بازگشت

المعاجز و الكرامات


فعن حكيمة بنت أبي الحسن موسي بن جعفر عليه السلام قالت: لما حضرت ولاده الخيزران أم أبي جعفر عليه السلام دعاني الرضا فقال لي: يا حكيمة احضري ولادتها وادخلي و اياها و القابلة بيتا؛ و وضع لنا مصباحا و أغلق الباب علينا، فلما أخذها الطلق طفئ المصباح - و ]كان[ بين يديها طست - فأغتممت بطفئ المصباح، فبينا نحن كذلك اذ بدر أبوجعفر عليه السلام في الطست، و اذا عليه شي ء رقيق كهيئة الثوب يسطع نوره حتي أضاء البيت فأبصرناه، فأخذته فوضعته في حجري، و نزعت عنه ذلك الغشاء.

فجاء الرضا ففتح الباب و قد فرغنا من أمره، فأخذه فوضعه في المهد و قال لي: «يا حكيمة الزمي مهده».

قالت: فلما كان في اليوم الثالث رفع بصره الي السماء ثم نظر يمينه و يساره ثم قال: «أشهد أن لا اله الا الله و أشهد أن محمد رسول الله»، فقمت ذعرة فزعة فأتيت أباالحسن عليه السلام فقلت له: لقد سمعت من هذا الصبي عجبا.



[ صفحه 191]



فقال: «و ما ذاك؟». فأخبرته الخبر، فقال: «يا حكيمة ما ترون من عجائبه أكثر». [1] .

و فعلا فقد كان من عجائبه الكثير الكثير، و ما ستقرؤه علي مدي الصحائف التالية هو شذرات مما نقله لنا التاريخ عن معاجز و كرامات هذا الامام الهمام.

فعن محمد بن ميمون، قال، كنت مع الرضا عليه السلام بمكة قبل خروجه الي خراسان.

قال: فقلت له: اني أريد أن أتقدم الي المدينة، فاكتب معي كتابا الي أبي جعفر عليه السلام، فتبسم، و كتب.

و حضرت الي المدينة، و قد كان ذهب بصري؛ فأخرج الخادم أباجعفر عليه السلام الينا فحمله من المهد، فتناول الكتاب و قال لموفق الخادم: «فضه و انشره». ففضه و نشره بين يديه، فنظر فيه، ثم قال: «يا محمد، ما حال بصرك؟».

قلت: يابن رسول الله، اعتلت عيناي فذهب بصري كما تري.

قال: فمد يده و مسح بها علي عيني، فعاد بصري الي كأصح ما كان، فقبلت يده و رجله، و انصرفت من عنده و أنا بصير، و المنة لله. [2] .

و قضية أخري شبيهة لهذه حدث بها. أبومحمد عبدالله بن محمد قال: قال لي عمارة بن زيد: رأيت امرأة قد حملت ابنا لها مكفوفا الي أبي جعفر محمد بن علي، فمسح يده عليه فاستوي قائما يعدو كأن لم يكن بعينه ضرر. [3] .

و قضية ثالثة شبيهة بالأولي يرويها محمد بن سنان فيقول: شكوت الي الرضا عليه السلام وجع العين، فأخذ قرطاسا، فكتب الي أبي جعفر عليه السلام و هو أول ما



[ صفحه 192]



بدي. [4] و دفع الكتاب الي الخادم، و أمرني أن أذهب معه، و قال: «أكتم».

فأتيناه، و خادم يحمله، قال: ففتح الخادم الكتاب بين يدي أبي جعفر عليه السلام، فجعل أبوجعفر ينظر في الكتاب، و يرفع رأسه الي السماء و يقول: «ناج».

ففعل ذلك مرارا، فذهب كل وجع في عيني، و أبصرت بصرا لا يبصره أحد.

قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: جعلك الله شيخا علي هذه الأمة كما جعل عيسي ابن مريم شيخا علي بني اسرائيل، يا شبيه صاحب فطرس.

قال: فانصرفت و قد أمرني الرضا عليه السلام أن أكتم، فما زلت صحيح النظر حتي أذعت ما كان من أمر أبي جعفر عليه السلام، فعاودني الوجع.

و للخبر تتمة تركناها روما للاختصار راجعها في بحارالأنوار: 50 / 66 ح 43 و 44، و منتهي الآمال: 2 / 542، و المرجعان قد أخذا الخبر عن رجال الكشي: 2 / 849 ح 1092.

و مما لا شك فيه أن للامام عند الله منزلة و كرامة يستطيع بها أن يشفي المرضي كابراء الأكمه و الأبرص و الأعمي، بل و احياء الموتي باذن الله و أن تطوي له الأرض، أو أن يعرف أجله و أجل غيره، الي غير ذلك. مما يفوضه الله تعالي اليه من علم الغيب. و لم لا و هو الامام المعصوم، الذي استمد علمه من علم جده رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم.

كما عاصرنا و سمعنا عن بعض الناس الصلحاء من السادة العلوية أن لهم هذه الكرامة من الله سبحانه و تعالي، فبمجرد أن يمر بيده علي موضع الألم أو يمسح بريقه علي العضو المريض فانه يبرأ باذن الله كرامة لهذا العبد الصالح الذي



[ صفحه 193]



يفصله عن الرسول و آله عشرات الأجداد، فكيف لا و الامام هو التاسع من الذرية الطاهرة، و لا يفصله عن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم الا بضعة آباء،و هو أكرم علي الله من كثير من خلقه، اضافة الي كونه امام معصوم مفترض الطاعة.

فلا نستبعد أن يؤتي بجارية تشكو من آلام في ركبتها، فيمسح الامام علي موضع الألم من وراء الثياب و يدعو لها بالشفاء، فتقوم المرأة من فورها و لا تجد شيئا مما كانت تشتكي. [5] و أكثر من هذا و ذاك فان الله تعالي يسخر له بعض الجمادات و الحيوانات و الوحوش فتأتمر بأمره.

من ذلك ما روي عن أحمد بن الحسين، عن محمد بن أبي الطيب، عن عبدالوهاب بن منصور، عن محمد بن أبي العلاء قال: سألت يحيي بن أكثم قاضي القضاة بسر من رأي بعد منازعة جرت بيني و بينه من علوم آل محمد عما شاهده، فقال: بينا أنا ذات يوم في مسجد رسول الله واقف عند القبر أدعو فرأيت محمد بن علي الرضا قد أقبل نحو القبر؛ فناظرته في مسائل قبل أن يسألني. فسألني عن الامام، فقلت له: هو أنت؟

فقال: «أنا هو».

فقلت: أفعلامة تدلني عليك؟ و كان في يده عصا، فنطقت و قالت: يا يحيي ان امام هذا الزمان مولاي محمد. [6] .

و حدث أبوجعفر الطبري الامامي بسنده فقال: و حدثنا أبوجعفر عبدالله ابن محمد قال: قال عمارة بن زيد: رأيت محمد بن علي فقلت له: يابن رسول الله ما علامة الامام؟ قال: «اذا فعل هكذا»، و وضع يده علي صخرة فبان أصابعه



[ صفحه 194]



فيها. و رأيته يمد الحديدة بغير نار، و يطبع الحجارة بخاتمه. [7] .

و في الدر النظيم قال ابراهيم بن سعيد: رأيت محمد بن علي الجواد عليه السلام يضرب بيده الي ورق الزيتون فيصير في كفه ورقا [8] فأخذت منه كثيرا و أنفقته في الأسواق فلم يتغير. [9] .

و قال أبوجعفر الطبري في دلائل الامامة: حدثنا موسي بن عمران بن كثير، قال: حدثنا عبدالرزاق، قال: حدثنا محمد بن عمر [10] ، قال: رأيت محمد بن علي يضع يده علي الشجر فيورق كل شجرة من فروعها. و رأيته يكلم شاة فتجيبه.

و قال أبوجعفر أيضا: حدثنا قطر بن أبي قطر، قال: حدثنا عبدالله بن سعيد، قال: قال لي محمد بن علي بن عمر التنوخي: رأيت محمد بن علي و هو يكلم ثورا فحرك الثور رأسه، فقلت: لا، ولكن تأمر الثور أن يكلمك، فقال: و (علمنا منطق الطير و أوتينا من كل شي ء) [11] ثم قال: «قل لا اله الا الله وحده لا شريك له»، و مسح بكفه علي رأسه، فقال الثور: لا اله الا الله وحده لا شريك له. [12] .

و في خبر أورده الشبلنجي الشافعي في نور الأبصار من أن امرأة زعمت أنها شريفة - علوية - بحضرة الخليفة المتوكل (خلافته 247 - 232 ه)، فسأل



[ صفحه 195]



عمن يخبره بذلك، فدل علي [13] محمد الجواد، فأرسل اليه فجاء فأجلسه معه علي سريره، و سأله، فقال: «ان الله حرم لحم أولاد الحسنين علي السباع، فلتلق للسباع»، فعرض عليها ذلك، فاعترفت المرأة بكذبها. ثم قيل للمتوكل: ألا تجرب ذلك فيه؟ فأمر بثلاثة من السباع فجي ء بها في صحن قصره، ثم دعا به، فلما دخل من الباب، أغلقه، و السباع قد أصمت الأسماع من زئيرها، فلما مشي في الصحن يريد الدرجة، مشت اليه، و قد سكنت فتمسحت به، و دارت حوله، و هو يمسحها بكمه، ثم ربضت.

فصعد للمتوكل، و تحدث معه ساعة، ثم نزل ففعلت معه كفعلها الأول حتي خرج، فأتبعه المتوكل بجائزة عظيمة، و قيل للمتوكل: افعل كما فعل ابن عمك، فلم يجسر عليه، و قال: أتريدون قتلي، ثم أمرهم أن لا يفشوا ذلك. [14] .

و قد ذكرنا الخبر هنا لأجل الاشارة الي تصحيحه.

و كما أن الله تعالي أكرمه بمثل هذه المعاجز، فقد أعطاه أيضا قدرات ذاتية،



[ صفحه 196]



فيأتي بالأمر الخارق للعادة عندما تستدعي منه الظروف ذلك، فمن ذلك ما روي عن محمد بن يحيي أنه قال: لقيت محمد بن علي الرضا عليه السلام علي دجلة، فالتقي له طرفاها حتي عبر، و رأيته بالأنبار علي الفرات فعل مثل ذلك. [15] .

و أما خبر دخول المأمون العباسي - و هو سكران - علي الامام أبي جعفر الجواد عليه السلام في بيته ليلا، فهناك أربع روايات مختلفة الأسانيد، مختلفة في رواية المتن، و في بعضها زيادات، الا أن مضمونها واحد. و نحن هنا سنحاول الجمع بين المتون، ثم نشير بعد ذلك الي بيان بعض الأمور.


پاورقي

[1] المناقب / ابن شهر آشوب: 4 / 394 و غيره من المصادر.

[2] كشف الغمة: 3 / 155، الثاقب في المناقب: 525.

[3] دلائل الامامة: ص 207.

[4] يعني أوائل طفولته عند بدء تكلمه و مشيه. و في منتهي الآمال للمحقق القمي: (و هو أقل من نيتي).

[5] راجع دلائل الامامة: ص 209، كشف الغمة: 3 / 156.

[6] دلائل الامامة: ص 209.

[7] المصدر السابق: ص 206.

[8] الورق: المال من الدراهم المضروبة.

[9] الأنوار البهية: ص 216، دلائل الامامة: ص 206 و فيه: ابراهيم بن سعد.

[10] في اثبات الهداة: 6 / 199 ح 62: محمد بن عمير، فيكون هو ابن واقد الرازي المار ذكره في باب استجابة دعائه عليه السلام.

[11] النمل: 16.

[12] دلائل الامامة: ص 207 - 206.

[13] الظاهر سقوط: (علي بن) بعد حرف الجر.

[14] نور الأبصار: ص 329 و قد أتبع الخبر مباشرة ما نقله المسعودي من أن صاحب القصة: علي أبوالحسن العسكري ولده، و قد وجه الشبلنجي هذا التصحيح باعتبار أن المتوكل لم يكن معاصرا لمحمد الجواد، بل لولده.

و أما ابن حجر الهيتمي في الصواعق المحرقة: ص 310 فقد نقل القصة عينها مع اختلاف يسير في بعض ألفاظها، لكنه نسبها الي علي الرضا، و أشار في خاتمتها الي نقل المسعودي للقصة، و أن صاحبها هو ابن ابن علي الرضا، و هو علي العسكري، و صوب ذلك. و يظهر أن الشبلنجي أخذ القصة عن ابن حجر، أو أن الاثنين استقياها من مصدر واحد، و مع ذلك فكل واحد منهما نسبها الي امام.

و الرواية منقولة في البحار: 50 / 149 ح 35 في معجزات الامام أبي الحسن الثالث علي الهادي عليه السلام نقلا عن الخرائج و الجرائح للقطب الراوندي: 1 / 404 ح 11 بتفصيل أكثر، و سوف نذكرها في كتابنا القادم (الهادي علي عليه السلام) ان شاء الله.

[15] الأنوار البهية: ص 216.