بازگشت

الزلزال من الأعماق


و رغم وضوح الأمور لدي غالبية الشيعة، فانه لا يمكننا غض النظر عن حقيقة: أن الشيعة - و لاسيما غير العلماء منهم - يواجهون في هذا الأمر أول مخاض عقائدي عسير جدا، و فريد من نوعه، و يتعرضون لزلزال عقائدي عنيف من داخل أنفسهم، يزلزل وجودهم، و يهز ضمائرهم من الأعماق..

هذا عدا عما ينشأ عن حدث كهذا، من خلل في العلاقات، و في الموقع الذي تحتله هذه الفرقة في مقابل سائر الفرق و المذاهب. ثم ما يتبع ذلك من تطورات و تحولات علي صعيد الحركة الفكرية في العالم الاسلامي بأسره..

و وضوح قضية الامامة و شؤونها و قطعيتها لدي الشيعة.. لا يعني أن لا يتعرض عامة الناس و الضعفاء منهم لهذا الزلزال الخطير..

بل سيأتي: أن هذا الحدث قد أثر حتي في بعض كبار الشيعة و علمائهم.. لاسيما و أن الأئمة قد ربوا شيعتهم علي احترام الفكر و العقل، فيما يستقل بادراكه، و كان مما تتوافق عليه عقول جميع البشر.. حتي ليصح القول: انهم أصبحوا عقليين الي حد كبير.

ولكنه عقل خاضع لله، عارف بواقع نفسه، واقف علي مدي قدراته، لا يدعي لنفسه ما ليس له، و لا يدعي علم ما حجب عنه، و لا يجد الوسيلة اليه..

غير أن بعض التفصيلات الدقيقة في قضية الامامة، تحتاج لمزيد من الفكر، و العمق، و الدقة، و الاطلاع علي ما كشف عنه عالم الغيب



[ صفحه 29]



و الشهادة، بواسطة أنبيائه و أوصيائهم. و هذا ما لا يمكن توفره للكثيرين ممن لم يضربوا في العلم بسهم وافر، فكيف بالنسبة للعامة من الناس؟

فاذا تجسدت نفس هذه الحالات الخفية في نفس الواقع و الأمر، فانها لابد و أن تحدث - في بادي الأمر علي الأقل - زلزالا قويا في الفكر، و صدمة عميقة للوجدان.. و لابد من مرور مدة من الزمان، ليعود الفكر و العقل للتصرف فيما لديه من معلومات، و ادراكات، تمكنه من امتلاك زمام المبادرة، و تولي قيادة مسيرة الانسان، و الهيمنة علي مواقفه و حركاته، ثم تغذية ضميره، و الاتصال بوجدانه.