بازگشت

الامام الجواد يعود الي المدينة


لقد روي الرواة ان الامام الجواد (ع) بعد ان تزوج من ابنة المأمون رجع الي المدينة و معه زوجته ام الفضل و خرج الناس لوداعه، و لما صار الي شارع باب الكوفة و معه الناس يشيعونه وانتهي الي دار المسيب كما جاء في رواية المفيد، نزل و دخل المسجد و كان في صحنه نبقة لم تحمل بعد فدعا بكوز فيه ماء فتوضأ في اصل النبقة و قام و صلي بالناس صلاة المغرب و بعد الفراغ منها جلس هنيهة يذكر الله سبحانه، ثم قام فصلي النوافل و عقب تعقيبها و خرج فلما انتهي الي النبقة رآها الناس و قد حملت حملا خسنا فتعجبوا من ذلك و أكلوا منه فوجدوا نبقا حلوا لا عجم له و ودعوه فمضي من وقته الي المدينة، فلم يزل بها الي ان اشخصه المعتصم في أول سنة خمس و عشرين و مائتين الي بغداد فأقام بها حتي توفي في آخر ذي القعدة من تلك السنة.

و لم يحدد الرواة السنة التي خرج فيها من بغداد الي المدينة مع زوجته ام الفضل، و لا السنة التي وقع فيها الزواج، و ان كانت رواية المفيد صريحة في انه كان له من العمر تسع سنين يوم جري الحوار بينه و بين يحيي بن اكثم، و يظهر منها لأول نظرة انه بعد الحوار و خذلان المعارضين لفكرة الزواج من بني العباس نفذ المأمون رغبته و عقد له علي ابنته خلال تلك المدة، ولكنها ليست ظاهرة في ذلك ظهورا تطمئن له النفس، و عبارة المسعودي في اثبات الوصية



[ صفحه 436]



تشعر بأن الزواج قد تم بعد ان بلغ الامام (ع) السن التي تؤهله لذلك، حيث جاء فيها لما توفي الرضا (ع) وجه المأمون الي ولده الجواد فحمله الي بغداد و أنزله بالقرب من داره و أجمع ان يزوجه من ابنته ام الفضل، و أضاف الي ذلك ابن الجوزي انه اكرمه و أعطاه ما كان يعطي اباه، كما و ان عبارة السيد الامين في الاعيان تشعر بأن الامام الجواد كانت اكثر اقامته في بغداد بعد زواجه، و قد خرج منها باذن المأمون الي الحج و معه زوجته ام الفضل في السنة التي توفي فيها المأمون في طرسوس حيث قال: ثم ان الجواد (ع) استأذن المأمون في الحج و خرج من بغداد متوجها الي المدينة و معه زوجته و بعد توجه الجواد الي المدينة توفي المأمون في طرسوس و بويع اخوه المعتصم، ثم ان المعتصم طلب الجواد و أحضره الي بغداد و مضي يقول: ان المسعودي قال في اثبات الوصية: خرج ابوجعفر (ع) في السنة التي خرج فيها المأمون الي البدندون من بلاد الروم بأم الفضل حاجا الي مكة و أخرج اباالحسن عليا ابنه معه و هو صغير فخلفه بالمدينة وانصرف الي العراق و معه ام الفضل بعد ان اشار الي ابي الحسن و نص عليه و أوصي اليه و توفي المأمون بالبدندون يوم الخميس 13 من رجب سنة 218، و لما انصرف ابوجعفر الي العراق لم يزل المعتصم و جعفربن المأمون يدبرون و يعملون الحيلة في قتله.

و صرح المفيد في ارشاده انه ورد بغداد في آخر شهر المحرم من سنة 220 و توفي بها في ذي القعدة من هذه السنة و في مورد آخر قال: انه بقي في المدينة الي ان اشخصه المعتصم الي بغداد سنة 225 و توفي في ذي القعدة من هذه السنة.

بهذا النوع من الغموض و التشويش تحدث المؤلفون عن المدة التي عاشها الامام الجواد بعد ابيه و المكان الذي كان يقيم فيه، و يمكن للباحث ان يستخلص من كلماتهم ان الامام (ع) بعد وفاة ابيه قد استدعاه المأمون لبغداد و أنزله بالقرب من داره و تظاهر في بره و اكرامه ليدفع عن نفسه تهمة قتل ابيه التي الصقت به و بعد ان بلغ السن التي تؤهله للزواج زوجه من ابنته



[ صفحه 437]



و بقي معه في بغداد الي السنة التي توفي فيها المأمون فاستأذنه الي الحج فخرج و مع زوجته و بقي في المدينة حتي استدعاه المعتصم بعد ان بويع بالخلافة سنة 220 أو سنة 225 و هي السنة التي توفي فيها الامام (ع) كما في رواية المفيد الثانية. هذا كل ما يمكن استخلاصه من كلماتهم حول زواجه و اقامته و وفاته، اما مدة اقامته في المدينة و في بغداد و تاريخ زواجه و وفاته فليس في الروايات التي تعرضت لهذه النواحي ما يوحي بالاطمئنان الي شي ء من ذلك علي وجه التحديد.

والشي ء الثابت انه عاش اطول فترة من حياته خلال حكم المأمون و انه لم يكن في ضيق من امره و لا مراقبا من احد و سواء كانت في بغداد ام في المدينة فقد استغلها لاداء رسالته واجتمع فيها الشيعة علي امامته و روي عنه الرواة عشرات الاحاديث في مختلف المواضيع.

و يجد المتتبع في مصادر الفقه الشيعي هنا و هناك ما يوحي بأن بعض الرواة كان يتصل به مباشرة فيقول سألت اباجعفر بالثاني، و بعضهم كان يكتب اليه فيقول كتبت اليه اسأله عن كذا، و أحيانا يقول الراوي سألت اباجعفر، و بما ان هذه الكنية مشتركة بينه و بين جده الباقر (ع) فاذا وردت الرواية بهذه الصيغة فلابد من الرجوع الي القرائن لتعيين احدهما.

و من امثله ما روي عنه ما جاء في الكافي عن علي بن مهزيار انه قال: كتب ابوالحسن بن الحصين معي الي ابي جعفر الثاني: جعلت فداك قد اختلف موالوك في صلاة الفجر فمنهم من يصلي اذا طلع الفجر الأول المستطيل في السماء، و منهم من يصلي اذا اعترض في أسفل الافق و استبان و لست اعرف افضل الوقتين فأصلي فيه فان رأيت ان تعلمني افضل الوقتين و تحده لي مع القمر و الفجر لأتبين معه حتي يحمر و يصبح و كيف اصنع مع الغيم و ما حد ذلك في السفر و الحضر، فكتب (ع) بخطه و قراءته: الفجر يرحمك الله هو الخيط الأبيض المعترض و ليس هو الأبيض صعداء، فلا تصل في سفر و لا حضر حتي تتبينه فان الله تبارك و تعالي لم يجعل خلقه في شبهة من



[ صفحه 438]



هذا فقال: (كلوا واشربوا حتي يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر) فالخيط الأبيض هو المعترض الذي يحرم به الأكل والشرب في الصوم، و هو الذي تجب عنده الصلاة.

و روي الكليني ايضا بسنده الي ابن مهزيار عن يحيي بن ابي عمران الهمداني انه قال: كتبت الي ابي جعفر الجواد (ع) جعلت فداك ما تقول في رجل ابتدأ ببسم الله الرحمن الرحيم في صلاته وحده في ام الكتاب، فلما صار الي غير ام الكتاب من السورة تركها، فقال العباسي: ليس بذلك بأس، فكتب بخطه يعيدها مرتين علي رغم انف العباسي [1] .

كما روي في الكافي عن سهل بن زياد بسنده الي محمد بن الوليد الكرماني انه قال: قلت لأبي جعفر الثاني (ع) ما تقول في المسك؟ فقال: ان ابي امر فعمل له مسك بسبعمائة درهم فكتب اليه الفضل بن سهل يخبره ان الناس يعيبون ذلك فكتب اليه: يا فضل اما علمت ان يوسف و هو نبي كان يلبس الديباج مزررا بالذهب و يجلس علي كراسي الذهب و لم ينقص ذلك من حكمته شيئا، و مضي الراوي يقول: ثم امر فعملت له غالية بأربعة آلاف درهم.

و جاء في المجلد الخامس من الكافي بسنده الي السياري عن احمد بن زكريا الصيدلاني عن رجل من بني حنيفة من أهل بست و سجستان انه قال: رافقك اباجعفر في السنة التي حج فيها في اول خلافة المعتصم فقلت له و أنا معه علي المائدة و هناك جماعة من اولياء السلطان: ان والينا جعلت فداك رجل يتولاكم اهل البيت و يحبكم و علي في ديوانه خراج فان رأيت جعلت فداك ان تكتب اليه كتابا بالاحسان الي فقال لي: لا اعرفه، فقلت: جعلت فداك انه علي ما قلت من محبيكم أهل البيت و كتابك ينفعني عنده، فأخذ القرطاس



[ صفحه 439]



و كتب: بسم الله الرحمن الرحيم اما بعد فان موصل كتابي هذا ذكر عنك مذهبا جميلا و ان ما لك من عملك الا ما احسنت فيه فاحسن الي اخوانك، واعلم بأن الله عزوجل سائلك عن مثاقيل الذر و الخردل.

و مضي يقول: فلما وردت سجستان سبق الخبر الي الحسين بن عبدالله النيسابوري و هو الوالي فاستقبلني علي فرسخين من المدينة فدفعت اليه الكتاب فقبله و وضعه علي عينيه، ثم قال لي: ما حاجتك قلت: خراج علي في ديوانك، فأمر بطرحه عني و قال لي: لا تؤد خراجا ما دام لي عمل، ثم سألني عن عيالي فأخبرته بمبلغهم فأمر لي و لهم بما يقوتنا و يفضل عنا فما اديت في عمله خراجا ما دام حيا و لا قطع عني صلته حتي مات.

كما روي عنه في المجلد الخامس من كتاب المعيشة بسنده الي ابي عمرو الحذاء انه قال: ساءت حالي فكتبت الي ابي جعفر الجواد (ع) فكتب الي: أدم قراءة انا ارسلنا نوحا الي قومه قال فقرأتها حولا فلم ار شيئا، فكتبت اليه اخبره بسوء حالي، و اني قد قرأت السورة كما امرتني، فكتب الي قد و في لك الحول، انتقل منها الي قراءة انا انزلناه، ففعلت كما امرني فما كان لا يسيرا حتي بعث الي ابن ابي دؤاد فقضي عني ديني و أجري علي و علي عيالي و وجهني الي البصرة في وكالته بباب كلاء و أجري علي خمسماية درهم، و كتبت من البصرة بعد وفاة ابي جعفر بواسطة علي بن مهزيار الي ابي الحسن الثالث (ع) اني كنت سألت اباك عن كذا و أجابني بكذا و قد نلت الذي احببت، فاخبرني يا مولاي كيف اصنع في قراءة انا انزلناه اقتصر عليها وحدها في فرائضي ام اقرأ معها غيرها، فوقع و قرأت التوقيع: لا تدع من القرآن قصيرة و طويلة و يجزيك من قراءة انا انزلناه يومك وليلتك مائة مرة.

و روي في الكافي ايضا عن سهل بن زياد بسنده الي علي بن اسباط انه كتب الي ابي جعفر الجواد (ع) في امر بناته و انه لا يجد احدا مثله فكتب اليه ابوجعفر: فهمت ما ذكرت من امر بناتك و انت لا تجد احدا مثلك فلا تنظر



[ صفحه 440]



في ذلك رحمك الله فان رسول الله (ص) قال: اذا جاءكم من ترضون خلقه و دينه فزوجوه الا تفعلوه تكن فتنة في الأرض و فساد كبير.

و جاء في رواية علي بن مهزيار عن محمد بن الحسن الاشعري انه قال: كتب بعض بني عمي الي ابي جعفر الثاني (ع): ما تقول يا ابن رسول الله في صبية زوجها عمها فلما اكبرت ابت التزويج فكتب بخطه: لا تكره علي ذلك والامر امرها.

و جاء في المجلد السابع من الكافي عن علي بن ابراهيم بسنده الي علي بن محمد بن سليمان النوفلي انه قال: كتبت الي ابي جعفر الثاني (ع) اسأله عن ارض اوقفها جدي علي المحتاجين من ولد فلان بن فلان و هم كثر متفرقون في البلاد فأجاب: ذكرت الأرض التي اوقفها جدك علي ولد فلان بن فلان و هي لمن حضر البلد الذي فيه الوقف و ليس لك ان تتبع من كان غائبا.

كما روي عنه بسنده الي محمد بن سليمان انه قال: قلت لأبي جعفر الثاني: كيف صار الزوج اذا قذف امرأته كانت شهادته اربع شهادات بالله و كيف لا يجوز ذلك لغيره، و اذا قذفها غير الزوج جلد الحد ولو كان ولدا او اخا، فقال (ع) قد سئل ابوجعفر الباقر عن هذا فقال: ألا تري انه اذا قذف الزوج امرأته قيل له و كيف علمت انها فاعلة، فان قال: رأيت ذلك بعيني كانت شهادته اربع شهادات بالله و ذلك انه قد يجوز للرجل ان يدخل المدخل في الخلوة التي لا تصلح لغيره ان يدخلها و لا يشهدها والد و لا ولد في الليل و النهار، فلذلك صارت شهادته اربع شهادات بالله اذا قال: رأيت ذلك بعيني، و اذا قال: فاني لم اعاين صار قاذفا علي حد غيره و ضرب الحد الا ان يقيم عليها البينة، و ان زعم غير الزوج اذا قذف و ادعي انه رآه بعينه قيل له و كيف رأيت ذلك و ما أدخلك ذلك المدخل الذي رأيت فيه هذا وحدك، أنت متهم في دعواك و ان كنت صادقا فأنت في حد التهمة فلا بد من أدبك بالحد الذي اوجبه الله عليك، و مضي يقول: و انما صارت شهادة الزوج اربع شهادات بالله لمكان الأربعة شهداء مكان كل شاهد يمين.



[ صفحه 441]



الي غير ذلك من الروايات الكثيرة الي احصاها له المحدثون و الفقهاء في مجاميع الفقه و الحديث في التشريع و غيره من المواضيع.

و ممن روي عنه من ثقات اصحابه و غيرهم ايوب بن نوح بن دراج الكوفي و كان من الصالحين علي حد تعبير الكشي في رجاله و من وكلاء الامامين الجواد و الهادي، و متهما بالثراء ولكنه لم يخلف سوي مائة و خمسين دينارا.

و جعفر بن محمد بن يونس الاحول، فقد روي عنه و عن أبيه الرضا و كان من اصحابه و وصفه المؤلفون في احوال الرجال بالفضل و العلم و عدوه من المؤلفين بين اصحاب الأئمة. [2] ، و جاء عنه في رواية طويلة انه قال: دخلت عليه فوجدته قائما علي دكان لم يكن فيه فرش فجاءه غلام بمصلي فألقاه له فجلس عليه فدهشت من هيبته و ذهبت لاصعد الدكان حيث هو من غير درجة فأشار لي الي موضع الدرجة فصعدت و سلمت فرد علي السلام و مد يده الي فأخذتها و قبلتها و وضعتها علي وجهي فأقعدني بيده فأمسكت يده مما داخلني من الدهشة فتركها في يدي فلما سكنت خليتها، و بلغته ان الريان بن شبيب يسألك الدعاء له و لولده فدعا له و لم يدع لولده كما جاء اخبار الرجال للكشي.

و من خواص اصحابه و الرواة عنه علي بن مهزيار الاهوازي و قد وصفه المؤلفون في احوال الرجال بالوثاقة و الجلالة وسعة المعرفة بالروايات و أضافوا الي ذلك انه كان من المختصين بأبي جعفر و من وكلائه، و قد ألف كما يدعي واصفوه ثلاثة و ثلاثين كتابا في مختلف المواضيع.

و منهم علي بن اسباط بن سالم و يكني بأبي الحسن المقري، و كان فطحيا كما يدعي المؤلفون في احوال الرجال ثم رجع الي الامام الشرعي و روي عن



[ صفحه 442]



ابي الحسن الرضا و ولده الجواد و كان من اوثق الناس و اصدقهم لهجة علي حد تعبير الشيخ محمد طه في الاتقان.

و ممن روي عنه الحسين بن سعيد الاهوازي و جاء في فهرست اسماء المؤلفين للطوسي انه روي عن الرضا و الجواد و أبي الحسن الثالث، و له ثلاثون كتابا، و يدعي بعض المؤلفين في احوال الرجال ان اخاه الحسن بن سعيد قد اشترك معه في تأليفها و جمعها.

و منهم شاذان بن الخليل النيسابوري و نوح بن شعيب البغدادي، و محمد بن احمد المحمودي و أبويحيي الجرجاني و هارون بن الحسن بن محبوب، و اسحاق بن اسماعيل النيسابوري، و احمد بن ابراهيم المراغي، و محمد بن الحسن بن شمون و غيرهم ممن لا يسعنا احصاؤهم و لا تعنينا هذه الناحية من سيرتهم الا من حيث صلتها بالتشريع و ببقية المواضيع الاسلامية التي انصرف الأئمة اليها و أعطوها كل عنايتهم و اهتمامهم و كان للثقات البررة من اصحابهم و رواة احاديثهم الفضل الاكبر في حفظها و نقلها للاجيال من بعدهم.



[ صفحه 443]




پاورقي

[1] هو هشام بن ابراهيم العباسي و كان يعارض الرضا و الجواد علي حد قول المعلق علي الكافي.

[2] نسبة الي القراطيس و كان يصنعها و يتاجر بها.