بازگشت

الامام و فقهاء عصره في بلاط المعتصم


و لم يكن الامام بمنأي عن حياة البلاط الفعلية، فقد يرسل عليه في حالات معينة، و قد يسأل في لحظات حرجة، و قد يطلب اليه الرأي ولات حين مناص، فيكون له القول الفصل.

و في أغلب أن منشأ هذا التوجه ليس الاعتزاز بالامام، و لا الحرص علي اشاعة علمه، و لكنه الادراك بأن للامام الافتاء بما يوافق الكتاب و السنة شاءوا أم أبوا، رضوا أم سخطوا، لأن البلاط في رجاله و علي رأسهم الخلفية يعلمون علما يقينا بأن الامام يغترف من ذلك البحر الذي لا ينضب الصادر عن رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم).

فكانت الضرورة التي تغطي علي فشلهم أن يستنجدوا بالامام لدي المهمات الصعبة، و لعل من الطريف حقا أن كل مسألة مهما كانت يسيرة الفهم و الجواب تجد صعوبة في تداركها و حلها في بلاط العباسيين، لأنهم لن يخلقوا لهذا، و لم يستضيئوا بنور العلم و الايمان.

و من الشواهد علي هذا الملحظ ما أورد العياشي عن زرقان، و هو أبوجعفر الزيات، صاحب ابن أبي دؤاد القاضي، قال: «رجع ابن أبي دؤاد ذات يوم من عند المعتصم، و هو مغتم!! فقلت له في ذلك فقال:

و ددت اليوم أني قد مت منذ عشرين سنة!!

قلت له: و لم ذاك؟



[ صفحه 216]



قال: لما كان من هذا الأسود أبي جعفر محمدبن علي موسي اليوم بين يدي المعتصم!!

قلت له: و كيف ذلك؟

قال: ان سارقا أقرا علي نفسه بالسرقة، و سأل الخليفة تطهيره باقامة الحد عليه، فجمع لذلك الفقهاء في مجلسه و قد أحضر محمد بن علي، فسألنا عن القطع!! في أي موضع يجب أن يقطع؟

قال: فقلت من الكرسوع!!

قال: و ما الحجة في ذلك؟

قلت: لأن اليد هي الأصابع و الكف الي الكرسوع، لقوله في التيمم: (فامسحوا بوجوهكم و أيديكم) [1] .

و اتفق معي في ذلك قوم.

و قال آخرون: بل يجب القطع من المرفق!!

قال: و ما الدليل علي ذلك؟

قالوا: لأن الله لما قال: (و أيديكم الي المرافق) [2] .

في الغسل دل ذلك علي أن حد اليد هو المرفق.

قال: فالتفت الي محمد بن علي فقال: ما تقول في هذا يا أبا جعفر؟

فقال: قد تكلم القوم فيه يا أميرالمؤمنين.



[ صفحه 217]



قال: دعني مما تكلموا به!! أي شي ء عندك؟

قال: اعفني من هذا يا أميرالمؤمنين.

قال: أقسم عليك بالله لما أخبرت بما عندك فيه.

فقال: أما اذا أقسمت علي بالله؛ اني أقول انهم أخطأوا في السنة، فان القطع يجب أن يكون من مفصل أصول الأصابع فيترك الكف.

قال: و ما الحجة في ذلك؟

قال: قول رسول الله: السجود علي سبعة أعضاء:

الوجه و اليدين و الركبتين و الرجلين.

فاذا قطعت يده الي الكرسوع أو المرفق لم يبق له يد يسجد عليها، و قال تبارك و تعالي: (و أن المساجد لله...) [3] .

يعني به هذه الأعضاء السبعة التي يسجد عليها: (فلا تدعوا مع الله أحدا) [4] .

و ما كان لله لم يقطع.

قال: فأعجب المعتصم ذلك، و أمر بقطع يد السارق من مفصل الأصابع دون الكف.

قال أبي دؤاد، فقامت قيامتي و تمنيت أني لم أك حيا!!

قال زرقان: قال ابن أبي دؤاد:



[ صفحه 218]



صرت الي المعتصم بعد ثلاثة، فقلت:

ان نصيحة أميرالمؤمنين علي واجبة، و أنا أكلمه بما أعلم أني أدخل به النار!!

قال: و ما هو؟

قلت اذا جمع أميرالمؤمنين في مجلسه فقهاء رعيته و علماءهم لأمر واقع في أمور الدين، فسألهم عن الحكم فيه، فأخبروه بما عندهم من الحكم في ذلك، و قد حضرت مجلسه أهل بيته و قواده، و كتابه. و قد تسامع الناس بذلك من وراء و بابه!!

ثم يترك أقاوليهم كلهم لرجل يقول شطر هذه الأمة بامامته، و يدعون أنه أولي منه بمقامه، ثم يحكم بحكمه دون حكم الفقهاء؟

قال: فتغير لونه، و انتبه لما نبهته له، و قال:

جزاك الله علي نصيحتك خيرا!!

قال: فأمر اليوم الرابع فلانا من كتاب وزرائه بأن يدعوه الي منزله فدعاه فأبي أن يجيبه.

فقال: انما أدعوك الي طعام، و أحب أن تطأ ثيابي، و تدخل منزلي، فأتبرك بذلك، فقد أحب فلان بن فلان من وزراء الخليفة لقاءك فصار اليه، فلما طعم فيها أحسن السم فدعا بدابته، فسأله رب المنزل أن يقيم، فقال: خروجي من دارك خير لك!! [5] .



[ صفحه 219]



ان ما استند اليه الامام محمد الجواد (عليه السلام) في حدود قطع اليد كان نابعا من القرآن الكريم و السنة النبوية، و بذلك أفحم الخصم، و أقام الدليل و الحجة.

و أعجب ذلك المعتصم مضطرا، و ان جر هذا الأمر علي الامام البلاء من قبل القاضي أبو دؤاد، و هو أمر متوقع بين فقهاء البلاط العباسي، و لك أن تعجب من نصيحته للمعتصم بأمر يدخل به النار كما يقرر نفسه ذلك.



[ صفحه 221]




پاورقي

[1] سورة المائدة، 6.

[2] سورة المائدة، 6.

[3] سورة الجن، 18.

[4] سورة الجن، 18.

[5] ظ: العياشي / التفسير / 1 / 319، المجلسي / البحار / 50 / 7 - 50.