بازگشت

المقدمة


بسم الله الرحمن الرحيم

" الحمد لله وكفي، والصلاة علي رسوله المصطفي، وعلي آله أبوابالعلم والهدي، لا سيما بقية الله، باسط العدل والتقي، وقامع الجور والشقا، واللعن علي أعدائهم أزمة الظلم وأسباب الردي، من الان إلي يوم الملتقي ".

أما بعد:

فنوجز الكلام في هذه المقدمة علي هذه الموسوعة المباركة فنقول:

إن موضوعاتها ومطالبها تختص بتاسع الأئمة المعصومين عليهم السلام وهو:

الإمام الجواد محمد بن علي بن موسي الرضا عليه و علي آبائه السلام، أحد السادة النجباء النقباء، وعدل من أعدال القرآن، وعبد من عباد الله الذين اصطفاهم الله وأورثهم الكتاب، وممن كانوا والكتاب كالفرقدين، يصطحبان ولا يفترقان، يؤيد كل منهما الاخر، ويتقوي أحد الصاحبين بصاحبه، وقطعا يكون ما للكتاب من الحق والفضل علي الناس، لأهل البيت عليهم السلام أيضا، وما لأهل البيت عليهم السلام من ذلك للكتاب، وإن كان الكتاب الثقل الأكبر.

ولنوضح ذلك بمجمل من الكلام ويسير من المقال:

فالكتاب جعله الله قرآنا عربيا، أنزله علينا لنعقل عنه، ونتفهم منه، وإن كان عند الله سبحانه عليا حكيما، وكان بمأمن من تناول أيدينا.

وأهل البيت عليهم السلام هم كذلك، فقد كانوا أنوارا محدقين بعرشه، من الله بهم



[ صفحه 10]



علينا، فأنزلهم: (في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه) [1] ، لتعمنا بركاتهم: (فبهم فتح الله، وبهم يختم).

والكتاب قرآن، شامخ مقامه، عميق أثره، به يمكن أن تتزلزل الجبال، وتتقطع الأرض، وبه يكلم الموتي: (ولو أن قرآنا سيرت به الجبال، أو قطعت به الأرض، أو كلم به الموتي). [2] .

وأهل البيت عليهم السلام بهم (يمسك الله السماء أن تقع علي الأرض إلا بإذنه) والقرآن كتاب عزيز، (لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد) [3] .

وأهل البيت عليهم السلام آمنهم من الزلل، وطهرهم من الدنس، أنزل الله سبحانه فيهم: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) [4] .

والكتاب مهيمن علي سائر الكتب، وعلي زبر الأولين.

وأهل البيت عليهم السلام لو ثنيت لهم الوسادة، لحكموا لأهل التوراة بتوراتهم، ولأهل الإنجيل بإنجيلهم، ولأهل الزبور بزبورهم، ولكل جيل بدستورهم.

وللكتاب رموز وأسرار وآيات متشابهة، لا يقف عليها وعلي مراميها الناس، ولا يعلمها إلا الله والراسخون في العلم.

وأهل البيت عليهم السلام هم الراسخون في العلم، كانوا ثالث ثلاثة في الشهادة علي التوحيد، وثاني اثنين في الشهادة علي النبوة، وشاهدين يوم القيامة للأمة ولجميع الناس، ونوه بهم ربهم، الله سبحانه وتعالي في قوله المبين: (إنه لقرآن



[ صفحه 11]



كريم - في كتاب مكنون - لا يمسه إلا المطهرون) [5] .

وقد هتف بهم من ذي قبل: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا).

وقد أهاب سبحانه بالناس، وحذرهم الغفلة عن الثقلين، فقال بشأن الكتاب: (وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون) [6] .

وقال في حق أهل البيت عليهم السلام: (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) [7] .

وفي حجة الوداع شدد أمرهم وقواه، فقال عز من قائل: (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته) [8] .

وبين أن الرسالة وتبليغ الكتاب طيلة ثلاث وعشرين سنة، لا يتمان ولا يلتئمان إلا بتبليغ هذا الأمر الهام.

فلما قام صلي الله عليه وآله وسلم وبلغ ذلك، وأخذ من الناس البيعة له، قال سبحانه وتعالي: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا) [9] .

فأري وأنت معي أنه كانت لا تلتئم دعوة القرآن، ورسالة النبي صلي الله عليه وسلم حتي يتم هذا الأمر، ولما تم وقعت الرسالة موقع القبول، ووجد الكتاب موضعه، ورضي الله تعالي لنا الإسلام دينا، وأتم بذلك نعمته علينا وأكمل بفضله لنا



[ صفحه 12]



ديننا، فله الشكر علي ما أولينا.

فعلم المنصفون أن لا سبيل إلي الله سبحانه إلا بالتمسك بهذين الكريمين، وليس يصح ولا يجوز شرعا أن نقول: (حسبنا كتاب الله).

فقد أنذر سبحانه حبيبه ونجيبه، فقال: (وإن لم تفعل فما بلغت رسالته)، أي كنت كأنك لم تبلغ شيئا من رسالات ربك. وعلموا ببيان الرسول صلي الله عليه وسلم بأن هذين الصاحبين لا يفترقان.

ثم إن هذا المقام الرفيع وهو ولاية الإمامة، له في فسحة الوجود واقع يحاذيه، ووجود يمثله، وليس أمرا اعتباريا كما يفعله واحد من الناس لاخر من أصحابه، فيهب رئاسة الوزارة مثلا لأحد من الناس، فينفذ أمره، ويطيعه الناس شاءوا، أم أبوا، فهذا العطاء وآثاره ليس إلا أمورا اعتبارية، اصطلح عليها الناس لتمشية أمورهم، وليتخلصوا من الهرج.

وأما الولاية فتأييد بروح القدس، فهو ينزل علي الإمام فتصير النفس غير النفس، كما في نفخ الروح في الجسد، فيصير خلقا آخر.

قال أبو الحسن الهادي عليه السلام وهو بالمدينة: (إنا لله وإنا إليه راجعون مضي أبو جعفر عليه السلام). يعني أباه الكريم وهو ببغداد. قالوا: (وكيف عرفت ذلك)؟

قال عليه السلام: (لأنه تداخلني ذلة لله لم أكن أعرفها.)، علي حسب تعبير الكليني [10] .

وعلي حد تعبير إثبات الوصية كما نقله العلامة المجلسي [11] ، دخلني من إجلال الله جل وعز جلاله شئ علمت معه أن قد مضي أبو جعفر عليه السلام.



[ صفحه 13]



وهذا ليس ببدع، فقد آنسنا القرآن بذلك في أوليائه: (إذ قال الله يا عيسي ابن مريم، أذكر نعمتي عليك وعلي والدتك إذ أيدتك بروح القدس، تكلم الناس في المهد وكهلا...) [12] .

وبذلك قام عيسي عليه السلام بخلق طير من طين فنفخ فيه فصار حيا، وأبرأ الأبرص والأكمه وأحيي الموتي بإذن الله.

فالله سبحانه يتفضل علي الإمام ويهب له من عنده علما يري به ما وراء الحجاب، ويري ما يكون للناس إلي يوم القيامة، وبذلك العلم الذي آتاه الله يكون الامام شهيدا علي الناس في ما يعملون في دنياهم ويشفع لهم عند بارئهم في آخرتهم، وبذلك الروح القدسي يفعل ما يفعل في الموجودات، وينفذ فيهم ما يريد، فيشفي المريض، ويبرأ الأكمه والأبرص، علي خلاف السنة الجارية.

وبذلك أعطي يحيي الحكم صبيا، وتكلم عيسي في المهد، وكأن يحيي كان مقدمة لعيسي لتزول عنهم الدهشة، إذ رأوا قبل ذلك في يحيي ما رأوه، فسهل عليهم الأمر في عيسي في ولادته بغير أب، وفي تكلمه في المهد صبيا.

وقد امتاز الإمام الجواد عليه السلام بالنظر إلي من سلف من الأئمة عليهم السلام بتلك الميزة، فقام بالأمر في السابعة من عمره، ونهض بأعباء الإمامة، وحير الناس بما أبدي من المسائل الدينية الدقيقة في أيام إمامته، كما حير من قبل عيسي ويحيي عليهما السلام أهل زمانهم. وكأنه عليه السلام كان كيحيي مقدمة لمن يقوم بأعباء الإمامة ويتصدي لإزالة الجور والعدوان، ويبسط العدل علي بسيطة الأرض، ويحقق وعد الله أن يرث الأرض عباده الصالحون.



[ صفحه 14]



كان أبو جعفر الجواد عليه السلام مقدمة لبقية الله ولي العصر القائم بأمر الناس روحي له الفداء في الخامسة من عمره الشريف. قام عليه السلام بذلك بتأييد من روح القدس ومهمة الإمامة في صغر السن، وفي محيط خاص، وفي برهة قصيرة من الدهر، لها شادة [13] مخصوصة، فقد انتشر فيها ما ليونان وغيرها من الأمم الراقية من الفلسفة والعلوم، ما لم يقف عليها العرب والمسلمون من قبل.

فاضطرب أمر الناس، وتشوشت الأذهان، وتسربت الشبهات في النفوس، وكثر فيهم أهل الكلام، وتجمع علماء الملل والنحل، فاضطلع الإمام عليه السلام، بإزاحة ما شغل بال الناس من الالتباسات الطارئة عليهم وما يجابهون من المسائل المستغلقة، فأضاء لهم السبيل، ونور الأفكار، وحل المشكلات، وأوضح المعضلات، وكشف عن الغوامض والمبهمات من دقائق المسائل التي لم يسبق لغيره بيانها.

فمن ذلك ما سأله مشاهير علماء عصره عن أعقد المسائل في الفقه والكلام والفلسفة، فأجابهم بما اشتهر وذاع، وصار حديث الأندية والمجالس، وما زال يذكر بالاعجاب والاكبار علي امتداد التاريخ، ولاغرو، فإنهم كالنجوم يهتدي بهم في ظلمات البر والبحر، يقومون بإسعاف الناس وقضاء حوائجهم في كل عصر، وفي كل مصر.

ألم تر أن أبا جعفر الأول منهم: محمد بن علي الباقر عليه السلام، نهض بنشر السنة عندما فتح باب تدوين الرواية بعد ما كان مسدودا قرابة قرن سده الخليفة الثاني، ولأمر ما جدع قصير أنفه، فقام ولم يأل جهدا حتي أضاء للسائلين الطريق، ونهج لهم المنهج، فأخذوا منه عليه السلام مناسكهم، وسائر مسائلهم، وظهر



[ صفحه 15]



عيانا للقاصي والداني ما كان مخبأ من سننهم في المخابئ خوفا من إظهارها ونشرها.

وأبو جعفر الثاني روحي فداه بقيامه بتوضيح ما تبهم علي المسلمين من أمور دينهم وبتمييزه لحقائق الشرع المبين عما عارضه من معارف مخالفيه يكون قد بسط للناس علمه، فارتووا من نميره العذب، وعينه الصافية، ما أغناهم عن الرجوع إلي غيره، فتتابعت الأسئلة عليه، واكتظ بابه بالسائلين، وأجاب في بعض الأندية سؤالات أعلامهم الأفذاذ، كقاضي القضاة يحيي بن أكثم، وفرع مسائله فروعا كثيرة، فتحير وملكه العجب العجاب، وإن كان قد سبقه إلي ذلك أبوه الكريم علي بن موسي الرضا سلام الله عليه ببرهة قليلة، إذ حضر في الأندية العلمية الشهيرة التي أعدها له المأمون وأتي من البيان بما عجب منه الحاضرون.

وكم كان علماء ذلك الزمان الذين لم تقع بأيديهم تفاصيل محاضر تلك الجلسات العلمية العالية والأسئلة والأجوبة التي طرحت فيها، يتمنون الظفر بنصوص مباحثاتها.

وعلي ذكر الندوات التي كانت تعقد في ذلك العصر نقول:

إنا نشاهد اليوم بحمد الله وبعد قيام الثورة الإسلامية المباركة في مدينة قم المحروسة، بلدة العلم والاجتهاد، ومبعث النور والجهاد، نشاطات دراسية كبيرة، ومجالس علمية هامة تطرح فيها وتناقش، أهم المسائل الدينية والعلمية، ويشارك فيها أفاضل طلاب العلم وأساتذتهم ومدرسيهم، وتأتينا بثمار طيبة ونتائج حسنة، وقد نمت هذه المجالس واتسع نطاقها بعد مجيئ الثورة المباركة، وبفضل ما توليها من حماية ورعاية، وكان من آثارها الحميدة مساندتها لانعقاد المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد قدس سره فنأمل أن تكون:



[ صفحه 16]



(كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوي علي سوقه يعجب الزراع...) [14] . ونتفاءل بها ونرجو أن تستمر ويقوي شطؤها ويقوي حتي قيام مولانا صاحب العصر عجل الله تعالي فرجه الشريف إن شاء الله.

ومما يدعونا إلي التفاؤل وجود هذا الجم الغفير من أعلام أهل العلم الكرام في هذا البلد الامن وانهماكهم المستمر في الدرس والتدريس وفي بث المعارف الإسلامية الصحيحة ونشرها بين الناس عن طريق التأليف والتحقيق والطبع، أخص هنا منهم بالذكر، الفاضل العليم حجة الإسلام والمسلمين السيد محمد الحسيني القزويني، حياه الله وبياه، وحياهم وبياهم، وشكر سعيه ومساعيهم، وأفاض سجال توفيقه وكرمه عليه وعليهم، وأمده وأمدهم بإمداد غيبي وبأموال وبنين علي ما يقتضيه جوده وفضله.

هذا، مع إني لا أعلم هناك نعمة أفضل للمسلم من الود لأهل البيت النبوي عليهم السلام وأتباعهم وهم بحمد الله ومنه متمتعون بهذه النعمة.

هذا ولم يغب عن بالنا هنا جهود الذين تولوا طبع هذه الموسوعة الشريفة المختصة بجواد أهل البيت عليهم السلام وما بذلوه من عناية بالغة بإخراجها علي الوجه المطلوب، فنتضرع إلي المولي جل شأنه أن يضاعف لهم الأجر والثواب ويمن عليهم بالصحة والعافية والعمر الطويل حتي يوفقوا لطبع وإخراج سائر الموسوعات المتعلقة بأئمتنا المعصومين سلام الله عليهم أجمعين.

حرره العبد المبتلي: أبو القاسم الخزعلي أحد المدرسين بقم المشرفة وعضو صيانة الدستور للجمهورية الإسلامية

21 رجب المرجب 1419



[ صفحه 5]




پاورقي

[1] النور: 24 / 36.

[2] الرعد: 13 / 31.

[3] فصلت: 41 / 42.

[4] الأحزاب: 33 / 33.

[5] الواقعة: 56 / 77 79.

[6] الانعام: 6 / 155.

[7] المائدة: 5 / 55.

[8] المائدة: 5 / 67.

[9] المائدة: 5 / 3.

[10] الكافي: 1 / 381.

[11] البحار: 27 / 291.

[12] المائدة: 5 / 110.

[13] شادة: علامة، آية.

[14] سورة الفتح: 29.