بازگشت

استجابة دعائه


الدعاء هو رباط الاستعانة بين الانسان المحتاج الضعيف و بين الخالق المالك القادر. فالانسان مفتقر دوما الي البارئ سبحانه و تعالي؛ لذلك و من أجل أن يسد الله تبارك و تعالي أكثر حاجات الانسان مباشرة، و أن يجعله دائم الصلة به، فقد سن له جل و علا هذه الرابطة المتينة، و العلقة السامية، و جعلها بشكل مباشر بينه و بين عباده و هو ما يمكن اعتباره أحد مصاديق الاستخلاف. و وضع سبحانه لهذه الصلة شروطها الخاصة، و حدد ظروفها الموضوعية، و علق الاجابة لكل دعوة بشرطها و شروطها، و الظروف المحيطة بها، و ما يترتب عليها من أثر.

و القرآن الكريم من حيث المبدأ قرن الدعوة الخاصة لله تعالي بالاجابة، فقال تعالي: (و قال ربكم ادعوني أستجب لكم) [1] ، و قال في موضع آخر من كتابه العزيز: (و اذا سألك عبادي عني فاني قريب أجيب دعوة الداع اذا دعان..). [2] و هكذا يتتابع النص القرآني في الحث علي التمسك بأهداب الدعاء، و طلب العون من البارئ تعالي، ثم جاءت السنة النبوية الشريفة، و سيرة أئمة أهل بيت العصمة و الطهارة لتبينا لنا كيفية الدعاء، و أسلوبه الأمثل لتحقيق الاجابة.



[ صفحه 150]



و بتحقيق شروط الدعاء، و توافق ذلك مع شروط الاجابة، نجد أن الدعوة قد تستجاب علي قدر عزيمة الدعاء، و بقدر القرب من المولي جل شأنه و درجة الصلة به، و هو ما أردنا الاشارة اليه هنا، و هو الشرط الأهم من شرائط استجابة الدعاء.

و نلاحظ أحيانا أن الاجابة تأتي متأخرة، أو تأتي علي خلاف المطلوب، و ذلك لعدم تحقق المصلحة.. أو لترتيب ضرر جراء الاجابة.. أو.. أو.. و هو أمر نجهله تماما، كونه في علم الغيب، و هو مما ليس في مقدورنا.

بعد هذا العرض القصير يتضح لنا أن اجابة الدعاء تتفاوت بتفاوت درجة القرب من الله سبحانه، و أن الاجابة تتسارع كلما ارتقي الانسان مدارج الكمال، حتي اذا صار في ذروة التكامل الروحي و قمته، جاءت اجابته من فوره، و هو ما تحقق لدعوات الأنبياء و أوصيائهم، و بعض الصالحين من خيار الناس.

و اذا ما نظرنا الي أبي جعفر محمد بن علي الجواد عليه السلام فنجد أنه الامام المعصوم.. و هو تاسع أوصياء رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم؛ لذا فمن الطبيعي - و كرامة للامام - أن يكون مستجاب الدعوة الي حد يستوجب معه في كثير من الأحيان تحقق المعجز - و هو من لوازم النبوة و الامامة - ليتبين من خلال ذلك أنه امام معصوم، منصوب من قبل الله تبارك و تعالي، و مفترض الطاعة.

و علي رغم قلة الأخبار الواصلة الينا عن متأخري أئمتنا، الجواد و الهادي و العسكري عليهم السلام، نتيجة للظروف السياسية الحالكة آنذاك، و ما تبعها من أحداث علي شيعة أهل البيت عليهم السلام، و علي التراث الشيعي الأصيل و ما أصابه من نكبات، فان لدينا لماظة من سيرة امامنا الجواد عليه السلام العطرة المعطاء. فقد كان صلوات الله و سلامه عليه مستجاب الدعوة الي حد خرق العادة الطبيعية، و هو أمر اقتضته ظروف المرحلة التي عاشها جواد الأئمة عليه السلام، و التي تمثلت بصغر سنه. فطبيعي



[ صفحه 151]



جدا أن يكون - و هو الأكرم علي الله من كثير ممن خلق - مستجاب الدعوة؛ لما قدمنا بين يديك أو اتضح لك آنفا.

و مما يروي عن دعواته المستجابة عليه السلام ما نقل في الثاقب من المناقب عن الخرائج و الجرائح و مدينة المعاجز قوله:

عن ]محمد[ بن أورمة قال: ان المعتصم دعا جماعة من وزرائه و قال: اشهدوا لي علي محمد بن علي بن موسي الرضا زورا و اكتبوا بأنه أراد أن يخرج.

ثم دعاه فقال: انك أردت أن تخرج علي. فقال: «والله ما فعلت شيئا من ذلك».

قال: ان فلانا و فلانا شهدوا عليك. و أحضروا، فقالوا: نعم، هذه الكتب أخذناها من بعض غلمانك.

قال: و كان جالسا في ]بهو[ فرفع أبوجعفر عليه السلام يده و قال: «اللهم ان كانوا كذبوا علي فخذهم».

قال: فنظرنا الي ذلك البهو يرجف و يذهب و يجي ء، و كلما قام واحد وقع، فقال المعتصم: يابن رسول الله، تبت مما قلت، فادع ربك أن يسكنه. فقال: «اللهم سكنه و انك تعلم بأنهم أعداؤك و أعدائي»، فسكن. [3] .

و فيه أيضا عن محمد بن عمير [4] بن واقد الرازي قال: دخلت علي أبي جعفر محمد الجواد بن الرضا عليهماالسلام و معي أخي به بهق [5] شديد، فشكا اليه ذلك البهق، فقال: «عافاك الله مما تشكو» فخرجنا من عنده و قد عوفي، فما عاد اليه ذلك البهق الي أن مات.



[ صفحه 152]



قال محمد بن عمير: و كان يصيبني وجع في خاصرتي في كل أسبوع، فيشتد ذلك بي أياما فسألته أن يدعو لي بزواله عني، فقال: «و أنت، فعافاك الله» فما عاد الي هذه الغاية. [6] .

و جاء فيه أيضا:

عن أحمد بن محمد الحضرمي،قال: حج أبوجعفر عليه السلام فلما نزل زبالة [7] فاذا هو بامرأة ضعيفة تبكي علي بقرة مطروحة علي قارعة الطريق، فسألها عن علة بكائها فقامت المرأة الي أبي جعفر عليه السلام و قالت: يابن رسول الله؛ اني امرأة ضعيفة لا أقدر علي شي ء، و كانت هذه البقره كل مال أملكه.

فقال لها أبوجعفر عليه السلام: «ان أحياها الله تبارك و تعالي لك فما تفعلين؟».

قالت: يابن رسول الله لأجددن لله شكرا.

فصلي أبوجعفر ركعتين و دعا بدعوات ثم ركض برجله البقرة، فقامت البقرة، و صاحت المرأة: عيسي بن مريم. فقال أبوجعفر عليه السلام: «لا تقولي هذا، بل عباد مكرمون، أوصياء الأنبياء». [8] .



[ صفحه 153]



و روي عن أبي هاشم قال: و دخلت معه يوما بستانا فقلت له: جعلت فداك اني مولع بأكل الطين فادع الله لي، فسكت. ثم قال لي بعد أيام ابتداء منه: «يا أباهاشم قد أذهب الله عنك أكل الطين».

قال أبوهاشم: فما من شي ء أبغض الي منه اليوم. [9] .

و أورد ابن شهر آشوب في مناقبه في باب معجزاته عليه السلام، قوله:

أبوسلمة قال: دخلت علي أبي جعفر عليه السلام و كان بي صمم شديد، فخبر بذلك لما أن دخلت عليه، فدعاني اليه فمسح يده علي أذني و رأسي، ثم قال: «اسمع وعه».

فوالله اني لأسمع الشي ء الخفي عن أسماع الناس من بعد دعوته.

و من دعواته المستجابة و التي يتناقلها مؤرخو سيرة امامنا الجواد عليه السلام؛ ما دعي به علي زوجته أم الفضل بنت المأمون لما علم بأنها قد دست اليه السم، فقال لها: ليضربنك الله بفقر لا يجبر و بلاء لا يستر، فبليت بعلة في أغمض مواضع بدنها.



[ صفحه 154]



فكانت تكشف عورتها للأطباء فينظرون اليها، و يصفون لها الدواء فلا ينفعها، فأنفقت ما لها و جميع ما تملك علي ذلك المرض، حتي احتاجت الي الاسترفاد. [10] .

و من مجاب دعوته أيضا عن محمد بن سنان ما نقله ابن شهر آشوب في مناقبه فقال:

و قال ابن سنان: دخلت علي أبي الحسن ]الهادي[ عليه السلام فقال: «يا محمد حدث بآل فرج حدث»

فقلت: مات عمر. [11] .

فقال: «الحمد لله علي ذلك» - أحصيت له أربعا و عشرين مرة - ثم قال: «أفلا تدري ما قال لعنه الله لمحمد بن علي أبي؟».

قال: قلت: لا.

قال: «خاطبه في شي ء قال أظنك سكرانا، فقال أبي: اللهم ان كنت تعلم أني أمسيت لك صائما فأذقه طعم الخرب و ذل الأسر. فوالله ما أن ذهبت الأيام حتي خرب ما له و ما كان له، ثم أخذ أسيرا فهو ذا مات». [12] .

قال محمد بن عمر الكشي في رجاله: وجدت بخط جبرئيل بن أحمد، حدثني محمد بن عبدالله بن مهران، قال: أخبرني عبدالله بن عامر، عن شاذويه ابن الحسين بن داود القمي، قال: دخلت علي أبي جعفر عليه السلام و بأهلي حبل، فقلت: جعلت فداك ادع لله أن يرزقني ولدا ذكرا. فأطرق مليا ثم رفع رأسه فقال:



[ صفحه 155]



«اذهب فان الله يرزقك غلاما ذكرا» [13] ثلاث مرات.

قال: فقدمت مكة، فصرت الي المسجد، فأتي محمد بن الحسن بن صباح برسالة من جماعة من أصحابنا، منهم صفوان بن يحيي، و محمد بن سنان، و ابن أبي عمير و غيرهم، فأتيتهم. فسألوني فخبرتهم بما قال، فقالوا لي: فهمت عنه ذكي أو زكي؟ فقلت: ذكي قد فهمته.

قال ابن سنان: أما أنت سترزق ولدا ذكرا أما أنه يموت علي المكان أو يكون ميتا.

فقال أصحابنا لمحمد بن سنان: أسأت، قد علمنا الذي علمت. فأتي غلام في المسجد، فقال: أدرك فقد مات أهلك. فذهبت مسرعا فوجدتها علي شرف الموت، ثم لم تلبث أن ولدت غلاما ميتا. [14] .

و أورد أبوجعفر المشهدي في كتابه الثاقب في المناقب، عن العباس بن السندي الهمداني، عن بكير، قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام ان ابنة عمي تشتكي من ريح.

فقال: «ائتني بها». فأتيته فدخلت عليه، فقال لها: «ما تشتكين».

قالت: ركبتي جعلت فداك.

فمسح يده علي ركبتها من وراء الثياب، و تكلم بكلام، فخرجت و لم تجد من الوجع شيئا. [15] .



[ صفحه 156]




پاورقي

[1] غافر: 60.

[2] البقرة: 186.

[3] الثاقب في المناقب: ص 524، الأنوار البهية: ص 212.

[4] و قيل: عمر، و قيل: عمران.

[5] البهق بياض في الجسم من غير البرص. و في بعض المصادر: البهر و هو انقطاع النفس من شدة السعي و الاعياء.

[6] الثاقب في المناقب: ص 525، و راجع كشف الغمة / الاربلي 3: 157.

[7] زبالة: منزل معروف بطريق مكة من الكوفة، و هي قرية عامرة بها أسواق بين واقصة و الثعلبية. و معجم البلدان: 3 / 129. و الظاهر أنه عليه السلام مر بهذا الموضع في حجته التي خرج بها من بغداد بعد عقد قرانه بأم الفضل. فأبي ابن الرسالة أن تنحصر كرامته بتلك النبقة في المسجد يوم و افاها عند الغروب فأينعت و أثمرت ببركة وضوئه عند ساقها اليابس. و يبدو أن كراماته و بركاته كانت تسير معه في حله و ترحاله علي طول الطريق.

[8] الثاقب في المناقب: ص 503 ح 431، و عنه البحراني في مدينة المعاجز: 7 / 392 ح 2398.

أقول: الراوي أحمد بن محمد، أبوبكر الحضرمي علمت أنه لم يذكره غير البرقي في رجاله، وعده من أصحاب الامام الباقر عليه السلام.

و المعروف أن أبابكر الحضرمي هو عبدالله بن محمد الكوفي، الذي يعد من أصحاب الأصول التي اعتمد عليها الشيخ الصدوق في تأليف من لا يحضره الفقيه، و هو تابعي عد في أصحاب الامامين الباقر و الصادق عليهماالسلام. ذكره الكشي في رجاله: 416 ح 790 - 788 و أورد مناظرته مع زيد بن علي رضي الله عنه الذي لم يجبه بشي ء.

و أما أحمد بن محمد الذي في هذه الرواية، و التي لم أجدها في غير الثاقب في المناقب لأبي جعفر المشهدي المعروف بابن حمزة، و عنه نقلها السيد هاشم البحراني في مدينة المعاجز. ان لم يكن الاسم مصحفا، و صح أنه أحمد بن محمد، و هو غير الأول، فهو أيضا معدود من أصحاب الامام الباقر عليه السلام.

و عليه فالرواية في المصدرين المذكورين في غير محلها، و ذكرناها نحن هنا في موضعها للتنويه، و الاشارة بما يقتضيه المقام. و راجع الكني و الألقاب: 1 / 21، معجم رجال الحديث: 2 / 331 رقم 935.

[9] كشف الغمة / الاربلي: 3 / 151، اعلام الوري / الطبرسي: ص 349.

[10] القطرة / السيد المستنبط: 2 / 332، و غيره من المصادر.

[11] هو عمر بن الفرج الرخجي، و كان شديد الوطأة علي آل البيت عليهم السلام و شيعتهم مرت ترجمته في أوائل باب شذرات من أخباره عليه السلام.

[12] مناقب آل أبي طالب / ابن شهر آشوب: 4 / 397.

[13] لا يكون وصف الغلام بالذكورة، فهو عندما يقول (غلاما) يعني به مولودا ذكرا، و الظاهر أن الصحيح: غلاما زكيا أو ذكيا، فصحفت الكلمة الي (ذكرا). و يؤيده استفسارهم في الجملة التالية بأنه: ذكي أو زكي.

و قد فسرها محمد بن سنان علي أنها من التذكية - كناية عن الموت - و ليس من الذكاء الذي هو الفطنة و الفهم، و لذا أخبره بأنه يأتي ميتا أو يموت نور ولادته.

[14] اختيار معرفة الرجال المعروف برجال الكشي: ص 581 ح 1090.

[15] الثاقب في المناقب: ص 521.