منه الاسلام و حكم له به و لم يدع أحدا في سنه غيره، و بايع الحسن و الحسين عليهماالسلام و هما دون الست سنين و لم يبايع صبيا غيرهما أولا تعلمون الآن ما اختص الله به هؤلاء القوم و أنهم ذرية بعضها من بعض يجري لآخرهم ما يجري لأولهم، قالوا: صدقت يا أميرالمؤمنين.



[ صفحه 74]



ثم نهض القوم، فلما كان من الغد حضر الناس و حضر أبوجعفر عليه السلام و صار القواد و الحجاب و الخاصة و العمال لتهنئة المأمون و أبي جعفر عليه السلام فأخرجت ثلاثة أطباق من الفضة فيها بنادق مسك و زعفران معجون في أجواف تلك البنادق و رقاع مكتوبة بأموال جزيلة و عطايا سنية و اقطاعات، فأمر المأمون بنثرها علي القوم من خاصته، فكان كل من وقع في يده بندقة أخرج الرقعة التي فيها و التمسه فأطلق له و وضعت البدر فنثر ما فيها علي القواد و غيرهم و انصرف الناس و هم أغنياء بالجوائز و العطايا، و تقدم المأمون بالصدقة علي كافة المساكين، و لم يزل مكرما لأبي جعفر عليه السلام معظما لقدره مدة حياته يؤثر علي ولده و جماعة أهل بيته [4] .


پاورقي

[1] الأحزاب: 38.

[2] ليست في اعلام الوري.

[3] النور: 32.

[4] الاحتجاج 469:2 ح 322، تفسير القمي 189: 1، تحف العقول: 451، روضةالواعظين: 239، الاختصاص: 98، الارشاد: 321، عيون المعجزات: 121، دلائل الامامة: 391 ح 345، المناقب لابن شهر آشوب 381: 4، اعلام الوري 101: 2، الثاقب في المناقب: 505 ح 433، وسائل الشيعة 187: 9 ح 1 و 518: 14 ح 1 و 2، الفصول المهمة: 256، حليةالأبرار 404: 2، بحارالأنوار 381: 10 ح 1 و 385 ح 2 و 74:50 ح 3 و 149:99 ح 7 و 271: 103 ح 22 و 334 ح 15، مستدرك الوسائل 253: 9 ح 10837 مع اختلاف و اختصار في بعض المصادر.