بازگشت

المراحل التاريخية لمرقد الامامين الجوادين


الوقائع و الأحداث التاريخية التي مرت علي المرقدين الطاهرين للامامين موسي بن جعفر الكاظم و حفيده الامام محمد بن علي الجواد عليهماالسلام، في الزوراء (بغداد)، مقابر قريش و ما جري عليه من عوادي الزمن من هدم و تخريب و تعمير.

في بادئ الأمر اشتري الامام موسي بن جعفر عليه السلام لنفسه أرضا في باب التبن [1] في ضواحي بغداد عندما استدعي من قبل الطاغية هارون الرشيد، ليجعلها مدفنا له بعد شهادته، بعلم الامامة، و لما قضي الامام نحبه شهيدا سنة (183 ه / 799 م) مسموما في سجن السندي بن شاهك بأمر طاغية زمانه هارون الرشيد العباسي عليه لعائن الله و ملائكته، دفن في تلك البقعة.

و في سنة (220 ه / 835 م) استشهد حفيده الامام أبوجعفر محمد بن علي الجواد عليه السلام في بغداد بسم المعتصم العباسي، و دفن خلف مرقد جده الامام موسي ابن جعفر عليه السلام في نفس البقعة.

تمر سنوات عجاف علي أهل البيت و شيعتهم، فقد كان الزائرون و الوافدون علي مرقد الامامين عليهماالسلام يقصدونهما للزيارة و التبرك و لثم أعتابهما الطاهرة بصورة خفية، و ذلك من جراء ضغوط السلطات عليهم و ملاحقتهم، و القبض عليهم، و التفنن في الحاق الأذي بهم بشتي صنوف التعذيب و المضايقة. و بمرور الأيام و بعد فترة من الزمن و علي الرغم من تلكم المضايقات أصبحت منطقة باب



[ صفحه 506]



التبن، و التي سميت فيما بعد (بمقابر قريش) لكثرة ما دفن فيها من بني هاشم و بني العباس من أمراء و وزراء و أعيان، فقد عمرت المنطقة شيئا فشيئا و أصبحت قرية عامرة يسكنها الموالون لأهل البيت لمجاورة المرقدين.

ثم شيد علي المرقدين بناية و بداخلها ضريحان للامامين منفصلين عن بعضهما، و لا نعلم علي وجه التحديد أي سنة تم البناء الأول. و قبل أن يتم بناء حرم للقبرين الشريفين كان هناك مسجد عامر يقصده الزوار و القاطنون بالقرب من المنطقة؛ لأداء طقوسهم الدينية، و أداء الفرائض، يعرف بمسجد باب التبن.

في سنة (336 ه / 947 م) شيد أول بناء ضخم بشكل مزار للمرقدين الطاهرين و قد تم ذلك بأمر معز الدولة أمير الأمراء أبي الحسين أحمد بن بويه المتوفي سنة (356 ه / 967 م). فقد أزيلت العمارة الأولي، و رفع الضريحان الأوليان، و وضع علي القبرين الشريفين مكانهما ضريحان صنعا من الخشب الساج المزين، و بني عليه عمارة جليلة تعلوها قبتان بديعتان، و هما أول قبتين توضعان علي ضريح الامامين عليهماالسلام، و زينت العمارة ببعض المعلقات النفيسة علي جدرانها، و وضعت بداخلها القناديل، كما وكل الي ثلاثة من الجنود للخدمة، و المحافظة علي المرقد الطاهر، و لتأمين سلامة الزائرين.

و من هذا الوقت بدأ للناس عهد جديد بزيارة الامامين، فازداد المجاورون للمشهد الشريف تبعا لذلك، و كثرت زواره بشكل ملحوظ جدا.

و كان معز الدولة قد اتخذ له بيتا فخما جوار الامامين، فكان يقصدهما للزيارة كل ليلة جمعة مع وزرائه و أعيان دولته، يبيتون فيه ليلتهم تلك ثم يغادره نهارها بعد تجديد الزيارة و وداع الامامين عليهماالسلام.

و في سنة (352 ه / 963 م) أمر معز الدولة باقامة العزاء لسيد الشهداء الحسين بن علي عليه السلام في شهر محرم الحرام، فكان هذا أول مأتم يقام لسيد الشهداء



[ صفحه 507]



في هذه المدينة التي سميت فيما بعد (الكاظمية) أو (الكاظمين). كما أمر الناس في بغداد كلها بغلق الحوانيت، و تعطيل الأسواق في يوم عاشوراء، و أن يظهروا الحزن، و يلبسوا السواد بزي خاص بالمناسبة، و أن يخرج النساء و الرجال لاطمي الصدور، وافدين علي الامامين الكاظمين عليهماالسلام معزين لهما بمصاب جدهما الحسين عليه السلام، و بقيت هذه السنة طيلة الحكم البويهي للعراق. و يمكن اعتبار هذه التظاهرة أول موكب عزاء يخرج الي الشارع لاظهار الحزن و العزاء علي مصاب الحسين الشهيد عليه السلام.

و في سنة (367 ه / 978 م) في رمضان - نيسان - زادت دجلة زيادة مفرطة، حتي وصل ارتفاع الماء في بعض الأماكن الي حوالي العشرين ذراعا..

و أشرف الناس علي الهلاك لولا انحسار الماء بعد عدة أيام. فغرق بذلك الفيضان مشهد الامامين و ما حوله من مقابر و أبنية.

و في سنة (369 ه / 979 م) بني عضدالدولة فنا خسرو بن الحسن ركن الدولة البويهي المتوفي سنة (372 ه / 983 م) سورا حول المشهد الكاظمي و ما جاوره من أبنية و قبور؛ لحفظ المشهد المقدس و ما دار حوله من مقابر. و زاد في تعمير عمارة المشهد من الداخل و الخارج، و بالغ في زيادة الانارة و التزيين، و وضع التسهيلات اللازمة للزائرين. و ركن الدولة هو أول من أظهر قبر الامام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام و بني عليه بنيانا. اذا كان قبل ذلك مخفيا عن العوام، لا يعرفه الا أكابر الشيعة و خواصهم.

و في سنة (377 ه / 987 م) أوصل أبوطاهر سعيد الحاجب، مولي شرف الدولة بن عضد الدولة الماء الي مشهد الامامين الجوادين، بحفره نهرا كبيرا أجراه من نهر دجيل، و ساقه الي داخل سور المشهد المشرف، و بوصول الماء - و لأول مرة - الي الصحن المقدس فقد استغني المجاورون للمرقد و الزائرون عن جلب



[ صفحه 508]



الماء من بغداد معهم أو الي حفر الآبار.

و قيل: ان الطائع لله عبدالكريم بن المطيع، الحاكم العباسي الرابع و العشرون الذي حكم بين سني (381 - 363 ه / 991 - 974 م) كان قد أقام صلاة الجمعة اماما في مشهد الامامين الكاظمين عليهماالسلام أكثر من مرة. و بهذا نعرف أن المرقد الطاهر كان - و خلال هذه الفترة - له شأن كبير، و مكانة جليلة و خطيرة في نفوس المسلمين و حكامهم.

و في سنة (422 ه / 1031 م) في ربيع الأول تجددت الفتن بين السنة و الشيعة في بغداد، فقد منعت زيارة مرقد الامامين اثر اعتراض أهالي محلة باب البصرة لجمع من شيعة مدينة قم كانوا قد قدموا لزيارة مشاهد الأئمة عليهم السلام في النجف و كربلاء و غيرها من المراقد، فقتلوا منهم ثلاثة أشخاص، و لا يعرف الي متي استمر المنع.

و في سنة (443 ه / 1051 م) في ربيعها الأول حدثت فتنة عظيمة بين الشيعة و السنة في بغداد، راح ضحيتها الكثير من الناس من الطرفين، و تلفت خلالها أموال كثيرة. و هي التي تسمي (بحادثة بغداد).

و من جملة من تضرر في هذه الحادثة، المرقد الطاهر للامامين عليهماالسلام حيث أغار عليه مجموعة من سفلة الأمة و أوباشها، فأحرقوا العمارة بعد أن نهبوها، و عاثوا فيها خرابا.

و في اليوم التالي أغاروا علي المرقد ثانية و أوغلوا في دمار المقابر و البيوت المجاورة، و سلبوا ما وصلت اليه أيديهم الآثمة، و قتلوا من وقع بقبضتهم. حتي سولت لهم أنفسهم الضعيفة من الدين و الحياء الي محاولة نبش القبرين، و نقل الرفات المطهر لابني رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم الي مقابر أحمد بن حنبل و تضييع أثرهما؛ لكن مكروا و مكر الله، والله خير الماكرين، فحال تراب الهدم



[ صفحه 509]



و مخلفات الحريق بينهم و بين الاهتداء الي القبرين، فحفروا فلم يفلحوا بالعثور علي ما ابتغوا، يهتدوا الي شي ء مما طلبوا، ورد الله كيد العابثين، و سلم جسدي الامامين من أن تنالهما يد السوء.

و في سنة (444 ه / 1052 م) أخذ أرسلان بن عبدالله، أبوالحارث البساسيري المتوفي سنة (451 ه / 1059 م) القائد التركي الشهير بالاستعانة بأبي نصر فيروز بن أبي كاليجار المرزبان ابن سلطان الدولة بن بهاءالدولة بن عضد الدولة، الملقب بالملك الرحيم، فعمل صندوقان من الساج أفخم من الصندوقين السابقين، نصبا علي القبرين، و قام - و علي مدي سنة أو نحو ذلك - بتعمير القبتين و الروضة الشريفة من الداخل، و الصحن الأقدس، و أعيدت الزينة، الي غير ذلك من شؤون رفعة المرقد المطهر و اضفاء مظاهر الجلال و القداسة عليه، و رفاه حال الزائرين.

و في سنة (466 ه / 1073 م) حدث فيضان دجلة، فغرق الجانب الشرقي من بغداد، و بعض الجانب الغربي، و وصلت مياه الفيضان الي مشهد الامامين الكاظم و الجواد عليهماالسلام، فتهدم سوره، و حدثت به أضرار أخري، فبذل شرف الدولة مبلغ (1000) ألف دينار لعمارته.

و في سنة (490 ه / 1097 م) قام الأسعد بن موسي القمي، أبوالفضل مجد الملك أحد وزراء بركيا روق بن ملكشاه السلجوقي المتوفي سنة (498 ه / 1104 م) بتعمير الروضة الكاظمية المقدسة، فوضع للبناء أساسا محكما، و علي القبرين صندوقين من الساج، كما بني مسجدا الي الشمال من الروضة، و هو الذي جدد بناءه الشاه اسماعيل الصفوي و سمي ب (الجامع الصفوي)، و بني للروضة المشرفة - علي ساكنيها آلاف التحية و التسليم - مأذنتين رفيعتين، و شيد في خارجها بيتا واسعا كثير الغرف لنزول الزوار فيه.



[ صفحه 510]



و في سنة (517 ه / 1123 م) في أيام المسترشد بالله الفضل بن أحمد المستظهر بالله العباسي المتوفي سنة (529 ه / 1135 م) الحاكم التاسع و العشرون من ملوك بني العباس، حدثت نكبة أخري في بغداد، و تفاقمت الأحداث بين السنة و الشيعة، فشن المخالفون المتعصبون هجوما علي مرقد الامامين، فقلعوا الأبواب، و نهبوا المعلقات و الستائر، و قناديل الذهب و الفضة، و خربوا كل معالم زينة الروضة المباركة. فأنكر المسترشد ذلك العمل، و أمر بتأديب المهاجمين الناهبين، ورد ما نهبوه. فتمكنوا من استعادة بعض ما نهب، وضاع الكثير.

و في سنة (554 ه / 1159 م) في ربيع الثاني طغي ماء دجلة أيضا، فغرقت بغداد و مقابرها، و منها مقبرة أحمد بن حنبل و غيرها من الأماكن و المقابر، حتي ان بعض القبور انخسفت، و طفحت أجساد الموتي علي سطح الماء، الا مشهد الامامين و الحربية [2] ، قاله ابن الجوزي في المنتظم [3] ، فقد أغلقت أبوابها، فلم يدخل اليها الماء، و كانت آية عجيبة.

و في سنة (569 ه / 1173 م) فاضت دجلة، و زاد الماء زيادة لم يسبق بمثلها، فسري الماء الي مقابر قريش، حتي دخل الي الروضة المقدسة، فتهدمت بعض الأبنية فيها، و تهدم أكثر سور المشهد المقدس.

و في سنة (575 ه / 1180 م) استلم الملك الناصر لدين الله أحمد بن المستضي ء العباسي المتوفي سنة (622 ه / 1225 م)، و كان يميل لحب أهل البيت عليهم السلام. فوكل وزيره مؤيدالدين محمد بن محمد القمي بالاشراف علي تعمير



[ صفحه 511]



المشهد الكاظمي المشرف، فبدأ بترميم ما أتلفته يد العدوان، و عوادي الزمن، فزين الصندوقين الخشبيين، و أصلح الرواق و المأذنتين و وسع الصحن، و زاد في الحجرات في أطرافه. كما جعل المشهد المبارك أمنا و ملاذا للمذنبين بالعفو عن جرائم من التجأ اليه، و قضاء حوائجه.

و في سنة (608 ه / 1211 م) و بأمر من الناصر لدين الله - و لأول مرة - خصصت بعض حجرات الصحن الشريف لتكون مدرسة للعلوم الدينية و العربية، و أمر بقراءة مسند أحمد علي الفقيه الامامي صفي الدين محمد بن معد الموسوي، و أجري للطلاب أرزاقا. كما بني دارا للأيتام محاذية للصحن المطهر.

و في أيامه بني سور محكم حول البلدة؛ ليكون سدا أمام طغيان الماء، وردا للمفسدين من التعرض للروضة؛ لأن سور الصحن لم يكن يفي بالحماية من جرف الماء، و نهب السراق.

و في سنة (614 ه / 1217 م) زادت دجلة زيادة عظيمة لم يحدث مثيلها من ذي قبل، فلم يحم سور البلدة، و لا سور الصحن، المرقد الشريف من دخول الماء الي داخل الروضة المباركة، فتهدمت حيطانها، و خربت جدرانها بعد أن تلاشي السوران، و انهدمت العديد من البيوت و الأبنية المجاورة.

و في سنة (622 ه / 1225 م) في أيام الظاهر بأمر الله، الذي لم يحكم أكثر من سنة واحدة، وقع حريق هائل في مشهد الكاظمين، فأتي الحريق علي الأثاث و الفرش، و المصاحف، و الكتب، و سرت النيران الي الصندوقين في القبة الشريفة، فأمر الظاهر وزيره مؤيدالدين القمي بتعمير المشهد و اعماره، و في أثناء ذلك مات الظاهر سنة (623 ه / 1226 م)، فتولي الحكم من بعده ولده المستنصر بالله المنصور بن الظاهر الحاكم العباسي السادس و الثلاثون المتوفي سنة (640 ه / 1242 م) فأكمل البناء و التعمير بأروع مما كان قد ابتدأ، و أمر بعمل صندوق



[ صفحه 512]



خشبي من الساج، هو اليوم في المتحف العراقي، و هو آية في الحسن و الفن في النقش و الترصيع و التذهيب، و عليه كتابات جميلة، و اسم المستنصر بالله، و تاريخ صنعه سنة (624 ه). كما وضع من قناديل الذهب و الفضة، و الشمعدانات، و المعلقات النفيسة، و الستائر الشي ء الكثير. و هو الذي بني المدرسة المستنصرية في بغداد.

و في سنة (646 ه / 1249 م) و علي اثر أمطار غزيرة في شوال امتلأت بها الشوارع و الدور، فغرقت القري، و تهدمت المساكن، و تلفت المزارع، و تعطل علي الناس معظم أعمالهم، و كان من نتيجتها أن زادت دجلة في ذي الحجة زيادة عظيمة، فطغي الماء علي الضريحين المشرفين، بحيث لم يبن منهما سوي رؤوس رمانات البنيات التي كانت عليهما.

و في السنة التالية (647 ه) أمر المستعصم بالله آخر ملوك بني العباس ببناء السور، و لما شرعوا بالحفر لأساس السور و جدوا جرة أو اناء خزفيا فيه ألف درهم قديم، البعض منها يونانية عليها صور، و منها دراهم ضرب بغداد سنة نيف و ثلاثين و مئة، و منها ما هو ضرب واسط يقرب من هذا التاريخ. فحملت الي الخليفة، فأمر ببيعها و صرف أثمانها في عمارة المشهد، فاشتراها الناس بمبالغ جزيلة، و أهدي البعض منها الي الأكابر و التجار، فأهدوا بدورهم الي المشهد أضعاف ما أرسل اليهم.

و في سنة (656 ه / 1258 م) و في الخامس من صفر دخل هولاكو المغولي بغداد فاتحا، و منهيا بذلك الفتح الحكم العباسي الذي دام لأكثر من خمسة قرون، فأحرق معظم محلاتها و أسواقها، و أباحها لمدة أربعين يوما لجنده، فعاث جنده فيها فسادا و نهبا، و تخريبا و حرقا. و لم يسلم منهم - طبعا - المشهد الكاظمي نهبا و حرقا، فلم يكن الزاحفون المحتلون الجدد يعرفون للأماكن المقدسة حرمة،



[ صفحه 513]



فالقداسة و الحرمة شي ء غير متصور عند المغول التتر. بل، لا يوجد في قاموس هؤلاء الثقافي شي ء اسمه حرمة أو رحمة.

و في سنة (657 ه) عين هولاكو علاءالدين عطا مالك بن محمد المتوفي سنة (681 ه / 1283 م) حاكما علي العراق، فقام بترميم المشهد الشريف، و تزيين جدران الروضة من الداخل و الخارج، و زين الرواق و الصحن بالقاشاني النفيس، و زاد في النفائس و المعلقات في داخل الروضة.

و في سنة (765 ه / 1364 م) حدث بدجلة طغيان عظيم، فعم الغرق جميع بغداد، و عبث الماء في مشهد الكاظمين، فحدثت من جراء ذلك أضرار كثيرة بقيت علي حالها حتي مجي ء السلطان أويس بن حسن الجلائري المتوفي سنة (776 - 75 ه / 1374 م) فقام سنة (769 ه / 1368 - 67 م) بتعمير و ترميم ما خربه الفيضان من المشهد المقدس. فعمر الرواق و الصحن و الروضة الشريفة و زينها بالقاشاني البديع، كما عمر القبتين و المنارتين الي غير ذلك من أعمال الاصلاح و الترميم.

و في سنة (776 ه / 1374 م) طغي ماء دجلة علي ضفتيه طغيانا شديدا، فلم يترك من دور بغداد و محالها و أسواقها الا القليل الذي سلم من الأضرار و التهديم. و قد هلك ناس كثيرون تحت هدم البيوت. كذلك لم تنج الروضة الكاظمية من هذا الفيضان المدمر، فتهدمت بعض أبنيتها، و تشقق البعض الآخر الذي صمد أمام تيار الماء الجارف.

فقام وجيه الدين اسماعيل ابن الأمير زكريا الوزير، الذي حكم العراق يومئذ من قبل السلطان الجلائري الشيخ أويس بن حسن بزرك، ببناء ما تهدم من أبنية و جدران المرقد الشريف، و اصلاح ما خربه السيل..

و تمر السنون.. و يأتي دور الحكم الصفوي، و يحتل الشاه اسماعيل الأول



[ صفحه 514]



المتوفي سنة (930 ه / 1524 م) بغداد سنة (914 ه / 1508 م)، و يبدأ بعد استقرار الأوضاع له في العراق بتجديد عمارة مشهد الكاظمين عليهماالسلام، و احكام بنائها. فقلع البناء القديم من أساسه، و قام بوضع حجر الأساس لبناء محكم متين للروضة و الرواق و الصحن، و جد في تزيينه من الداخل و الخارج بالقاشاني الملون. ثم بني القبتين الشريفتين بطراز جميل، و زينهما بالقاشاني المعرق، و عوض المنارتين بأربع منائر، الا أن بناءها قد توقف بعد أن ارتفعوا بها قليلا عن سطح الروضة. كما أمر ببناء المسجد المعروف بالجامع الصفوي شمال الروضة، و بني حجرات في الصحن الشريف - بعد توسعته - لطلبة العلم و الزائرين، و فضض أبواب الروضة المطهرة بصفائح من الفضة الخالصة.

و أخيرا أمر بصنع صندوقين من الخاتم المرصع بالعاج، و مزينين بنقوش جميلة، و كتابات بديعة نصبا علي القبرين الأنورين بدلا من الصندوق الذي وضعه المستنصر بالله، الذي أمر الشاه اسماعيل بارساله الي المدائن ليوضع علي قبر الصحابي الجليل سلمان الفارسي رضي الله عنه، و بعد تأسيس دار الآثار العراقية نقل هذا الصندوق المستنصري اليها فوضع في متحفها.

و أهدي الشاه الصفوي قناديل الذهب و الفضة، و المعلقات النفيسة فعلقت في سقف الروضة. و فرش أرضية الروضة و الرواق حولها بالسجاد الثمين.

و تمت معظم أعمال البناء الأساسية و التزيين و الخدمات الأخري سنة (926 ه / 1515 م) كما جاء في نص الكتابة التي علي قاشاني الباب الشرقي.

و أما الجامع الصفوي و الروضة المباركة فلم ينته العمل بهما الا في سنة (935 ه / 1529 - 28 م).

و في سنة (941 ه / 1534 م) يوم الاثنين 24 جمادي الأولي دخل السلطان العثماني سليمان القانوني المتوفي سنة (974 ه / 1566 م) بغداد فاتحا،



[ صفحه 515]



و منهيا الحكم الصفوي للعراق. و بعد أربعة أيام من دخوله بغداد، تجول في العتباب المقدسة في الكاظمية و كربلاء و النجف الأشرف. و أمر باتمام النواقص الطفيفة التي لم تنجز من أعمال البناء التي بدأها الشاه اسماعيل الأول الصفوي لمرقد الامامين الكاظمين عليهماالسلام.

و في سنة (978 ه / 1570 م) ورد السلطان العثماني سليم الثاني المتوفي سنة (982 ه / 1574 م) بغداد. و رغم أنه كان سكيرا، فقد قام بزيارة الكاظمية المقدسة، و أكمل بناء المنارة الواقعة ما بين المشرق و الشمال و التي لم يكن بناؤها قد اكتمل بعد.

و في سنة (1032 ه / 1623 م) زار الشاه عباس الصفوي الكبير العتبات المقدسة في العراق - بعد فتحها مرة ثانية - و أمر بصنع ضريح من الفولاذ - و لأول مرة - لحفظ صندوقي الخاتم، فصنع الضريح و وضع علي الصندوقين الكريمين. و زاد في النفائس و المعلقات و أنواع الزينة في الروضة و الرواق.

و في سنة (1042 ه / 1633 - 32 م) زادت دجلة زيادة هائلة، فحدث نتيجتها فيضان عظيم تضررت من جرائه بغداد و الكاظمية و منها مرقد الامامين عليهماالسلام، فحصلت فيه أضرار كثيرة. فأمر الشاه صفي الصفوي المتوفي سنة (1052 ه / 1643 م) بترميم ما خربته المياه من الروضة و الرواق و الصحن.

و في سنة (1045 ه / 35 - 1636 م) أمر الشاه صفي الدين باحكام بناء المنائر الأربع التي بدأها الشاه اسماعيل الأول، و زاد أربع منائر أخري صغيرة في زوايا سطح الروضة المقدسة.

و في سنة (1047 ه / 1638 م) دخل السلطان العثماني مراد الرابع المتوفي سنة (1049 ه / 1640 م) بغداد منتزعا اياها من يد الصفويين بعد حصار لها دام أربعين يوما. فنهب الجنود الأتراك البلدة، و قتلوا من وجدوه أمامهم من الناس،



[ صفحه 516]



و لم يسلم منهم مرقد الامامين الكاظمين، فنهبوا ما فيه من قناديل الذهب و الفضة و المعلقات و الستائر و غيرها مما استطاعوا حمله.

و بين سنتي (1112 - 1111 ه / 1701 - 1699 م) جدد الوزير حسن باشا سقف الروضة الشريفة، و عمل فيها بعض الترميمات و الاصلاحات.

و في سنة (1115 ه / 3 - 1704 م) و في أيام السلطان حسين بن سليمان الصفوي المتوفي سنة (34 - 1135 ه / 1722 م) استبدل محمود آقا التاجر الشباك الفولاذي بآخر جديد جلبه معه أثناء حجه لبيت الله الحرام، و رافقه في رحلته هذه زهاء عشرة آلاف نسمة، ثلاثة آلاف منهم حجوا معه، و الباقي عادوا بعد نصب الشباك الجديد. و قد رافقه في هذا المهرجان الكبير حرم السلطان و أعيان الدولة و الوجهاء و غيرهم.

و في سنة (1211 ه / 1797 - 96 م) أمر السلطان محمد شاه الأول مؤسس الدولة القاجارية التي حكمت ايران بين (1343 - 1200 ه / 1925 - 1786 م) - و لأول مرة - بتذهيب القبتين الكريمتين، و رؤوس المنائر، و الايوان الصغير الذي في طريق الرواق الجنوبي، و أمر بفرش الرواق و الروضة بالمرمر الأبيض و عمر من الصحن ما خربته الأيام، و زاد في سعته بشراء الدور المجاورة.

و في سنة (1231 ه / 1816 م) قام السلطان فتح علي شاه القاجاري المتوفي سنة (1250 ه / 1834 م) بشي ء من الاصلاح و التعمير من داخل الروضة المنورة، فغشي جدرانها بالمرايا، و نقش باطن القبتين بنقوش جميلة بالميناء و ماء الذهب.

و في سنة (1255 ه / 1839 م) قام الوزير معتمد الدولة منوجهر خان باكساء الايوان الجنوبي للروضة بالذهب الخالص، و زين صدر الايوان بأسماء الأئمة الاثني عشر عليهم السلام، ثم بني الصفة الشرقية (طارمة باب المراد)، و بعدها



[ صفحه 517]



بنيت الصفة الجنوبية (طارمة باب القبلة).

و في سنة (1264 ه / 1848 م) قام سليم باشا الفريق بتعمير الحجرة الصغيرة التي في الصحن أو التي فيها قبري ابراهيم و جعفر ابني الامام موسي الكاظم عليه السلام و بني عليها قبة، و بني لهما مرقدين يليق بهما رضي الله عنه، و في ذلك يقول الشاعر عبدالباقي العمري مؤرخا عام البناء، و قد اخترنا منها هذه الأبيات:



فريق جند النصر سمح اليدين

أعني سليم القلب من كل رين



آثار أنوارها قد بدت

باهرة تزهر بالقبتين



اذ شاد ما كان بها داثرا

فأشرقت في حضرة النيرين



شبلي جناب الكاظم المرتجي

سلالة السبط الامام الحسين



بني بطوع لهما مرقدا

ببذله التبر و نقد اللجين



بعوق أصحاب العبا أرخوا

شاد سليم مرقد الفرقدين

1264 ه

و في سنة (1281 ه / 64 - 1865 م) حصل تعمير للروضة الكاظمية، و لا ندري أهي عملية الاكساء الذهبي للايوان الشرقي الآتية، و التي أمر بها ناصرالدين شاه؟ أم عملية تعمير و ترميم سبقتها انتهت في ذلك التأريخ؟ و في ذلك يقول الشاعر الشيخ جابر الكاظمي مؤرخا:



فقل لمن قصد الزوراء معتمدا

قطع الفدافد يطوي كل بيداء



ان صرت غربي بغداد و شمت سنا الوادي

المقدس مأوي كل آلاء



قل للمنيبين رشدا من مؤرخه

نادوا المهيمن هذا طور سيناء

1281 ه

و في سنة (1282 ه / 1866 م) أمر ناصرالدين شاه أحمد بن محمد شاه ابن عباس ميرزا ابن فتح علي شاه المتوفي سنة (1313 ه / 1896 م) بأن يكسي



[ صفحه 518]



الايوان الشرقي بالذهب من فاضل ذهب قبة الامامين العسكريين في سامراء، التي كانت قد غشيت بالذهب في ذلك الوقت، و كان ذلك قبل قيامه بزيارة العتبات المقدسة. كما أصلح ما استرم من جدران الروضة و سقوفها و المرايا و النقوش، و زينت جدران الرواق الخارجية بالقاشاني.

و في العام التالي (1283 ه) أمر ناصرالدين شاه بنصب ضريح فضي - لأول مرة - فوق الضريح الفولاذي القديم. و ذهبت جملة من كتابات الروضة الشريفة، و أماكن من الرواق، و استمرت أعمال البناء و الترميم الي سنة (1284 ه) فتمت فيها زخرفة ايوان (باب المراد) بالزجاج، كما تم تفضيض باب الروضة و نصبها.

و في سنة (1287 ه / 1870 م) زار ناصرالدين شاه العتبات المقدسة في العراق، فبذل خلال زيارته مبالغ طائلة لتصرف في شؤون العتبات العالية، و منها مرقد الكاظمين، فأصلح ما كان يحتاج الي اصلاح.

و في سنة (1293 ه / 1876 م) بدأت أهم عمارة للصحن الشريف. فقد عزم معتمد الدولة فرهاد ميرزا ابن عباس ميرزا ابن فتح علي شاه عم ناصرالدين شاه علي تشييد الصحن الكاظمي، و تجديد عمارته. فقلع البناء القديم من أساسه، و ابتاع عددا من البيوت المجاورة له بأثمان باهضة و ضمها الي ساحة الصحن. و فعلا فقد شيد صحن رفيع البنيان، محكم الأساس، و أنشئت في أطرافه الحجرات الجميلة بأواوينها البديعة و علي طابقين - و هي عمارته الحالية في يومنا هذا - و زينت الجدران بالقاشاني. و فرشت أرض الصحن بالصخور الثمينة التي جلبت من ايران و لأول مرة نصبت ساعتان كبيرتان في الصحن الشريف و في تاريخ انتهاء أعمال البناء قال امام الحرمين الميرزا محمد آل داود الهمداني:



صحن موسي حظيرة القدس

فاق طور الكليم في سعد



[ صفحه 519]



يا لها من بنية شهدت

كعبة، أنها مني الوفد



حرم فاق حسنه ارما

ليس فيه ذكري سوي الحمد



صرح هامان خر من خجل

مذ بناه (فرهاد) ذر المجد



قلت لما شاد البنا أرخ

هو صحن كجنة الخلد

1297 ه [4] .

و في سنة (1299 ه / 1882 م) جدد معتمد الدولة فرهاد ميرزا تذهيب المآذن، ووكل علي اتمام أعمال البناء و الاصلاح و بقية الخدمات المرحوم الحاج عبدالهادي الاسترابادي، أحد أعيان بلدة الكاظمية في ذلك الحين، و المتولي للحضرة الشريفة فيما بعد. و قد تمت أعمال الصيانة و الاصلاح في سنة (1301 ه).

و في سنة (1324 ه / 1906 م) في السادس من جمادي الأولي، و في عهد كليدارية الشيخ عبد الحميد بن طالب، نصب ضريح فضي جديد علي نفقة الحاجة سلطانه بيكم بنت مشير الملك الشيرازي. و قد تعاقد علي صياغته ثلاثة من



[ صفحه 520]



الصاغة هم: السيد محسن بن هاشم آل أبي الورد الكاظمي، و السيد محمد علي الكاظمي، و الميرزا محمد الشيرازي النجفي. و بلغ مقدار الفضة المستعملة فيه مائتين و خمسين ألف مثقال و ربع المثقال (يعادل تقريبا 1172 كيلو غراما). كما بلغت تكاليفه حتي اتمام نصبه خمسين ألف تومان ايراني.

و مرقد الامامين موسي الكاظم، و محمد الجواد عليهماالسلام يقع في وسط مدينة الكاظمية أو الكاظمين كما يسميها البعض، و هذه تقع الي الشمال الغربي من مدينة بغداد علي الضفة اليمني لنهر دجلة أي في الجانب الغربي منه.

و يحيط بالمشهد الكاظمي سور ضخم مستطيل الشكل، يبلغ طوله (123) مترا و عرضه (118) مترا. و له تسعة أبواب، هي: باب القبلة جنوبا و تعلوها ساعة كبيرة و باب المراد شرقا و تعلوها أيضا ساعة كبيرة و هما أهم أبواب الصحن، و باب صاحب الزمان غربا الكائنة في صحن قريش، هذه ثلاثة أبواب رئيسية كبيرة. و أما بقية الأبواب الستة الصغيرة؛ فاثنان في الضلع الجنوبي، و اثنان في الضلع الشرقي، و واحد في ضلعه الغربي، و اثنان في الضلع الشمالي.

هذا ما كان من عمارة المشهد المقدس، و أما اذا أردنا الخوض في من دفن جوار الامامين عليهماالسلام فالحديث عنهم يطول، و قد تتبع العلامة الدكتور مصطفي جواد أسماءهم و تاريخ وفياتهم خلال سبعة قرون تبدأ من القرن الثاني و تنتهي بالقرن الثامن الهجري، في بحثه القيم: (السلك الناظم لدفناء مشهد الكاظم) المقدم الي موسوعة العتبات المقدسة و الذي نشر في المجلد العاشر منها. فقد استوفي البحث مئة و أربعين من الملوك و الوزراء و العلماء و الأعيان و الأدباء و غيرهم. و لمزيد من التفصيل راجع المصدر المذكور.



[ صفحه 523]




پاورقي

[1] مقبرة كانت تقع شرقي مقابر قريش، و هي أقدم منها.

[2] الحربية: محلة كبيرة مشهورة ببغداد عند باب حرب قرب مقبرة بشر الحافي بالكرخ من بغداد، و أحمد بن حنبل. و هي منسوبة الي حرب بن عبدالله البلخي. معجم البلدان: 2 / 237.

[3] المنتظم في تاريخ الأمم و الملوك: 18 / 135.

[4] ذكر الدكتور حسين علي محفوظ كاتب الدراسة المقدمة الي موسوعة العتبات المقدسة بعنوان (الكاظمية في المراجع العربية) أن جده السيد محسن بن هاشم أبي الورد الصائغ الحسيني الكاظمي أرخ ابتداء العمل بتعمير سور الصحن الكاظمي في 17 ذي القعدة سنة 1296 ه.

و نقل محمود شكري الآلوسي في كتابه تاريخ مساجد بغداد و آثارها، أنه كتب علي السور سورة العاديات، و القدر، و الضحي، و الحاقة و بعض الأخبار...

و كتب من جهة أخري تاريخ العمارة، و هذا نصه: بسم الله الرحمن الرحيم. وقع الفراغ من هذا الصحن بأمر من قصد بعمله وجه المنان، و بلوغ غرفات الجنان، الجناب المستطاب الأشرف الأمجد، معتمد الدولة فرهاد ميرزا أدامه الله تعالي، و أعز اجلاله و اقباله، بجاه محمد و آله الطاهرين، سنة ثمان و تسعين بعد المئتين و الألف من الهجرة النبوية المقدسة علي صاحبها آلاف التحية و الثناء. راجع، موسوعة العتبات المقدسة - قسم الكاظمية: 9 / 160.