بازگشت

قصة مفتعلة


و يذكر المؤرخون قصة غريبة لبداية مرحلة العلاقة «الحسنة» المزعومة بين المأمون و الجواد (ع) و يعتبرها بعضهم عاملا مهما لتلك العلاقة التي غلفها المأمون بحسن النية، هذه تفاصيلها:

«لما توفي والده علي الرضا و قدم الخليفة المأمون الي بغداد بعد وفاته بسنة، اتفق انه خرج يوما الي الصيد، فاجتاز بطرف البلد في طريقه، و الصبيان يلعبون، و محمد (الجواد) واقف معهم، و كان عمره يومئذ احدي عشرة سنة، فما حولها، فلما أقبل المأمون انصرف الصبيان هاربين، و وقف ابومحمد (ع)، فلم يبرح مكانه، فقرب منه الخليفة، فنظر اليه، و كان الله عزوعلا قد ألقي عليه مسحة من قبول، فوقف الخليفة، و قال له: يا غلام ما منعك من الانصراف مع الصبيان؟ فقال له محمد مسرعا: يا أميرالمؤمنين لم يكن بالطريق ضيق لأوسعه عليك بذهابي، و لم تكن لي جريمة، فأخشاها، و ظني بك حسن انك لا تضر من لا ذنب له، فوقفت، فأعجبه كلامه و وجهه، فقال له: ما اسمك؟ قال: محمد، قال: ابن من أنت؟ قال: يا أميرالمؤمنين: أنا ابن علي الرضا، فترحم علي أبيه، و ساق الي وجهته..»، [1] ، و تمضي القصة في بعض المصادر لتذكر ان المأمون عاد من صيده، و وجد



[ صفحه 75]



الجواد (ع) واقفا و جري بينهما حوار آخر انتهي بأعجاب المأمون، حيث أركبه معه و زوجه أم الفضل ابنته [2] .

و نستطيع أن نسجل الملاحظات الآتية حول هذه القصة لنتبين مواضع الخلل فيها:

1- ان القصة تذكر ان الامام الجواد (ع) قد التقي لقاءه المزعوم بالمأمون في بغداد، و توحي ان الامام (ع) كان مقيما فيها، مع أن الوقائع التاريخية تؤكد ان الامام (ع) كان مقيما في المدينة المنورة، و لم يغادرها الي بغداد الا بعد استدعاء المأمون له، بل ان كتب التاريخ تشير ان الامام الجواد (ع) لم يصحب أباه حتي في رحلته الي خراسان، التي ختمت باستشهاده (ع).

2- توحي القصة ان الامام الجواد (ع) قد شهد للمأمون بالعدالة و حسن السلوك و اذا نسبت اليه الاضرار بأحد فأنه ناتج عن اساءة و ذنب يرتكبه المتعرض لعقوبته!! و بناء علي مبني القصة فأن كل الذين تسبب المأمون في ايذائهم كانوا مجرمين!!

و هكذا يكون الامام الجواد (ع) - بناء علي ما زعمته القصة - قد منح المأمون شهادة بحسن السلوك و برأ ساحته من جريمة قتل الرضا (ع) ضمنا، كما يتضح من كلامه المزعوم «لم تكن لي جريمة فأخشاها، و ظني بك حسن انك لا تضر من لا ذنب له».

3- ان القصة حين تفترض ان سبب العلاقة المزعومة بين المأمون و الامام (ع) قد تمخضت عن هذا اللقاء المذكور، تحاول أن تستبعد التخطيط السياسي، وراء عملية تلك العلاقة و ماتلاها من



[ صفحه 76]



احداث بضمنها مسألة تزويج الامام (ع) ببنت المأمون.

4- ان القصة محبوكة حبكا جيدا، حتي ان البعض من المؤرخين عدها في جملة معاجز الامام (ع) [3] لا سيما و انها ذكرت في النهاية: ان الباز الذي كان مع المأمون قد اصطاد حية «و بعض قال سمكة» خضراء البطن رقطة الظهر، أدخلت الدهشة علي المأمون، فقفل راجعا و لقي الامام الجواد (ع) في موقفه السابق مع الصبيان، فقال له: ما عندك من أخبار السموات؟، و تقول القصة ان الامام (ع) أجابه: نعم يا أميرالمؤمنين حدثني ابي عن آبائه عن النبي عن جبرئيل عن رب العالمين، انه قال: بين السماء و الماء بحر عجاج يتلاطم به الامواج فيه حيات خضر البطون رقط الظهور، يصيدها الملوك بالبزاة الشهب يمتحن به العلماء... [4] أو قال له (كما يذكر بعض المؤرخين): [5] فيختبرون بها سلالة أهل بيت النبوة».

و أحسب أن حبك القصة بهذا الشكل الموحي بأنها مكرمة للامام (ع) أريد منها أن تمرر هدفا سياسيا يتلخص بتبرئة ساحة المأمون، و اظهاره بمظهر الانسان الوديع الحسن النية، الذي لم يشأ من وراء دعوته للامام الجواد (ع) و تقريبه له، و من ثم تزويجه من ابنته الا الحسن الجميل!!

هذا و من الجدير بالذكر، اني قد لا حظت أن القصة قد تسربت لبعض مؤلفات الموالين لأهل البيت (ع) نقلا عن غيرهم!.



[ صفحه 77]




پاورقي

[1] كشف الغمة ج 2 ص 344 والفصول المهمة في معرفة الائمة ص 266 و حلية الابرار ج 2 ص 410 نقلا عن ابن شهرآشوب المازندراني في فضائله.

[2] حلية الابرار ج 2 ص 410.

[3] كشف الغمة ج 2 ص 344 و مطالب السؤول لكمال الدين بن طلحة الشامي.

[4] حلية الابرار ج 2 ص 410 عن ابن شهرآشوب.

[5] كشف الغمة ج 2 ص 344 نقلا عن مطالب السؤول.