بازگشت

الخطاب الأدبي الشيعي في خضم تداعيات الصراع العباسي


لم يقف جهاد الشيعة في العصر العباسي الأول في حدود النضال السياسي الذي التزمه أتباع أهل البيت عليهم السلام، بل تعدي الي المقاومة الثقافية و الفكرية.

فالعباسيون بالرغم من انتسابهم الي شعار «الرضا من آل محمد» من أجل تسويق حركتهم لدي العامة، الا أنهم تحركوا باتجاه المعارضة الفكرية للمذهب العلوي الذي يتزعمه آل البيت عليهم السلام، و جعلوه منافسهم الوحيد الذي يحسب له حسابه، و بالرغم من الاعتناء بالمنحي الأدبي لهذا العصر و مباراة شعرائه في مديح الخلفاء العباسيين، الا أن حالة حذر شديد أصابت الجهد الأدبي الشيعي ابان تلك



[ صفحه 127]



الفترة الحرجة.

فالعباسيون يرون أن منافسيهم من العلويين أوفر حظا لذي الامة، و هم يحاولون اثبات خلافتهم بما يتيح لهم قطع الطريق علي آل علي و شيعتهم من المطالبة بأحقية الخلافة، و يعملون علي نشر ثقافة الانتساب التي من شأنها أن تنقل العباسيين من أتباع الي متبوعين، بمعني أن دعوي الانتساب لأهل البيت قد أخذت مسارها في الثقافة العباسية، و استمكنت هذه الثقافة من الخطاب العباسي الذي برمجه أبوجعفر المنصور، و قدمه علي أنه الفسلفة الفكرية و الخطاب الرسمي للدولة العباسية القائمة علي التنافس للعلويين، لذا كانت سمة الخطاب العباسي يؤطره المنصور و من عقبه «بأننا أهل البيت»، أملا في أن تكون ثقافة الانتساب هذه قد أخذت محلها من قلوب العامة، الا أن ذلك لم يؤثر أثره في قناعة المسلمين، فالانتساب الحقيقي لأهل البيت عليهم السلام غير الانتساب السياسي لهم، و المسلمون كانوا يتعاطون مع هذا الخطاب بأنه الخطاب السياسي الذي لا يقوي علي الصمود أمام التحديات الحقيقة للانتساب الواقعي لآل البيت عليهم السلام..

الا أن هذا الخطاب لم يقف علي مستوي التسويق السياسي بقدر ما هو سياسة تصفية الخصوم و المنافسين، فالعلويون الأوفر حظا في التطلعات التي تحملها العامة حيال قضية الخلافة و كونهم الأجدر في الأهلية لهذا المنصب الالهي، نجد أن العباسيين علي مستوي التأييد العام تتراجع شعبيتهم بعد ما اكتشفوا سياسة التنكيل و القتل التي استخدمها المنصور قبالة الوجود العلوي، الذي كان سببا في انجاح عملية الثورة و الانقلاب علي الحكم الاموي، علي أمل أن يكون للعلويين حظوة الحكم و مسؤولية الدولة الجديدة، أو علي أقل تقدير سيكون هناك متنفس



[ صفحه 128]



من شأنه أن يعطي للعلويين حرية التحرك الطبيعي ضمن النظام العام، في حين يجد المسلمون أن العلويين صاروا الأكثر اضطهادا و تنكيلا ابان خلافة العباسيين، و حسابات العامة لم توفق في ظل العنف العباسي ضد أبناء عمومتهم العلويين حينما ظنوا بأن العباسيين مؤهلين لرفع الحيف آل علي و استرداد حقوقهم و اعادة اعتبارهم المسلوب.

و تتفاقم أزمة التنافس السياسي بين العباسيين و بين معارضيهم من آل علي، حتي يصل الأمر الي مصادرة الحقائق التاريخية؛ و ذلك من خلال ما بذلته الدولة العباسية من دعاوي استحقاق الخلافة و عدم مصداقية الوراثة لآل علي، و جعلت اعلامها موجها بحملته في أدبياتها العامة من أن الاستحقاق لخلافة النبي صلي الله عليه و آله هي لبني العباس دون آل علي، و أن دعاوي العلويين في الخلافة غير ثابتة، و يمكن ردها بما يتسني شعراء البلاط من تقديم الخطاب السياسي علي أساس شعري يتغني به في محافلهم الرسمية.

ففي بدايات العصر العباسي يشتد الصراع حول فلسفة الخلافة، و يشعر العباسيون أن العلويين يهددون وجودهم بالشرعية التي يمتاز بها آل علي في أحقية الخلافة، و لم يجد العباسيون من اسلوب رادع لاطروحات العلويين غير الاسلوب الاستباقي في محاولة تزوير الحقائق و مصادرة تلك المبادئ التي تعارف عليها المسلمون من كون الخليفة الشرعي بعد رسول الله صلي الله عليه و آله هو علي بن أبي طالب، في حين يعد بنوالعباس في مرتبة متأخرة من استحقاق الخلافة، و هم اليوم يتصدون لذلك و يجعلون أنفسهم الأحق و الأولي بخلافة رسول الله صلي الله عليه و آله دون غيرهم، و هي محاولات تحتاج الي جهد استثنائي في تغيير مسارات المفاهيم



[ صفحه 129]



العامة للخلافة الاسلامية، لذا فان الجهد الأدبي كان المتقدم في مخاض هذا التثقيف العكسي الذي يتزعمه أدباء البلاط، و لعل نموذج هذا العنف الفكري في فرض اطروحة الدولة يتزعمه مروان بن أبي حفصة، الذي كانت قصيدته بمثابة الخطاب الرسمي المتشدد الذي فرض رؤي العباسيين في الخلافة بقوله:



أني يكون و ليس ذاك بكائن

لبني البنات وراثة الأعمام؟



فكان ذلك الطرح مؤثرا علي المستوي العام في المفهوم الثقافي التأسيسي لاطروحة الخلافة، مما دعا شعراء الشيعة و هم في أوج الدفاع عن عقيدتهم و حقوق أئمتهم أن يتصدوا لهذا الطرح و الأدعاء؛ لذا فان جعفر بن عفان الطائي الشاعر الكوفي المعاصر للامام جعفر الصادق عليه السلام - المتوفي سنة 150 ه - انتفض بقصيدته المعروفة للرد علي تخرصات ابن أبي حفصة، فقال:



لم لا يكون و ان ذاك لكائن

لبني البنات وراثة الأعمام؟



للبنت نصف كامل من ماله

و العم متروك بغير سهام



ما للطليق و للتراث و انما

صلي الطليق مخافة الصمصام [1] .



و لعل ما قاله مروان ابن أبي حفصة قد أخذ مأخذه حتي بعد عقود، فكان أئمة آل البيت عليهم السلام يزعجهم هذا التهور في قلب الحقائق، و السعي من أجل تغيير مسارات المفهوم الاسلامي في الخلافة، فالامام الرضا يستذكر هذه الحادثة فيقول بعد أن دخل عليه جماعة فرأوه متغيرا، فسألوه عن ذلك؟ قال:

بت ليلتي ساهرا متفكرا في قول مروان بن أبي حفصة، و ذكر البيت المتقدم قال: ثم نمت فاذا أنا بقائل قد أخذ بعضادة الباب و هو يقول:



[ صفحه 130]



أني يكون و ليس ذاك بكائن

للمشركين دعائم الاسلام



لبني البنات نصيبهم من جدهم

و العم متروك بغير سهام



ما للطليق و للتراث و انما

سجد الطليق مخافة الصمصام



قد كان أخبرك القران بفضله

فمضي القضاء به من الحكام



ان ابن فاطمة المنوه باسمه

حاز الوراثة عن بني الأعمام



و بقي ابن نثلة واقفا مترددا

يبكي و يسعده ذوو الأرحام [2] .



و لم تكن دعوي العباسية بالاستحقاق الوراثي حديثة عهد في زمن الامام الصادق عليه السلام أي ايان بدايات العهد العباسي، بل أوعز أحد المحققين - و هو صاحب كتاب أدب الطف - الي أن المعني هذا لم يكن من ابتكار مروان ابن أبي حفصة، بل هو قد تسرب اليه من أحد موالي تمام بن معبد بن العباس بن عبدالمطلب، حيث كان يخاطب به الامام الحسن بن علي عليهماالسلام، فيقول له:



جحدت بني العباس حق أبيهم

فما كانت في الدعوي كريم العواقب



متي كان أولاد البنات كوارث

يحوز و يدعي والدا في المناسب [3] .



و هو يعني أن هذا الخطاب العباسي كان مبكرا جدا، أي بعيد شهادة الامام أميرالمؤمنين عليه السلام و في خلافة الامام الحسن بن علي عليهماالسلام، بالرغم من أن تقاربا في وجهات النظر بين العباسيين و بين آل علي - عدا ما ارتكبه عبيدالله بن العباس من



[ صفحه 131]



خيانته المعروفة مع الامام الحسن عليه السلام - كان موجودا، أي أن نزعة الخلاف علي وراثة النبي و خلافته مبكرة جدا تحظي بنزعة عباسية مبيتة؛ أخذت متنفسها ابان العهد العباسي، و عند اشتداد التنافس بين البيتين. و في القرن الثالث الهجري - و هو أوج التنافس العلوي العباسي - تشتد لهجة محاولات تفيد الاستحقاق الوراثي لخلافة النبي صلي الله عليه و آله من قبل الخطاب الرسمي العباسي، و الذي يمثله بأعنف صوره الخليفة العباسي عبدالله بن المعتز، الذي أنشد قصيدته المعروفة التي ينكر من خلالها استحقاق آل البيت وراثة النبي، و أنهم هم الأقرب في هذا الاستحقاق، فقال في بعض قصيدته:



ألا من لعيني و تسكابها

تشكي القذا و بكاها بها



ترامت بنا حادثات المنون

ترامي القسي بنشابها



و يا رب ألسنة كالسيوف

تقطع أرقاب أصحابها



و يقول فيها:



و نحن ورثنا ثياب النبي

فكم تجذبون بأهدابها



لكم رحم يا بني بنته

ولكن بنو العم أولي بها



و منها:

قتلنا امية في دارها

فنحن أحق بأسلابها



اذا ما دنوتم تلقيتم

زبونا أقرت بجلابها



و هو يحاول أن يجرد العلويين من حقوقهم في الخلافة، و يفتخر في الثورة علي الامويين، و بذلك فهم - علي حد تعبيره - أحق بالاستيلاء علي الخلافة بعد الامويين.



[ صفحه 132]



و قد تحدثنا في بداية البحث بأن اسقاط الدولة الاموية هي مبادرة علوية و فكرة اختص بها أبوهاشم محمد بن الحنفية، و تكلمنا عن ذلك باسهاب. و محاولة عبدالله بن المعتز في تحويل الخلافة بحسب دعواه من آل علي الي آل العباس دعوي خطيرة؛ اذ تتحدث عن الخطاب الرسمي العباسي الذي التزمه هذا الشاعر الخليفة.

و يبدو أن الردود علي هذه الدعوي كانت كثيرة، الا أنها مكتمة لم تر النور، و لم تستطع البوح و الانتشار الا بعد أربعة قرون حين تصدي الشاعر صفي الدين الحلي (752 - 677 ه) من الرد علي دعوي ابن المعتز ليجاري قصيدته بقصيدة طويلة يقول فيها:



ألا قل لشر عبيد الاله

و طاغي قريش و كذابها



و باغي العباد و باغي العناد

و هاجي الكرام و مغتابها



أأنت تفاخر آل النبي

فتجحدها فضل أحسابها؟!



بكم باهل المصطفي أم بهم

فرد العداة بأوصابها



أعنكم نفي الرجس أم عنهم

لطهر النفوس و ألبابها



أم اللهو و الخمر من دأبكم

و فرط التلاوة من دابها؟



و قلت: ورثنا ثياب النبي

فكم تجذبون بأهدابها؟



و عندك لا يورث الأنبياء

كيف حضيتم بأثوابها؟!



فكذبت نفسك في الحالتين

و لم تنه نفسك عن عابها



أجدك يرضي بما قلته

و ما كان يوما بمرتابها



و كان بصفين من حزبهم

لحرب الطغاة و أحزابها؟!



[ صفحه 133]



الي أن يقول:



و صلي مع الناس طول الحياة

و حيدر في صدر محرابها



فهلا تقمصها جدكم

اذا كان اذ ذاك أحري بها



و اذ جعل الأمر شوري لهم

فهل كان من بعض أربابها؟



أخامسهم كان أم سادسا

و قد جليت بين خطابها؟



و قولك أنتم بنو بنته

ولكن بنو العم أولي بها



بنو البنت أيضا بنو عمه

و ذلك أدني لأنسابها



فدع في الخلافة ذكر الخلاف

فلست ذلولا لركابها



و ما أنت و الفحص عن شأنها؟

و ما قمصوك بأثوابها



و ما ساورتك سوي ساعة

فما كنت أهلا لأسبابها



و كيف يخصوك يوما بها

و لم تتأدب بآدابها؟!



و قلت بأنكم القاتلون

اسود امية في غابها



كذبت و أسرفت فيما ادعيت

و لم تنه نفسك عن عابها



فكم حوالتها سراة لكم

فردت علي نكص أعقابها



و لولا سيوف أبي مسلم

لعزت علي جهد طلابها



و ذلك عبد لهم لا لكم

رعي فيكم قرب أنسابها



و كنتم اساري ببطن الحبوس

و قد شفكم لثم أعتابها



أفأخرجكم و حباكم بها

و قمصكم فصل جلبابها



فجازيتموه بشر الجزاء

لطغوي النفوس و اعجابها



فدع ذكر قوم رضوا بالكفاف

و جاؤوا الخلافة من بابها



[ صفحه 134]



هم الزاهدون هم العابدون

هم الساجدون بمحرابها



هم الصائمون هم القائمون

هم العالمون بآدابها



هم قطب ملة دين الاله

و دور الرحي حول أقطابها



عليك بلهوك بالغانيات

و خل المعالي لأصحابها



فذلك شأنك لا شأنهم

و جري الجياد بأحسابها [4] .



ان هذه القصيدة من القصائد المهمة التي أوضحت التطرف في الخطاب الرسمي العباسي، الذي حاول احالة مسألة الخلافة الي قضية سياسية تنافسية يراد من خلالها اقصاء المنافسين لهم؛ و ذلك في محاولة ازواء العلويين عن حقوقهم في الخلافة.

كانت قصيدة صفي الدين الحلي تمثل الخطاب العقائدي للامة الاسلامية، و الذي من خلاله يحاكم ابن المعتز علي تطرفه في نفي كثير من الحقائق، و ادعاء ما لا يمكن أن يصمد أمام أدني مراجعة تاريخية.

فصفي الدين الحلي يحاجج ابن المعتز بمواقف جده العباس بن عبدالمطلب الذي، رفض أن يكون طرفا في الخلافة مع وجود الامام علي بن أبي طالب عليه السلام، بل سعي العباس أن يدعم موقف ابن أخيه علي بعرض المبايعة عليه، و سيكون العباس قد أكد خلافة علي عليه السلام كونه شاهدا قويا في استحقاق علي للخلافة بوصية من رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم الا أن رفض علي لهذا العرض كان محسوبا له حسابه و هذه الطريقة من المبايعة السرية بل و الاسرية مرفوضة في مفهوم علي عليه السلام، فهو كما أعلن النبي صلي الله عليه و آله و سلم عن خلافته في غديرخم أمام الملأ من المسلمين؛ فان تجديد



[ صفحه 135]



بيعته في الأحداث الساخنة من انعقاد السقيفة و تربص الآخرين لمنصب الخلافة أبعد عليا ان يخوض مع الخائضين في اثبات حقه بالخلافة، و أرادها اختيارية بارادة الجميع أو الأكثر علي الأقل، دون أن تتدخل الارادات الشخصية في قضية تفوق السعي الاسري أو التنافس القبائلي، و هكذا نجح علي عليه السلام في عدم الانجرار بهذه التسابقات الخاسرة، و أبقي قضية الخلافة فوق كل الاعتبارات، و كونها قضية الهية بوصية السماء.

ثم يحتج الحلي بالقرب النسبي الذي جعله ابن المعتز حجه له، و أثبت أن آل علي عليه السلام هم الأقرب نسبا و حسبا، فهم أولاد بنت و أبناء عمومة، فلا يعدون الأباعد نسبة لأبناء عمومته صلي الله عليه و آله.

و من الطريف أن صفي الدين الحلي يذكر ابن المعتز بأنه ليس أهلا في المحاججة بالخلافة، فهو أضعف من أن يكون مطالبا بها و هم لم يستلمها سوي ساعة اشارة الي قصة خلافته التي دامت يوما واحدا فقط، و هي أقصر مدة لخليفة عباسي يستلم الخلافة بعد المقتدر الذي ثار عليه الأتراك و نصبوا مكانه ابن المعتز الملقب بالمرتضي بالله، ثم أرجح الأتراك المقتدر في اليوم الثاني و ألقي القبض علي ابن المعتز و اودع في السجن، ثم قتل صبرا، و بذلك فان صفي الحلي يلغي عن ابن المعتز امكانية الاستحقاق لمنصب الخلافة فضلا عن امكانية الدفاع عن بني أبيه في استحقاقهم للخلافة دون آل علي عليه السلام.

و القصيدة كذلك تبعد امكانية العباسيين عن استلام الخلافة لولا جهود أبي مسلم الخراساني، الذي قدم لهم امكانياته في الوصول الي الخلافة بسبب ما كان يعتقده أبومسلم من قرب العباسيين لآل علي عليه السلام، فهو رعاية لحق العلويين - كما



[ صفحه 136]



عليه أكثر المؤرخين مع تحفظنا علي هذا الاتجاه، و ليس هنا محل ذكره - عمل أبومسلم علي ايصال العباسيين الي هذه الخلافة، ثم هم لم يكافئوه الا بالقتل و التنكيل، و كأن الغدر كان لهم شيمة و عادة، و الظاهر أن الحلي لم يرد بذلك الدفاع عن أبي مسلم بقدر ما أراد ادانة العباسيين في كون تصفية الخصوم بل و حتي الحلفاء لأدني خلاف.

تلك هي سياسة عباسية متأصلة لا يمكن الغض عنها ضمن معطيات تعاملهم مع الخصوم السياسيين و العقائديين، و آل علي يمثلون كلا التوجهين في المخاصمة العقائدية و المنافسة السياسية مع العباسيين، فحال أبي مسلم الخراساني الحليف القوي مع العباسيين - و الذي كان سببا رئيسا في وصولهم الي الحكم - مصيره القتل لمجرد الشك في ولائه و انحراف توجهاته عنهم، فكيف بحال آل علي الأكثر تأثيرا علي العباسيين في منافساتهم و معارضتهم لهم؟!

و جهد آخر يستحق الوقوف لديه، و هو ما قدمه العباس بن الحسن بن عبيدالله بن العباس بن علي بن أبي طالب عليهم السلام - حفيد العباس بن علي شهيد كربلاء - من محاولة أدبية موفقة يستعرض فيها صلاحية العلويين، و أنهم هم مفخرة قريش، فاذا كانت لقريش مفخرة في انتساب العلويين لهم، و هو خطاب يستبطن المعارضة العنيفة للجهد العباسي الذي تزعمه أدباء البلاط في غضون عصر الرشيد العباسي الذي كان يحسب لهذا الأديب الهاشمي حسابه، و بذلك فسيكون شعره في هذا الخصوص خطابا رسميا علويا يوقف محاولات العباسيين في المفاخرة و دعوي استحقاق الخلافة، فيقول:



و قالت قريش لنا مفخر

رفيع علي الناس لا ينكر



[ صفحه 137]



فقد صدقوا لهم فضلهم

و بينهم رتب تقصر



و أدناهم رحما بالنبي

اذا فخروا فبه المفخر



بنا الفخر منكم علي غيركم

فأما علينا فلا تفخروا



ففضل النبي عليكم لنا

أقروا به بعدما أنكروا



فان طرتم بسوي مجدنا

فان جناحكم الأقصر [5] .



و هي أبيات يظهر فيها أحقية العلويين و تقدمهم علي غيرهم، و أن كل فخر و حسب و نسب فهو دونهم.

اذن فالخطاب الأدبي الشيعي ابان العهد العباسي الأول كان في صدد الدفاع عن مبتنيات الخلافة الاسلامية، و الحفاظ علي المفهوم المقدس لأساسيات النزاع بين فريقي المخاصمة العقائدية، و التي احيلت الي نزاع سياسي يأخذ مديات المواجهة و التصدي في بعض صوره، و الاطروحة الثقافية و الفكرية في صوره الاخري.

فعرض سريع لجهود الأدباء الشيعة ابان الامام الصادق عليه السلام و ما بعده يكشف مدي رغبة الأدب الشيعي في العمل علي تأصيل اطروحة الفلسفة الامامية في الخلافة، و أن الاستحقاق الحقيقي لهذا المنصب لا يناله الا أهله، و هم أئمة أهل البيت عليهم السلام؛ لذا فقد تعهد الأدب الشيعي في تلك الفترة الي تثبيت مبادئ الأهلية و الاستحقاق للوصول الي الخلافة، و ليس المدعيات السياسية التي تزعمها العباسيون و أتباعهم من شعراء البلاط.



[ صفحه 138]




پاورقي

[1] أدب الطف 193:1، عن الأغاني 45:9.

[2] أدب الطف 194:1.

[3] راجع أدب الطف 194: 1 و لعل ذلك تفرد به المحقق السيد جواد شبر في ارجاع مروان بن أبي حفصة بسرقته الي مولي تمام.

[4] معجم شعراء الحسين عليه السلام 461:1.

[5] الفصول المختارة للسيد المرتضي: ص 41، أدب الطف: 1 / 227، أعيان الشيعة: 7 / 411.