بازگشت

القراءة (4)


يمثل فقه يحيي بن أكثم بأنه الفقه المقابل لمدرسة أهل البيت عليهم السلام أو الفقه الرسمي الذي تتعاطي معه الدولة، في حين يعد فقه أهل البيت عليهم السلام هو الفقه المطارد، و في جولة المناظرة التي أقامها المأمون بطلب من العباسيين، ظهر مستوي هذا الفقه مقابل تدني مؤهلات أصحابه، فهو مهزوم أمام مماظره الآخر «فقه علي عليه السلام»، الذي مثله محمد بن علي الجواد عليه السلام، و هو الشعور الكامن في دواخل المأمون،بل العامة كذلك، الا أن الغلبة السياسية تلعب دورها في الترهيب الثقافي، و توجهات المدارس الفكرية المناوئة لأهل البيت عليهم السلام تعطي انطباعا عاما عن الفقه الرسمي بأنه هو الفقه الذي يمثل التيار العام، فكانت جولة المناظرة هذه امتحانا لأهلية هذا الفقه، و كانت خسارة بن أكثم في المناظرة انعكاسا لمدي صلاحية هذا الفقه الذي مثله، بخلاف العمق و الموضوعية التي تجلت علي طروحات محمد بن علي الفقهية.

و لم يكتف المأمون بالهزيمة التي لحقت بيحيي بن أكثم جراء هذه المناظرة، بل زاد علي ذلك بأن طلب من الامام الجواد عليه السلام أن يسأل يحيي ليؤكد هزيمة العباسيين في هذه الجولة، و انتصار الجانب الذي كان يلتزمه المأمون، و هو الطرف التقليدي المعارض للعباسيين، و لما لم يستطع ابن أكثم الاجابة علي مسألة الامام



[ صفحه 83]



أعلن المأمون انتصاره علي خصومه العباسيين، فأقبل علي توبيخهم و تأنيبهم لموقفهم المتشدد ضد آل البيت عليهم السلام.

«فأقبل المأمون علي من حضره من أهل بيته فقال لهم: هل فيكم من يجيب هذه المسألة بمثل هذا الجواب، أو يعرف القول فيما تقدم من السؤال؟ قالوا: لا و الله، ان أميرالمؤمنين أعلم و ما رأي.

فقال: ويحكم، ان أهل هذا البيت خصوا من الخلق بما ترون من الفضل، و ان صغر السن فيهم لا يمنعهم من الكمال. أما علمتم أن رسول الله صلي الله عليه و آله افتتح دعوته بدعاء أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام و هو ابن عشر سنين، و قبل منه الاسلام و حكم له به، و لم يدع أحدا في سنه غيره، و بايع الحسن و الحسين عليهماالسلام و هما ابنان دون الست سنين، و لم يبايع صبيا غيرهما؟! أو لا تعلمون ما اختص الله به هؤلاء القوم، و انهم ذرية بعضها من بعض، يجري لآخرهم ما يجري لأولهم؟!

فقالوا: صدقت يا أميرالمؤمنين: ثم نهض القوم». [1] .

كان هذا التنظير الذي قدمه المأمون اطروحة لمشروعه و مسوغات لاجراءاته التي وقف حيالها العباسيون موقف الناقم و المعارض، و لم يبد العباسيون أي اعتراض في هذا الشأن؛ و ذلك لما للمأمون من حجج أفحمت معارضيه، و أوقفت حملات السخط الذي بدأ، تعاطي العباسيين مع المأمون كونه خارجا علي نظامهم التقليدي في العداء لآل علي (عليهم السلام) و شيعتهم.


پاورقي

[1] كشف الغمة: 2 / 870 - 869.