بازگشت

الامام الجواد و القائم بالأمر


نتيجة للافراز السابق نجد ردة فعل أولياء الامام ردة غاضبة عنيفة، فهم يتوسمون به القائم المنتظر من شدة معاناتهم، و يأملون أن يكون الداعي الي الله بالسيف، و المحقق لليوم الالهي الموعود في تخليص البشرية من الظلم و العدوان، و ذلك لما ثبت لديهم و تواتر عندهم من خبر المنقذ الأعظم الذي يملأ الدنيا قسطا و عدلا كما ملئت ظلما و جورا، و ذلك من ضروريات المذهب و ثوابت التشيع، و لشدة اصطدامهم بمآسي الحياة و لولعة معاناتهم من استبداد الطغاة، كانوا يأملون أن يكون الامام محمد الجواد (عليه السلام) ذلك المصلح العالمي الذي يتحقق علي يديه تطبيق العدل الالهي و اقامة الدولة العالمية الكبري.

و هذا الهاجس الذي يجول في خواطر أوليائه المقربين كان نتيجة الاعتساف الفادح و الطيش المرير، و الاستهتار بالمقدسات، و التطاول علي الشريعة و نبذ الكتاب و تحريف الكلم من قبل سلاطين الجور، و كان هذا الأمل يراودهم من أجل الانقاذ من براثن الطواغيت، عسي أن يكون الفتح المرتقب علي يد الامام محمد الجواد (عليه السلام)، و لكن الامام كان يقابل ذلك بهدوء، و يجيب عنه بحكمة و روية، و يحدثهم عن مهمة كل امام في قيامه بالحق و نهوضه بالأمر دون ذلك الأمل المنشود، فالذي يريدون ليس هو علي كل حال، بل هو ذلك المنظر الغائب الذي لا يقوم حتي تتهيأ له أسباب الثورة الكبري، و تتحقق له شرائط التحرك الجهادي في



[ صفحه 88]



المناخ الذي يتلائم و طبيعة التغيير الشامل، من حيث التمحيص و التجربة و القوة و العدة و العدد.

فقد جاء عن عبدالعظيم بن عبدالله الحسني، و هو من الثقات الأبرار، قال: قلت لمحمد بن علي (يعني الامام الجواد) اني لأرجو أن تكون القائم من أهل بيت محمد (صلي الله عليه و آله و سلم) الذي يملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت جورا و ظلما!!

فقال الامام محمد الجواد (عليه السلام):

(يا أبا القاسم ما منا الا و هو قائم بأمر الله عزوجل، و هاد الي دين الله و لكن القائم الذي يطهر الله عزوجل به الأرض من الكفر و الجحود، و يملأها عدلا و قسطا: هو الذي تخفي علي الناس ولادته، و يغيب عنهم شخصه، و يحرم عليهم تسميته، هو سمي رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) و كنيه، و هو تطوي له الأرض، و يذل له كل صعب، و يجتمع اليه أصحابه عدة أهل بدر: ثلاثمائة و ثلاثة عشر رجلا من أقاصي الأرض، و ذلك قول الله عزوجل:

(أينما تكونوا يأت بكم الله جميعا ان الله علي كل شي ء قدير) [1] .

فاذا اجتمعت له هذه العدة من أهل الاخلاص أظهر الله أمره) [2] .

و الامام هنا يحدد شخصية القائم عجل الله تعالي فرجه بمواصفاته الدقيقة من الغيبة و الخفاء و طي الأرض، و كتمان الاسم، و اجتماع العدة و العدد من أنصاره، فهو اذن غيره و سواه.



[ صفحه 89]



و تارة أخري نجد الامام محمد الجواد (عليه السلام) يحدث علي بن جعفر الصادق، و هو عم أبيه، مشيرا الي الامام المنتظر بما حدث به أبوه عن رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) قائلا:

(يا عم ألم تسمع أبي و هو يقول:

قال رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم): بأبي ابن خيرة الاماء النوبية الطيبة، يكون من ولده الشريد المولود بأبيه و جده، صاحب الغيبة، فيقال: مات أو هلك، أو بأي واد سلك. فقلت: صدقت جعلت فداك) [3] .

و هنا ينطوي الحديث علي بعد رمزي يعبر عن طول الغيبة و أمد الانتظار حتي يقال ما يقال في الموت أو الهلاك أو السبيل المجهول مع شدة الزمان و المحنة.

و يعاود السيد عبدالعظيم الحسني حديثه في هذا المضمار فيقول:

دخلت علي سيدي محمد بن علي بن موسي (عليه السلام)، و أنا أريد أن أسأله عن القائم هل هو المهدي أو غيره؟

فابتدأني قائلا:

(يا أبا القاسم منا هو المهدي الذي يجب أن ينتظر في غيبته، و يطاع في ظهوره و هو الثالث من ولدي، و الذي بعث محمدا بالنبوة، و خصنا بالامامة، انه لو لم يبق من الدنيا الا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتي يخرج فيه فيملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت ظلما و جورا، و ان الله تبارك و تعالي ليصلح أمره في ليلة، كما أصلح أمر كليمه موسي، اذ ذهب يقتبس نارا، فرجع و هو رسول نبي.



[ صفحه 90]



و أضاف الامام الجواد قائلا:

أفضل أعمال شيعتنا انتظار الفرج) [4] .

و هنا يشير الامام (عليه السلام) الي شيعته، ويصرح عن طريقه هذا، بأن الحجة المنتظر هو الامام (عليه السلام)، و هو الثالث من ولده فالأول منهم الامام علي الهادي (عليه السلام)، و الثاني هو الامام الحسن العسكري، و الثالث هو صاحب الأمر.

ثم أوضح الامام الجواد (عليه السلام) فيما يروي عنه معالم الحقبة الزمنية التي تواجه القيام، و ما يرافق ذلك من علائم ابتلائية في الخوف و الفتن و الابتلاء و الحروب، و ما يصيبهم من ظواهر طبيعية، و ما يبد بهم من الوباء و الحروب، و ما يصيرون اليه من الاختلاف و التشتت في الدين، فيقول:

(لا يقوم القائم (عليه السلام) الا علي خوف شديد من الناس، و زلازل، و فتنة تصيب الناس، و طاعون، و سيف قاطع بين العرب، و اختلاف شديد في الناس، و تشتت في دينهم، و تغير في حالهم) [5] .

و من ثم نجد الاما محمد الجواد (عليه السلام) يؤكد أن القادم من آل محمد من المحتوم الجاري به وعد الله عزوجل، و أن قيامه من الميعاد الذي لا يتخلف، و الميعاد و ليس مما يجري فيه البداء.

فقد أخرج النعماني بسنده الي أبي هاشم الجعفري، قال:

(كنا عند أبي جعفر محمد بن علي الرضا (عليه السلام) فجري ذكر السفياني، و ما جاء في الرواية من أن أمره من المحتوم.



[ صفحه 91]



فقلت لأبي جعفر (عليه السلام): هل يبدو الله في المحتوم؟

قال: نعم، قلنا له: فنخاف أن يبدو الله في القائم!!

فقال: ان القائم من الميعاد، و الله لا يخالف (يخلف) الميعاد) [6] .

ان ما جري بين يدي الامام (عليه السلام) من انقداح ذهن أوليائه المقربين بأنه القائم من آل محمد بالأمر، لم يكن فكرا طارئا، و لا أمرا اعتباطيا، و انما استند فيه الي حياة الامام و مسلكيته الروحية، و ما كان يتمتع به من شرائط الولاية الشرعية الحقة، و ما اجتمع فيه من القابليات و الملكات و المواهب، و كل أولئك قد يقود الي هذا الاعتقاد و في الأقل الي هذا الاحتمال.

و لما كان هذا الاعتقاد بعيدا عن واقع الأمر، كان علي الامام الكشف عن الحقائق و ازالة الشبه التي قد تختلط بظلالها علي الآخرين، فكان بذلك أمام مسؤوليته الشرعية وجها لوجه، فصدع بحقيقة الأمر، و أزال تلك التساؤلات عن معالم الطريق.



[ صفحه 95]




پاورقي

[1] سورة البقرة، 148.

[2] الصدوق / كمال الدين و تمام النعمة / 2 / 49.

[3] المفيد / الارشاد / 357.

[4] الصدوق / اكمال الدين و اتمام النعمة / 2 / 49 - 48.

[5] النعماني / الغيبة / 135.

[6] النعماني / الغيبة / 142.