بازگشت

توطئة


من المعلوم و المتفق عليه بين جميع المذاهب الاسلامية أن الرسول الأكرم محمدا صلي الله عليه و آله و سلم، صدر منه الحديث المشهور المتواتر المعروف ب (حديث الثقلين)، و هو من الأحاديث الصحاح المتسالم عليها من قبل الرواة و أئمة الحديث. و قد روي بطرق كثيرة جدا تزيد علي المئة، و بمتون متعددة عن بضعة و عشرين صحابيا، منهم: أبوأيوب الأنصاري، و أبوذر الغفاري، و أبورافع، حذيفة بن اليمان، و زيد بن أرقم، و زيد بن ثابت، و جابر بن عبدالله الأنصاري، و حذيفة بن أسيد، و جبير بن مطعم، و عبدالرحمن بن عوف، و سعد بن أبي وقاص، و عمرو بن العاص، و طلحة و الزبير و غيرهم، كما رواه الامام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب، و فاطمة و الحسن بن علي عليهم السلام.

و ذكر أن النبي صلي الله عليه و آله و سلم كرره خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من عمره الشريف في أربع مناسبات، نذكرها علي التوالي ان شاء الله تعالي، و هذا ان دل علي شي ء فانما يدل علي شدة اهتمامه صلوات الله عليه، بهذا الأمر، و أنه مؤشر الهداية و الضلالة من بعده كما صرح في نصه.

و أما المواقف الأربعة التي ذكر فيها رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم الحديث فهي:

1- في يوم عرفة في حجة الوداع.

عن جابر بن عبدالله، قال: رأيت رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم في حجته يوم عرفة و هو



[ صفحه 353]



علي ناقته القصواء [1] يخطب، فسمعته يقول:

«يا أيها الناس، اني تارك فيكم ما ان أخذتم به لن تضلوا: كتاب الله و عترتي أهل بيتي».

2 - في يوم غدير خم في طريق العودة من حجة الوداع.

عن أبي الطفيل، عن زيد بن أرقم، قال: لما رجع رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم من حجة الوداع و نزل غدير خم، أمر بدوحات فقممن، ثم قال:

«كأني دعيت فأجبت، و اني قد تركت فيكم الثقلين، أحدهما أكبر من الآخر: كتاب الله و عترتي أهل بيتي، فانظروا كيف تخلفوني فيهما، فانهما لن يتفرقا حتي يردا علي الحوض».

3 - في مسجده بالمدينة المنورة في آخر خطبة خطبها و هو مريض.

عن جابر بن عبدالله، قال: أخذ النبي صلي الله عليه و آله و سلم بيد علي و الفضل بن عباس في مرض وفاته، و خرج يعتمد عليهما حتي جلس علي المنبر، فقال:

«أيها الناس، تركت فيكم ما ان تمسكتم به لن تضلوا: كتاب الله و عترتي أهل بيتي، فلا تنافسوا و لا تحاسدوا و لا تباغضوا، و كونوا اخوانا كما أمركم الله، ثم أوصيكم بعترتي و أهل بيتي».

4- في مرضه و هو في أيامه الأخيرة في جمع من الصحابة.

عن عبدالله بن عباس، و أم سلمة أنهما سمعا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم في مرضه الذي قبض فيه، و قد امتلأت الحجرة من أصحابه، يقول:

«أيها الناس، يوشك أن أقبض قبضا سريعا فينطلق بي، و قد قدمت اليكم القول معذرة اليكم، ألا اني مخلف فيكم الثقلين: كتاب الله عزوجل، و عترتي».



[ صفحه 354]



فهذه أربعة نصوص قالها رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم في أربع مناسبات، تأكيدا لفضل أهل بيته، و وجوب تقديمهم، و عدم التقدم عليهم، و هي نصوص واضحة جلية علي امامتهم و أهليتهم لقيادة الأمة من بعده صلوات الله و سلامه عليه، و هو عهد الهي عهده الي نبيه صلي الله عليه و آله و سلم و أمره سبحانه بتبليغه الي الأمة لصيانتها من الانحراف و التفرق بعد رحيله صلي الله عليه و آله و سلم عنها. بل أناط سبحانه و تعالي قبول تبليغ الرسالة بتبليغ هذا الأمر (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل اليك من ربك و ان لم تفعل فما بلغت رسالته و الله يعصمك من الناس). [2] فالنبي الأكرم صلي الله عليه و آله و سلم عهد - بدوره - ذلك العهد الي أمته، ولكن ماذا فعلت أمته بعترته؟!!

و أما مصادر حديث الثقلين، فهي كثيرة جدا لسنا بصدد ايرادها و حصرها هنا، انما نشير الي بعضها علي سبيل المثال، فممن رواه: مسلم في صحيحه، و النسائي و الدارمي و الترمذي في سنتهم، و الحاكم النيسابوري في المستدرك، و البغوي في مصابيح السنة، و الطبراني في المعجم الصغير و الكبير، و ابن سعد في الطبقات الكبري، و غيرهم [3] ، بل ان البعض من علماء أهل السنة أرسله ارسال المسلمات، و دون المناقشة فيه لعلو اسناده.

مما تقدم نستخلص أن الرسول الأعظم صلي الله عليه و آله و سلم جعل عترته أهل بيته - الأئمة الاثني عشر - عدل الكتاب العزيز، و أمر أمته بالتمسك بهما معا، دون أحدهما و ترك الآخر؛ فالقرآن الكريم، يعرف عترة النبي صلي الله عليه و آله و سلم و أهل بيته، و يمدحهم في آيات عديدة، و يشير الي عصمتهم. و العترة تفسر القرآن، و تحل مبهمات آياته و متشابهاتها، و توضح ما يحتاج الي شرح و بيان و تفسير كونهم هم الراسخون في العلم وحدهم.



[ صفحه 355]



قرينان متلازمان، فالقرآن الكريم كما أنه لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه؛ لأنه كلام الله تبارك و تعالي، كذلك أهل البيت عترة النبي المصطفي عليه و عليهم أشرف التحية و التسليم، مأمونون من الخطأ، معصومون من كل زلل في القول و الفعل سواء؛ لأن ذلك من مستلزمات امامتهم و وصايتهم للنبوة الخاتمة، و هم بطبيعة الحال أعلم الأمة بالقرآن و الفقه، و بكل ما يحتاج اليه الناس من الأحكام الواقعية الحقيقية.

و مع أن أكثر الأمة الاسلامية آنذاك - خاصة مجتمع مكة و المدينة باعتبارهما الأقرب و الأكثر اتصالا بمصدر الرسالة - تركت كلام نبيها وراء ظهرها، و خالفت وصاياه في عترته أهل بيته عليهم السلام فقد فرض عليها - من جانب آخر - حكام الجور المنحرفين من بني الشجرة الملعونة في القرآن الكريم و من تلاهم من بني العباس أحاديث موضوعة، و أحكاما مخالفة للدين، و عقائد مبتدعة. و كتب التاريخ و مصادره، و الموسوعات الحديثية ضع يدك علي أي شئت منها، فستجد فيها من ذلك ما يبهر العقول، و يكلم القلوب. و لسنا في معرض ايراد الشواهد علي هذا الأمر، اذا الكتاب ليس موضوعها، ثم هي غير خافية علي الباحث المنصف اللبيب.

يستخلص من سير التاريخ و أحداثه أن بني أمية و منذ زمن الطاغية معاويه بن أبي سفيان الذي علا في الأرض و جعل أهلها شيعا، و حتي نهاية دولتهم علي يد بني العباس، ثم تبعهم العباسيون، انما أرادوا بنحو أو بآخر مسخ هذا الدين الحنيف، و تغيير معالمه بالرغم من أنهم كانوا يتخذونه ستارا يستترون به لاستمرار حكوماتهم و تسلطهم علي رقاب المسلمين.

لكن يمكرون و يمكر الله، و الله خير الماكرين. و يأبي الله الا أن يتم نوره، و يحفظ رسالته، فقيض رجالا مخلصين، لم تتلاعب بهم الأهواء، و لم يميلوا من



[ صفحه 356]



حق الي باطل، اذ لم تؤثر فيهم الدعايات المضللة، ثبتوا علي عقائدهم و ولائهم لأهل البيت عليهم السلام و علي امتداد تاريخهم، فكانوا يأخذون أحكام دينهم، و تفاصيل عقيدتهم، و ما يستجد لهم من مسائل من المنابع الأصيلة للعلوم، معادن الحكمة، و تراجمة وحي الله، و خزان علمه، و أمناء شريعته، و هم أهل البيت النبوي بدءا من أميرالمؤمنين الامام علي عليه السلام باب مدينة علم رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، و انتهاء بالامام الثاني عشر المهدي المنتظر عجل الله تعالي فرجه الشريف، الذين يقول فيهم الشاعر:



اذا شئت أن تبغي لنفسك مذهبا

ينجيك يوم الحشر من لهب النار



فدع عنك قول الشافعي و مالك

و أحمد و النعمان أو كعب أحبار



و وال أناسا ذكرهم و حديثهم

روي جدنا عن جبرئيل عن الباري



و كان هؤلاء الرجال يكتبون ما يأخذون من أحكام و تفاسير في شتي المواضيع في كتب يحتفظون بها في بيوتهم، و البعض منهم كانت صدورهم خزائن لأحاديث و روايات جمة عن أهل البيت عليهم السلام.

ثم ان أئمة أهل البيت سلام الله عليهم أجمعين كانوا يعدون بعض أصحابهم؛ ليحملوا بعض علومهم، و يفضوا اليهم ببعض أسرارهم، و بذا فقد تخرج من مدرسة أهل البيت عليهم السلام رجال يعتبرون من مفاخر التاريخ، و نوادر الحياة، و نوابغ الكون، في مختلف العلوم من فقه و حديث و تفسير و لغة و كلام الي غير ذلك.

و لو استطلعنا تاريخ هذه الثلة المؤمنة، و تتبعنا ما حفظوه لنا من تراثنا الاسلامي و أحكام ديننا، فسنجد أن:

محمد بن أبي عمير ألف أربعا و تسعين كتابا.

و الفضل بن شاذان مئة و ثمانين كتابا.

و يونس بن عبدالرحمن أكثر من ثلاث مئة كتاب.



[ صفحه 357]



و علي بن مهزيار خمسا و ثلاثين كتابا.

و محمد بن أحمد بن ابراهيم أكثر من سبعين كتابا.

فهذه أكثر من ستمائة و سبعين كتابا لخمسة فقط من أصحاب الأئمة عليهم السلام، هذا اذا علمت أن هذه النخبة من علماء الامامية الرواة عن أئمة أهل البيت عليهم السلام ابتداء من عهد أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، و انتهاء بزمن الامام الحسن العسكري عليه السلام، قد ألفوا ما يزيد علي ستة آلاف و ستمائة كتاب [4] ، اشتهر منها (400) كتاب سميت بالأصول، و هي اجاباتهم عليهم السلام عن المسائل التي كان الناس يطرحونها عليهم، و التي اعتمدت فيما بعد في كتابة أصولنا الحديثية.

و من جملة أولئك الرجال المخلصين أصحاب الامام محمد بن علي الجواد عليه السلام، الذين عاصروه و أخذوا عنه مسائل الحلال و الحرام، مباشرة بالمثول بين يديه أو عن طريق المكاتبة و المراسلة. فكان الامام عليه السلام مفزعا لهم في كل ملمة و حاجة، يستنجدون به، و يتوسلون اليه في حوائجهم و مشاكلهم.

و يجد المتتبع أن بعض أصحاب الامام الجواد عليه السلام بالرغم من شرف الصحبة، فليس لهم رواية في موسوعاتنا الحديثية المتداولة لدينا الآن، و لعل أحاديثهم التي رووها قد فقدت في جملة ما فقد من ثرواتنا العلمية، و كنوزنا الفكرية، نتيجة العواصف التي مرت خلال القرون السالفة علي منابع الثروات الفكرية و العلمية لتراث أهل البيت عليهم السلام، حيث حكم عليها بالاتلاف حرقا أو غرقا أو دفنا، و ناهيك بمكتبة الطوسي - التي أحرقت و نهبت مرتين - ما بها من تراث و كنوز علمية. و قد ذكر شيخ الطائفة الطوسي رحمه الله أسماء جماعة عدهم من أصحاب



[ صفحه 358]



الجواد عليه السلام مع خلو كتب الحديث من مروياتهم. [5] .

و قبل الشروع بذكر اصحاب الامام عليه السلام و رواة حديثه، ينبغي أن نميز هنا بين من كان من أصحاب الامام و خواصه و محل ثقته، و بين من روي عنه عليه السلام. فقد يكون من بين الرواة من هو الثقة المعتمد أو من هو مجهول الحال أو مطعون في وثاقته. بل قد يكون من أعداء أهل البيت عليهم السلام أمثال: عمر بن الفرج، و يحيي بن أكثم.

و تمييزا لثقات الامام و أصحابه المقربين عن غيرهم من الرواة فقد علمناهم بنجمة بعد رقم التسلسل خصصناهم بها. و هم لا يتجاوزون العشرين و نيقا.

فعلي مدي التسعين صفحة التالية يأتيك تفاصيل ذلك:


پاورقي

[1] ناقة قصواء: التي قطع طرف أذنها قليلا.

[2] المائدة: 67.

[3] راجع كتابنا (علي في الكتاب و السنة): 2 / 66 الطبعة الثانية 1412 ه، تجد فيه تفاصيل المصادر بأجزائها و صفحاتها.

[4] راجع الفائدة الرابعة من فوائد وسائل الشيعة للحر العاملي.

[5] راجع الامام الجواد عليه السلام من المهد الي اللحد: ص 95 - 89.