بازگشت

مقدمة المؤلف


الحمدلله الذي من علينا بمحمد صلي الله عليه و آله دون الامم الماضية، و القرون السالفة، والصلاة والسلام علي محمد أمين الله علي وحيه، و نجيبه من خلقه و صفيه من عباده، امام الرحمة، و قائد الخير و مفتاح البركة [1] و علي آله الطيبين الطاهرين «ازمة الحق، و اعلام الدين، و ألسنة الصدق» [2] و «شجرة النبوة، و محط الرسالة، و مختلف الملائكة، و معادن العلم، و ينابيع الحكم» [3] و بعد:

فأن جل الابحاث و الدراسات التي خصصت لدراسة سيرة الأئمة الهداة من أهل البيت عليهم الصلاة والسلام قد انتهجت منهجين:

1- دراسة الفضائل الشخصية للأئمة (ع) بضمنها خدماتهم للاسلام و الامة اضافة الي دراسة المحن و المعاناة التي تعرضوا لها عبر حياتهم



[ صفحه 10]



الشريفة.

2- أو الاهتمام بأبراز المزايا التي تؤهل ائمة اهل البيت (ع) لقيادة المسلمين سياسيا و تفضلهم علي غيرهم من الناس.

و لعل الاتجاه الاول اكثر الاتجاهين شيوعا في كتابات سيرة اهل البيت (ع) قديما و حديثا اما المنهج الثاني فقد تبناه بعض كتاب السيرة مثلا بخصوص تفضيل أميرالمؤمنين علي بن ابي طالب (ع) علي سواه في مسألة خلافة المسلمين و قيادتهم، و هكذا في سائر الهداة من آل محمد (ص).

و قد يجمع بعض المهتمين بالسيرة الشريفة بين المنهجين في دراساتهم كما يلاحظ ذلك في كثير من كتابات الشيعة الامامية (ع) علي وجه الخصوص و كتابات المعتزلة القائلين بتفضيل علي (ع) غيره من الصحابة دون غيرهم من المعتزلة.

علي الن المنهج الاصيل لدراسة حياة الأئمة (ع) ليس واحدا من المناهج المذكورة ابدا، فالذي يدرس حياة رسول أو وصي رسول، و ينصب بحثه علي الخصائص الذاتية و الاعمال و المعاناة لهذا الرسول أو ذاك الوصي دون أن يهتم بأبراز جانب النبوة أو وظيفة الوصية، فأن مثل هذه الدراسة لا تحظي بالأصالة في اتجاهها، و ان كانت تهتم بالبني الفوقية الهامة لشخصية الرسول أوالوصي عليهماالسلام.

ان هذه الحالة هي التي تم التعامل من خلالها مع سيرة الأئمة الهداة من آل محمد (ص) و لعل السبب في بروز هذا الاتجاه في التعامل مع سيرة أهل بيت المصطفي (ص) يعود الي ظروف التقية التي مربها أتباع الأئمة (ع) عبر التاريخ، اضافة الي الصراعات الفكرية - السياسية التي شهدتها عهود تاريخية طويلة من حياة المسلمين.



[ صفحه 11]



علي أن مسار الدراسات ينبغي ان يصحح و يعود المنهج الاصيل لدراسة حياة الأئمة (ع) الي موقعه في الحياة الفكرية للمسلمين كما كان يفعل علماونا السابقون من امثال ثقة الاسلام ابي جعفر محمد بن يعقوب بن اسحاق الكليني الرازي (رض) [4] ، و شيخ القميين ابي جعفر محمد بن الحسن بن فروخ الصفار [5] (رض)، و رضي الدين أبي القاسم علي بن موسي بن طاووس الحسني الحسيني (رض) [6] و غيرهم، حيث اذا اعتمد هذا المنهج في دراسة حياة الائمة (ع) تكون المناهج الاخري لبنات لأشادة البناء الفوقي في دراسة حياتهم و سيرتهم صلوات الله عليهم اجمعين.

ان المنهج الذي ندعوا الي العودة اليه يهتم اساسا في ابراز موقع أي امام من ائمة اهل البيت (ع) باعتباره وزيرا للنبوة و وصيا لرسول الله (ص)، يمارس نفس المهام التي كان رسول الله (ص) يمارسها في حياة الامة اصالة في التبليغ عن الرسول (ص) و عصمة في الفكر والسلوك، و اختيارا لهذه المهمة من عندالله تعالي، و كل ما يسجله التاريخ من حكمة و رصانة و عدل و تقوي ليس لها نظير انما هي رشحات لذلك الموقع الذي احله الله تعالي فيه، و اختاره له.

ان اعتماد هذه المنهجية الاصيلة لا يعطي نتائج ايجابية علي مستوي دراسة السيرة المطهرة فحسب و انما لها قيمتها الحيوية في مجال العقيدة، و في فهم التاريخ، وفي ادراك حقيقة دور الائمة من آل محمد (ص) في التاريخ الاسلامي، و الحياة الاسلامية.



[ صفحه 12]



و حينئذ يمكننا ان نعي وعيا معمقا معني قول رسول الله (ص):

«من سره ان يحيا حياتي، و يموت مماتي، و يسكن جنة عدن غرسها ربي، فليوال عليا من بعدي، و ليوال وليه، و ليقتد بأهل بيتي من بعدي فأنهم عترتي، خلقوا من طينتي و رزقوا فهمي، و علمي» [7] .

كما و يمكننا ان ندرك المعني الحقيقي لقول علي (ع) في الائمة من آل محمد (ص):

«لا يقاس بآل محمد صلي الله عليه و آله من هذه الامة أحد، و لا يسوي بهم من جرت نعمتهم عليه أبدا: هم اساس الدين، و عماد اليقين، اليهم يفي ء الغالي و بهم يلحق التالي، و لهم خصائص حق الولاية، و فيهم الوصية والوراثة...» [8] .

«و انما الائمة قوام الله علي خلقه، و عرفاؤه علي عباده، و لا يدخل الجنة الا من عرفهم و عرفوه و لا يدخل النار الا من انكرهم، و انكروه» [9] .

و هكذا جاء هذا البحث الذي بين يديك حول سيرة تاسع ائمة اهل البيت الامام محمد بن علي الجواد (ع) محاولا تكريس هذا المنهج المتوخي.

نسأله تعالي ان ينفع به المؤمنين و المسلمين

والحمدلله رب العالمين، و صلي الله علي محمد و آله الطيبين الطاهرين.

المؤلف

أواخر شهر رمضان المبارك 1408 ه



[ صفحه 13]




پاورقي

[1] فقرات من الدعاء الثاني من ادعية الصحيفة السجادية.

[2] نهج البلاغة خطبة رقم 87.

[3] نهج البلاغة خطبة رقم 109.

[4] في كتايه الجليل: الكافي ج 1 (توفي الكليني عام 329 ه).

[5] في كتابه الجليل: بصائر الدرجات (توفي المرحوم ابن فروخ عام 290 ه و هو من اصحاب الامام الحسن العسكري (ع)).

[6] في كتابه الجليل: الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف و المؤلف (توفي عام 664ه).

[7] كنزالعمال ج 6 ص 217 حديث رقم 3819. وأخرجه أحمد بن حنبل في مسنده.

[8] نهج البلاغة خطبة رقم 2.

[9] نفس المصدر خطبة رقم 152.