بازگشت

اتباع أهل البيت في عصر الجواد


يعتبر عصر الامام الجواد (ع) امتدادا لعصر أبيه وجده صلوات الله عليهما، و قد نهض الامام (ع) بأعباء امامة المسلمين، و اتباع أهل البيت (ع) و في أوج مجدهم و عزتهم من ناحية الكم و من ناحية المضمون و الكيفية، حتي ان الحكم العباسي قد اضطر - من بعض الوجوه - الي أن يخطب و دهم، و يسترضي جموعهم الكثيفة المنتشرة في كافة حواظر الدولة و مدنها و قراها.

و كانت عملية تسليم منصب ولاية العهد للامام الرضا (ع) من قبل المأمون العباسي قد روعيت فيها هذه الحقيقة الموضوعية - في أحد جوانبها-، كما أن استدعاء الامام الجواد (ع) الي بغداد من قبل نفس الحاكم و تزويجه اياه من ابنته ام الفضل، كان يهدف - من بعض وجوهه - الي استرضاء اتباع الامام (ع) و مواليه الذين عبر عنهم أحد مقربي المعتصم انهم «شطر الامة» - كما اشرنا قبل قليل -.

و من الجدير أن نذكره هنا أن اتباع أهل البيت (ع) - في عصر الكاظم و الرضا و الجواد (ع) - رغم ما تمتعوا به من امكانات مادية، و معنوية هائلة في اطار المجتمع القائم يومذاك الا ان قيادتهم الشرعية المتمثلة بالأئمة (ع) - كل في وقته - كانت تقدر ان ما وصل اليه الشيعة من مستوي كمي و كيفي لم يؤهلهم بعد لاستلام الحكم، لأن استلام مسؤولية الحكم و قيادة الناس يحملهم مسؤوليات ضخمة ازاء الناس و الرسالة لم تمكنهم الظروف الموضوعية يومئذ من النهوض بها، الامر الذي كان الائمة (ع) يعونه تفصيلا.



[ صفحه 85]



و رغم نقص المعلومات التي نملكها حول الفترة التي عاشها الامام الجواد (ع) فأن عدة اشارات و احداث يحفظها تاريخ تلك المرحلة تعطي تصورا مناسبا حول الخريطة التي يحتلها اتباع أهل البيت (ع) في العالم الاسلامي.

فمن جملة الاشارات و الوقائع التاريخية يتجلي لنا أن الشيعة قد انتشروا في اوساط سكان و ادي النيل و في العراق و بلاد فارس و الحجاز و غيرها بشكل واسع و مؤثر، و هذه بعض الاشارات المستفادة من التاريخ بهذا الخصوص.

1- من المعلوم ان مسألة صغر سن الامام الجواد (ع) قد اثارت جوا من التساؤل و الاضطراب في اوساط اتباع أهل البيت (ع) حول امامته و هذه الرواية و ان كانت تشير الي بعض مصاديق ذلك الاختلاف الا انها تعطي تصورا حول مساحة الشيعة في العالم الاسلامي في عصر الامام (ع): «لما قبص الرضا (ع) كان سن أبي جعفر (ع) نحو سبع سنين، فاختلفت الكلمة بين الناس ببغداد و في الامصار...» [1] .

2- «و كان وقت الموسم، فاجتمع من فقهاء بغداد و الامصار و علمائهم ثمانون رجلا، فخرجوا الي الحج و قصدوا المدينة، ليشاهدوا اباجعفر (ع)...» [2] .

3- «استأذن علي أبي جعفر (ع) قوم من أهل النواحي من



[ صفحه 86]



الشيعة، فأذن لهم، فدخلوا، فسألوه...» [3] .

4- «... خرج (ع) علي، فنظرت الي رأسه، و رجليه، لأصف قامته، لاصحابنا بمصر...» [4] .

فأتباع الأئمة الهداة (ع) في عصر الجواد (ع) قد انتشروا حسب هذه المداليل في عاصمة الدولة العباسية (بغداد) و في مصر و في العديد من الامصار و اقاليم الدولة العباسية بشكل واسع و مؤثر حتي ان الحاكم العباسي صار مضطرا ان يحسب لاتباع الأئمة (ع) حسابا خاصا، و يتحول ذلك الحساب الي موقف تحدده طبيعة الحاكم نفسه او تمليه الظروف التي يعيشها ذلك الحاكم.

و قد رأينا بناء علي هذه الرؤية كيف ان المأمون سمي الامام الرضا (ع) وليا لعهده و أتبع ذلك بتقريب ولده الامام الجواد (ع) - مع ما في ذلك من تكتيك سياسي - كما رأينا ان المعتصم العباسي قد انتهج اسلوبا مغايرا في تعامله مع الجواد (ع) اتسم بالاستفزاز و المراقبة للامام (ع) و تصاعد ذلك الموقف الي مستوي اغتيال الامام (ع) بعد ذلك - كما اشرنا - الامر الذي ينطبق علي حكام بني العباس السابقين لعصر الجواد (ع) أو اللاحقين [5] .

و لم يقتصر نمو شيعة أهل البيت (ع) علي مستوي المساحة العامة للأمة، و انما وصل بعض من كوادر هذا التيار و اصحاب الأئمة (ع)



[ صفحه 87]



الي مستوي التأثير في القرارات الرئيسية والسياسة العامة للدولة العباسية.

و قد ازدانت بعض المواقع الحساسة في الدولة باسماء بعض «الاصحاب» رضوان الله عليهم من أمثال هرثمة بن أعين صاحب الامام الرضا (ع) و خاصته الذي كان من أكبر قواد المأمون العباسي، و طاهر بن الحسين الخزاعي و الي خراسان و من أكبر قواد المأمون أيضا، و هو الذي احتل بغداد و قتل الامين و منهم الحسين بن عبدالله النيسابوري و الي سجستان في عصر المأمون و المعتصم الذي كتب اليه الامام الجواد (ع) كتابا يدعوه الي الاحسان باخوانه المؤمنين:

«بسم الله الرحمن الرحيم: أما بعد فأن موصل كتابي هذا ذكر عنك مذهبا جميلا، و ان مالك من عملك ما أحسنت فيه، فأحسن الي اخوانك، واعلم ان الله عزوجل سائلك عن مثاقيل الذر والخردل» [6] .

و لو أجرينا عملية احصائية بسيطة لاصحاب الأئمة الذين تسلموا مواقع هامة في الدولة العباسية لوجدنا اسماء لامعة كثيرة ممن عرفوا علنا بسلامة الخط أو ممن أخفوا علاقتهم بخط الأئمة عليهم السلام بسبب الظروف التاريخية التي مرت بها حركة الائمة الهداة عليهم الصلاة والسلام - مما لسنا بصدده في هذا البحث -

و غاية ما أردنا ان نشير اليه هنا أن اتباع أهل البيت (ع) قد شملوا مساحة واسعة جدا من خريطة الامة في عهد الامام الجواد (ع)



[ صفحه 88]




پاورقي

[1] حلية الابرار ج 2 ص 398 - ص 399 نقلا عن عيون المعجزات للسيد المرتضي (رض).

[2] حلية الابرار ج 2 ص 398 - ص 399 نقلا عن عيون المعجزات للسيد المرتضي (رض).

[3] الكافي ج 1 ص 496.

[4] نفس المصدر ص 494.

[5] يمكن ملاحظة ذلك من خلال مراجعة مواقف المنصور الدوانيقي و الرشيد و المهدي و المتوكل و الواثق و غيرهم من ائمة أهل البيت (ع) و أتباعهم.

[6] حلية الابرار ج 2 ص 436.