بازگشت

طبيعة علاقة الامام بجماهير و مريديه


تتدخل في تحديد طبيعة العلاقة بين الامام (ع) و جماهيره الظروف الموضوعية التي تعيشها الجماهير و الأمام معا، فربما يتعرض الامام (ع) - باعتباره مصدر الهام الأمة - الي عمليات التطويق و المضايقة كي يحد الطاغوت من مدي تأثيره في الأمة، كما جري في عدة مراحل من مراحل التاريخ الاسلامي، و ربما تتعرض جماهير الأمة نفسها للابتراز و الارهاب الفكري و السياسي، و تطارد طلائعها ليتم قطع الصلة بين الأمة و الامام (ع) تحت ضغط الأرهاب و الكبت.

و قد تمر حالة من «الهدنة» التي تطول أو تقصر بين الطاغوت و الامة و مصدر الاشعاع فيها، لاسباب تتعلق بقناعات السلطان نفسه، أو لانشغاله بتحد خارجي يصرفه عن شن العدوان علي الامام (ع) و حركته المباركة و لهذه الحقائق التي اشرنا اليها مصاديق كثيرة في تاريخنا و قد تجتمع كلها في حياة امام واحد أحيانا، كما جري للامام جعفر بن محمد الصادق (ع)، حيث تراوحت مراحل سيرته العطرة بين حرية الارادة علي التحرك و العمل بشكل واسع مرورا بالضغط علي اصحابه و قتل بعضهم كالمعلي بن خنيس «رض» و انتهاء بالتضييق عليه و من ثم استشهاده بفعل سم الطغاة.

وقد مر الامام موسي الكاظم (ع) بظروف قاسية، منذ بداية امامته و أوذي في الله علي أيدي الجلادين، و عاش مغيبا عن الأمة في سجون طاغية زمانه (الرشيد العباسي)، كما تعرض العلويون و اصحاب الائمة لانماط من الاذي والقتل و التشريد.



[ صفحه 89]



و الامام الرضا (ع) مر بثلاث مراحل: عاني من العنت في أولها علي يد الرشيد، و تحققت له حرية التحرك في فترة انشغال المأمون بمشاكل حكمه الداخلية، ثم ختمت حياته بالشهادة علي يد المأمون نفسه.

اما الامام الجواد (ع)، فقد مر بمرحلتين: مرحلة تمتع فيها بقسط يذكر من الحرية للتحرك و التأثير، و شكلت هذه المرحلة أطول مراحل حياته و قد قضاها في اغلب أيام المأمون (زهاء الخمسة عشر عاما و كان أفضلها السنوات الخمسة التي قضاها الامام (ع) في عصر المأمون كما سنشير فيما بعد)، و مرحلة المضايقة و الاقامة الجبرية التي عاشها منذ اواخر أيام المأمون و أوائل حكم المعتصم العباسي حتي استشهاده (ع) حيث استدعاه المعتصم الي بغداد و وضعه تحت المراقبة، ثم دس له السم، فاستشهد عليه سلام الله و رضوانه بعد أن قضي سنتين و نصف من عهد المعتصم الذي حمله الي بغداد عام 220 ه و وضعه تحت المراقبة حتي نهاية العام المذكور حيث قضي شهيدا محتسبا.

و من الجدير بالذكر ان الامام الجواد (ع) منذ أواخر أيام المأمون حتي رحيله الي ربه الاعلي كان يشعر بالعنت، و يتعرض للمضايقة و سوء المعاملة حتي ضاق بالحياة مع الظالمين.

و لقد حفظ التاريخ صورا من تبرمه بالعيش تحت كابوس الظلم والظالمين.

فقد كان (ع) يقول: «الفرج بعد المأمون بثلاثين شهرا» [1] حيث



[ صفحه 90]



اعتبر الموت فرجا له لشده ما كان يعانيه.

و يذكر تاريخ سيرته العطرة انه كلما عاد من المسجد يوم الجمعة يرفع يدي الضراعة قائلا: «الهي ان كان فرجي في موتي فعجل وفاتي لساعتي» [2] .

و يذكر عنه انه كان دائم الكآبة و الغم حتي قضي نحبه مظلوما، و لكي تتوضح لدي المتتبع صورة العلاقة بين الامام (ع) و القواعد الشعبية لابد من الرجوع الي النشاطات الفكرية و الاجتماعية و السياسية التي مارسها صلوات الله عليه في المرحلة الاولي من حياته. أما المرحلة الاخيرة من عمره الشريف، فلم يكن في وسعه أن يتحرك في الامة الا بقدر ما سمحت له الظروف في تبيان بعض العقائد و الاحكام الشرعية في بعض المسائل أيام المعتصم - مما سنشير اليها في الفصول القادمة ان شاء الله تعالي -.

و من نافل القول ان نشير الي ان كتب السيرة و الاحاديث تشير بوضوح الي متانة العلاقة بين الامام (ع) و الأمة و يسرها نسيبا في مرحلة ما قبل المعتصم، و سنذكر بعضا من مصاديق هذه العلاقة المباركة تاركين استكمال هذه الصورة الي نشاطات الامام (ع) عبر تلاميذه و مناظراته و رواته و توجيهاته العامة للامة، و وفود العلماء و الفقهاء اليه في المدينة المنورة أوفي مواسم الحج و نحو ذلك، مما سيتجلي في الفصول القادمة.


پاورقي

[1] مفاتيح الجنان «المعرب»: الشيخ عباس القمي (رض) ص 250.

[2] مفاتيح الجنان «المعرب»: الشيخ عباس القمي (رض) ص 250.