بازگشت

ما منا الا قائم بأمر الله


مع تزايد الاهتمام في قضية الامام المهدي عليه السلام من لدن المجتمع الاسلامي؛ و ذلك بسبب تصاعد و تيرة الظلم و استشراء الفساد، دفع الناس الي أن تتوجه أنظارهم للمنقذ الموعود، و تمني هؤلاء أن يرتفع ما يعانيه المجتمع من ظلم و فوضي في المفاهيم الاسلامية بظهور من يعيد للأمة شخصيتها الاسلامية المفقودة، و توسل اولئك المحيطون بالأئمة من أهل البيت عليهم السلام أن يكون صاحبهم هو القائم الموعود، و الامام الجواد أحد أولئك المؤمل فيهم القيام بأمر الله، الا أن الامام الجواد يحاول أن يبعد هذه الفكرة، و يقرب صفات القائم عليه السلام الي أذهان الناس، بقوله لعبدالعظيم الحسني رضي الله عنه حين سأله عن القائم، حيث قال:



[ صفحه 95]



قلت لمحمد بن علي موسي عليهم السلام: يا مولاي، اني لأرجو أن تكون القائم من أهل بيت محمد الذي يملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت ظلما و جورا.

فقال عليه السلام: «ما منا الا قائم بأمر الله، و هاد الي دين الله، ولكن القائم الذي يطهر الله به الأرض من أهل الكفر و الجحود، و يملأ الأرض قسطا و عدلا هو الذي تخفي علي الناس ولادته، و يغيب عنهم شخصه، و تحرم عليهم تسميته، و هو سمي رسول الله و كنيه، و هو الذي تطوي له الأرض، و يذل له كل صعب، يجتمع اليه من أصحابه عدة أهل بدر ثلاثمائة و ثلاثة عشر رجلا من أقاصي الأرض؛ و ذلك قول الله (أين ما تكونوا يأت بكم الله جميعا ان الله علي كل شي ء قدير) [1] ، فاذا اجتمعت له هذه العدة من أهل الاخلاص أظهر الله أمره، فاذا كمل له العقد و هو عشر آلاف رجل خرج باذن الله، فلا يزال يقتل أعداء الله حتي يرضي عزوجل».

قال عبدالعظيم: فقلت له: يا سيدي، فكيف يعلم أن الله رضي؟

قال: «يلقي في قلبه الرحمة، فاذا دخل المدينة أخرج اللات و العزي فأحرقهما» [2] .

و لم يكن عبدالعظيم قد اختلط عليه أمر قائمهم عليهم السلام، فهو الحامل لأحاديثهم، و الحافظ لتراثهم، و القيم علي رواياتهم ايان اشتداد الأمر علي شيعتهم و ملاحقتهم اياهم، فكان عبدالعظيم الحسني مهاجرا الي حيث حفظ نفسه الشريفة و تراث أئمته المقدس، حرصا منه علي ايصال هذا الكم الهائل من تراثهم الي أجيال شيعتهم، و هو الملازم لهم عليهم السلام في أحلك الظروف، فكيف يغيب عن عبدالعظيم مسألة القائم



[ صفحه 96]



و تشخيصه حتي يختلط عليه الأمر فيسأل الجواد عليه السلام عن كونه القائم أم لا؟!

و علي ما يبدو أن عبدالعظيم أراد أن يسأل الامام الجواد عليه السلام عن القائم ليبعد شبهة الضعفاء الذين يتوسلون بأي شخصية يجدون فيها مواصفات خاصة يقتنعون بها، فيجعلون صاحبها مؤهلا لأن يكون المهدي، و قد انخرط في شبهة المهدوية الكثير، حيث نسبوها الي بعض الأئمة عليهم السلام، كالامامين الصادق و الكاظم عليهماالسلام، و لبعض أبناء الأئمة أبناء الأئمة كذلك، و الظاهر أن ضيق الظروف الأمنية و الاختناق السياسي الذي تفرضه السلطة تدفع بالبعض الي اضطراب العقيدة المهدوية لديهم، فيأملون أن يكون الامام الحاضر هو قائم آل البيت عليهم السلام، و هو ما دعا عبدالعظيم الحسني أن يثير هذا التساؤل الخطير، و قد أضاف عبدالعظيم بسؤاله هذا للامام تراثا مهدويا مهما، و رؤية ناضجة معصومة؛ كي تعرف الامة في ظل هذه الظروف امامها و واقعه الذي يحبط به.


پاورقي

[1] البقرة: 148.

[2] الاحتجاج: 2 / 481، ح 324، اكمال الدين: 2 / 377، ح 2، ب 36، عنه البحار: 52 / 283، ح 10.