الامام يدحض مزاعم المشككين بأمامته
2- تحدي المشككين بالدليل العلمي: ذكرنا فيما سبق أن حالة الصبا التي تزامنت مع اضطلاع الامام الجواد (ع) بأعباء الخلافة لرسول الله «ص»، و تصديه لأمامة المسلمين في ذلك الوقت المبكر، قد أوجدت حالة بين الناس تراوحت بين التساؤل و التشكيك، علي ان التساؤلات قد تم حسمها بدرجة ما من خلال الاحاديث والتوجيهات و الأشارات التي بثها والده الامام الرضا (ع) بين مقربيه، و رؤساء
[ صفحه 32]
القوي الموالية لاهل البيت (ع) في البلدان كمصر والحجاز والعراق و بلاد فارس و غيرها، اضافة الي ما نهض به الجواد (ع) من مهمات لتبديد تلك الاوهام التي اثيرت بشكل و بآخر بعد وفاة الامام الرضا (ع) مما تعكسه بعض الروايات الواردة بهذا الخصوص.
أورد السيد المرتضي (رض) في عيون المعجزات انه: لما قبض الرضا (ع) كان سن أبي جعفر (ع) نحو سبع سنين، فاختلفت الكلمة بين الناس ببغداد، وفي الامصار، واجتمع الريان بن الصلت، و صفوان بن يحيي و محمد بن حكيم، و عبدالرحمن بن الحجاج، و يونس بن عبدالرحمن، و جماعة من وجوه الشيعة و ثقاتهم في دار عبدالرحمن بن الحجاج في «بركة زلول» يبكون، و يتوجعون من المصيبة، فقال لهم يونس بن عبدالرحمن: دعوا البكاء من لهذا الامر؟ و الي من نقصد بالمسائل الي أن يكبر هذا! - يعني اباجعفر (ع)-
فقام اليه الريان بن الصلت، ووضع يده في حلقه، ولم يزل يلطمه و يقول له: انت تظهر الايمان، و تبطن الشك و الشرك ان كان أمره من الله جل وعلا، فلو انه كان ابن يوم واحد لكان بمنزلة الشيخ العالم و فوقه، و ان لم يكن من عندالله فلو عمر الف سنة فهو واحد من الناس...» [1] .
- و عن الشيخ الكليني الرازي (رض) بسنده عن اسماعيل بن بزيع قال: سألته يعني أباجعفر الثاني (ع) عن شيي ء من أمر الامام، فقلت: يكون الامام ابن أقل من سبع سنين؟ فقال:
[ صفحه 33]
نعم و أقل من خمس سنين» [2] .
- و عن الكليني (رض) بسنده عن علي بن اسباط قال: رأيت أباجعفر (ع)، و قد خرج علي، فأخذت النظر اليه، و جعلت انظر الي رأسه و رجليه لأصف قامته لأصحابنا بمصر، فبينا أنا كذلك حتي قعد، فقال: يا علي ان الله احتج في الامامة بمثل ما احتج به في النبوة، فقد يجوز أن يؤتي الحكمة صبيا، و يجوز ان يعطاها، و هو ابن اربعين سنة» [3] .
و ذكر الشيخ الجواهري (ره) في كتابه: ان بعض الشيعة توقفوا عن امامة الجواد (ع) لصغر سنه حتي توجه أكابر الشيعة من العلماء و الفقهاء و المتكلمين الي الحج و التقوا بالامام (ع) و استفسروا عن مختلف أمور دينهم و دقائق معارف التشريع الالهي، فلما رأوا عظيم قدر الامام (ع) بعد أن أظهر لهم من العلوم و اسرارها، و مصاديق المعاجز و الكرامات ما لا يترك أي منفذ للأرتياب، زالت سحب الشك عن قلوبهم [4] .
أما بخصوص المشككين بأمامته من المستكبرين و المترفين و وعاظ السلاطين و اتباعهم، فأن الامام (ع) قد تصدي لدحض مزاعمهم القاء للحجة، واجلاء للحق، و صونا للحقيقة.
و قد ذكرنا فيما سبق ان رؤية حاشية السلطان العباسي
[ صفحه 34]
«المأمون» و كبراء البيت الحاكم، و خدامهم من الوعاظ و المنظرين للانحراف و حماته تتلخص بالعبارة التالية: «انه صبي لا معرفة له، و لا فقه...» الامر الذي يقتضي أن يتحدي الامام (ع) مرتكزاتهم و نظرتهم الخاطئة للامامة، و يحدد بالارقام والمواقف العملية القدرات المميزة لشخصية وصي رسول الله (ص) المختار من الله تعالي لأمامة المسلمين.
و قد توفرت العديد من الفرص المناسبة لأظهار هذه الحقائق الكبري من قبل الامام الجواد (ع) نذكر منها ما يلي:
«لما أراد المأمون العباسي أن يزوج ابنته ام الفضل لأبي جعفر (ع)، و هو مازال صبيا استنكر أركان البيت العباسي ذلك، و كبر عليهم، «فخاضوا في ذلك و اجتمع منهم أهل بيته الأدنون منه فقالوا: ننشدك الله يا أميرالمؤمنين الا ما رجعت عن هذه النية، و صرفت خاطرك عن هذا الامر، فانا نخاف، و نخشي أن يخرج عنا ملكنا، و يبزغ عنا عز البسناه الله تعالي، و يتحول الي غيرنا، و أنت تعلم ما بيننا و بين هؤلاء القوم - يقصدون العلويين -».
الا ان المأمون كان يري اهمية قصوي لما يقدم عليه من الناحية السياسية و الاجتماعية، ولعل تبرئة نفسه من دم الامام علي الرضا (ع)، [5] و اعطاء شيعة أهل البيت (ع) انطباعا حسنا عنه كان في مقدمة أهدافه السياسية التي تنطوي نفسه عليها.
و من أجل ذلك راح السلطان العباسي يجادل اقطاب العائلة
[ صفحه 35]
الحاكمة فيما أقدم عليه قائلا:
- أما ما بينكم و بين آل ابي طالب، فأنتم السبب فيه، و لو انصفتم القوم لكانوا أولي بالامر منكم...».
ثم بين الحاكم العباسي فلسفة اصراره علي تزويجه ابنته من الامام الجواد قائلا:
«فاخترته لتبريزه - لتقدمه - علي كافة أهل الفضل في العلم، والحلم والمعرفة والادب مع صغر سنه - و كان سن ابي جعفر في ذاك الوقت تسع سنوات، - فقال اقطاب البيت الحاكم: ان هذا صبي صغير السن و أي علم له اليوم أو معرفة أو أدب، دعه يتفقه يا أميرالمؤمنين، ثم اصنع به ما شئت.
المأمون العباسي: كأنكم تشكون في قولي، ان شئتم، فاختبروه او ادعوا من يختبره، ثم بعد ذلك لوموافيه، او اعذروا.
قالوا: و تتركنا و ذلك؟
المأمون: نعم.
القوم: فيكون ذلك بين يديك، يترك من يسأله عن شيي ء من أمور الشريعة فان اصاب لم يكن في أمره لنا اعتراض، و ظهر للخاصة، والعامة سديد رأي أميرالمؤمنين، و ان عجز عن ذلك كفينا خطبه و لم يكن لأميرالمؤمنين عذر في ذلك.
المأمون: شأنكم و ذلك متي أردتم!
و خرج القوم من عنده و مكروا و مكر الله والله خير الماكرين، فقد اجمع رأيهم علي أن يتولي قاضي قضاة الدولة العباسية و فقيه السلطة المقدم يحيي بن أكثم مهمة اختبار الامام الجواد (ع) أمام الناس، و وعدوه بأجر مادي كبير ان هو نجح في اثبات عجز الامام
[ صفحه 36]
الفكري و الادبي أمام الناس!!
و اتفق القوم مع السلطان العباسي علي يوم للحجاج و المناقشة، فحدد لهم يوما رسميا، و قد دعي للحضور العباسيون و «خواص الدولة و اعيانها من امرائها و حجابها و قوادها» فضلا عن المأمون و القاضي ابن اكثم، و كان يوما مشهودا في بغداد عاصمة الخلافة العباسية.
فقد أعد لابي جعفر (ع) فراش حسن بأمر من الخليفة، و أجلس القاضي ابن اكثم مقابلا له، و جلس الناس في مراتبهم حسب الطبقات و المنازل.
ثم استأذن القاضي من سيده السلطان أن يسأل الامام الجواد (ع)، فقال له المأمون: استأذنه في ذلك، فاستأذن ابن أكثم أباجعفر (ع) في ذلك فأذن له فقال القاضي: ما تقول جعلت فداك في محرم قتل صيدا.
قال أبوجعفر (ع): قتله في حل أو حرم؟
- عالما كان المحرم أم جاهلا؟
- قتله عمدا أو خطأ؟
- حرا كان المحرم ام عبدا؟
- صغيرا كان أو كبيرا؟
- مبتدئا كان بالقتل أو معيدا؟
- من ذوات الطير أو من غيرها؟
- من صغار الصيد كان أو من كباره؟
- مصرا علي ما فعل أو نادما؟
- ليلا كان قتله الصيد أو نهارا؟
[ صفحه 37]
- محرما كان بالعمرة اذ قتله أو بالحج كان محرما؟
فتحير يحيي ابن أكثم و بان عجزه، و انهياره، حتي انكشف للحضور أمره، فقال المأمون: الحمدلله علي هذه النعمة و التوفيق لي في هذا الرأي، ثم نظر لأهل بيته و قال لهم: أعرفتم الآن ما كنتم تنكرونه؟
پاورقي
[1] حلية الابرار ج 2 ص 398.
[2] نفس المصدر و الصفحة.
[3] حلية الابرار ج 2 ص 397.
[4] مثير الاحزان: في احوال الائمة الاثني عشر امناء الرحمن، الشيخ شريف الجواهري ص 272 منشورات الرضي / قم.
[5] الامام الرضا (ع) استشهد مسموما علي يد المأمون، يراجع مقاتل الطالبين ص 566 و عيون اخبار الرضا.