بازگشت

الامام في عصر المعتصم


و بويع المتعصم بن الرشيد يوم الجمعة لاثنتي عشرة ليلة خلت من رجب سنة ثماني عشرة و مائتين. [1] .

و كان المعتصم متصفا بالحماقة و شدة الغضب، حتي عرف عنه أنه: (اذا غضب لا يبالي من قتل و ما فعل) [2] .

و مع ذلك وصف بأنه كان ذا شجاعة... و بأس و شدة في قلبه) [3] .

و كان أميا أو شبه أمي، و كان له وزير عامي، و قد بليت بهما الأمة، و وصفهما أمد بن عامر بقوله: (خليفة أمي، و وزير عامي) [4] .

و كان شديد الكراهية للعرب و عمد الي الاستهانة بهم و أخرجهم من الديوان و أسقط أسماءهم منه، و منعهم العطاء كما منعهم الولايات. [5] .

و في قبال هذا كان مغرما بحب الأتراك، متزلفا لهم، بسبب من خؤولتهم به، فأمه ماردة تركية النسب، و نشأ محاكيا للأتراك في نزواتهم النفسية و طبائعهم الخلقية،. أطلق لهم العنان في الدولة و تصريف الشؤون، و استكثر منهم، و بعث في طلبهم من فرغانه و أشر و سنة [6] .



[ صفحه 82]



و لما كان المعتصم جادا و محموما في طلب الأتراك فقد تم له ذلك فاجتمع له منهم أربعة آلاف فألبسهم أنواع الديباج و المناطق الذهبية... و أبانهم بالزي عن سائر جنوده... و كانت الأتراك تؤذي العوام بمدينة السلام بجريها الخيول في الأسواق، و ما ينال الضعفاء و الصبيان من ذلك، فكان أهل بغداد ربما ثاروا ببعضهم فقتلوه عند صدمه لامرأة أو شيخ كبير أو صبي أو ضرير، فعزم المعتصم علي الفعلة منهم... فلم يزل يتنقل و يتقري المواضع، فانتهي الي موضع سامراء، فكان ذلك سبب بنائه سر من رأي، و تحوله اليها. [7] .

و استطال الأتراك في عهده و تناسلوا و قد بلغ عددهم سبعين ألفا، و حرص المعتصم علي أن تبقي دماؤهم متميزة، فجلب لهم نساء من جنسهم فزوجهم بهن، و منعهم من الزواج بغيرهن. [8] .

و كان الأتراك قوة المعتصم الضاربة، فأسند بهم قيادة الجيش و العسكر و سلطهم علي مواقع الدولة صغيرها و كبيرها، و بذلك انسل العرب من مجال السياسة، و حرمهم من مظان السيادة و عزلهم من قيادة الجيوش.

و لو أردنا الحديث عن ممارساته و أولاعه الخارجة عن نطاق الدين و الشريعة لوجدناه معاقرا للخمر و شاربا لها، و كان مشاركا في مجالس الطرب و الغناء طيلة حياته حتي الموت. [9] .

و أما من الناحية السياسية فلم يكن المعتصم العباسي سياسيا محنكا و لا خبيرا بادارة الدولة و لا جديرا بالهيمنة علي الشؤون العامة للرعية،



[ صفحه 83]



فعلي الرغم من الضغط الدموي و الارهاب السياسي في عصره فقد اهتز الحكم بعدة ثورات هائلة زعزعت عرش الخلافة في بغداد و سامراء، فقد تناوبت في فترة حكمه التعسفي الطائش عدة تحركات ثورية كان أبرزها:

1- ثورة الطالقان بقيادة محمد بن القاسم العلوي.

2- ثورة بابك الخرمي و ما رافقها من القتل و سفك الدماء.

3- ثورة الزط في البصرة و مشاكلها العديدة الرعناء.

4- تحرك الروم الي زبطرة و سواها.

5- ثورة المبرقع في فلسطين و ما والاها.

فما كتب الاستقرار السياسي و لا نعمت الشعوب الاسلامية بالاطمئنان و السلام، و لا هدأت الحياة من الصخب و الضجيج و الهرج.

و قد مني الامام الجواد (عليه السلام) بهذا الطاغية، و أخذ يتربص به الدوائر و الفرص، و شعر الامام بأن العباسيين بعامة و المعتصم بخاصة غير تاركيه حتي يقتل أو يغتال أو يسم، و تحقق تخوف الامام (عليه السلام)، فقد أشخصه المعتصم الي بغداد، فوردها لليلتين بقيتا من المحرم سنة عشرين و مائتين. [10] .

فقد أمر وزيره عبدالملك ابن الزيات أن ينفذ اليه التقي و أم الفضل... فتجهز و خرج الي بغداد، فأنفذ المعتصم أشناس بالتحف اليه و الي أم الفضل. [11] .



[ صفحه 84]



و الذي يبدو أن الامام قد بدأ بالسفر الي مكة حاجا، و معه زوجته أم الفضل، ثم انصرف الي بغداد من هناك. [12] .

و روي في عيون المعجزات، القول:

(لماخرج أبو جعفر (عليه السلام) و زوجته ابنة المأمون حاجا، و خرج أبو الحسن علي ابنه (عليه السلام) و هو صغير، فخلفه في المدينة، و سلم اليه المواريث و السلاح و نص عليه بمشهد ثقاته و أصحابه) [13] .

و مسألة السلاح و اعطاؤه لولده الامام علي الهادي (عليه السلام) مشعرة بأن الامام قد نعيت اليه نفسه، و أنه سوف لا يعود الي المدينة، و أن هذا آخر العهد بولده الامام الهادي (عليه السلام)، فسلمه سلاح رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم)، و نص علي امامته بمحضر الثقات و الأصحاب.

و الامام الجواد يشير الي هذا الأمر مصرحا به الي محمد بن فضيل الصيرفي، فيقول:

«عندي سلاح رسول الله (صلي الله عليه و آله و سلم) و هو فينا بمنزلة التابوت في بني اسرائيل، يدور معنا حيث درنا، و هو مع كل امام» [14] .

و ما أن بلغ الامام الجواد بغداد و شاع خبر قدومه حتي كان - كما هو منتظر - موضع اهتمام رجال الفقه و الحديث و مطمح أنظار أهل الايمان و الدين، و مفزع طلاب العلم و المعرفة في أحكام القرآن و مسائل الشريعة [15] .



[ صفحه 85]



و التف علماء الأمة حول الامام متحلقين في غبطة و اعتداد، فأفاض عليهم من نمير علمه الذي لا ينضب ما تحيرت به العقول، و جرت للامام في ديوان المعتصم محاورات فقهية رضي بها قوم و سخط آخرون، و لم يرق هذا المناخ المعرفي للمعتصم و بني العباس و هم يشاهدون الامام الشاب في مسيرة علمية هادرة ليس من جنس ما يحسنون، و لا من سنخ ما يعرفون، مسيرة تزخر بالعطاء التشريعي سنة و فقها و تفسيرا و الناس تنثال عليه من كل جانب بين مناظر و مسائل و محاور، و هو كالبحر اللجي الذي لا تدرك سواحله، ذلك ما أحنق عليه المعتصم، فشدد علي الامام، و فرض عليه رقابة صارمة، و ربما منع عنه شيعته و مواليه حتي انتهي ذلك باغتياله.

و الذي نريد الاشارة اليه في هذا الموضع أن الامام عاش أيام حياته المتبرعمة بين متزعمين ادعيا المنصب الشرعي، و هما المأمون و المعتصم، و ليسا أهلا له في كل حال، فلو قارنا بين مدخرات الامام الموهبية، و شمائله الذاتية النقية، و بين تلك الأهواء الطائشة لذينك المتزعمين الكاذبين لرأينا البون الشاسع بين حقيقتين مختلفين و وضعيتين متقابلتين تماما.

يقول الأستاذ محمد حسن آل ياسين:

«و عندما تنضح لنا السمات المميزة لكل من المأمون و المعتصم، و ما قيل فيهما من معاقرة الخمر و الملاهي، و العبث بأموال المسلمين، و القتل عند الغضب بلا مبالاة، و ما يقابل ذلك من سمات الامام لاجواد المميزة، و ما ورد في علمه و عبادته و تقواه و مجموع صفاته المرتبطة بسمو ذاته - نكون قد انتهينا الي نتيجة قطعية الحكم مسلمة الثبوت، يتجلي فيها



[ صفحه 86]



الجواب الصريح المقنع علي ما كنا نبحث عنه من خلال الأسئلة المتقدمة المعنية بتحديد المؤهل من بين هؤلاء المذكورين للولاية الدينية في ذلك اليوم، ممن اجتمعت فيه الشروط المطلوبة في المرشح لامامة المسلمين، و سنكون جميعا علي اتفاق لا يدخله الريب بان الامام الجواد هو الانسان الجامع يومذاك لتلك الصفات و الشروط، و ان الذين ادعيا الامامة في زمانه لم يكونا متطابقين مع تعاليم الاسلام في التصرف و العمل و السلوك، و لم يتمثل فيهما الحد الأدني - بل ما هو أقل من الأدني - من شروط الامامة و مواصفاتها المجمع عليها: دينا و فقها، و علما و التزاما، و ورعا، و فضائل أخلاق» [16] .

و هذه المقارنة ضرورية من أجل الاسلام باعتباره النظام المقدس الصادر من السماء و من أجل المسلمين باعتبارهم الأمة التي رشحت لحمل رسالة الاسلام فلا بد و الحالة هذه من الفرز المضني لاقرار المؤهل لقيادة الاسلام و المسلمين، و هنا يبرز الامام الجواد في سنه المبكرة و شبابه الغض القائد الضرورة للأمة دون سواه، و اذا كان الأمر كذلك، و هو كذلك، فيا ساعد الله الامام الجواد علي ما كابد من تناقضات و الآم و مفارقات، و هو يتجرع الغصص حينما يشاهد الانحراف عن طريق الاسلام، و هو يتحسس الألم حينما يتولي قيادة الأمة من يبرؤ من تصرفاته الاسلام.



[ صفحه 87]




پاورقي

[1] ظ: ابن عبد ربه / العقد الفريد / 50 / 121 - 120.

[2] الطبري / التاريخ / 9 / 121، المسعودي / مروج الذهب / 4 / 3، السيوطي / تاريخ الخلفاء / 222.

[3] ظ: الطبري / التاريخ / 9 / 121، المسعودي مروج الذهب / 4 / 3.

[4] ظ: باقر شريف القرشي / حياة الامام الجواد / 267 و انظر مصدره.

[5] ظ: محمد كرد علي / الاسلام و الحضارة العربية / 2 / 449.

[6] ظ: المسعودي / مروج الذهب / 4 / 9.

[7] ظ: المسعودي / مروج الذهب 4 / 9، السيوطي / تاريخ الخلفاء / 223.

[8] ظ: الدكتور أحمد امين / ظهور الاسلام / 1 / 5 - 4.

[9] ظ: الطبري / التأريخ / 9 / 11، الأصبهاني / الأغاني / 1 / 133 / 210.

[10] ظ: المفيد / الارشاد / 368، ابن الصباغ / الفصول المهمة / 262، ابن شهرآشوب / المناقب / 4 / 379، ابن حجر / الصواعق / 123، القندوزي / ينابيع المودة / 365، المجلسي / بحار الأنوار / 50 / 80.

[11] ظ: المجلسي / البحار / 50 / 8.

[12] ظ:المسعودي / اثبات الوصية / 190.

[13] المجلسي / البحار / 50 / 16.

[14] المجلسي / بحارالأنوار / 50 / 53 / و انظر مصدره.

[15] محمد حسن آل ياسين / الامام محمد بن علي الجواد / 50.

[16] محمد حسين آل ياسين / الامام محمد بن علي الجواد / 36.