بازگشت

الجوائز


فلما كان من الغد أحضر الناس، وحضر أبو جعفر (ع)، وسار القواد والحجاب والخاصة والعمال لتهنئة المأمون وابي جعفر (ع)، فأخرجت ثلاثة أطباق من الفضة فيها بنادق [1] مسك زعفران معجون، في أجواف تلك البنادق رقاع مكتوبة بأموال جزيلة وعطايا سنية وإقطاعات [2] فأمر المأمون بنثرها علي القوم من خاصته، فكان كل من وقعت في يده بندقة أخرج الرقعة التي فيها، والتمسه فأطلق يده له.

ووضعت البدر، فنثرت ما فيها علي القواد وغيرهم (من كبار الموظفين) وانصرف الناس وهم أغنياء بالجوائز والعطايا، وتقدم المأمون بالصدقة علي المساكين كافة، ولم يزل مكرماً لأبي جعفر (ع)، معظماً لقدره مدة حياته، يؤثره علي ولده وجماعة أهل بيته [3] .

وحينما تم زواج الإمام بابنة المأمون، وبقي في بغداد مدة غير قليلة ناعماً مرفهاً يأتيه المسلمون، فينهلون من فيضه، ويستقون غمائمه، ما تغنيهم وترويهم، بيد أنه لم يكن يرضيه التنعم في قصور العباسيين تاركاً أمور الشيعة والمسلمين الدينية وراءه ظهريّاً، وكما يبدو أنه إن لم يكن قد أكرهته الظروف بالمقام في بغداد، لما أقام فيها إلاّ قليلاً.

يروي بعض أصحابه فيقول: دخلت عليه في بغداد ففكرت فيما به من نعم، وقلت في نفسي إن هذا الرجل لا يرجع إلي موطنه أبداً، فأطرق رأسه ثم رفعه وقد اصفر لونه، فقال: يا حسين خبز شعير وملح جريش في حرم رسول الله أحب إلي مما تراني فيه [4] .


پاورقي

[1] جمع بندقة، وهي شيء مدور يشبه الجوز.

[2] كان الملوك يهبون لبعض الأفراد قطعا كبيرة من الأراضي الأميرية، فكانت تسمي إقطاعاً.

[3] الاحتجاج: (ص 227 - 229) وبحار الأنوار: (ج 50، ص 73 - 77).

[4] مختار الخرائج والجرائح (ص 208).