بازگشت

توطئه


ثمة مسألتان جوهريتان تفرضان وجودهما علي الباحث و هو يستعرض حياة اي وصي من اوصياء رسول الله صلي الله عليهم اجمعين:

1- المهام و المسؤوليات المناطة بالأئمة الاوصياء (ع).

2- المؤهلات التي يملكها الوصي الامام (ع).

و لكي نلم بالخصوصيات العامة لهاتين المسألتين نقول:

ان الامامة في المنظور الاسلامي الواقعي لها انما هي استمرار للنبوة و امتداد عضوي مكمل لها كما توحي بهذا الفهم عدة نصوص اصيلة يجمع عليها المسلمون كقوله تعالي: انما وليكم الله و رسوله والذين آمنوا: الذين يقيمون الصلاة و يؤتون الزكاة و هم راكعون [1] .

المائدة 56 - 55



[ صفحه 18]



و كقول رسول الله (ص): اني مخلف فيكم الثقلين: كتاب الله و عترتي اهل بيتي ما ان تمسكتم بهما لن تضلوا ابدا و انهما لن يفترقا حتي يردا علي الحوض [2] .

و كقوله (ص): انت مني بمنزلة هارون من موسي الا أنه لا نبي بعدي [3] .

و الائمة الاثني عشر من ائمة أهل البيت عليهم السلام يمتلكون المؤهلات الذاتية التي يمتلكها اي نبي من أنبياء الله تعالي، الا أن الارادة الالهية اقتضت أن تختم النبوة في الأرض برسول الله محمد بن عبدالله صلي الله عليه و آله و سلم، و بالنظر للشرف الرفيع الذي خص به محمد (ص) دون سائر خلق الله تعالي جميعا فقد تحولت مواقع هؤلاء الهداة الاطهار عليهم السلام الي اوصياء للرسول الخاتم صلي الله عليه و آله ينهضون بنفس المهام الفكرية و الاجتماعية التي كان ينهض بها النبي محمد (ص)، كما جري في كل امة من امم الانبياء الكبار (ع).

بالنسبة لمضمون العلاقة بين الرسل السابقين و أوصيائهم (ع)،



[ صفحه 19]



و الي هذا المعني أشار رسول الله (ص) قائلا: «ان الله اختار لكل نبي وصيا، و علي وصيي في عترتي و أهل بيتي و أمتي بعدي» [4] ، و الفارق الوحيد بين رسول الله (ص) و أوصيائه الاثني عشر عليهم الصلاة والسلام، انهم جردوا من مقام النبوة و هنا ندرك العلامة الفارقة الوحيدة بين اوصياء الانبياء السابقين عليهم السلام و اوصياء النبي الخاتم (ص)، فان اوصياء الانبياء السابقين كانوا انبياء ايضا بصريح الاحاديث، [5] ، الا ان ارادة الله تعالي و بسبب الشرف الذي خص به النبي الخاتم محمد (ص) - اقتضت أن يتمتع اوصياء محمد رسول الله (ص) بنفس المؤهلات الذاتية التي يتمتع بها الانبياء ايضا و لكنهم لا يوحي اليهم بالطريقة التي يوحي بها للنبي (ص) كما سيتضح و لم يعطوا مقام النبوة كما أشرنا.

و من الجدير ذكره ان مبادي ء العقيدة الاسلامية تسجل فروقا بين الرسول و أوصيائه من ناحية كيفية تلقي معارف الرسالة الالهية و احكامها فاذا كان النبي الرسول (ص) يتلقي معارف التشريع الالهي بواسطة سفير الله و وحيه جبريل (ع) الذي يسمع منه الرسول (ص) و يراه في النوم و اليقظة، فان الوصي الامام (ع) يتلقي معارف التشريع



[ صفحه 20]



الالهي أما من الرسول مباشرة او من وصي له صلي الله عليه و آله مفترض الطاعة.

و أما ما يستجد من أمور فان وسيلة الامام لتلقي معارف التشريع الالهي حولها هو الالهام [6] .

و يحسن أن نورد نماذج من النصوص الكريمة التي تشخص هذه الحقائق:

اخرج الكليني الرازي (رض) بسنده عن زرارة قال: «سألت أباجعفر عليه السلام عن قول الله عزوجل (و كان رسولا نبيا) ما الرسول و ما النبي؟ قال: النبي الذي يري في منامه، و يسمع الصوت، و لا يعاين الملك، و الرسول الذي يسمع الصوت و يري في المنام و يعاين الملك، قلت: الامام ما منزلته؟ قال: يسمع الصوت، و لا يري، و لا يعاين الملك... [7] .

و يلخص الامام الصادق (ع) ابعاد العلم الالهي الذي يملكه الائمة عليهم السلام بقوله: «علمنا غابر و مزبور و نكت في القلوب، و نقر في الاسماع، و ان عندنا الجفر الاحمر و الجفر الابيض، و مصحف فاطمة عليهاالسلام و ان عندنا الجامعة فيها جميع ما يحتاج الناس اليه».

و لما سئل الامام (ع) عن تفسير كلامه هذا قال: «أما الغابر فالعلم بما يكون و أما المزبور فالعلم بما كان، و أما النكت في القلوب فهو الالهام و النقر في الاسماع حديث الملائكة، نسمع كلامهم، و لا نري



[ صفحه 21]



اشخاصهم.

و اما الجفر الاحمر، فوعاء فيه سلاح رسول الله صلي الله عليه و آله، و لن يخرج حتي يقوم قائمنا أهل البيت، و اما الجفر الابيض، فوعاء فيه توراة موسي و انجيل عيسي و زبور داود و كتب الله الاولي، و اما مصحف فاطمة عليهاالسلام، ففيه ما يكون من حادث و اسماء كل من يملك الي أن تقوم الساعة.

و اما الجامعة فهي كتاب طوله سبعون ذراعا أملاه رسول الله صلي الله عليه و آله من فلق فيه و خط علي بن ابي طالب عليه السلام بيده، فيه والله جميع ما يحتاج الناس اليه الي يوم القيامة حتي ان فيه ارش الخدش، و الجلدة، و نصف الجلدة» [8] .

بعد هذا علينا أن نشير الي السبيل الذي يسلكه المكلفون من أجل أن يتعرفوا علي اوصياء الرسول (ص) بشكل قاطع لا يشوبه ريب بالنظر للاهمية البالغة التي يتميز بها هذا الموقع في دنيا الرسالة و تاريخ المسلمين و مسيرتهم الحضارية من جهة، و لكي يتميز الامام الحق من امام الباطل من جهة اخري فان منصب الامامة قد شهد مصاديق كثيرة من الأدعاء طوال التاريخ اذ نصب الكثيرون انفسهم ائمة للناس دون وجه حق، اسوة بمنصب النبوة الذي شهد نماذج من المتنبئين الكاذبين كمسيلة الكذاب و القادياني و الباب و البهاء و أضرابهم.

و بسبب هذه الملابسات التي تحول بين الناس و بين معرفة اعلام



[ صفحه 22]



الهدي و منهاج الحق حباالله عزوجل ائمة الحق عليهم السلام ثلاث مؤهلات يستدل المكلفون من خلالها علي صدق نهوضهم باعباء الامامة الحقة، و حقيقة خلافتهم للنبي (ص):

1) العهد اليهم صراحة بالامامة و الوصية من الله تعالي بواسطة رسوله الاعظم صلي الله عليه و آله، أو بواسطة امام سابق مفترض الطاعة لامام لاحق.

و في كتب التاريخ و العقيدة الاسلامية و الحديث الشريف يلتقي المكلفون عادة مع لونين من النصوص المختصة بهذا الموضوع، بعضها نصوص عامة واردة عن النبي (ص) مباشرة تنص علي اوصياء الرسول (ص) واحدا واحدا ضمن السياق التاريخي لمراحل حياتهم المباركة، و بعض النصوص جاءت في اطار ارشاد أو وصية من الامام السابق للذي يليه - كما سيتضح في الفصول القادمة -.

2) اجراء المعاجز علي يد الامام (ع) بأذن الله تعالي طمأنة للقلوب و اقامة للحجة، و منارا للهداية.

و السيرة المطهرة زاخرة بألوان من هذه المعاجز التي جرت علي ايدي الائمة عليهم الصلاة والسلام، و سنشير نماذج من ذلك خاصة بالامام الجواد (ع) - مدار بحثنا - و نستطيع ان نفترض ان التاريخ الاسلامي لو لم يحمل شواهد لمعاجز جرت علي ايدي الائمة الاطهار عليهم السلام لحكم العقل البشري السليم بضرورة جريانها علي ايديهم عليهم السلام انسجاما مع المهام التي انيطت بهم من قبل الله تعالي باعتبارهم اوصياء للرسول الخاتم (ص).

3) ان تاريخ الائمة من آل البيت عليهم الصلاة والسلام



[ صفحه 23]



و سيرتهم العطرة تؤكد بما لا شبهة فيه ان ايا منهم لم يتلق العلم علي أي استاذ معاصر له فقيها كان أو مفسرا او متكلما او محدثا، و لم يؤثر عن احد منهم انه دخل الكتاتيب أوما يشبهها علما بأنهم لم يسألوا عن شيي ء الا اجابوا عنه في وقته دون اللجوء للمراجعة او التأمل او ما يشبه ذلك و لم يرو التاريخ ان احدا منهم سئل عن شي ء فقال: لا علم لي.

الامر الذي لم يؤثر لأحد سواهم ابدا، فلا نجد في كتب التاريخ او تراجم الرجال فقيها او محدثا او متكلما او نحوه الا و قد ذكر ضمن ترجمة حياته: تربيته و اخذه للمعرفة علي يد غيره حسب الفن الذي اشتهر به، كما ان التاريخ يروي الكثير من حالات توقف العلماء والفقهاء و امثالهم عن الاجابة علي بعض المسائل او شكهم في كثير من المعلومات كما هو المألوف لدي البشر في كل العصور و الاجيال.

فقد امتاز ائمة اهل هذا البيت المبارك عليهم الصلاة والسلام عن سواهم بأن علمهم موروث عن جدهم المصطفي صلي الله عليه و آله، و ما يستجد من أمر يلهمون الجواب [9] فيه من قبل الله عزوجل بواسطة الروح القدسية التي يحملونها او بواسطة الملك المكلف بذلك: أخرج الكليني الرازي (رض) بسنده عن الحارث بن المغيرة عن أبي عبدالله (ع) قال قلت: أخبرني عن علم عالمكم؟ قال: وراثة من رسول الله صلي الله عليه و آله، و من علي عليه السلام قال قلت: انا نتحدث انه يقذف في قلوبكم، و ينكت في آذانكم قال: أوذاك [10] .



[ صفحه 24]



و عنه «رض» بسنده عن أبي الحسن الاول موسي عليه السلام قال: مبلغ علمنا علي ثلاثة وجوه: ماضي و غابر و حادث، فأما الماضي، فمفسر، و أما الغابر، فمزبور، و أما الحادث، فقذف في القلوب، و نقر في الاسماع و هو افضل علمنا و لا نبي بعد نبينا [11] .

و بسنده رحمه الله عن جابر عن أبي جعفر الباقر (ع) قال: سألته عن علم العالم فقال لي: «يا جابر ان في الانبياء و الاوصياء خمسة ارواح: روح القدس، و روح الايمان، و روح الحياة، و روح القوة، و روح الشهوة، فبروح القدس يا جابر عرفوا ما تحت العرش الي ما تحت الثري، ثم قال: يا جابر ان هذه الاربعة ارواح يصيبها الحدثان الا روح القدس، فانها لا تلهوه، و لا تلعب [12] .

و سيلتقي القاري ء عبر هذه الدراسة حول الامام الجواد (ع) مع مصاديق ثرة تؤكد هذه الحقائق التي اشرنا اليها.


پاورقي

[1] ذكر المفسرون أن آية الولاية قد نزلت في علي بن أبي طالب (ع) فقرن الله عزوجل ولاية علي (ع) اميرالمؤمنين بولاية الله و ولاية رسوله (ص). يراجع مناقب علي بن ابي طالب للحافظ ابن المغازلي نقلا عن الواحدي في اسباب النزول و ابن كثير في تفسيره و الطبري في تفسيره و كنزالعمال و الدر المنثور و الحاكم في علوم الحديث و الكنجي في كفاية الطالب و غيرها انظر بين ص 314 - 311.

[2] أخرجه مسلم في صحيحه و الحاكم في مستدرك الصحيحين و احمد بن حنبل في مسنده و المتقي في كنزالعمال و غيرهم (باختلاف يسير بينهم في الالفاظ).

[3] اخرجه الحافظ أبوالحسن علي بن محمد الواسطي الشافعي (ابن المغازلي). «م في 483 ه، في خمسة عشر طريقا» راجع مناقب علي بن ابي طالب (ع) ص 27 - ص 37، طهران المطبعة الاسلامية 1394 ه. كما يراجع مختصر صحيح مسلم الحديث 1639 بروايته عن سعد بن ابي وقاص ط (وزارة الاوقاف الكويتية 1969).

[4] الموفق بن احمد الحنفي في مناقبه و الحمويني الشافعي في فرائد المسمطين و احمد بن حنبل في حديث الوصية (يشبهه) و الثعلبي في الكشف و البيان و ابن المغازلي مثله (نقلا عن علي والوصية ص 235).

[5] ينظر اسماء الاوصياء الواردة في حديث الامام الصادق (ع) الذي أورده علم اليقين في معرفة اصول الذين: الفيض الكاشاني (م 1091 ه) ج 1، ص 393 - 392، ط بيدار 1404 ه، و كمال الدين و تمام النعمة للشيخ الصدوق (رض) ط 1 ص 213 - ص 220 باسناده عن الامام محمد بن علي الباقر (ع).

[6] عقائد الامامية: الشيخ محمدرضا المظفر ص 96.

[7] اصول الكافي ص 176.

[8] الارشاد ص 274 و اصول الكافي ج 1، ص 238 - ص 242 «بشكل مفصل في الثاني».

[9] عقائد الامامية: المرحوم العلامة المظفر ص 96.

[10] الاصول من الكافي ج 1، ص 264 او ذاك: يكون ذاك.

[11] نفس المصدر والصفحة: الغابر: الآتي، المزبور، المكتوب، نقر في الاسماع، من طريق الالهام و كلام الملك.

[12] نفس المصدر ص 472.