بازگشت

من هم الخلفاء الاثنا عشر؟


هذا و قد رأينا: أنهم - أعني أولئك المتمحلين - حين يريدون تعيين هؤلاء الخلفاء الاثني عشر، يخبطون خبط عشواء في الليلة المطيرة الظلماء.. فراجع تاريخ الخلفاء للسيوطي.. الذي لم يستطع أن يجزم بشي ء في مجال التعرف علي هؤلاء الاثني عشر، حيث استطاع أن يعد ثمانية خلفاء فقط،



[ صفحه 76]



وجد فيهم ما رآه مبررا لجعلهم منهم، و هم الخلفاء الأربعة، و الحسن «عليه السلام» و معاوية، و ابن الزبير، وعمر بن عبدالعزيز، قال: «و يحتمل أن يضم اليهم المهتدي من العباسيين، لأنه فيهم كعمر بن عبدالعزيز في بني أمية، و كذلك الظاهر، لما أوتيه، من العدل، و بقي الاثنان المنتظران: أحدهما المهدي، لأنه من آل بيت محمد «صلي الله عليه و آله» [1] .

و لا ندري ما المبرر هذه الفجوات الواسعة، التي تركها شاغرة، حيث انتقل من معاوية الي عمر بن عبدالعزيز، ثم منه الي المهدي أو المهتدي العباسي!! و هكذا.. فهل يمكن أن يكون هذا مقبولا لدي العقلاء، و لدي أهل اللسان في فهم نص كهذا؟!! أم أنهم يفهمون الاتصال، و عدم الفصل!!

و من جهة أخري: فقد أجهد العسقلاني نفسه للخروج من هذه المعضلة، بحيث يبقي محتفظا بما هو أقل القليل من ماء الوجه.

فلم يفلح الا باضافة المزيد من الشبهات و التعميات علي البسطاء و السذج..

أما القاضي عياض، فقط طبق الحديث علي الخلفاء الأربعة، و خلفاء بني أمية الذين منهم يزيد لعنة الله تعالي!!.. متجاهلا بذلك تصريح بعض الروايات بأنهم كلهم من بني هاشم.. و تصريح عدد آخر بأسمائهم «عليهم السلام»، و تصريح طائفة أخري، بأنهم «كلهم يعمل بالهدي و دين الحق»



[ صفحه 77]



الي غير ذلك من خصوصيات تكذب و تبعد ما ادعاه..

ولكننا نجد في المقابل: أن فيهم من ظهر الحق علي لسانه، و نطق بالصدق و لم يخش في الله لومة لائم.. فقد قال القندوزي الحنفي:

«قال بعض المحققين: ان الأحاديث الدالة علي كون الخلفاء بعده «صلي الله عليه و آله» اثنا عشر، قد اشتهرت من طرق كثيرة، فبشرح الزمان، و تعريف الكون و المكان، علم: أن مراد رسول الله «صلي الله عليه و آله» من حديثه هذا: الأئمة الاثنا عشر من أهل بيته، و عترته.

اذ لا يمكن أن يحمل هذا الحديث علي الخلفاء بعده من أصحابه، لقلتهم عن اثني عشر.

و لا يمكن أن يحمله علي الملوك الأموية لزيادتهم علي اثني عشر، و لظلمهم الفاحش، الا عمر بن عبدالعزيز، ولكونهم غير بني هاشم، لأن النبي «صلي الله عليه و آله» قال: كلهم من بني هاشم في رواية عبدالملك عن جابر. و اخفاء صوته «صلي الله عليه و آله» في هذا القول [2] يرجح هذه الرواية، لأنهم لا يحسنون خلافة بني هاشم.

و لا يمكن أن يحمله علي الملوك العباسية، لزيادتهم علي العدد المذكور، و لقلة رعايتهم الآية: (قل لا أسألكم عليه أجرا الا المودة في القربي).. [3] و حديث الكساء..



[ صفحه 78]



فلابد من أن يحمل هذا الحديث علي الأئمة الاثني عشر، من أهل بيته و عترته «صلي الله عليه و آله»، لأنهم كانوا أعلم أهل زمانهم، و أجلهم، و أورعهم، و أتقاهم، و أعلاهم نسبا، و أفضلهم حسبا، و أكرمهم عند الله. و كان علمهم عن آبائهم متصلا بجدهم «صلي الله عليه و آله»، و بالوراثة و اللدنية، كذا عرفهم أهل العلم و التحقيق،و أهل الكشف و التوفيق.

و يؤيد [4] هذا المعني، أي أن مراد النبي «صلي الله عليه و آله» الأئمة الاثنا عشر من أهل بيته، و يشهده و يرجحه: حديث الثقلين، و الأحاديث المتكثرة، المذكورة في هذا الكتاب و غيرها..

و أما قوله «صلي الله عليه و آله» كلهم تجتمع عليه الأمة، في رواية عن جابر بن سمرة، فمراده «صلي الله عليه و آله»: أن الأمة تجتمع علي الاقرار بامامة كلهم وقت ظهور قائمهم المهدي رضي الله عنهم» [5] انتهي.

أو أن الأمة تجتمع علي الاقرار بفضلهم، و علمهم، و تقواهم، كما سننقله عن الجاحظ في أواخر الفصل السادس. ان شاء الله تعالي..

و حسبنا ما ذكرناه هنا، فان استقصاء البحث في هذا الأمر يحتاج الي توفر تام، و تأليف مستقل..

غير أن لنا كلاما في حقيقة ما يرمي اليه هؤلاء من القبول بتطبيق



[ صفحه 79]



حديث الأئمة الاثني عشر علي أئمة الشيعة الامامية ذكرناه في كتابنا: «ابن عربي سني متعصب»..

حيث ذكرنا هناك: أن هؤلاء يهدفون الي الحفاظ علي عقيدة التسنن، و لكنهم لا يزيدون علي الاعتراف بأنهم مجرد أئمة في العلم و الدين، ولكن لا ربط لامامتهم بالحكم و الحاكمية،فهم يشبهون أولياء الصوفية عندهم..

و بقية الكلام موكول الي الكتاب المشار اليه آنفا..


پاورقي

[1] المصدر السابق ص 12.

[2] كما جاء في عدد من النصوص، التي ذكرها في ينابيع المودة قبل ذلك.

[3] الآية 23 من سورة الشوري.

[4] الظاهر: أن كلام ذلك المحقق قد انتهي، و بدأ من هنا فصاعدا كلام القندوزي الحنفي نفسه.

[5] ينابيع المودة للقندوزي الحنفي ص 446.