بازگشت

خاتمة المطاف و نتائج البحث


بعد هذه المسيرة الممتعة الحافلة بسيرة الامام التاسع من أئمة أهل البيت الاثني عشر (عليهم السلام)، الامام محمد الجواد (عليه السلام) الذي كان بحق (معجزة السماء في الأرض) في الخصائص و المميزات و الادراك الرسالي منذ صباه حتي شبابه المخترم بالاغتيال، حتي عاد وحيد عصره في المآثر و المفاخر و علوم العترة الطاهرة، بما تحدثت عنه فصول هذه الرسالة بتكثيف مركز، و ايجاز معمق، ربما أمكننا القاء بعض الضوء علي أهم ما توصلنا اليه من حقائق صادعة تجمل بشكل نقاط رئيسة، اكمالا لمتطلبات البحث العلمي الموضوعي.

1- توصلنا في الفصل الأول الي صيغة ذات عمق تاريخي شملت ترجمة الامام و نشأته المثالية و خصائصه الانسانية، و رعايته لأتباعه و أوليائه، و ابراز تلك النغمات العرفانية في سلوكه (عليه السلام)، و من ثم عرضنا لطائفة من آراء علماء الأمة و فقهائها و كتابها في شخصية الامام من جهات متعددة، بما نعده بحثا تاريخيا و ذاتيا في اطار مزدوج.

2- بحثنا في الفصل الثاني حياة الامام و موقفه الصلب في عصر السلاطين الذي عاش به، و كان ذلك البحث خارجا عن حدود المنهج التقليدي في العرض و الأسلوب و النتائج، اذ خضع لفلسفة (النقد التاريخي) و استيحاء (البعد الاستقرائي) لظواهر عصر السلاطين في مفارقاتها و افرازاتها، و مدي قلق الحاكمين من تصاعد شعبية الامام،



[ صفحه 278]



و موقفه الصارم في حياة المأمون من الأحداث و التحديات، و تألق نجمه المعرفي في شتي الحقول بما ثار الاعجاب من جهة، و الحقد من جهة أخري، و رصد سياسة المأمون الدبلوماسية تجاه الامام، و عرض سيل المخالفات الصريحة للشريعة الغراء متمثلة باندفاع النظام العباسي في عصر المأمون خليفة و ولاة و عمالا وراء الشهوات و الاسراف و العبث و المجون، بما ثبت فيه عدم صلاحية القائمين في النظام علي الحكم باسم الاسلام.

و أبان البحث مدي تخطيط المعتصم بن هارون الرشيد علي تصفية الامام حسدا حينما ظهر الزخم القيادي للامام مشرئبا في التفاف القاعدة الجماهيرية حول سيادته المطلقة في التشريع و أداء الأحكام، و تفرده الخالص بالحب و المودة من قبل الشعب المسلم، بما فضحت به ألعوبة الحكم و أكذوبة الدعوي بأولويته بالخلافة مع وجود الامام، مما جعل المعتصم حاقدا غاشما يعجل باغتيال الامام من وجه، و مما جعل أتباع الامام و أولياءه يعتقدون بأنه الامام القائم بالأمر فيملأ الأرض قسطا و عدلا بعد أن ملئت ظلما و جورا من وجه آخر، ذلك ما حدا بالامام أن يبين حقيقة الموضوع بكل وضوح، فكل امام قائم بأمر الله تعالي، و لكنه ليس الامام الذي يقوم بالسيف لتأسيس الدولة الاسلامية العالمية، فذلك هو الثالث من ولده، و هو الحجة ابن الحسن العسكري عجل الله فرجه.

3- و عرضنا في الفصل الثالث من البحث أخطر قضية في تاريخ الامامة، و اعتبرناها ظاهرة اعجازية خرقت نواميس الكون و مقاييس



[ صفحه 279]



العادة، و هي مسألة (الامامة في سن مبكرة) و أوضحنا من خلالها أن الله تعالي قد احتج للامامة في مرحلة الصبا بالنبوة في مرحلة الصبا حذو القذة بالقذة، فكما أرسل عيسي (عليه السلام) نبيا في اليوم الأول من ولادته، و يحيي نبيا صبيا، فكذلك كان الامام الجواد (عليه السلام) اماما مفترض الطاعة في السابعة من عمره الشريف، مؤيدا بالعناية الالهية، و مسددا باللمح الغيبي الذي اخترق حجب الثابت من الأنظمة الكونية الي المتحول من الارادة الاعجازية، فسار شيوخ الشيعة و أعلام الامامية و جمهرة الشعب المسلم وراء القول بامامة محمد الجواد (عليه السلام) بكل وقوف و اطمئنان، في حين عمد النظام الي استغلال هذه الظاهرة للطعن بالقائلين بامامة أهل البيت أجمعين، و لكنهم صدموا بأنها ورقة خاسرة، و فوجئوا بالامكانات الهائلة لتي يتمتع بها الامام بعد تعرضه للاختبار العلمي من قبل أعدائه و أوليائه بالشكل الذي أثبت فيه بما لا يتقبل الشك صدق أمانته و خارق مؤهلاته و استيعابه لعلوم الدين و الدنيا و هو في عمر الصبا، فانقلب الأمر وبالا علي السلطة أولا، و تثبيتا لقلوب المؤمنين ثانيا، و كلا الأمرين قد أوجد حالة قصوي في اضطراب النظام العباسي من الامام المعجزة، و كان استقراء الغيب المجهول لدي الامام، و التحدث بما سيكون فكان من أبرز دلائل امامته المبكرة.

4- و خصصنا الفصل الرابع من هذا الكتاب لاستقطاب المعالم التراثية للشريعة الاسلامية و المعارف الانسانية التي نهد بها الامام و عمل علي نشرها في الآفاق من خلال التحدث عن علم أهل البيت و دوره الفاعل في تراث الامام العلمي، و اخترنا مروياته عن رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم)



[ صفحه 280]



و مروياته عن جده أميرالمؤمنين الامام علي (عليه السلام) أنموذجا أرقي لذلك التراث الذي طبق الخافقين ذكره، و انتشر في العالم عطره، و أكدنا علي الدور الريادي لتلامذة الامام من الرواة و المؤلفين خاصة في نشرهم لتراث الامام الخالد، و أعطينا لذلك فهرسة ببلغرافية احصائية دقيقة، شملت عشرات العلوم الأساسية و عشرات العلوم التكميلية و عشرات العلوم الاضافية التي كتب بها المؤلفون، أو رواها المحدثون، أو أثبتها المصنفون، بما يؤكد نظرية علم الامام الخارق للعادة و السنن الكونية الطبيعية، فكان ذلك من حسنات الدهر الكبري في عطائه العلمي الثر، و من مفاخر الدنيا في أصالته و موضوعيته.

و من ثم أثبتنا علي طريقة (الألفباء) معجما تراثيا حافلا بالألفاظ الجارية مجري الأمثال لدي الامام، استوعبت معالم الآداب النفسية للانسان، و أكدت علي التحلي بالشمائل و الفضائل و كرم النفس و الأخلاق و الصبر و المواساة و التوكل علي الله، و الايثار و البر و الاحسان، مما ينبغي أن يتصف به الشعب المسلم، و لم نشرح ذلك و لم نعلق عليه بسبب بديهي، هو أن هذه الحكم الناطقة من (السهل الممتنع) فهي واضحة في التعبير، سليمة في الأداء، مفهومة لدي المتلقي، فقد روعي فيها من قبل الامام - فيما يبدو لي - أن تكون بالشكل الذي يعرفه كل واحد، و يفيد منه كل أحد، و ذلك احدي دلائل تمرس الامام في أساليب البيان العربي.

5- و بحثنا في الفصل الخامس ذلك الأثر الضخم في فقاهة الامام علي سبيل النموذج لا الاحصاء فتناولنا قضية (الخمس) لأهميتها



[ صفحه 281]



الخاصة، باعتبارها فريضة معطلة، و قد نص عليها القرآن العظيم، و أجرتها السنة النبوية، و منعت في العهد الراشدي الا في غنائم الحرب، و كان هنالك عرض موجز لتاريخ هذه المشكلة و هي تخبو حينا و تتوقد حينا آخر، حتي اذا تسلم الامام محمد الجواد القيادة الشرعية للأمة، أحيا هذه الفريضة بشرائطها و أكد عليها في خطاباته و مراسلاته، و شدد النكير علي منعها و اختطافها، و ألزم أولياءه بدفعها، و كان بهذا و ذاك ممن ثبت مشروعية الخمس بعد ابتلاعه، و عبر من أثره في بناء هيكلية، مبدأ الامامة و المرجعية الدينية، فهو حق الله و رسوله و أهل البيت (صلوات الله عليهم أجمعين) يصرف في مواقعه المنصوص عليها في فروع الأحكام.

و في ضوء حملات الاختبار للامام كان ليحيي بن أكثم قاضي القضاة في عصر المأمون خط استراتيجي في مسائلة الامام عن أبرز ما يدور في ذهنه من مسائل يطرحها بسيطة غير معقدة، فينقض الامام كالصقر مفرعا و مفصلا و مشقا و مجزئا و مبرمجا لتعود المسألة الواحدة ذات أبعاد مكثفة ترعب ابن أكثم و تسقط في يده، فيعود متلمسا الجواب حريصا علي الاستماع طالبا للمزيد من الايضاح، و قد اختلس اختلاسا حتي بان عجزه و ظهرت فهاهته في أكثر من مورد و مورد.

و كان لفقهاء عصر الامام (عليه السلام) من وعاظ السلاطين في بلاط المعتصم العباسي شأن في انتزاع الرأي الصريح للامام في مسائل أكبرها قطع يد السارق، في حدود من الكف، و شروطه في الانطاق، و تفصيلاته الأخري، و حينما يتحدثون بما يمليه الهوي و الاستحسان يكون الامام متحدثا بالدليل من القرآن و السنة النبوية، فيأخذ المعتصم بما قرر الامام



[ صفحه 282]



و يفتي به، فيمتلئ قلب ابن أبي دؤاد بالحقد و الغيظ و الحسد، فيخطط للانتقام من الامام بما يشهد به علي نفسه بأنه يدخل النار جراء وشايته بالامام و شحن صدر المعتصم عليه.

و كان لعل الأحكام و بواعثها ملحظ موجز لدي الامام أشرنا اليه، اذ غطي علي تراثه فما وصل الينا منه الا القليل، و كان هذا القليل مصدرا أساسيا لهذا الكتاب.

6- و وجدنا الامام محمد الجواد منظرا احتجاجيا في بيئة علم الكلام و تنامي حركتها و اتساعها في عصر الامام، فأعطي الفصل السادس ملخصا معمقا لمناخ الحياة العقلية و الأفكار الكلامية في ذلك الأفق الذي رانت عليه سحب الانشقاق الداخلي في صفوف المسلمين، و الكشف عن موقع الامام و أثره في توحيد الكلمة و جمع شمل الأمة.

و تناول الفضل فضلا عما تقدم قضايا التوحيد الالهي التي نهد الامام بالتنظير المنطقي لأعقد مسائلها مستدلا علي ذلك بالقرآن الكريم في آياته المخصصة لتلك الأطاريح التي شغلت بال المتكلين و الاحتجاجيين، فكان له قصب السبق في تنزيه الباري عن التجسيم و التثنية و الرؤية، و تعليل الألفاظ في الذات و الصفات و الأسماء، و أمثال ذلك مما جاء نتيجة امتزاج المسلمين بالشعوب، و نشاط حركة الترجمة في الفلسفة و ثقافة الاغريق.

و من ثم وجدنا الامام منظرا قديرا فيما ابتليت به السنة النبوية من الدس والوضع و الافتراء و الاسرائيليات و ما أصلته مظاهر التعصب الأعمي و الفتن المذهبية... فكان الامام يرد الحديث المنسوب للنبي (صلي الله عليه و آله و سلم)



[ صفحه 283]



و هو مفتري عليه بما يستدل فيه عقلا و نقلا و رواية و دراية، و كان لحسن التأني و آداب المجاملة و لطيف التخلص دور فاعل في اسكات الخصم، و رد الحق الي نصابه، بعيدا عن الاثارة و الاستفزاز.

7- و نهد الفصل السابع بأجواء استشهاد الامام (عليه السلام)، و كا مفصلا ناهضا بتوقع الامام الشهادة من خلال اخباره بها من جهة، و من خلال التوجه الطاغوتي للنظام باختطاف حياته الغضة في ريعان الشباب لما أحرج به ذلك النظام في كفاية القيادة و أبعاد شعبيته الجماهيرية و امتلاكه القاعدة الضخمة في ضمير الشعب المسلم، فاستدعي الي بغداد في عصر المعتصم و غادر مدينة جده (صلي الله عليه و اله و سلم) و أدي مناسك الحج و توجه الي مقر العاصمة للدولة العباسية. و تحدث الفصل عن كيفية اغتيال الامام مسموما بما ذكر من الروايات في ذلك، و اختار البحث منها الوجه الرابع بحسب القرائن التاريخية المؤيدة بشواهد الأحوال.

و عرضنا الي دوافع اغتيال الامام بالقاء الضوء علي هزيمة الحكم العباسي علي يد الامام، حينما أراد النظام أن يجعل من امامته المبكرة أضحوكة، و اذا بالصبي الامام يصبح أعجوبة في عمله الفياض، فتخشع له الأبصار و تمتد الأعناق مما شجع الي تسريع عملية التخلص منه و تصفيته جسديا، فقد تمسك الشعب المسلم بالامام في انارة معالم الطريق المستقيم، و ذلك ما يتقاطع عادة مع الخط العباسي في ادعائه الخلافة و قيادة الأمور، و اعتبروا توهج سمعة الامام تمثل الخطر الأقصي علي مراكز الدولة و سلطة الحاكم باسم الاسلام، فعجلوا بالقضاء عليه في أول شبابه، و ذكر الفصل بايجاز تشييع جثمان الامام و دفنه الي جنب



[ صفحه 284]



جده الامام موسي بن جعفر (عليه السلام) في مقابر قريش و هي الكاظمية اليوم. و تحدث الفصل بتكثيف معمق عن مشهد الامام الجواد (عليه السلام) في الكاظمية المقدسة في ضوء الكشف الميداني و المشاهد الشخصية مفيدا كما كتبه الامام المجاهد الشيخ راضي آل ياسين في (تاريخ الكاظمية). و مما حبرته يد الفقيد السعيد العلامة الشيخ محمد حسن آل ياسين رحمه الله [1] في كتابه (تاريخ المشهد الكاظمي).

و قد جاء هذا الجزء من الفصل غنيا بالوصف الدقيق و الدراسة الميدانية التي تعطي الصورة الصادقة عن واقع المشهد المقدس في أبعاد قياسية و هندسية و رياضية و ذلك فضل من الله تعالي علي عبده الذليل العاصي:

محمدحسين علي الصغير

النجف الأشرف


پاورقي

[1] توفي الأستاذ محمد حسن آل ياسين عضوا المجمع العلمي العراقي و كبير علماء الكاظمية المقدسة قبيل الغروب من يوم السبت 26 / جمادي الثانية / 1427 ه. 22 / تموز / 2006 م و شيع تشييعا ضخما في الكاظمية، و دفن في حجرة لمشايخ آل ياسين قرب (باب المراد) من الصحن الكاظمي الشريف. و كانت ولادته عام 1350 ه مساوي 1931 م في النجف الأشرف في أوائل مرجعية أبيه الآية الكبري الامام الشيخ محمد رضا آل ياسين المتوفي 28 / رجب / 1370 ه.