وترعرع الطفل الشريف في رعاية والده العظيم (ع) كما يترعرع الورد علي كف النسيم، يضفي عليه والده المعارف والأداب، فتجتمع أصول الحسب بشرف المحتد، فإذا بالمواهب تتفتح كما يتفتح الفجر عن صبح بهيج.

وإذا بمشيئة الله تتعلق علي أن يكون الطفل وهو في صباه سيداً وإماماً.



سبق الدهر كله في صباه

و مشي الدهر خادماً من ورائه



وعندما كان الإمام الجواد (ع) في الخامسة من عمره جاءت رسل المأمون العباسي تحث والده الإمام الرضا (ع) ليهاجر إلي العاصمة الجديدة للبلاد الإسلامية وهي خراسان، ويكون ولي العهد وذلك بعدما قتل المأمون أخاه الأمين، وكانت الظروف تُكره الإمام علي بن موسي (ع) علي أن يغادر المدينة إلي خراسان عاصمة المسلمين الجديدة، حيث إن الحرب التي قامت بين الأخوين العباسيين، الأمين والمأمون، كانت قد صرفت كثيراً من طاقات المسلمين وجعلتها وقوداً مشتعلاً لها، بل قامت ثورة خراسان علي كتف الشيعة هناك الذين استخدموا في ثورة العباسيين الأولي ضد الحكم الأموي، ثم سرقت ثورتهم بانحراف القادة وذهبت مساعيهم أدراج الرياح، وهذه الثورة الثانية قامت كرد فعل قوي لانحراف دفة الحكم عن آل بيت الرسول، أصحابه الشرعيين، والمأمون كان ممن تشيع ظاهراً ونادي بمبادئ الشيعة صريحاً في باكورة أمره، وأكره الإمام الرضا (ع) علي الرحيل إلي خراسان ليثبت فكرة تشيعه في قلوب التابعين ثم يصنع ما يشاء.

استعد الإمام الرضا للرحيل ولكنه كان يعلم يقيناً بما سوف يحدث له بعد سفره، إنها رحلة واضحة المعالم، ولكنها خطة يجب أن يسير عليها الإمام حسب الظروف وحسب التعاليم الظاهرية للدين الإسلامي، يجب عليه أن يبلّغ فيعذر، ويعمل حسب مقدرته علي بث الوعي الصحيح للمسلمين وإن كان ذلك سوف يؤدي بحياته الكريمة، ثم ودع أهله وجعل الخليفة عليهم ابنه الجواد، وهو ابن الخامسة فقط، لِمَا كان يعرف منه من الكفاءة الموهوبة، وراح الرضا يخترق السهل والجبل إلي خراسان حيث تستقبله الجماهير المؤمنة ويجعلونه ولياً لعهدهم، تنتقل إليه الخلافة الإسلامية بعد المأمون، وكانت الرسائل تربط بين الوالد والولد، فترد تباعاً بشأن الأمور الخاصة أو العامة.

أما الإمام الرضا (ع) فقد كان معجباً بنجله أيما إعجاب، فإذا جاءت رسالة عن الجواد (ع) وأراد أن يخبر شيعته بها قال: كتب لي أبو جعفر أو كتبت إلي أبي جعفر، فلا يقول ابني ولا يرضي باسمه الخاص، بل يكنيه إجلالاً واحتراماً.

وأما ولده التقي في المدينة فقد كان يختلف إليه الشيعة اختلافهم إلي والده الرضا (ع)، لأنهم كانوا يعرفون أنه إمامهم في المستقبل، وعلي حد تعبيرهم (إمامهم الصامت).

وذات يوم والشيعة في حضرة الجواد (ع) وفي مشهده إذ تغير حاله وأخذ يبكي، وعندما جاء الخادم، أمره بإقامة المأتم..

- عزاء من؟ ومأتم لمن؟ جعلت فداك.

- مأتم أبي الحسن الرضا (ع)، فقد استشهد الساعة في خراسان.

- بأبي أنت وأمي، خراسان قطر يبتعد عن المدينة آلاف الأميال، وتفصل بينهما سهول وجبال.

- نعم، دخلني ذل من الله عزّ وجلّ لم أكن أعرفه، فعرفت أن أبي قد توفي [1] .

وكان الإمام الجواد يكني بأبي جعفر ليكون تذكاراً لجده أبي جعفر بن علي الباقر (ع)، ولأئه لم يكن له

ولد يسمي بجعفر.

وكان يلقب بألقاب شتي، منها الجواد، والتقي، والمرتضي، والمنتجب، والقانع، بيد أن لقباً واحداً اشتهر به أكثر من غيره وهو “ ابن الرضا “ ذلك أن أباهه الإمام الرضا (ع) طار صيتُه في الآفاق لما اشتهر به من الفضل والجد فعرف الناس ثلاثة من أبنائه باسم ابن الرضا ولذلك كان كل من الإمام التاسع والعاشر والحادي عشر يعرفون بـ(ابن الرضا) لِمَا كان للرضا من الصيت الواسع الحسن بين المسلمين.