بازگشت

مخطط المأمون


تظاهر الخليفة العباسي بولائه للامام الجواد (ع)، و استدعاه مكرما معززا الي بغداد ليتناسب موقفه هذا مع مشروعه السياسي، و لكي يمر مخططه بسلام، و يحقق أهدافه كاملة في ايهام الناس ببراءته من دم الامام الشهيد أبي الحسن الرضا (ع)، ليأمن غائلة اتباعه و مريديه حتي أوحي للاسرة الحاكمة نفسها انه صادق في توجهه مما أثار حالات شديدة من الجدل بينه و بينهم حول الموضوع، و اشتد النزاع مع اقربائه حين أصر علي تزويج ابنته أم الفضل من الامام الجواد (ع)، و كان رجال الاسرة الحاكمة يعللون رفضهم لمشروع الزواج بنقطتين:

احداهما: صغر سن الامام (ع)

ثانيهما: خوفهم علي مستقبل الحكم العباسي من العلويين و بخصوص مسألة «صغر سن الامام» رد المأمون علي خصومه بقوله: قد اخترته لتبريزه علي كافة أهل الفضل في العلم و الفضل مع صغر سنه، و الاعجوبة فيه بذلك و أنا أرجو أن يظهر للناس ما قد عرفته منه، فيعلموا ان الرأي ما رأيت [1] ، ثم أشار عليهم - قطعا للخلاف - أن يمتحنوه علي يد من شاؤوا من أهل المعرفة، فاستجابوا لما أشار عليهم، فكانت مناظرته مع قاضي قضاة الدولة يحيي بن أكثم - كما أشرنا الي ذلك في فصل سابق -.

أما بخصوص مخاوفهم السياسية «انا نخاف أن تخرج به عنا أمرا قد ملكناه الله، و تنزع منا عزا قد ألبسناه، فقد عرفت ما بيننا و بين



[ صفحه 78]



هؤلاء القوم قديما و حديثا، و ما كان عليه الخلفاء الراشدون قبلك من تبعيدهم و التصغير بهم...» [2] .

فقد رد المأمون قائلا: أماما بينكم و بين آل أبي طالب فأنتم السبب فيه، و لو أنصفتم القوم لكانوا أولي بكم، و أما ما كان يفعله من قبلي بهم، فقد كان به قاطعا للرحم...» [3] .

و بعد أن هزم العباسيون أمام كرامات أبي جعفر (ع)، و فضله و علو شأنه - كما رأينا في مناظراته مع القاضي ابن أكثم - أمضي المأمون ما عزم عليه من تزويجه في مراسيم سلطانية خاصة - أشرنا اليها-، مبالغة في ايهام الناس بصدق توجهه نحو آل البيت (ع) و حسبما يفهم من رواية الشيخ المفيد [4] يبذو أن الامام (ع) لم يمكث طويلا في بغداد، و انما استأذن الخليفة و خرج بأهله الي المدينة، من أجل ان يباشر دوره الرسالي في حركة الاسلام التاريخية.

علي ان من الجدير ذكره ان المؤرخين تتضارب أقوالهم في المدة التي قضاها الامام (ع) في بغداد الا ان الذي يفهم من ابن الاثير في الكامل ان الامام (ع) جاء الي بغداد في المرة الاولي فتزوج ابنة المأمون، و لم يدخل بها، فعاد الي المدينة المنورة، و في سنة 215 ه، جاء مرة اخري و لقي المأمون في تكريت و هو في طريقه لقتال الروم، فأدخلت عليه زوجته أم الفضل، فعاد بها الي المدينة في أيام الحج، [5] و هذه الرواية تتناسب مع روايات القائلين بأن الامام (ع) انما تزوج



[ صفحه 79]



ابنة المأمون و عمره تسع سنوات و جمعا للروايات كان دخوله بها بعد ذلك.


پاورقي

[1] الارشاد للشيخ المفيد ص 320.

[2] الارشاد ص 320 و تحف العقول ص 331 (اختلاف يسير بالالفاظ).

[3] الارشاد ص 320 و تحف العقول ص 331 (اختلاف يسير بالالفاظ).

[4] الارشاد ص 323.

[5] الكامل ج 5 ص 219.