بازگشت

الامام يتوقع الشهادة


حينما استدعي الامام محمد الجواد (عليه السلام) الي بغداد من قبل المعتصم بن هارون الرشيد، وصل اليها بعد أدائه مناسك الحج لليلتين بقيتا من المحرم عام عشرين و مائتين من الهجرة. [1] .

و احتفلت بغداد بالامام احتفالا عارما، و التف حوله العلماء و الفقهاء و رجال الحديث وقادة الفكر الكلامي، و احتفي به المعتصم - ظاهرا- احتفاء عظيما، و فزع اليه طلاب العلم و رواد المعرفة، فكانت تلك الأيام مشرقة بهذا السراج الهادي الي النهج النبوي، و توجت بالعطاء العلمي الزاخر و الوعي المستفيض، و اشرأبت الأعناق الي هذا الشاب المعجزة تستلهم هداه، و تستوحي تعبيره النابض بشتي المعارف الاسلامية، و استبشر أتباع أهل البيت (عليهم السلام) بهذا الفتح المبين، و هم يرون ذلك الانبهار المتصاعد بشخصية الامام، و يستعمون لذك الثناء العاطر علي امكاناته الهائلة، و لم يكن ليدور بخلدهم أن الزمان سيجهز عليه بسرعة قياسية، الا أن الالتفات الشعبي حول الامام، و نفوذه الواعي في ضمير الأمة مما أغاظ البلاط العباسي، فبدأ يدبر المؤامرة النكراء لاغتياله.

و قد كان الامام محمد الجواد (عليه السلام) قد استشعر بلمح غيبي دنو أجله في هذه السفرة، و توقع استشهاده بهذه الرحلة توقعا يعتد به تاريخيا، فقد روي عن اسماعيل بن مهران قال: «لما أخرج أبو



[ صفحه 246]



جعفر (عليه السلام) من المدينة الي بغداد في الدفعة الأولي من خرجته، قلت له عند خروجه:

جعلت فداك، اني أخاف عليك من هذا الوجه، فالي من الأمر من بعدك؟

قال: فكر بوجه الي ضاحكا و قال: ليس حيث ظننت في هذه السنة!! فلما استدعي به الي المعتصم صرت اليه، فقلت له: جعلت فداك، أنت خارج، فالي من هذا الأمر من بعدك؟

فبكي حتي اخضلت لحيته، ثم التفت الي، فقال:

عند هذه يخاف علي!! الأمر من بعدي الي ابني علي» [2] .

و هذا تنبؤ من الامام علي نحو غيبي استقاه - دون شك - من آبائه (عليهم السلام).

و المعروف أن الامام (عليه السلام) كان في عنفوان شبابه فهو في الخامسة و العشرين من عمره، و لم يحدثنا التاريخ أنه كان يشكو من أي مرض أو عارض صحي قد أصابه، فهو سليم من الناحية الصحية، و ليس هناك أي سبب لموته المفاجئ الا ما دبره المعتصم له من الاغتيال.

و الطريف جدا أن الامام (عليه السلام) قد حدد موعد وفاته و هو في عصر المأمون قبل عهد المعتصم، فعن ابن بزيع قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): الفرج بعد المأمون بثلاثين شهرا.

قال: فنظرنا، فمات بعد ثلاثين شهرا. [3] .



[ صفحه 247]



و في سنة وفاته (عليه السلام)، قال محمد بن الفرج: كتب الي أبوجعفر (عليه السلام): «احملوا الي الخمس فاني لست آخذه منكم سوي عامي هذا» فقبض في تلك السنة. [4] .

و الأهم من جميع ما تقدم، ما صدر عنه (عليه السلام) ليلة وفاته مخبرا بها بما روي عن أبي مسافر، عن الامام (عليه السلام)، أنه قال في العشية التي توفي فيها: اني ميت الليلة، ثم قال: نحن معشر ا ذا لم يرض الله لأحدنا الدنيا نقلنا اليه. [5] .

و هذا من غرائب الأمور في اطارها الاعتيادي، الا أننا اذا نظرنا اليها من ذلك الباب الذي علمه رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) لأميرالمؤمنين (عليه السلام)، و علمه أميرالمؤمنين لأبنائه المعصومين، ترفع الغرابة لأنه علم من ذي علم، استوعبه الأئمة عن جدهم (صلي الله عليه و آله و سلم).

و حينما استشعر الامام (عليه السلام) بدنو أجله، كان لابد أن يتخذ الاجراءات الكفيلة بمواصلة مسيرة أهل البيت في مبدأ الامامة، فعهد الي ولده الامام علي الهادي (عليه السلام)، بما روه الخيراني عن أبيه:

ان الامام الجواد بعث اليه رسولا قال له:

«ان مولاك يقرأ عليك السلام، و يقول لك:

اني ماض، و الأمر صائر الي ابني علي، و له عليكم بعدي ما كان لي عليكم بعد أبي» [6] .



[ صفحه 248]



و كان الشيخ الصدوق قد روي عن الصقر قوله:

«و سمعت أبا جعفر محمد بن علي الرضا (عليه السلام)، يقول:

ان الامام بعدي ابني علي، أمره أمري، و قوله قولي، و طاعته طاعتي» [7] .

و ما روي في هذين النصين و سواهما، يعتبر أصلا في النص علي امامة ولده الامام علي الهادي (عليه السلام)، يضاف اليها الاخبارات السابقة و الأصول المدونة الأخري، و هو أي الامامية أجمع.



[ صفحه 249]




پاورقي

[1] ظ: المجلسي / بحارالأنوار / 50 / 8، عن المناقب 4 / 379.

[2] المفيد / الارشاد / 369.

[3] ظ: المجلسي / البحار 50 / 64، الحر العاملي / اثبات الهداة 6 / 190.

[4] المجلسي / البحار 50 / 63 عن المناقب 4 / 389.

[5] المجلسي / البحار 50 / 2.

[6] المفيد / الارشاد / 369.

[7] الصدوق / اكمال الدين / 2 / 50.