بازگشت

مع أبي يزيد البسطامي


(382) 1 الحر العاملي رحمه الله: روي الحافظ أبو نعيم من علماء أهل السنة في كتاب (حلية الأولياء)، علي ما وجدته منقولا عنه بخط بعض أصحابنا، قال:

حكي أبو يزيد البسطامي قال: خرجت من بسطام [1] قاصدا لزيارة



[ صفحه 231]



البيت الحرام، فمررت بالشام إلي أن وصلت إلي دمشق، فلما كنت بالغوطة [2]

مررت بقرية من قراها، فرأيت في القرية تل تراب، وعليه صبي، رباعي السن يلعب بالتراب.

فقلت في نفسي: هذا صبي إن سلمت عليه لما يعرف السلام، وإن تركت السلام أخللت بالواجب، فأجمعت رأيي علي أن أسلم عليه، فسلمت عليه.

فرفع رأسه إلي وقال: والذي رفع السماء وبسط الأرض، لولا ما أمر الله به من رد السلام لما رددت عليك، استصغرت أمري، واستحقرتني لصغر سني!؟

عليك السلام ورحمة الله وبركاته وتحياته ورضوانه.

ثم قال: صدق الله:(وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها) [3] . وسكت.

فقلت: (أو ردوها). فقال: ذاك فعل المقصر مثلك.

فعلمت أنه من الأقطاب المؤيدين.

فقال: يا أبا يزيد! ما أقدمك إلي الشام من مدينتك بسطام؟

فقلت: يا سيدي! قصدت بيت الله الحرام إلي أن قال: فنهض، وقال:

أعلي وضوء أنت؟ قلت: لا!

فقال: اتبعني! فتبعته قدر عشر خطا، فرأيت نهرا أعظم من الفرات.

فجلس وجلست، وتوضأ أحسن وضوء وتوضأت.

وإذا قافلة مارة، فتقدمت إلي واحد منهم، وسألته عن النهر؟



[ صفحه 232]



فقال: هذا جيحون [4] . فسكت.

ثم قال لي الغلام: قم! فقمت معه، ومشيت معه عشرين خطوة، وإذا نحن علي نهر أعظم من الفرات وجيحون.

فقال لي: اجلس! فجلست ومضي.

فمر علي أناس في مركب لهم، فسألتهم عن المكان الذي أنا فيه؟

فقالوا: نيل مصر [5] ، وبينك وبينها فرسخ أو دون فرسخ، ومضوا، فما كان غير ساعة إلا وصاحبي قد حضر، وقال لي: قم! قد عزم علينا.

فقمت معه قدر عشرين خطوة، فوصلنا عند غيبوبة الشمس إلي نخل كثير، وجلسنا، ثم قام، وقال لي: امش!

فمشيت خلفه يسيرا، وإذا نحن بالكعبة إلي أن قال: فسألت الرجل الذي فتح الكعبة، فقال: هذا سيدي محمد الجواد صلي الله عليه.

فقلت: الله أعلم حيث يجعل رسالاته [6] .



[ صفحه 233]




پاورقي

[1] بسطام: بالكسر ثم السكون: بلدة كبيرة بقومس علي جادة الطريق إلي نيسابور بعد دامغان بمرحلتين، معجم البلدان: ج 1، ص 421.

[2] الغوطة: بالضم ثم السكون، وهي الكورة التي منها دمشق، استدارتها ثمانية عشر ميلا يحيط بها جبال عالية من جميع جهاتها، ولا سيما من شماليها، فإن جبالها عالية جدا ومياهها خارجة من تلك الجبال، وتمد في الغوطة في عدة أنهر فتسقي بساتينها وزروعها، معجم البلدان:ج 4، ص 219.

[3] النساء: 4 / 86.

[4] جيحون بالفتح: أصل اسم جيحون بالفارسية هارون، وهو اسم وادي خراسان علي وسط مدينة يقال لها جيهان، فنسبه الناس إليها، وقالوا: جيحون علي عادتهم في قلب الألفاظ.

يجيئ جيحون من موضع يقال له: ريوساران، وهو جبل يتصل بناحية السند والهند وكابل، ومنه عين تخرج من موضع يقال له. عند ميس. معجم البلدان: ج 2، ص 196.

[5] نيل مصر: ينبوعه من وراء خط الاستواء من جبل هناك يقال له: حيل القمر، هو تعريب نيلوس من الرومية، ومن عجائب مصر النيل جعله الله لها سقيا يزرع عليه ويستغني به عن مياه المطر في أيام القيظ إذا نضبت المياه من سائر الأنهار.

وليس في الدنيا نهر يصب من الجنوب إلي الشمال إلا هو ويمتد في أشد ما يكون من الحر حين تنقص أنهار الدنيا ويزيد بترتيب وينقص بترتيب بخلاف سائر الأنهار. (معجم البلدان:ج 5، ص 334 و 336).

[6] إثبات الهداة: ج 3، ص 348، ح 79، عن كتاب حلية الأولياء، ولم نجده في المطبوع.

قطعة منه في ف 3، ب 1، (لعبه بالتراب)، وف 6، ب 1، (النساء: 4 / 86)، وف 7، ب 1، (موعظته عليه السلام في رد السلام)، وف 8، ب 1، (احتجاجه عليه السلام مع أبي يزيد البسطامي).