بازگشت

مناظرته مع مخالفيه لما أراد أن يزوج بنت المأمون


عن الريان بن شبيب قال : لما اراد المأمون ان يزوج ابنته ام الفضل اباجعفر محمد بن علي عليه السلام بلغ ذلك العباسيين، فغلظ عليهم و استكبروه، و خافوا ان ينتهي الامر معه الي ما انتهي اليه مع الرضا عليه السلام، فخافوا في ذلك.

و اجتمع منهم اهل بيته الادنون منه، فقالوا : ننشدك الله يا اميرالمؤمنين ان تقيم علي هذا الامر الذي قد عزمت عليه من تزويج ابن الرضا، فانا نخاف ان تخرج به عنا امرا قد ملكناه الله، و تنزع منا عزا قد البسناه الله، فقد عرفت ما بيننا و بين هؤلاء القوم قديما و حديثا، و ما كان عليه الخلفاء الراشدين قبلك، من تبعيدهم و التصغير بهم، و قد كنا في وهلة من عملك مع الرضا ما عملت حتي كفانا الله المهم من ذلك، فالله الله ان تردنا الي غم انحسر عنا، و اصرف رأيك عن ابن الرضا، و اعدل الي من تراه من اهل بيتك يصلح لذلك دون غيره.

فقال لهم المأمون : اما ما بينكم و بين آل ابي طالب فانتم السبب فيه، ولو انصفتم القوم لكانوا اولي بكم، و اما ما كان يفعله من قبلي بهم فقد كان به قاطعا للرحم، و اعوذ بالله من ذلك، و والله ما ندمت علي ما كان مني من استخلاف الرضا، و لقد سألته ان يقوم بالامر و انزعه عن نفسي فابي، و كان امر الله قدرا مقدورا، و اما ابوجعفر محمد بن علي قد اخترته لتبريزه علي كافة اهل الفضل في العلم و الفضل مع صغر سنه و الاعجوبة فيه بذلك، و انا ارجو ان يظهر للناس ما قد عرفته منه، فيعلموا ان الرأي ما رأيت فيه.

فقالوا : ان هذا الفتي و ان راقك منه هديه، فانه صبي لا معرفة له و لا فقه، فامهله ليتأدب و يتفقه في الدين، ثم اصنع ما تراه بعد ذلك.

فقال لهم : ويحكم! اني اعرف بهذا الفتي منكم، و ان هذا من اهل بيت علمهم من الله و مواده و الهامه،لم يزل آباؤه اغنياء في علم الدين و الادب عن الرعايا الناقصة عن حد الكمال، فان شئتم فامتحنوا اباجعفر بما يتبين لكم به ما وصفت عن حاله.

قالوا له : قد رضينا لك يا اميرالمؤمنين و لانفسنا بامتحانه، فخل بيننا و بينه لننصب من يسأله بحضرتك عن شي ء من فقه الشريعة، فان اصاب الجواب عنه لم يكن لنا اعتراض في امره، و ظهر للخاصة و العامة سديد رأي اميرالمؤمنين، و ان عجز عن ذلك فقد كفينا الخطب في معناه.

فقال لهم المأمون : شأنكم ذاك و متي اردتم، فخرجوا من عنده، و اجتمع رأيهم علي مسألة يحيي بن اكثم - و هو قاضي الزمان - ان يسأله مسألة لا يعرف الجواب فيها، و وعدوه باموال نفيسة علي ذلك، و عادوا الي المأمون فسألوه ان يختار لهم يوما للاجتماع، فاجابهم الي ذلك.

فاجتمعوا في اليوم الذي اتفقوا عليه، و حضر معهم يحيي بن اكثم، فامر المأمون ان يفرش لابي جعفر عليه السلام دست و يجعل له فيه مسورتان، ففعل ذلك، و خرج ابوجعفر عليه السلام و هو يومئذ ابن تسع سنين و اشهر، فجلس بين المسورتين، و جلس يحيي ابن اكثم بين يديه، وقام الناس في مراتبهم، و المأمون جالس في دست متصل بدست ابي جعفر عليه السلام.

فقال يحيي بن اكثم للمأمون : اتأذن لي يا اميرالمؤمنين ان اسأل اباجعفر؟ فقال له المأمون : استأذنه في ذلك، اقبل عليه يحيي بن اكثم فقال : اتأذن لي جعلت فداك في مسألة؟ قال له ابوجعفر عليه السلام : سل ان شئت، قال يحيي : ما تقول جعلني الله فداك في محرم قتل صيدا؟

فقال له ابوجعفر عليه السلام : قتله في حل او حرم؟ عالما كان المحرم ام جاهلا؟ قتله عمدا او خطأ؟ حرا كان المحرم ام عبدا؟ صغيرا كان ام كبيرا؟ مبتدءا بالقتل ام معيدا؟ من ذوات الطير كان الصيد ام من غيرها؟ من صغار الصيد كان ام من كباره؟ مصرا علي ما فعل ام نادما؟ في الليل كان قتله للصيد ام نهارا؟ محرما كان بالعمرة اذ قتله ام بالحج كان محرما؟

فتحير يحيي بن اكثم و بان في وجهه العجز و الانقطاع، و لجلج حتي عرف جماعة اهل المجلس امره.

فقال المأمون :الحمدلله علي هذه النعمة و التوفيق لي في الرأي، ثم نظر الي اهل بيته و قال لهم : اعرفتم الان ما كنتم تنكرونه؟

ثم اقبل علي ابي جعفر فقال له : أتخطب يا اباجعفر؟ قال : نعم، يا اميرالمؤمنين، فقال له المأمون : اخطب جعلت فداك لنفسك فقد رضيتك لنفسي و انا مزوجك ام الفضل ابنتي و ان رغم قوم لذلك.

فقال ابوجعفر عليه السلام : الحمدلله اقرارا بنعمته، و لا اله الا الله اخلاصا بوحدانيته، و صلي الله علي محمد سيد بريته و الاصفياء من عترته، اما بعد : فقد كان من فضل الله علي الانام ان اغناهم بالحلال عن الحرام، فقال سبحانه : «و انكحوا الايامي منكم و الصالحين من عبادكم و امائكم ان يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله و الله واسع عليم» [1] ، ثم ان محمد ابن علي بن موسي يخطب ام الفضل بنت عبدالله المأمون، و قد بذل لها من الصداق مهر جدته فاطمة بنت محمد صلي الله عليه و اله، و هو خمسمائة درهم جيادا، فهل زوجتني يا اميرالمؤمنين بها علي هذا الصداق المذكور؟

قال المأمون : نعم قد زوجتك يا اباجعفر ابنتي علي هذا الصداق المذكور، فهل قبلت النكاح؟

فقال ابوجعفر عليه السلام : قد قبلت ذلك و رضيت به، فامر ان يقعد الناس علي مراتبهم في الخاصة و العامة.

قال الريان : و لم تلبث ان سمعنا اصواتا تشبه اصوات الملاحين في محاوراتهم، فاذا الخدم يجرون سفينة مصنوعة من الفضة مشدودة بالحبال من الابريسم علي عجلة مملوة من الغالية.

فامر المأمون ان تخضب لحي الخاصة من تلك الغالية، ثم مدت الي دار العامة فطيبوا منها، و وضعت الموائد فاكل الناس، و خرجت الجوائز الي كل قوم علي قدرهم.

فلما تفرق الناس و بقي من الخاصة من بقي، قال المأمون لابي جعفر عليه السلام : ان رأيت جعلت فداك ان تذكر الفقه فيما فصلته من وجوه قتل المحرم الصيد لنعلمه و نستفيده.

فقال ابوجعفر عليه السلام : نعم، ان المحرم اذا قتل صيدا في الحل و كان الصيد من ذوات الطير و كان من كبارها فعليه شاة، فان اصابه في الحرم فعليه الجزاء مضاعفا، فاذا قتل فرخا في الحل فعليه حمل قد فطم من اللبن، و اذا قتله في الحرم فعليه الحمل، و قيمة الفرخ، و ان كان من الوحش و كان حمار وحش فعليه بقرة، و ان كان نعامة فعليه بدنة، و ان كان ظبيا فعليه شاة.

فان قتل شيئا من ذلك في الحرم فعليه الجزاء مضاعفا هديا بالغ الكعبة، و اذا اصاب المحرم ما يجب عليه الهدي و كان احرامه بالحج نحره بمني، و ان كان احرامه بالعمرة نحره بمكة، و جزاء الصيد علي العالم و الجاهل سواء، و في العمد له المأثم و هو موضوع عنه في الخطأ، و الكفارة علي الحر في نفسه، و علي السيد في عبده، و الصغير لا كفارة عليه، و هي علي الكبير واجبة و النادم يسقط ندمه عنه عقاب الاخرة و المصر يجب عليه العقاب في الاخرة.

فقال له المأمون : احسنت يا اباجعفر احسن الله اليك، فان رايت ان تسأل يحيي عن مسألة كما سالك.

فقال ابوجعفر عليه السلام ليحيي : اسألك؟ قال : ذلك اليك جعلت فداك، فان عرفت جواب ما تسألني عنه و الا استفدته منك.

فقال له ابوجعفر عليه السلام : اخبرني عن رجل نظر الي امراة في اول النهار، فكان نظره اليها حراما عليه، فلما ارتفع النهار حلت له، فلما زالت الشمس حرمت عليه، فلما كان وقت العصر خلت له، فلما غربت الشمس حرمت عليه، فلما دخل عليه وقت العشاء الاخرة حلت له، فلما كان انتصاف الليل حرمت عليه، فلما طلع الفجر حلت له، ما حال هذه المرأة؟ و بماذا حلت له و حرمت عليه؟

فقال له يحيي بن اكثم : و الله ما اهتدي الي جواب هذا السؤال، و لا اعرف الوجه فيه، فان رايت ان تفيدناه.

فقال ابوجعفر عليه السلام : هذه امة لرجل من الناس نظر اليها اجنبي في اول النهار، فكان نظره اليها حراما عليه، فلما ارتفع النهار ابتاعها من مولاها فحلت له، فلما كان عند الظهر اعتقها فحرمت عليه، فلما كان وقت العصر تزوجها فحلت له، فلما كان وقت المغرب ظاهر منها فحرمت عليه، فلما كان وقت العشاء الاخرة كفر عن الظهار فحلت له، فلما كان في نصف الليل طلقها واحدة فحرمت عليه، فلما كان عند الفجر راجعها فحلت له.

قال : فاقبل المأمون علي من حضره من اهل بيته فقال لهم : هل فيكم يجيب عن المسألة بمثل هذا الجواب او يعرف القول فيما تقدم من السوال؟ قالوا : لا و الله ان اميرالمؤمنين اعلم بما راي.

فقال لهم : ويحكم! ان اهل هذا البيت خصوا من الخلق بما ترون من الفضل، و ان صغر السن فيهم لا يمنعهم من الكمال، اما علمتم ان رسول الله صلي الله عليه و اله افتتح دعوته بدعاء اميرالمؤمنين علي ابن ابي طالب عليه السلام و هو ابن عشر سنين، و قبل منه الاسلام و حكم له به، و لم يدع احد في سنه غيره، و بايع الحسن و الحسين عليهماالسلام و هما ابنا دون ست سنين و لم يبايع صبيا غيرهما، افلا تعلمون الان ما اختص الله به هؤلاء القوم، و انهم ذرية طيبة من بعض يجري لاخرهم ما يجري لاولهم.

قالوا : صدقت يا اميرالمؤمنين، ثم نهض القوم.


پاورقي

[1] نور : 32.