بازگشت

رعاية الامام لأوليائه في ذات الله


و كانت عناية الامام بأوليائه لا تحدها حدود، فهو يبرهم و يدعو لهم، و يسعي في قضاء حوائجهم و يواسيهم في الضراء و السراء، و يشاركهم آلامهم و آمالهم، و لا يبخل بجاهه عليهم و يعلي من شأن أبرارهم و يكرم ذوي الثبات و التمحيص فيهم و يعظم أهل الدين و يتابع خطوات السائرين في درب جهاد النفس و التضحية و له في ذلك دلائل و شواهد و براهين نخلص منها أن الامام في الرعيل الأول من الذابين عن أحبائه و أتباعه و من المباركين لالتزامهم و تحفظهم و احتياطهم و من الداعين الي تسديد خطاهم، و من الداعين الي تصحيح أخطائهم فله في كل قلب جذوة و في كل درب شعله و في كل حقل وردة متفتحة و نحن نورد جزءا من أمثلة علي هذا نستقرئ بها هذا المناخ العابق بالنفحات.

رافق الامام في سفره الي الحج أول ملك المعتصم أحد أوليائه فاستثمر هذه الرفقة المباركة و قال الامام: «ان والينا جعلت فداك رجل يتولاهم أهل البيت و يحبكم و علي في ديوانه خراج فان رأيت جعلني الله فداك أن تكتب اليه بالاحسان الي).

و كان الوالي المذكور هو الحسين بن عبدالله النيسابوري و كان علي سجستان، فقال الامام (عليه السلام): لا اعرفه فقال: جعلت فداك انه علي ما قلت لك من محبيكم أهل البيت و كتابك ينفعني عنده.

فأخذ الامام محمد الجواد القرطاس و كتب اليه:



[ صفحه 32]



(بسم الله الرحمن الرحيم، أما بعد: فان موصل الكتاب ذكر عنكم مذهبا جميلا، و ان مالك من عملك ما أحسنت فيه فأحسن الي اخوانك و اعلم ان الله عزوجل سائلك عن مثاقيل الذر و الخردل).

قال: فلما وردت سجستان سبق الخبر الي الحسين بن عبدالله النيسابوري و هو الوالي فاستقبلني علي فرسخين من المدينة فدفعت اليه الكتاب فقبله و وضعه علي عينيه و قال لي: حاجتك!! فقلت: خراج علي في ديوانك!!

قال: فأمر بطرحه عني، و قال: لا تؤد خراجا ما دام لي عمل!

ثم سألني عن عيالي: فأخبرته بمبلغهم فأمر لي و لهم بما يقوتنا و فضلا، فما أديت في عمله خرجا ما دام حيا و لا قطع عني صلته حتي مات) [1] .

و قد يكون من كرم الامام الباذخ و رعايته لأتباعه البالغة اغاثة الملهوفين في شؤون ليست بالحسبان فقد روي العتبي عن بعض العلويين أنه كان يهوي جارية و كانت يده قاصرة عن ثمنها فشكا ذلك الي الامام الجواد (عليه السلام) فسأله عن صاحبها فأخبره عنه، و لما كان بعد أيام سأل العلوي عن الجارية فقيل له: قد بيعت و سأل عن المشتري لها فقال له: لا ندري و كان الامام الجواد (عليه السلام) قد اشتراها سرا ففزع العلوي نحو الامام و قد رفع صوته: بيعت فلانة.

فقابله الامام ببسمات فياضة بالبشر قائلا:



[ صفحه 33]



هل تدري من اشتراها؟ فقال: لا و انطلق معه الامام الي الضيعة التي فيها الجارية فانتهي الي البيت الذي فيه الجارية فأمره (عليه السلام) بالدخول الي الدار فأبي العلوي و لم يعلم أن الامام قد اشتراها و أصر عليه الامام بالدخول و لم يلتفت الي انها ملك الامام، ثم أنه دخل الدار مع الامام فلما رأي الجارية التي يهواها قال له (عليه السلام): أتعرفها؟ قال: نعم!! قال الامام (عليه السلام): هي لك و القصر و الضيعة و الغلة و جميع ما في القصر فأقم مع الجارية. [2] .

و هذه ظاهرة انسانية رفيعة المستوي سيرها لنا الامام تجربة فذة و أمثولة نادرة لاستثمار الاقتدار في اصطناع المعروف و الاستباق الحثيث الي مكارم الأخلاق.

و كان الامام كبيرا في نفسه رفيعا في همته، عظيما في مرؤته، فهو يرعي الناس و هو يبر بهم، و هو يلوح لهم بجليل خلائقه، فقد أتاه رجل فقال له اعطني علي قدر مروتك!!

فقال الامام الجواد (عليه السلام): لا يسعني!!

فقال السائل: علي قدري.

قال الامام: أما ذا فنعم، يا غلام أعطه مائة دينار. [3] .

و كان علي بن مهزيار الأهوازي محمودا عند الامام و كان الامام يرعي حرمته و يعظم شأنه و له في حقه هذه الرسالة المهمة التي توج بها الامام مفرقه في الدعاء له، و الاعتداد به:



[ صفحه 34]



(بسم الله الرحمن الرحيم، يا علي أحسن الله جزاك و أسكنك جنته و منعك من الخزي في الدنيا و الآخرة و حشرك الله معنا.

يا علي بلوتك و خيرتك «خبرتك» في النصيحة و الطاعة و الخدمة و التوقير و القيام بما يجب عليك فلو قلت: اني لم أر مثلك لرجوت أن أكون صادقا فجزاك الله جنات الفردوس نزلا، فما خفي علي مقامك و لا خدمتك في الحر و البرد في الليل و النهار فاسأل الله اذا جمع الخلائق للقيامة أن يحبوك برحمة تغتبط بها، انه سميع الدعاء) [4] .

فانظر الي هذا الثناء العاطر و هذا الالتزام الفريد و هذا التكريم المتزايد مما يدل علي علو منزلة الرجل. و الامام في هذا الملحظ يعطي كل ذي حق حقه رعاية كبري منه لأوليائه!!

و مرة أخري يكتب له الامام رسالة قصيرة معبرة، فيها الرقة و فيها الاغتباط و فيها الدعاء العريض قال الامام:

(قد وصل الي كتابك و فهمت ما ذكرت فيه و قد ملأني سرورا فسرك الله و أنا أرجو من الكافي الدافع أن يكفيك كيد كل كائد ان شاء الله تعالي) [5] .

فأي رجل هذا الذي يدخل السرور علي الامام فيدعو له أن يسره الله و أن يدفع عنه و يكفيه الكيد.

و تارة أخري نجد ابن مهزيار هذا يسأل الامام التوسعة في أهله فينعم عليه الامام بالاجابة و يدعو له بما هو أوسع شأنا يقول الامام (عليه السلام) فيما كتبه اليه:



[ صفحه 35]



«وسع الله عليك و لمن سألت التوسعة في أهلك و أهل بيتك و لك يا علي عندي أكثر من التوسعة و أنا اسأل الله أن يصحبك بالتوسعة العافية و يقدمك علي العافية، و يسترك بالعافية، انه سميع الدعاء» [6] .

و يتوجه علي بن مهزيار للامام الجواد طالبا منه الدعاء له فيكون الجواب له علي ذلك بكتاب عتيد يحكي جلالة قدر الرجل عند الامام و خلوص ذاته تقوي و ورعا في لفتات بارعة معبرة عن مدي الحب و التقدير و الالتزام، كتب الامام (عليه السلام) اليه:

«و أما ما سألت من الدعاء فانك بعد لست تدري كيف جعلك الله عندي، و ربما سميتك باسمك و نسبك مع كثرة عنايتي بك و محبتي لك و معرفتي بما أنت عليه فأدام الله لك أفضل ما رزقك من ذلك و رضي عنك و بلغك أفضل نيتك و أنزلك الفردوس الأعلي برحمته انه سميع الدعاء حفظك الله و تولاك و دفع عنك السوء برحمته. و كتبت بخطي). [7] .

و هناك رسائل أخري في هذا السياق كتبها الامام اليه، و فيها دلالة بالغة علي وثاقته و رفيع منزلته. [8] .

و لئن صنع الامام هذا الصنيع الجميل بابن مهزيار فقد عطف في هذا المنحي بالذات علي عبدالعزيز بن المهتدي القمي الأشعري فخرج فيه عن الامام الجواد ما نصه:



[ صفحه 36]



(غفر الله ذنبك و رحمنا و اياك، و رضي عنك برضائي). [9] .

و هذا ابراهيم بن محمد أحد وكلاء الامام، يدفع عنه الامام، و يوصي به و يعلن وكالته بما كتبه اليه بالقول:

(و قد كتبت الي النضر، أمرته أن ينتهي عنك، و عن التعرض لك و لخلافك، و أعلمته موضعك عندي.

و كتبت الي أيوب أمرته بذلك أيضا، و كتبت الي موالي بهمدان كتابا أمرتهم بطاعتك و المصير الي أمرك، و أن لا وكيل سواك). [10] .

و روي الكشي بسنده عنه قال: كتبت الي أبي جعفر (عليه السلام) أصف له صنع السميع في، فكتب بخطه:

(عجل الله نصرتك ممن ظلمك و كفاك مؤنته و أبشرك بنصر الله عاجلا، و الأجر آجلا، و أكثر من حمد الله) [11] .

و هذا محمد بن اسماعيل بن بزيع، عده الطوسي في أصحاب الامامين الرضا و الجواد (عليه السلام) و قد سأل الامام الجواد أن يمنحه قميصا لامس بدنه ليجعله كفنا له فبعث اليه الامام (عليه السلام) ذلك و كان الامام الرضا (عليه السلام) يخاطب أصحابه بشأنه فيقول: (وددت أن فيكم مثله و قد رعاه الامام الجواد رعاية خاصة) [12] .

و له رواية عن الامام الرضا (عليه السلام) تتعلق بتعليمات أهل البيت (عليهم السلام) فيما يخص أتباعهم و أوليائهم لدي تعاونهم مع السلطات لاصلاح أمر



[ صفحه 37]



المؤمنين و تلبية احتياج الضعفاء و قضاء مهمات أمناء الله في أرضه و تنفيس الكربات عن شيعتهم و أهمية ذلك في التخطيط العام بالدفع عن الأولياء و اعتبارهم المؤمنين حقا الذين خلقوا للجنة و خلقت لهم.

قال الامام (عليه السلام): «ان لله تعالي بأبواب الظالمين من نور له البرهان و مكن له في البلاد ليدفع بهم عن أوليائه، و يصلح الله به أمور المسلمين، اليهم يلجأ المؤمن من الضرر، و اليهم يفزع ذوالحاجة من شيعتنا، و بهم يؤمن الله روعة المؤمن في دار الظلمة، أولئك المؤمنون حقا أولئك أمناء الله في أرضه، أولئك نور في رعيتهم يوم القيامة، و يزهر نورهم لأهل السماوات كما تزهر الدرية لأهل الأرض، أولئك من نورهم يوم القيامة تضي ء منه القيامة، خلقوا للجنة، و خلقت الجنة لهم، فهنيئا لهم، ما علي أحدكم أن لو شاء نال هذا كله.

قال محمد بن اسماعيل قلت: بماذا؟ جعلني الله فداك!!

قال: يكون معهم فيسرنا بادخال السرور علي المؤمنين من شيعتنا فكن منهم يا محمد» [13] .

و توفي زكريا ابن آدم رحمه الله تعالي و كان من الوثاقة و العلم بمكان عظيم فأبنه الامام الجواد (عليه السلام) حق تأبينه، و أثني عليه بما هو أهله، فعن محمد بن اسحاق و الحسن بن محمد، قالا: خرجنا بعد وفاة زكريا بن آدم الي الحج، فتلقانا كتابه، يعني (الامام محمد الجواد (عليه السلام)) في بعض الطريق:

«ذكرت ما جري من قضاء الله في الرجل المتوفي رحمه الله يوم ولد، و يوم قبض، صابرا محتسبا للحق، قائما بما يحب الله و رسوله و مضي



[ صفحه 38]



رحمة الله عليك غير ناكث و لا مبدل، فجزاه الله أجر نيته و أعطاه جزاء سعيه و ذكرت الرجل الموصي اليه فلم يعد في رأينا وعندنا من المعرفة به أكثر مما وصفت يعني الحسن بن محمد بن عمران» [14] .

و من خلال النماذج المتقدمة يبدو أن هذه الرعاية التامة من الامام في التوجيه و النصح و الدعاء و التأييد و الثناء ذات مغزي رسالي عام يؤكد التزام أولياء الأئمة لبيان أهميتهم الولائية من جهة، و ليكونوا أمثولة للآخرين في الاقتداء، و هذا نموذج فريد لاعطاء كل ذي حق حقه في الشأن و المنزلة و البعد الرسالي، لئلا تفتقد الموازين الواعية في التقييم و التقويم معا و من أولي من الامام محمد الجواد بهذه النفحات الندية و من أجدر منه بوضع الرجل المناسب في الموقع المناسب من الوثاقة و الشرف و الدين.



[ صفحه 39]




پاورقي

[1] الكليني / الكافي / 5 / 112 - 11، المجلسي / البحار 5 / 87 - 86.

[2] ظ: باقر شريف القرشي / حياة الامام الجواد / 76، و انظر مصدره.

[3] الأربلي / كشف الغمة 3 / 161.

[4] الطوسي / الغيبة / 226.

[5] ظ: باقر القرشي / حياة الامام الجواد / 116، عن الكشي في رجاله.

[6] الكشي / رجال الكشي / 551، طبعة مشهد.

[7] الكشي / رجال الكشي / 551.

[8] ظ: المصدر نفسه / 551 - 550.

[9] الطوسي / الغيبة / 225.

[10] الكشي / رجال الكشي / 506، المجلسي / البحار 50 / 109.

[11] الكشي / رجال الكشي / 507.

[12] ظ: باقر شريف القرشي / حياة الامام محمد الجواد / 172، و انظر مصدره.

[13] الخوئي معجم رجال الحديث / 15 / 107.

[14] المفيد / الاختصاص / 87، الكشي / الرجال / 496، البحار 50 / 104.