بازگشت

خطبته البليغة


(369) 1 أبو جعفر الطبري رحمه الله: وحدثني أبو المفضل محمد بن عبد الله، قال: حدثني جعفر [بن محمد] بن مالك الفزاري، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل الحسني، عن أبي محمد الحسن بن علي عليهما السلام، قال: كان أبو جعفر



[ صفحه 203]



شديد الأدمة [1] ولقد قال فيه الشاكون المرتابون وسنه خمسة وعشرون شهرا: إنه ليس هو من ولد الرضا عليه السلام.

وقالوا لعنهم الله: إنه من شنيف [2] الأسود مولاه، وقالوا: من لؤلؤ، وإنهم، أخذوه، والرضا عند المأمون، فحملوه إلي القافة، وهو طفل بمكة في مجمع من الناس بالمسجد الحرام، فعرضوه عليهم، فلما نظروا إليه، وزرقوه [3] بأعينهم، خروا لوجوههم سجدا، ثم قاموا.

فقالوا لهم: يا ويحكم! مثل هذا الكوكب الدري، والنور المنير، يعرض علي أمثالنا، وهذا والله، الحسب الزكي، والنسب المهذب الطاهر، والله ما تردد إلا في أصلاب زاكية، وأرحام طاهرة، ووالله ما هو إلا من ذرية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، ورسول الله، فارجعوا واستقيلوا الله، واستغفروه، ولا تشكوا في مثله.

وكان في ذلك الوقت سنه خمسة وعشرين شهرا، فنطق بلسان أرهف [4] .

من السيف، وأفصح من الفصاحة، يقول:

الحمد لله الذي خلقنا من نوره بيده، واصطفانا من بريته، وجعلنا أمناءه علي خلقه ووحيه.

معاشر الناس! أنا محمد بن علي الرضا بن موسي الكاظم بن جعفر الصادق ابن محمد الباقر بن علي سيد العابدين بن الحسين الشهيد بن أمير المؤمنين



[ صفحه 204]



علي بن أبي طالب، وابن فاطمة الزهراء، وابن محمد المصطفي. ففي مثلي يشك، وعلي وعلي أبوي يفتري، وأعرض علي القافة!؟

وقال: والله! إنني لأعلم بأنسابهم من آبائهم، إني والله لأعلم بواطنهم وظواهرهم، وإني لأعلم بهم أجمعين، وما هم إليه صائرون، أقوله حقا، واظهره صدقا، علما ورثناه الله قبل الخلق أجمعين، وبعد بناء السماوات والأرضين.

وأيم الله! لولا تظاهر الباطل علينا، وغلبة دولة الكفر، وتوثب أهل الشكوك والشرك والشقاق علينا، لقلت قولا يتعجب منه الأولون والآخرون.

ثم وضع يده علي فيه، ثم قال: يا محمد! اصمت، كما صمت آباؤك(فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل ولا تستعجل لهم) [5] . إلي آخر الآية.

ثم تولي الرجل إلي جانبه، فقبض علي يده ومشي يتخطي رقاب الناس، والناس يفرجون له.

قال: فرأيت مشيخة ينظرون إليه، ويقولون:(الله أعلم حيث يجعل رسالته) [6] .

فسألت عن المشيخة؟

قيل: هؤلاء قوم من حي بن هاشم، من أولاد عبد المطلب.

قال: وبلغ الخبر، الرضا علي بن موسي عليهما السلام، وما صنع بابنه محمد.

فقال: الحمد لله! ثم التفت إلي بعض من بحضرته من شيعته، فقال: هل علمتم ما قد رميت به مارية القبطية، وما ادعي عليها في ولادتها إبراهيم بن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم؟!



[ صفحه 205]



قالوا: لا، يا سيدنا! أنت أعلم، فخبرنا؟ لنعلم.

قال: إن مارية لما أهديت إلي جدي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، أهديت مع جوار قسمهن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم علي أصحابه، وظن بمارية من دونهن، وكان معها خادم يقال له (جريح) يؤدبها بآداب الملوك، وأسلمت علي يد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، وأسلم جريح معها، وحسن إيمانهما وإسلامهما، فملكت مارية قلب رسول الله فحسدها بعض أزواج رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم.

فأقبلت زوجتان من أزواج رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم إلي أبويهما تشكوان رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم فعله وميله إلي مارية، وإيثاره إياها عليهما، حتي سولت لهما أنفسهما أن يقولا: إن مارية إنما حملت بإبراهيم من جريح، وكانوا لا يظنون جريحا خادما زمنا [7] .

فأقبل أبواهما إلي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وهو جالس في مسجده، فجلسا بين يديه، وقالا: يا رسول الله! ما يحل لنا ولا يسعنا أن نكتمك ما ظهرنا عليه من خيانة واقعة بك.

قال: وماذا تقولان؟

قالا: يا رسول الله! إن جريحا يأتي من مارية الفاحشة العظمي، وإن حملها من جريح، وليس هو منك يا رسول الله!

فأربد [8] وجه رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، تلون لعظم ما تلقياه به، ثم قال: ويحكما!

ما تقولان؟!



[ صفحه 206]



فقالا: يا رسول الله! إننا خلفنا جريحا ومارية في مشربة، وهو يفاكهها [9] .

ويلاعبها، ويروم منها ما تروم الرجال من النساء، فابعث إلي جريح فإنك تجده علي هذه الحال، فأنفذ فيه حكمك وحكم الله تعالي.

فقال النبي صلي الله عليه وآله وسلم: يا أبا الحسن! خذ معك سيفك ذا الفقار، حتي تمضي إلي مشربة مارية، فإن صادفتها وجريحا كما يصفان، فأخمدهما ضربا.

فقام علي عليه السلام واتشح بسيفه، وأخذه تحت ثوبه، فلما ولي ومر من بين يدي رسول الله أتي إليه راجعا، فقال له: يا رسول الله! أكون فيما أمرتني كالسكة المحماة في النار، أو الشاهد يري مالا يري الغائب؟

فقال النبي صلي الله عليه وآله وسلم: فديتك يا علي! بل الشاهد يري مالا يري الغائب.

قال: فأقبل علي وسيفه في يده حتي تسور [10] من فوق مشربة مارية، وهي جالسة وجريح معها، يؤدبها بآداب الملوك، ويقول لها: أعظمي رسول الله، وكنيه، وأكرميه، ونحوا من هذا الكلام حتي نظر جريح إلي أمير المؤمنين وسيفه مشهر بيده، ففزع منه جريح وأتي إلي نخلة في دار المشربة، فصعد إلي رأسها، فنزل أمير المؤمنين إلي المشربة، وكشف الريح عن أثواب جريح، فانكشف ممسوحا، فقال: أنزل يا جريح!

فقال: يا أمير المؤمنين! آمن علي نفسي؟

قال: آمن علي نفسك.

قال: فنزل جريح، وأخذ بيده أمير المؤمنين، وجاء به إلي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، فأوقفه بين يديه، وقال له: يا رسول الله! إن جريحا خادم ممسوح.



[ صفحه 207]



فولي النبي صلي الله عليه وآله وسلم بوجهه إلي الجدار، وقال: حل لهما يا جريح! واكشف عن نفسك حتي يتبين كذبهما. ويحهما! ما أجرأهما علي الله وعلي رسوله!

فكشف جريح عن أثوابه، فإذا هو خادم ممسوح كما وصف. فسقطا بين يدي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، وقالا: يا رسول الله! التوبة، استغفر لنا، فلن نعود.

فقال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: لا تاب الله عليكما، فما ينفعكما استغفاري ومعكما هذه الجرأة علي الله وعلي رسوله.

قالا: يا رسول الله! فإن استغفرت لنا رجونا أن يغفر لنا ربنا، وأنزل الله الآية التي فيها:(إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم) [11] .

قال الرضا علي بن موسي عليهما السلام: الحمد لله الذي جعل في وفي ابني محمد، أسوة برسول الله وابنه إبراهيم.

ولما بلغ عمره ست سنين وشهور قتل المأمون أباه وبقيت الطائفة في حيرة، واختلفت الكلمة بين الناس، واستصغر سن أبي جعفر عليه السلام وتحير الشيعة في سائر الأمصار [12] .



[ صفحه 208]




پاورقي

[1] الأدمة: السمرة، لون مشرب سوادا أو بياضا. لسان العرب: ج 12، ص 11 (أدم).

[2] في نوادر المعجزات: سعيد بدل (شنيف) وفي الهداية الكبري: سيف.

[3] زرقوه: زرقت عينه نحوي: إذا تقلبت فظهر بياضها، مجمع البحرين: ج 5، ص 176، (زرق).

[4] أرهف السيف: حدده ورقق حده. أقرب الموارد: ج 1، ص 439 (رهف).

[5] الأحقاف: 46 / 35.

[6] الأنعام: 6 / 124.

[7] الزمانة: عدم بعض الأعضاء وتعطيل القوي، أقرب الموارد: ج 1، ص 475 (زمن).

[8] أربد وجهه وتربد: احمر حمرة فيها سواد عند الغضب، لسان العرب: ج 3، ص 17(ربد).

[9] فاكهه: مازحه، تفاكه القوم: تمازحوا أقرب الموارد: ج 2، ص 940، (فكه).

[10] تسورته: أي علوته، لسان العرب: ج 4، ص 386 (سور).

[11] التوبة: 9 / 80.

[12] دلائل الإمامة: ص 384، ح 342.عنه مدينة المعاجز: ج 7، ص 264، ح 2312، وحلية الأبرار: ج 4، ص 534، ح 2. مشارق أنوار اليقين: ص 98، س 20.عنه حلية الأبرار: ج 4، ص 540، ح 3، والبحار: ج 50، ص 108، ح 27، قطعة.الهداية الكبري: ص 295، س 13، بتفاوت.عنه البرهان: ج 3، ص 127، ح 5، قطعة منه.المناقب لابن شهرآشوب: ج 4، ص 387، س 1، قطعة مرسلا.عنه البحار: ج 50، ص 8، ضمن ح 9.قطعة منه في ب 3، (علمه عليه السلام بأنساب الناس)، وف 1، ب 2، (أسماؤه عليه السلام)، ف 4، ب 3،(كيفية خلقهم واصطفائهم وجعلهم الأمناء)، وف 6، ب 1، (الأحقاف: 46 / 35) (الأنعام:6 / 124).