بازگشت

مسائل ذات أهمية خاصة


سبق القول أن الامام محمد الجواد (عليه السلام) أعلم الأمة في أحكام الشريعة و أفقه الناس في الدين، و قد أثبتت التجارب الاختبارية صدق هذا الملحظ بما لا يقبل الشك، و عاد واضحا في المناخ العلمي أسبقية الامام الي استنباط الأحكام من ينابيعها الأولي من دون الرجوع الي أساتيذ أو شيوخ، فهو نسيج وحده باعتباره الوريث الشرعي لعلم هل البيت (عليهم السلام)، حتي قال سبط ابن الجوزي عنه:

«كان علي منهاج أبيه في العلم و التقي و الزهد و الجود» [1] .

و مصادر التشريع عند الامامية: الكتاب و السنة و الاجماع و العقل، و لا يعنينا في هذا البحث الخوض في الاستدلال علي صحة هذا المنهج و رصانته، فقد سبق القول فيه بما سبق من البحوث المخصصة له في هذه الموسوعة. [2] .

و الذي نود الاشارة اليه هنا أن السنة عند الامامية تشمل قول المعصوم و فعله و تقريره، والمعصوم عندهم يتحقق حصرا، بالنبي (صلي الله عليه و آله و سلم) و الزهراء سيدة نساء العالمين عليهاالسلام و الأئمة الاثني عشر من أهل البيت (عليهم السلام)



[ صفحه 192]



و الامام محمد الجواد (عليه السلام) هو الامام التاسع منهم، فقوله و فعله و تقريره هو السنة بعينها.

و هذا الحقل في حياة الامام محمد الجواد (عليه السلام) - علي الرغم من موقف التأريخ الرسمي تجاهه - باب واسع متلئب، حفل باجابات الامام الشرعية، و الافصاح عن مشكلات أمهات المسائل الفقهية.

و كان من وصل الينا في هذا الحقل قليل جدا بالنسبة لافاضات الامام و اطروحاته الفقهية المتنوعة، و قد حكم علي تضييع هذا التراث علينا عاملان:

1- الرقابة الصارمة التي أحيط بها الامام الي درجة احصاء الأنفاس، مما ضيق علي صدور ذلك حينا، و اتلافه و مصادرته حينا آخر.

2- الحقبة الزمنية التي صاحبت عمر الامام فما امتد به العمر، و لا اتسعت الحياة معه لأن تلقي تلك المعارف الالهية علي طبيعتها الاعتيادية، فقد اخترمت باخترام عمره.

و الحق ان معالم مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) في عصر الامام الجواد (عليه السلام) كانت قد ظهرت لوائحها المشرقة من خلال الجهود المضنية للأئمة منذ تأسيس قاعدتها الصلبة ببركاتهم، فالامام محمد الباقر و أياديه البيضاء في التعميق للفكر الامامي، و الامام جعفر بن محمد الصادق و زعامته لمدرسة أهل البيت، و الامام موسي بن جعفر و امداده المعرفي رغم السجون و المعتقلات، و الامام علي بن موسي الرضا بما أتيح له من محافل العلم العامرة، و دواوين الاحتجاج و المناظرة الحافلة، و ما انتشر من تلامذتهم في الأقاليم و بقاع الأرض، كان قد أرسي دعائم مدرسة أهل البيت علي أسس ثابتة، و كانت متابعة الامام محمد



[ صفحه 193]



الجواد لهذا البناء الأشم متابعة رائدة استوعبت الثغرات التي أحدثتها السياسة المعاصرة ضد هذا الكيان، و كان التشيع قد ضرب بأطنابه في مشارق الأرض و مغاربها، و اتسعت دائرته لتشمل أغلب الديار الاسلامية، و كان علماء الطائفة و محدثوهم في الرعيل الأول المتقدم لنشر مبادئ أهل البيت سرا و علنا.

و كان اهتمام الامام محمد الجواد (عليه السلام) منصبا علي استثمار الجهود السابقة لآبائه، و تجسيدها علي الواقع العملي، و كانت اجاباته الفقهية تؤكد علي الأحكام في فروع العبادات و المعاملات مما يحتاج اليه الانسان لتعود أصلا شرعيا يرجع اليه، باعتباره أحد مصادر السنة الشريفة.

الا أن هنالك واقعا يجب أن لا نغفله يتمثل في الضغوط التي منعت الأئمة من التعبير عن كل ما يجول بأذهانهم من أحكام الشريعة التي صادرت السياسية الظالمة جزءا كبيرا من حقائقها، بل التهمته التهاما حثيثا بشكل و آخر، حتي أوقعت المسلمين في مأساة من شؤونهم الدينية، فعطلت جملة من الأحكام وراء تعليلات سيرها الفقهاء الرسميون حتي اخترمت جملة و تفصيلا، و من ثم طال عليها الزمن فأوشكت علي الاندثار من لائحة الأحكام الا عند طبقات محددة من الامامية ممن تمسكوا بذلك تبعا لائمتهم عليهم السلام.

و في طليعة هذه الأحكام (الخمس) الذي صدع به كتاب الله قائلا: (و أعلموا أنما غنمتم من شي ء فأن لله خمسه و للرسول و لذي القربي و اليتامي و المساكين و ابن السبيل و ان كنتم آمنتم بالله و ما أنزلنا علي عبدنا يوم الفرقان يوم التقي الجمعان و الله علي كل شي ء قدير) [3] .



[ صفحه 194]



و الآية تصرح بفرض نسبة مالية تخرج من الأرباح (الغنائم) بقدر خمسها، و تتوسع كتب الفقه المتخصصة بأقسامه، و وجوبه، و مصارفه، و قد عبر عن تعريفه اصطلاحا.

الفقيه الأكبر الشيخ محمد حسن النجفي بقوله:

(و هو حق مالي، فرضه الله مالك الملك بالأصالة علي عباده في مال مخصوص له و لبني هاشم... عوض اكرامه اياهم بمنع الصدقة).

و لا يعنينا الخوض في معني (الغنائم) في دلالتها بقدر ما يعنينا أنها تخص الأرباح حربية و تجارية و سواهما كما عليه التحقيق.

و الذي نؤكد عليه أن هذه الفريضة قد عطلت تماما في استخراجها من الأرباح، و في دفعها لبني هاشم، كما جرت علي ذلك السياسة المعاصرة لأئمة أهل البيت (عليهم السلام).

و قد مرت هذه الفريضة بأدوار حرجة نتيجة الفرض القاطع من الحكام لظاهرتها باعتبارها عاملا فاعلا كبيرا في دعم مرجعية أهل البيت و استمرار عملهم القيادي، فالخمس سهمان عند الامامية: سهم الامام و هو المتصرف فيه أو من ينيبه، و يقبضه المرجع الأعلي أو الفقيه الجامع للشرائط لصرفة علي الفقراء و مصالح المؤمنين، و سهم السادة، و يصرف علي فقراء بني هاشم و أيتامهم و عوائلهم و تدبير شؤونهم.

و لكن الأئمة لم يستطيعوا مواجهة هذا الرفض الصارم من كل الجهات، فسكتوا ن حقهم حينا، و ألزموه أصحابهم سرا، متشددين علي ذلك ما استطاعوا اليه سبيلا و قد بدأت المعركة في هذا المضمار منذ وفاة الرسول الأعظم (صلي الله عليه و آله و سلم)، فقال أميرالمؤمنين (عليه السلام):



[ صفحه 195]



«ان الله تعالي قبض نبيه (صلي الله عليه و آله و سلم)، و أنا يوم قبضه أولي بالناس مني بقميصي... و ان أول ما انتقصناه بعده ابطال حقنا في الخمس» [4] .

و لكن أميرالمؤمنين آثر ظلامته شخصيا و ظلامة بني هاشم من أجل تلافي الفتن و الناس حديثو عهد بالاسلام، فأغمض عن حقه و آله صابرا و محتسبا.

و قد منع أبوبكر بني هاشم الخمس. [5] .

«و كان أبوبكر يقسم الخمس... غير أنه لم يكن يعطي قربي رسول الله ما كان النبي يعطيهم» [6] .

و قد أبي عمر بن الخطاب أن يعطي الخمس لبني هاشم. [7] .

و حينما تولي أميرالمؤمنين (عليه السلام)، الخلافة أبقي ما كان، و لم يغير شيئا كراهية الخلاف للشيخين، فقد روي أبويوسف القاضي (ت 182 ه) ما قاله محمد بن اسحاق لأبي جعفر محمد بن علي الباقر (عليه السلام):

«قال: قلت له: ما كان رأي علي كرم الله وجهه في الخمس؟

قال: كان رأيه فيه رأي أهل بيته و لكنه كره أن يخالف أبابكر و عمر» [8] .



[ صفحه 196]



و عن محمد بن اسحاق أيضا، قال:

«سألت أباجعفر محمد بن علي، فقلت: علي بن أبي طالب حيث ولي من أمر الناس ما ولي، كيف صنع في سهم ذوي القربي؟

قال: سلك به سبيل أبي بكر و عمر.

قلت: و كيف و أنتم تقولون ما تقولون؟

فقال: ما كان أهله يصدرون الا عن رأيه!!

قلت: فما منعه؟

قال: كره - و الله - أن يدعي عليه خلاف أبي بكر و عمر»... [9] .

و كانت نظرة أميرالمؤمنين موضوعية في أبعادها كافة، «ليتأكد - الباحث - ان منعا مدروسا و صدا مدبرا كان وراء كف الامام علي (عليه السلام) عن بحث مسألة الخمس ميدانيا سواء من خلال المطالبة، أو اظهار القبول و أخذه، و لا سيما أن الحالة آخذة بالتفاقم و الحدة، الأمر الذي يحتم ضرورة اللجوء الي الصبر و المسالمة ريثما تحين الفرصة للمطالبة بالحقوق» [10] .

و استمر منع الخمس علي أشده في العصر الأموي، و سمح عمر بن عبدالعزيز باعطائه لبني هاشم في خلافته عام مائة من الهجرة فقد روي ابن سعد في الطبقات عن عبدالله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب، قال: «أول ما قسمه عمر بن عبدالعزيز لمال بعث به اليها أهل



[ صفحه 197]



البيت... فأصابنا أهل البيت ثلاثة آلاف دينار، و كتب لنا: اني ان بقيت لكم أعطيتكم جميع حقوقكم» [11] .

و في الدولة العباسية منع ذلك جملة و تفصيلا الا فيما روي عن المأمون مع تشكيكنا في صحته.

و لكن الامام محمد الباقر (عليه السلام)، قد أفاض في ذلك تمثلا لرأي أميرالمؤمنين، و تلقي ذلك الامامية و ساروا عليه سرا، و ذلك لتصريحه، جهارا «ان لنا الخمس في كتاب الله» [12] .

و كذلك صنع الامام جعفر الصادق (عليه السلام)، فكان الخمس يعطي له مباشرة سرا أو بيد أحد من أصحابه الثقات، و لكن الحركة بالعمل بهذه الفريضة قد بدأ و لو من وراء حجاب كثيف.

و هكذا الحال في عصر الامام الكاظم (عليه السلام)، حيث كانت الرقابة صارمة و ان تنفست جزئيا في عهد الامام الرضا نسبيا.

حتي اذا تسلم الامام محمدالجواد (عليه السلام)، منصب الامامة الشرعية رأينا له دورا خاصا في التأكيد علي الخمس، و المطالبة به، و أبدي بذلك أطروحته لشيعته بما أوصاهم به، بما يعتبر به محررا لهذا الحكم من الاستئثار و الابتلاع و التعطيل، قال (عليه السلام):

«و انما أوجبت عليهم الخمس في سنتي هذه في الذهب و الفضة التي قد حال عليهما الحول، و لم أوجب ذلك عليهم في متاع، و لا آنية، و لا دواب، و لا خدم، و لا ربح ربحوه في تجارة و لا ضيعة، الا في ضيعة



[ صفحه 198]



سأفسر لك أمرها، تخفيفا مني عن موالي و منا مني عليهم لما يغتال السلطان من أموالهم، و لما ينوبهم في ذاتهم، فأما الغنائم و الفوائد فهي واجبة عليهم في كل عام، قال تعالي:

(و أعلموا أنما غنمتم من شي ء فأن لله خمسه و للرسول و لذي القربي و اليتامي و المساكين و ابن السبيل ان كنتم آمنتم بالله و ما أنزلنا علي عبدنا يوم الفرقان يوم التقي الجمعان و الله علي كل شي ء قدير) [13] .

فالغنائم و الفوائد يرحمك الله فهي الغنيمة يغنمها المرء، و الفائدة يفيدها، و الجائزة من الانسان للانسان التي لها خطر، و الميراث الذي لا يحتسب من غير أب أو ابن، و مثل عدو يصطلم فيؤخذ ماله، و مثل مال يؤخذ و لا يعرف له صاحب، و ما صار الي موالي من أموال الخرمية الفسقة، فقد علمت أن أموالا عظاما صارت الي قوم من موالي، فمن كان عنده شي ء من ذلك فليوصله الي وكيلي، و من كان نائيا بعيد الشقة فليعمد لايصاله بعد حين فان نية المرء خير من عمله»... [14] .

و النبي (صلي الله عليه و آله و سلم) و أهل بيته (عليهم السلام) يفسرون الغنم: بالربح التجاري في المعاملات و المتاجرة و أمثالها، و النقد، و الكنز، و المعادن، و ما يستخرج من الأرض و البحر، و المال المختلط حلاله بحرامه دون تمييز، و الزائد عن المؤنة السنوية.

و سواء أحصل الربح في حرب أو في سلم، و المراد بالحرب هنا غنائم الحرب، أم في الغنائم الأخري أعلاه، و المبحث محرر في كتاب الأحكام فتوائيا و استدلاليا. [15] .



[ صفحه 199]



و في زمن الغيبة تنحصر الأصناف في الآية الي سهمين عند الامامية هما: سهم الامام و سهم السادة من بني هاشم، يقول السيد السيستاني دام ظله الشريف:

«يقسم الخمس في زماننا - زمان الغيبة - الي نصفين:

نصف لامام العصر الحجة المنتظر - عجل الله تعالي فرجه و جعل أرواحنا فداه - و نصف لبني هاشم: أيتامهم، و مساكينهم و أبناء سبيلهم، و يشترط في هذه الأصناف جميعا الايمان كما يعتبر الفقر في الأيتام، و يكفي في ابن السبيل الفقر في بلد التسليم» [16] .

و يستخرج الخمس لدي تحقق الربح، و للمستخرج تأجيله الي رأس السنة التي جعلها بداية لأرباحه، فيستخرج ما زاد علي مؤنته السنوية، و يستثني احتياجاته الضرورية بحسب طبيعة منزلته في المصارف الواجبة و الحقوق و المستحبات كل بحسبه.

و قد تحدث الفقهاء عن أهمية الخمس، و عرضوا للروايات التي تجعل مانعه في عداد الظالمين و الغاصبين، و التشدد في اعطائه، فما أيسر ما يدخل العبد النار بمنعه.

جاء في المستمسك: «و هو من الفرائض، و قد جعلها الله تعالي لمحمد (صلي الله عليه و آله و سلم) و ذريته عوضا عن الزكاة اكراما لهم، و من منع منه درهما أو أقل كان مندرجا في الظالمين لهم، و الغاصبين لحقهم، بل من كان مستحلا لذلك كان من الكافرين. ففي الخبر عن أبي بصير قال: قلت: لأبي جعفر (عليه السلام): ما أيسر ما يدخل به العبد النار؟



[ صفحه 200]



قال (عليه السلام): من أكل من مال اليتيم درهما، و نحن اليتيم. و عن الامام الصادق (عليه السلام) ان الله لا اله الا هو حيث حرم علينا الصدقة، أنزل لنا الخمس فالصدقة علينا حرام، و الخمس لنا فريضة، و الكرامة لنا حلال.

و عن أبي جعفر (عليه السلام): لا يحل لأحد أن يشتري من الخمس شيئا حتي يصل الينا حقنا.

و عن أبي عبدالله (عليه السلام): لا يعذر عبد اشتري من الخمس شيئا أن يقول: يا رب اشتريته بمالي!! حتي يأذن له أهل الخمس» [17] .

و الذي نشير اليه هنا أن دفع الخمس كا متزلزلا بين المنع و الخوف و الحذر، فهو فريضة معطلة الا عند الواعين من أتباع أهل البيت (عليه السلام)، يؤدونها سرا بحسب الطاقة البشرية في التحمل و الرقابة و التصفية.

و من خلال هذا الأفق الضيق في الشدة و الرصد نجد دور الامام محمد الجواد (عليه السلام)، بارزا في ارساء هذا الأمر.

فبادئ ذي بدء أباح لأوليائه التصرف في أموالهم، و الترفيه علي أنفسهم و من ثم يكون استخراج الخمس.

كتب الامام محمد الجواد (عليه السلام) بخطه الي بعض أصحابه: (الخمس عبد المؤنة) [18] .

و يري البحث أن للامام محمد الجواد (عليه السلام) منة في ترسيخ هذا الأمر سواه في عنق كل امامي الي يوم القيامة، اذ ثبت مرتكزات التشيع علي



[ صفحه 201]



أساس رصين في كل مجال من مجالات الحياة، سيما في احياء هذه الفريضة المعطلة، لقد اعتقد أحمد بن محمد بن عيسي أن الامام في موجدة علي زكريا بن آدم فدفع ذلك الامام قائلا له:

«يا أبا علي ليس علي مثل أبي يحيي يعجل!! و كان من خدمته لأبي (عليه السلام) و منزلته عنده و عندي من بعده، غير أني احتجت الي المال فلم يبعث.

فقلت: جعلت فداك هو باعث اليك بالمال، و قال لي: ان وصلت اليه فأعلمه ان الذي يمنعني من بعث المال: اختلاف ميمون و مسافر.

فقال: احمل كتابي اليه، و مره أن يبعث الي بالمال.

فحملت كتابه الي زكريا فوجه اليه بالمال» [19] .

و دلالة هذا الحدث، أن الامام محمد الجواد (عليه السلام) كان يطالب أولياءه ببعث الخمس اليه و يؤكد عليه، و قد يمتنع بعض أوليائه من بعث المال اليه لأسباب خارجية، فاذا زالت تلك الأسباب جري الأمر علي طبيعته.

و كان الامام (عليه السلام) حينما يقبض الخمس قد يراسل صاحب المال بتسلمه للمال، كما عن ابراهيم بن محمد، قال عن الامام الجواد بعد دفع حسابه:

«كتب الي قد وصل الحساب، تقبل الله منك، و رضي عنهم، و جعلهم معنا في الدنيا و الآخرة، و قد بعثت اليك من الدنانير بكذا، و من الكسوة بكذا، فبارك لك فيه و في جميع نعم الله اليك» [20] .



[ صفحه 202]



فمضافا الي اشعاره بوصول الحساب، فقد دعا له و لأصحابه ممن دفعوا حق الله، و بعث اليه بدنانير و كسوة تكريما و كرما.

و قد يستغل بعض أصحابه كرمه و سخاءه فيتجاوز بذلك حدود الأمانة، و يتعدي ما ينبغي له، فيتناول شيئا من الحقوق المفروضة، و يستأذن بعضهم الامام أن يكون في حل منها فيكون الموقف محرجا، فالامام لا يغتفر التجاوز، و لكنه لا يترك كرمه و طيبة النفس.

فعن علي بن ابراهيم عن أبيه، قال:

«كنت عند أبي جعفر الثاني (عليه السلام)، اذ دخل اليه صالح بن محمد بن سهل الهمداني، و كان يتولي له. فقال للامام: جعلت فداك؟ اجعلني من عشرة آلاف درهم في حل!! فاني أنفقتها!! فقال له أبوجعفر (عليه السلام): أنت في حل، فلما خرج صالح من عنده، قال أبو جعفر (عليه السلام): أحدهم يثب علي مال آل محمد (صلي الله عليه و آله و سلم) و فقرائهم و مساكينهم و أبناء سبيلهم فيأخذ ثم يقول:

اجعلني في حل!! أتراه ظن بي أني أقول له لا أفعل؟ و الله ليسألنهم يوم القيامة عن ذلك سؤالا حثيثا» [21] .

و قد جاهد الامام محمد الجواد (عليه السلام) في سبيل تعميق الوعي ازاء هذه الفريضة الملغاة (الخمس) من قبل الطواغيت و حكام الجور بحيث أغلقوا علي آل رسول الله منافذ العيش الكريم بل الكفاف منه، و قد قام الامام (عليه السلام) بدوره الايجابي تجاه استخراج الخمس حتي آخر حياته.



[ صفحه 203]



فقد قال محمد بن الفرج:

«كتب الي أبوجعفر (عليه السلام): احملوا الي الخمس فأني لست آخذه منكم سوي عامي هذا، فقبض (عليه السلام) في تلك السنة» [22] .

و كان من المحمودين عند الامام، عبدالعزيز بن المهتدي القمي الأشعري، و يبدو أنه أرسل حقا شرعيا في تفصيل في الموضوع.

فكتب اليه الامام (عليه السلام): «قبضت و الحمد لله، و قد عرفت الوجوه التي صارت اليك منها، غفر لك و لهم الذنوب، و رحمنا و اياكم» [23] .

و كانت خطوة الامام محمدالجواد (عليه السلام)، في هذا الملحظ جريئة جدا نظرا للرصد المطبق من جهة، و للضياع الشامل لأحكام الدين من جهة أخري، و للتعثر في اعطائه هذا الحق من الموالين أحيانا، و لهذا حدب الامام مشفقا علي انتشال هذه الفريضة من التعطيل و الجمود، و وهبها الحياة و الحركة، حتي روي أنه قال - بين التقرير للحقيقة و العتاب الجميل -:

«ان موالي - أسأل الله صلاحهم - أو بعضهم قد قصروا فيما يجب عليهم، فعلمت ذلك، فأحببت أن أطهرهم و أزكيهم بما فعلت من أمر الخمس في عامي هذا»... [24] .

و ينبغي أن يدرك جيدا أن الخمس من حقوق المنصب الالهي للامام، في حقه المفترض، و هذا ما يفسر لنا التأكيد علي اخراجه،



[ صفحه 204]



و السعي الحثيث علي تحصيله، و الاعتداد بمورده موضوعيا، فالمنصب في حاجة الي المال الانجاز مشاريع الامام في انعاش الفقراء و اعالة المحرومين و تيسير المصالح في هدف مزدوج. و هؤلاء الذين حرموا من الصدقات و هم بنوهاشم لابد لهم من بديل، و لا بد لقائم علي شؤون ذلك، و كان الخمس هو الحل المنطقي لاشكالية منع الزكاة عنهم، بايجاب الخمس لهم، و ذلك مقتضي العدل الالهي في ضمان حياة المسلمين أجمعين.

هذه التداعيات المتشابكة و ضرورتها اللملحة هي التي تفسر لنا حالة التشدد و الاصرار علي استخراج الخمس و التأكيد عليه من قبل الامام محمد الجواد (عليه السلام) تبعا لآبائه (عليهم السلام)، حتي أصبح اغتصابه علة لكثير من الظواهر المحرمة في الاسلام، ففي صحيحة ضريس الكناسي: قال أبو عبدالله (عليه السلام): «أتدري من أين دخل علي الناس الزنا؟

فقلت: لا أدري!!

فقال: من قبل خمسنا أهل البيت، الا لشيعتنا الأطيبين، فانهم محلل لهم و لميلادهم» [25] .

و التحليل هنا محمول علي الجواري اللاتي استولي عليها السلطان، و هو ليس من الخلافة الشرعية في شي ء، فشاء الامام أن يتنازل عن حقه ذاك في هذا الجانب من أجل الطيبين من شيعته لا أنه اسقط الخمس عنهم، لما رأينا من تشددهم في هذا الملحظ كما تشير الي ذلك الروايات. [26] .



[ صفحه 205]



و لم يكن نشاط الامام محمد الجواد الفقهي مقتصرا علي هذا الوجه، بل تعداه الي جملة من الفروع و الأحكام فيما يبتلي به المؤمنون، و من ذلك أحكام الصلاة، و الحج، و النذر، و الكفارات، و الوقف مشكلاته، الشفعة، و الزواج، و الميراث، و سواها. [27] .



[ صفحه 207]




پاورقي

[1] سبط ابن الجوزي / تذكرة الخواص / 368.

[2] ظ: المؤلف في كتابيه: الامام محمد الباقر مجدد الحضارة الاسلامية، الامام جعفر الصادق زعيم مدرسة أهل البيت.

[3] سورة الأنفال، 41.

[4] المفيد / الأمالي / 224 - 223.

[5] ظ: الزمخشري / الكشاف / 2 / 159.

[6] ظ: أبو عبيد / الأموال / 138. ط، مؤسسة ناصر / بيروت / 1981.

[7] ظ: ابن قتيبة / المعارف / 159 م. ط، دار الكتب المصرية / القاهرة / 1960.

[8] أبويوسف القاضي / الخراج / 1 / 168.

[9] أبوعبيد / الأموال / 137.

[10] محمد صادق الموسوي الخرسان / الخمس: الحوافز و المعطيات / 74.

[11] ابن سعد / الطبقات / 1 / 168.

[12] الحر العاملي / وسائل الشيعة / 6 / 383.

[13] سورة الأنفال، 41.

[14] الحر العاملي / وسائل الشيعة / 6 / 350.

[15] ظ: محسن الطباطبائي الحكيم / مستمسك العروة الوثقي / 9 / 528 - 387.

[16] علي الحسيني السيستاني / منهاج الصالحين / 1 / 410.

[17] محسن الطباطبائي الحكيم / مستمسك العروة الوثقي / 9 / 386.

[18] الحر العاملي / وسائل الشيعة / 6 / 348.

[19] الكشي / الرجال / 497، البحار 50 / 68 - 67.

[20] الكشي / الرجال / 506، المجلسي / البحار / 50 / 109 - 108.

[21] الطوسي / الغيبة / 227، المجلسي / البحار / 50 / 105.

[22] ابن شهرآشوب / المناقب / 3 / 495.

[23] الطوسي / الغيبة / 225.

[24] الحر العاملي / وسائل الشيعة / 349.

[25] الحر العاملي / وسائل الشيعة / 6 / 379.

[26] ظ: المصدر نفسه / 6 / 376 / و ما بعدها.

[27] ظ / المصدر نفسه / 3 / 253، 3 / 303، 6 / 31، 13 / 304، 308، 14 / 207، 15، 320، 17 / 67 و سوي ذلك.