بازگشت

قصيدة في مدح الامام الجواد (محمد حسين الاصفهاني)


لحجة الاسلام آيةالله الشيخ محمدحسين الأصفهاني المتوفي سنة 1361 ه.



سبحان من جاد علي الذوات

بمقتضي الأسماء و الصفات



فقد تجلي باسمه الجواد

في مصدر الخيرات و الأيادي



في عنصر النبوة الخيميه

بصورة الولاية العليه



حقيقة الأمانة المعروضة

رقيقة الديانة المفروضة



صحيفة المكارم الجميلة

لطيفة المعارف الجليلة



[ صفحه 28]



سر النبي خاتم النبوة

في العلم و الحكمة و المروة



و مهجة المخصوص بالأخوة

في الحلم و الاباء و الفتوة



سليل ياسين و سبط طاها

فقد تعالي شرفا وجاها



سلالة الخليل في وفائه

و صفوة الصفي في صفائه



ساحل جوده هو الجودي

به نجي ربنا نجي



بل هو للكليم تاج رأسه

في بطشه و في شديد بأسه



بل هو روح الروح في ابن مريم

و هو من الكلام أم الكلم



و حشمة الله رهين نعمته

في ملكه و علمه و حكمته



و لا تري في الأنبياء مكرمة

الا و فيه كل معني الكلمة



و وجهه صمباح نور النور

طلعته منصة الظهور



و نور وجهه كنور الباري

يذهب بالألباب و الأبصار



غرته بارقة الكمال

شارقة الجلال و الجمال



و عينه في عالم التكوين

انسان عين الحق و اليقين



و قلبه عرش مليك المعرفة

بل عرش من لا اسم له و لا صفه



و صدره خزانة الغيوب

في سره مسرة القلوب



لسانه شريعة الأحكام

لا بل لسان الوحي و الالهام



لسانه ينطق لا عن الهوي

فانه من شديد في القوي



يمثل النبي في منطقه

فان هذا النور من مشرقه



كأنه أريد ذاك المنطق

هذا كتابنا عليكم ينطق



كلامه أم جوامع الكلم

و منه سر الكل في الكل علم



كلامه هو الكتاب الناطق

آياته الغر هي الحقائق



حقيقة أسبع المثاني ذاته

و الكلمات كلها آياته



سر علي في علو المنزلة

فهو اذا نقطة باء البسملة



و ليس عاليات الأحرف

الا رموز سر سره الخفي



[ صفحه 29]



وجوده مصباح أنوار الهدي

وجوده مفتاح أبواب الندي



دليل أهل الأرض و السماء

بل سره معلم الأسماء



هو الجواد لا الي نهاية

وجوده غاية كل غاية



هو الجواد بالوجود الساري

وجوده مظهر جود الباري



هو الجواد المحض لا لغاية

فانه المبدء و النهاية



و كل ما في الكون فيض جوده

و الجود كالذاتي في وجوده



و من بديع جوده الابداع

فانه لأمره مطاع



فالمبدعات من معالي هممه

و الكائنات نبذة من كرمه



و جنة النعيم من نعمائه

و كيف و الجواد من أسمائه



هو الجواد بالعلوم و الحكم

بل كل ما في الكون يسطر القلم



له يد المعروف بالمعارف

فانها قرة عين العارف



بل يده البيضاء تعالت عن صفه

اذ هي بيضاء سماء المعرفة



و هي يد الجواد بالافاضة

أكرم بهذه اليد الفياضة



و باب أبواب المراد بابه

و الحرز من كل البلا حجابه



كهف الوري و غوث كل ملتجي

في الضيق و الشدة باب الفرج



و كعبة البيت لكل ناسك

و قبلة الضراح للملائك



معتكف للتاليات ذكرا

مختلف المدبرات أمرا



و هو مدار الفلك الدوار

و مركز الثابت و السيار



و الحجب السبعة سر بابه

و الحضرات الخمس في قبابه



و العرش كرسي بباب داره

و مستوي الرحمة في جواره



كيف و باب الجود للجواد

و اسم الجواد مبدء الايجاد



و كم لأرباب العقول المرسله

باب من الخير و باب الجود له



كل المعالي في أئمة الوري

هو الجواد أولا و آخرا



و كلهم أسماء حسني الباري

و الجود مبدء الوجود الساري



[ صفحه 30]



و كلهم جواهر الكنز الخفي

و اسم الجواد مبدء التعرف



و كل اسم مبدء العناية

و اسم الجواد مبدء و غايه



من جاد ساد فله السياده

في ملكوت الغيب و الشهادة



و المكرمات كلها في الجود

أكرم به من خلق محمود



عين الرضا لابد منه فيه

فهو اذا سر الرضا أبيه



بل هو كالكاظم في مراتبه

فان كظم الغيظ جود صاحبه



يمثل الصادق فيما وعدا

اذ صادق الوعد جوادا بدا



يمثل الباقر في المكارم

فان نشر العلم جود العالم



يمثل السجاد في فضائله

فان بذل الجود جود باذله



و ليس كالشهيد من جواد

بالنفس و الأموال و الأولاد



و كمن كعمه الزكي المجتبي

فانه الكريم من آل العبا



بل حلمه من جود العظيم

فلا أحق منه بالتكريم



هو الجواد صفوة الأجواد

و نخبة الوجود و الايجاد



يمثل المبدء جودا جوده

و المثل الأعلي له وجوده



كل مبادي الجود و الايجاد

لا تنتهي الا الي الجواد



كأن ماء الحيوان جوده

حياة كل ممكن وجوده



و ليس في الأيدي يد الأيادي

علي الوري الا يد الجواد



و لا يد المعروف الا يده

فهو لكل مصدر مورده



هو الجواد لا جواد غيره

لا خير في الوجود الا خيره



و جاد بالتكوين و التشريع

بمقتضي مقامه المنيع



حتي اذا لم تبق منه باقية

جاد بأنفس النفوس الراقية



جاد بنفسه سميما ضاميا

نال من الجود مقاما ساميا



و العروة الوثقي التي لا تنفصم

تقطعت ظلما بسم المعتصم



قضي شهيدا و هو في شبابه

دس اليه السم في شرابه



[ صفحه 31]



أفطر عن صيامه بالسم

فانفطرت منه سماء العلم



و انشقت السماء بالبكاء

علي عماد الأرض و السماء



و انطمست نجومها حيث خبا

بدر المعالي شرفا و منصبا



و انتثرت كواكب السعود

علي نظام عالم الوجود



و كادت الأرض له تميد

بأهلها اذ فقد العميد



قضي بعيد الدار عن بلاده

و عن عياله و عن أولاده



تبكي علي غربته الأملاك

تنوح في صريرها الأفلاك



تبكيه حزنا أعين النجوم

تلعن قاتليه بالرجوم



و ناحت العقول و الأرواح

بل ناحت الأظلال و الأشباح



صبت عليه أدمع المعالي

هدت له أطوادها العوالي



بكت لربانيها العلوم

ناحت علي حافظها الرسوم



قضي شهيدا و بكاه الجود

كأنه بنفسه يجود



يبكي علي مصابه محرابه

كأنه أصابه مصابه



تبكي الليالي البيض بالضراعة

سودا الي يوم قيام الساعة



تعسا و بؤسا لابنة المأمون

من غدرها لحقدها المكنون



فانها سر أبيها الغادر

مشتقة من أسوء المصادر



قد نال منها من عظائم المحن

ما ليس ينسي ذكره مدي الزمن



فكم سعت الي أبيها الخائن

به لما فيها من الضغائن



حتي اذا تم لها الشقاء

أتت بما اسود به الفضاء



سمته غيلة بأمر المعتصم

و الحقد داء هو يعمي و يصم



ويل لها مما جنت يداها

و في شقاها تبعت أباها



بل هي أشقي منه اذ ما عرفت

حق وليها و لا به وفت



و لا تحننت علي شبابه

و لا تعطفت علي اغترابه



تبت يداها ويدا أبيها

مصيبة عز العزاء فيها



[ صفحه 32]