بازگشت

شذرات من أخباره


ثم ان أباجعفر الثاني عليه السلام علي رغم قصر سني عمره، اذ رحل و هو في منتصف العقد الثالث من عمره الشريف، و رغم تضارب بعض الأخبار في بعض جوانب حياته، و غموض البعض الآخر، الا أن حياته الشريفة حافلة بالأحداث و المواقف، و لو أردنا استقصاء مختلف جوانب حياته السياسية و الدينية و الاجتماعية، و دراستها و تحليلها لاحتجنا الي جهد استثنائي، و وقت طويل، و مجلد ضخم، قد لا نستطيع أن نتوفر علي ذلك، ثم لا نبلغ مداه، و نحن علي وفاز من أمرنا، لذا رأينا أن نلتقط الأخبار و الروايات التي نتمكن من خلالها تكوين صورة متكاملة لسيرة الامام الهمام جواد الأئمة عليه السلام، و كلهم جود و كرم و عطاء، دون الاخلال في جانب من جوانبها.



[ صفحه 128]



روي الكليني بسنده عن علي بن أسباط، قال: رأيت أباجعفر عليه السلام و قد خرج علي، فأخذت النظر اليه، و جعلت أنظر الي رأسه و رجليه؛ لأصف قامته لأصحابنا بمصر، فبينا أنا كذلك حتي قعد. فقال: «يا علي ان الله احتج في الامامة بمثل ما احتج به في النبوة، فقال: (و آتيناه الحكم صبيا) [1] و (و لما بلغ أشده) [2] (و بلغ أربعين سنة) [3] ، فقد يجوز أن يؤتي الحكمة، و هو صبي، و يجوز أن يؤتاها و هو ابن أربعين سنة». [4] .

و عنه أيضا عن علي بن ابراهيم [5] عن أبيه، قال: قال علي بن حسان لأبي جعفر عليه السلام: يا سيدي ان الناس ينكرون عليك حداثة سنك.

فقال: «و ما ينكرون من ذلك!! قول الله عزوجل؟ لقد قال الله عزوجل لنبيه صلي الله عليه و آله و سلم: (قل هذه سبيلي أدعو الي الله علي بصيرة أنا و من اتبعني) [6] فو الله ما تبعه الا علي عليه السلام و له تسع سنين و أنا ابن تسع سنين». [7] .

و جاء عن عبدالعظيم الحسني أنه قال: قلت لمحمد بن علي عليه السلام: يا مولاي اني لأرجو أن تكون القائم من آل بيت محمد الذي يملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت ظلما و جورا.



[ صفحه 129]



فقال عليه السلام: «ما منا الا قائم بأمر الله و هاد الي دين الله، و لكن القائم الذي يطهر الله به الأرض من أهل الكفر و الجحود و يملأ الأرض قسطا و عدلا هو الذي تخفي علي الناس ولادته و يغيب عنهم شخصه، و هو الذي تطوي له الأرض و يذل له كل صعب، يجتمع اليه من أصحابه عدة أهل بدر ثلثمائة و ثلاثة عشر رجلا من أقاصي الأرض، و ذلك قول الله تعالي: (أين ما تكونوا يأت بكم الله جميعا ان الله علي كل شي ء قدير) [8] ، فاذا اجتمعت له هذه العدة من أهل الاخلاص أظهر الله أمره، و اذا كمل له العقد و هو عشرة آلاف رجل خرج باذن الله، فلا يزال يقتل أعداء الله حتي يرضي الله».

و نقل في مدينة المعاجز عن عيون المعجزات، ان عمر بن فرج الرخجي [9] قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: ان شيعتك تدعي أنك تعلم كل ماء في دجلة وزنه، و كنا علي شاطئ دجلة.

فقال عليه السلام لي: «يقدر الله تعالي أن يفوض علم ذلك الي بعوضة من خلقه أم لا؟».

قلت: نعم، يقدر.

قال: «أنا أكرم علي الله تعالي من بعوضة و من أكثر خلقه».

و نقلا عن الراوندي، قال الشيخ علي بن عيسي الاربلي [10] عن علي بن



[ صفحه 130]



جرير قال: كنت عند أبي جعفر عليه السلام جالسا و قد ذهبت شاة لمولاه، فأخذوا بعض الجيران يجرونهم اليه يقولون: أنتم سرقتم الشاة.

فقال لهم أبوجعفر: «ويلكم خلوا عن جيراننا فلم يسرقوا شاتكم، الشاة في دار فلان، فأخرجوها من داره».

فخرجوا فوجدوها في داره، فأخذوا الرجل و ضربوه و خرقوا ثيابه و هو يحلف أنه لم يسرق هذه الشاة، الي أن صاروا به الي أبي جعفر عليه السلام، فقال: «و يحكم ظلمتم الرجل، فان الشاة دخلت داره و هو لا يعلم»، ثم دعاه فوهب له شيئا بدل ما خرق من ثيابه و ضربه.

و عن الطبرسي باسناده، قال: قال محمد بن علي الجواد عليه السلام: «من تكفل بأيتام آل محمد، المنقطعين عن امامهم؛ المتحيرين في جهلهم؛ الأساري في أيدي شياطينهم، و في أيدي النواصب من أعدائنا، فاستنقذهم منهم، و أخرجهم من حيرتهم، و قهر الشياطين برد وساوسهم، و قهر الناصبين بحجج ربهم، و دلائل أئمتهم؛ ليحفظوا عهد الله علي العباد بأفضل الموانع، بأكثر من فضل السماء علي الأرض، و العرش و الكرسي و الحجب علي السماء، و فضلهم علي العباد كفضل القمر ليلة البدر علي أخفي كوكب في السماء» [11] .

و جاء في كشف الغمة للاربلي: 3 / 153، عن دعبل بن علي أنه دخل علي الرضا عليه السلام فأمر له بشي ء فأخذه و لم يحمد الله، فقال له الامام: «لم لم تحمد الله؟».

قال: ثم دخلت بعده علي أبي جعفر عليه السلام، فأمر لي بشي ء، فقلت: الحمد لله.

فقال: «تأدبت!».



[ صفحه 131]



و أما ما جاء في منتهي الآمال للمحدث الشيخ عباس القمي: 2 / 536 من أن الشيخ الكليني في الجزء الأول من الكافي، في باب مولد أبي جعفر الثاني عليه السلام و غيره رووا عن علي بن ابراهيم عن أبيه أنه قال: استأذن علي أبي جعفر عليه السلام قوم من أهل النواحي من الشيعة فأذن لهم، فدخلوا فسألوه في مجلس واحد عن ثلاثين ألف مسألة فأجاب عليه السلام و له عشر سنين. [12] .

و هنا يعلق المحقق القمي علي هذه الرواية بعد نقلها له فيقول:

من الممكن أنهم سألوه بشكل جماعي من دون مراعات اتمام أسئلة الآخرين، و أجاب الامام عليه السلام عن أكثرها ب (لا) و (نعم)، و يحتمل أن الامام بما أنه محيط بقلوبهم و ضمائرهم، كان يجيب عن أسئلتهم بمجرد الشروع في السؤال، كما روي أن رجلا جاء اليه عليه السلام فقال: يا سيدي جعلت فداك، فقال عليه السلام: لا تقصر.

فسئل عليه السلام عما قاله، قال: فانه قام يسألني عن الملاح، يقصر في السفينة؟ قلت: لا...

و ذكر العلامة المجلسي رحمه الله وجوها أخر لرفع استبعاد هذا الحديث لم يسع المقام ذكرها، و الله العالم. انتهي كلام المحقق القمي.

أقول: و مع ذلك تبقي الاحتمالات المذكورة لا تفي في توجيه الرقم المذكور. و قد نقل المجلسي في البحار [13] وجوها سبعة لدفع الاشكال الوارد علي الرواية، و رجح ثالثها، واعتبره أقربها في توجيه الخبر، فقال:

(بيان: قوله: عن ثلاثين ألف مسألة، أقول: يشكل هذا بأنه لو كان السؤال



[ صفحه 132]



و الجواب عن كل مسألة بيتا واحدا، أعني خمسين حرفا؛ لكان أكثر من ثلاث ختمات للقرآن، فكيف يمكن ذلك في مجلس واحد، و لو قيل: جوابه عليه السلام كان في الأكثر بلا و نعم، أو بالاعجاز في أسرع زمان، ففي السؤال لا يمكن ذلك، و يمكن الجواب بوجوده:

الأول: أن الكلام محمول علي المبالغة في كثرة، الأسئلة و الأجوبة، فان عد مثل ذلك مستبعد جدا.

الثاني: يمكن أن يكون في خواطر القوم أسئلة كثيرة متفقة، فلما أجاب عليه السلام عن واحد، فقد أجاب عن الجميع.

الثالت: أن يكون اشارة الي كثرة ما يستنبط من كلماته الموجزة المشتملة علي الأحكام الكثيرة، و هذا وجه قريب.

الرابع: أن يكون المراد بوحدة المجلس، الوحدة النوعية أو مكان واحد، كمني و ان كان في أيام متعددة.

الخامس: أن يكون مبنيا علي بسط الزمان الذي تقول به الصوفية! لكنه ظاهرا من قبيل الخرافات.

السادس: أن يكون اعجازه عليه السلام أثر في سرعة كلام القوم أيضا أو كان يجيبهم بما يعلم من ضمائرهم قبل سؤالهم.

السابع: ما قيل أن المراد السؤال بعرض المكتوبات و الطومارات، فوقع الجواب بخرق العادة).

أقول: يبقي لدينا توجيهان لرفع الاشكال عن الرواية:

الأول: و هو أن نلتمس وجها يجعل عدد المسائل مقبولا عقلا كالثلاثين مثلا، و نحتمل أن الألف زيادة من النساخ أو قد يكون العدد ثلاثة آلاف، و صحفت الي ثلاثين ألفا، و هو مع ذلك رقم مقبول عقلا و يمكن الاجابة عن مثل



[ صفحه 133]



هذا العدد من المسائل في مجلس واحد قد يستمر لعدة ساعات.

و مع التوجيه بالشطر الأول تبقي (الثلاثون) مسألة عددا لا يستهان به بالنسبة الي عمر الامام عليه السلام، خاصة اذا كانت من مشكلات المسائل و غوامضها، و هي كذلك؛ لأن المسائل الواضحة و البسيطة لا تحمل من الأطراف، أي من أماكن متعددة كالكوفة و بغداد و غيرها الي المدينة المنورة و سؤال الامام عنها، و استحصال جوابها أو لاختباره بها، و التأكد من كونه هو الامام فيما لو أجاب عنها، هذا أولا.

و ثانيا: أن الحاملين لها علماء و فقهاء تلك النواحي التي قدموا منها، و هم بالطبع لا يسألون الا عن مشكلات المسائل. كما أن العدد يبقي كبيرا نسبيا أيضا لمثل السن التي كان عليها الامام الجواد عليه السلام، و هي العاشرة أو دونها.

الثاني: أن مجلس السؤال قد استمر انعقاده لعدة أيام، استوفت ذلك العدد من المسائل، و لا شي ء في ذلك، و هو الوجه الرابع الذي أجاب به العلامة المجلسي. و لسان الرواية لا يوحي بهذا التقريب.

و أخيرا فان لدينا رواية أخري ذكرناها في بداية هذا الفصل تحت عنوان لقاء الوفود و هي رواية عام خروج الجماعة أي الشيعة، للتعرف علي الامام بعد الرضا عليه السلام و للقاء أبي جعفر عليه السلام و التثبت من كونه هو الامام بعد أبيه. و يحتمل أن هذه الرواية هي نفس تلك الرواية؛ ذلك لأن الرواية الأولي - رواية عام خروج الجماعة - نفسها أوردها أيضا المحدث القمي في كتابه الأنوار البهية نقلا عن كتاب الاختصاص للشيخ المفيد - و ذكرناها نحن في الفصل الخامس أيضا في مكانة الامام العلمية - مع اختلاف يسير في الألفاظ، ثم جعل من الرواية الثانية ذات الثلاثين ألف مسألة ذيلا لها، و الحال أن ليس في الرواية المنقولة عن عيون المعجزات أو تلك المنقولة عن الاختصاص غير سؤالين فقط طرحا علي



[ صفحه 134]



الامام عليه السلام فأجاب عنهما، و فرح القوم بذلك حسب لسانه الرواية. فهل أن الراوي لم يحفظ غير هذين السؤالين؟ أم أنه - نظرا لكثرة الأسئلة المطروحة - تخيل أن العدد قد يصل الي ذلك المقدار الهائل؟ و من ذاك الذي كانت وظيفته العد و الاحصاء في ذلك المجلس؟! أم...؟ أم...؟! الي كثير من الاثارات التي يمكن أن تطرح حول الموضوع، و تحتاج الي جواب.

فالرواية من حيث المبدأ واقعة، و لا شي ء في ذلك، و هي حسنة كالصحيحة [14] ؛ لكن يبقي عدد المسائل المطروحة في ذلك المجلس محل تأمل! و مع ذلك يبقي تساؤل يثار هو، أين تلك المسائل؟ و ما هي؟!

جاء في مناقب ابن شهر آشوب أن ابن الهمداني الفقيه في تتمة تاريخ أبي شجاع الوزير في ذيله علي تجارب الأمم لمسكويه، قال: لما حرقوا القبور بمقابر قريش جادلوا حفر ضريح أبي جعفر محمد بن علي و اخراج رمته، و تحويلها الي مقابر أحمد، فحال تراب الهدم وزناد ]ورماد[ الحريق بينهم و بين معرفة قبره. [15] .

و في البحار عن التهذيب لأبي جعفر الطوسي بسنده عن عبدوس بن ابراهيم قال: رأيت أباجعفر الثاني عليه السلام قد خرج من الحمام، و هو من قرنه الي قدمه مثل الورد، من أثر الحناء. [16] .

و روي في الكافي بسنده عن علي بن محمد العلوي قال: سألت أباجعفر عليه السلام عن آدم حيث حج، بما حلق رأسه؟



[ صفحه 135]



فقال ]عليه السلام[: «نزل جبرئيل عليه السلام بياقوتة من الجنة، فأمرها علي رأسه فتناثر شعره». [17] .

و فيه أيضا، عن علي بن مهزيار قال: رأيت أباجعفر عليه السلام يمشي بعد يوم النحر حتي يرمي الجمرة، ثم ينصرف راكبا. و كنت أراه ماشيا بعدما يحاذي المسجد بمني. [18] .

و عنه أيضا قال: رأيت أباجعفر الثاني عليه السلام في سنة خمس عشرة و مئتين، ودع البيت بعد ارتفاع الشمس، و طاف بالبيت، يستلم الركن اليماني في كل شوط، فلما كان في الشوط السابع استلمه، و استلم الحجر، و مسح بيده، ثم مسح وجهه بيده، ثم أتي المقام فصلي خلفه ركعتين، ثم خرج الي دبر الكعبة الي الملتزم فالتزم البيت، و كشف الثوب عن بطنه، ثم وقف عليه طويلا يدعو، ثم خرج من باب الحناطين.

قال ]علي بن مهزيار[: فرأيته سنة سبع عشرة و مئتين، ودع البيت ليلا، يستلم الركن اليماني و الحجر الأسود في كل شوط، فلما كان الشوط السابع التزم البيت في دبر الكعبة، قريبا من الركن اليماني، و فوق الحجر المستطيل، و كشف الثوب عن بطنه، ثم أتي الحجر فقبله و مسحه، و خرج الي المقام فصلي خلفه، ثم مضي و لم يعد الي البيت. [19] .



[ صفحه 136]



و كان وقوفه علي الملتزم بقدر ما طاف بعض أصحابنا سبعة أشواط، و بعضهم ثمانية. [20] .

و فيه عنه ]علي بن مهزيار[ أيضا قال: كتب رجل الي أبي جعفر عليه السلام يشكو اليه لمما [21] يخطر علي باله.

فأجابه - في بعض كلامه -: «ان الله عزوجل ان شاء ثبتك، فلا يجعل لابليس عليك طريقا...». [22] .

و ما زلنا في مرويات علي بن مهزيار، فلا بأس أن نورد هنا ما رواه الكشي في ترجمته، فعنه قال: سمعت أباجعفر عليه السلام يقول - و قد ذكر عنده أبوالخطاب [23] -: «لعن الله أبا الخطاب، و لعن أصحابه، و لعن الشاكين في لعنه، و لعن من وقف فيه، و شك فيه...».



[ صفحه 137]



فكما أنه عليه السلام لعن أبا الخطاب و أصحابه، فقد كان له موقف حاسم أيضا من الفرقة الواقفية، فقد روي الكشي بسنده عن محمد بن رجاء الحناط، عن محمد ابن علي الرضا عليه السلام أنه قال: «الواقفة حمير الشيعة»، ثم تلا هذه الآية: (ان هم الا كالأنعام بل هم أضل سبيلا). [24] .

و هناك رواية أخري ذكرناها في أول باب الصلاة، نهي فيها عليه السلام من الصلاة خلف من كان فطحيا أو واقفيا؛ لفساد عقائدهما، و لأن الصلاة لا تصح خلف فاسد العقيدة.

و جاء في الكافي للشيخ الكليني رحمه الله بسنده عن محمد بن اسماعيل الرازي، عن أبي جعفر الثاني عليه السلام، قال محمد: قلت له: ما تقول في الصوم، فانه روي أنهم لا يوفقون للصوم؟

فقال: «أما انه قد أجيبت دعوة الملك فيهم».

قال: فقلت: و كيف ذلك؟ جعلت فداك.

قال: «ان الناس لما قتلوا الحسين عليه السلام أمر الله تبارك و تعالي ملكا ينادي: أيتها الأمة الظالمة، القاتلة عترة نبيها، لا وفقكم الله لصوم و لا لفطر». [25] .

و فيه بسنده أيضا عن محمد بن أبي خالد، قال: قلت لأبي جعفر الثاني عليه السلام: جعلت فداك، ان مشايخنا رووا عن أبي عبدالله، و أبي جعفر - الباقر عليهماالسلام - و كانت التقية شديدة، فكتموا كتبهم، فلم ترو عنهم، فلما ماتوا صارت الكتب الينا.

فقال عليه السلام: «حدثوا بها، فانها حق ثابت». [26] .

و جاء في دلائل الامامة لمحمد بن جرير الطبري الامامي بسنده عن محمد



[ صفحه 138]



ابن الفرج بن عبدالله الرخجي قال: دعاني أبوجعفر محمد بن علي الجواد، و أعلمني أن قافلة قدمت، و فيها نخاس، معهم جوار، و دفع لي سبعين دينارا، و أمرني بابتياع جارية، وصفها لي، فمضيت فعملت بما أمرني، و كانت الجارية أم أبي الحسن الهادي عليه السلام.

و في الروضة من الكافي بسند ذكره عن محمد بن الوليد الكرماني قال: قلت لأبي جعفر الثاني عليه السلام: ما تقول في المسك؟

فقال: «ان أبي أمر ففعل له مسك في بان [27] بسبع مئة درهم. فكتب اليه الفضل بن سهل يخبره أن الناس يعيبون ذلك.

فكتب ]الرضا[ اليه: يا فضل، أما علمت أن يوسف عليه السلام و هو نبي، كان يلبس الديباج مزررا بالذهب، و يجلس علي كراسي الذهب، و لم ينقص ذلك من حكمته شيئا؟».

قال: ثم أمر فعملت له غالية [28] بأربعة آلاف درهم. [29] .

و الرواية أعلاه مع ما فيها من الزيادة في مقدمها و مؤخرها، يذكرها الفقيه و المحدث الشيخ سعيد بن هبة الله المشهور بقطب الدين الراوندي المتوفي سنة (573 ه) في الخرائج [30] فيقول: عن محمد بن الوليد الكرماني، قال: أتيت أباجعفر ابن الرضا عليهماالسلام فوجدت بالباب الذي في الفناء قوما كثيرا، فعدلت الي مسافر فجلست اليه حتي زالت الشمس، فقمنا للصلاة.



[ صفحه 139]



فلما صلينا الظهر وجدت حسا من ورائي، فالتفت، فاذا أبوجعفر عليه السلام فسرت اليه حتي قبلت يده، ثم جلس و سأل عن مقدمي، ثم قال: «سلم».

فقلت: جعلت فداك، قد سلمت.

فأعاد القول ثلاث مرات: «سلم!».

و قلت: ذاك ما قد كان في قلبي منه شي ء.

فتبسم و قال: «سلم» فتداركتها، و قلت: سلمت و رضيت يابن رسول الله. فأجلي الله ما كان في قلبي حتي لو جهدت و رمت لنفسي أن أعود الي الشك ما وصلت اليه.

فعدت من الغد باكرا، فارتفعت عن الباب الأول، و صرت قبل الخيل [31] ، و ما ورائي أحد أعلمه، و أنا أتوقع أن أجد السبيل الي الارشاد اليه، فلم أجد أحدا حتي اشتد الحر و الجوع جدا، حتي جعلت أشرب الماء اطفئ به حر ما أجد من الجوع و الخواء.

فبينما أنا كذلك اذ أقبل نحوي غلام قد حمل خوانا عليه طعام و ألوان، و غلام آخر عليه طست و ابريق، حتي وضع بين يدي، و قالا: أمرك أن تأكل، فأكلت.

فما فرغت حتي أقبل، فقمت اليه، فأمرني بالجلوس و بالأكل، فأكلت، فنظر الي الغلام فقال: «كل معه ينشط!» حتي اذا فرغت و رفع الخوان، ذهب الغلام ليرفع ما وقع من الخوان من فتات الطعام، فقال: «مه، مه، ما كان في الصحراء فدعه، و لو فخذ شاة، و ما كان في البيت فألقطه»، ثم قال: «سل».

قلت: جعلني الله فداك ما تقول في المسك؟



[ صفحه 140]



فقال: «ان أبي أمر أن يعمل له مسك في بان، فكتب اليه الفضل يخبره أن الناس يعيبون ذلك عليه.

فكتب: يا فضل أما علمت أن يوسف كان يلبس ديباجا مزرورا بالذهب [32] ، و يجلس علي كراسي الذهب، فلم ينقص من حكمته شيئا، و كذلك سليمان».

ثم أمر أن يعمل له غالية بأربعة آلاف درهم.

ثم قلت: ما لمواليكم في موالاتكم؟

فقال: «ان أباعبدالله عليه السلام كان عنده غلام يمسك بغلته اذا هو دخل المسجد فبينما هو جالس و معه بغلة اذا أقبلت رفقة من خراسان، فقال له رجل من الرفقة: هل لك يا غلام أن تسأله أن يجعلني مكانك، و أكون له مملوكا، و أجعل لك مالي كله؟ فاني كثير المال من جميع الصنوف، اذهب فاقبضه، و أنا اقيم معه مكانك.

فقال: أسأله ذلك.

فدخل علي أبي عبدالله عليه السلام فقال: جعلت فداك تعرف خدمتي، و طول صحبتي، فان ساق الله الي خيرا تمنعنيه؟

قال: اعطيك من عندي، و أمنعك من غيري!

فحكي له قول الرجل.

فقال: ان زهدت في خدمتنا، و رغب الرجل فينا قبلناه، و أرسلناك.

فلما ولي عنه دعاه، فقال له: أنصحك لطول الصحبة، و لك الخيار، اذ كان يوم القيامة كان رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم متعلقا بنور الله، و كان أميرالمؤمنين عليه السلام متعلقا بنور رسول الله، و كان الأئمة متعلقين بأمير المؤمنين، و كان شيعتنا متعلقين بنا يدخلون مدخلنا، و يردون موردنا.



[ صفحه 141]



فقال له الغلام: بل أقيم في خدمتك و اؤثر الآخرة علي الدنيا.

فخرج الغلام الي الرجل، فقال له الرجل: خرجت الي بغير الوجه الذي دخلت به! فحكي له قوله، و أدخله علي أبي عبدالله عليه السلام، فقبل ولاءه و أمر للغلام بألف دينار، ثم قام اليه فودعه، سأله أن يدعو له، ففعل».

فقلت ]و القول لمحمد بن الوليد الكرماني[: يا سيدي لولا عيال بمكة و ولدي، سرني أن أطيل المقام بهذا الباب.

فأذن لي، و قال: «توافق غما».

ثم وضعت بين يديه حقا [33] كان له، فأمرني أن أحملها، فتأبيت، و ظننت أن



[ صفحه 142]



ذلك موجدة، فضحك الي و قال: «خذها اليك، فانك توافق حاجة»، فجئت و قد ذهبت نفقتنا - شطر منها - فاحتجت اليه ساعة قدمت مكة.

و قال أبوالعباس أحمد بن خلكان في وفيات الأعيان: قال جعفر بن محمد ابن مزيد [34] : كنت ببغداد فقال لي محمد بن منده بن مهريزد [35] : هل لك أن أدخلك علي ابن الرضا؟

قلت: نعم.

قال: فأدخلني، فسلمنا عليه و جلسنا، فقال له: حديث النبي صلي الله عليه و آله و سلم: «ان فاطمة أحصنت فرجها فحرم الله ذريتها علي النار؟»

قال: «خاص للحسن و الحسين». [36] .


پاورقي

[1] مريم: 12.

[2] يوسف: 22، القصص: 14.

[3] الأحقاف: 15.

[4] أصول الكافي: 1 / 384 ح 7 و 8.

[5] هو أبوالحسن علي بن ابراهيم بن هاشم القمي صاحب التفسير المعروف ب (تفسير القمي) أصله كوفي، و هو أول من نشر حديث الكوفيين في قم، و قد لقي الامام الرضا عليه السلام. توفي سنة (217 ه). راجع تفسيره: 1 / 358. و فيه ترجمته المفصلة و مؤلفاته.

[6] يوسف: 108.

[7] أصول الكافي: 1 / 384 ح 7 و 8.

[8] البقرة: 148.

[9] نسبة الي الرخج. كورة و مدينة من نواحي كابل. و هو عمر بن الفرج الرخجي الذي استعمله المتوكل علي مكة و المدينة، فمنع آل أبي طالب من الاتصال بالناس، و منع الناس من البر بهم، و كان لا يبلغه أن أحدا أبر أحدا منهم بشي ء و ان قل الا أنهكه عقوبة، و أثقله غرما. حتي أوصل حالة العلويين أن كان القميص أو الازار يكون بين مجموعة من العلويات يصلين فيه واحدة بعد واحدة.

[10] كشف الغمة: 3 / 157.

[11] الاحتجاج: 1 / 9.

[12] أصول الكافي: 1 / 496 ح 7.

[13] بحارالأنوار: 50 / 93.

[14] مرآة العقول: 6 / 104 ح 7 باب مولد أبي جعفر الثاني.

[15] مناقب آل أبي طالب: 4 / 397. و ذكرنا ذلك في الفصل التاسع في الوقائع و الحوادث التي جرت علي القبر الشريف، و ذلك سنة 443 ه.

[16] بحارالأنوار: 50 / 95.

[17] الفروع من الكافي: 4 / 195.

[18] المصدر السابق: ص 486.

[19] اذا كان مقصوده أن هذا كان آخر عهده بالبيت الحرام، فهي آخر حجة له عليه السلام و كانت سنة (219). فالتصحيف بين السبع و التسع وارد جدا، و هو كثير الحدوث كتابة خاصة مع عدم التنقيط.

[20] الفروع من الكافي: 4 / 532.

[21] اللمم: الوساوس و الأفكار التي تخطر بالقلب بشأن الخالق تعالي.

[22] أصول الكافي: 2 / 425.

[23] أبوالخطاب هو محمد بن أبي زينب مقلاص الأسدي الكوفي الأجدع، كان أول أمره من أصحاب الامام الصادق عليه السلام، ثم انحرف انحرافا شديدا، و فسدت عقيدته، و أخذ ينسج الأفائك و ينسبها الي الامام الصادق عليه السلام. فكان يزعم أن الصلاة و الصيام مثلا، و الفواحش و الزنا و الخمر و غيرها انما هي أسماء رجال، فالآيات القرآنية الآمرة بها و الناهية عنها ناظرة الي الأمر بمحبة أولئك الرجال أو النهي عن محبتهم فقط. و من مدعياته أيضا: أن قوله تعالي (و هو الذي في السماء اله و في الأرض اله) - الزخرف: 84، المقصود به هو الامام.

و أظهر هو و أصحابه الكثير من البدع و الاباحات، حتي دعوا الناس الي نبوة أبي الخطاب، فبعث اليهم و الي المدينة جيشا، فقاتلوهم حتي أبادوهم، و ما نجا منهم الا رجل واحد.

و كان الصادق و الأئمة من بعده عليهم السلام يلعنون أبا الخطاب و أصحابه أشد اللعن؛ لأن بعضا من آرائه و بدعه بقيت يحملها البعض الي زمان الغيبة الصغري، و لهذا خرج التوقيع من الامام المهدي عليه السلام بلعنه و أصحابه، و البراءة منهم، و عدم مجالسة أهل مقالتهم.

[24] الفرقان: 44.

[25] الفروع من الكافي: 4 / 169.

[26] أصول الكافي: 1 / 53.

[27] البان: شجر معتدل القوام، طويل، موطنه المناطق القطبية الآسيوية. و رقه لين كورق الصفصاف. يؤخذ من حب ثمره دهن طيب الرائحة.

[28] الغالية: نوع من الطيب مر وصفه.

[29] الفروع من الكافي: 6 / 516.

[30] الخرائج و الجرائح: 1 / 388.

[31] تستعمل مجازا للفرسان، و لراكبي الخيول.

[32] أي أزراره من ذهب.

[33] في هامش تحقيق الخرائج ذكره بضم الحاء، و قال: وعاء صغير ذو غطاء يتخذ من عاج أو زجاج أو غيرهما، و كذلك فعل في بحارالأنوار: 50 / 89.

أقول: ان هذا لا ينسجم مع ذيل الرواية.. فما فائدة الحق الصغير في سد حاجة من ذهبت نفقته أو قسم منها، و يريد العودة الي بلده، الا أن يبيع ذلك الوعاء الصغير، و بكم يبيعه؟! ثم ما وجه المناسبة في أن يكون وعاء الامام عند هذا الكرماني الذي قدم المدينة المنورة لزيارة قبر النبي صلي الله عليه و آله و سلم، والسلام علي الامام، و أداء بعض الامور الواجبة عليه؟

فالظاهر أن الراوي كان يحمل أموالا، و هي حقوق شرعية مختصة بالامام عليه السلام كما عبر عنها: (حقا - بالفتح - كان له)، و لهذا أمره الامام أن يأخذها لما علم من ذهاب نفقته، و هو أحسن وجه رآه الامام عليه السلام في صرف تلك الأموال.

و تعبير الامام عليه السلام عنها ب (خذها) بالتأنيث، جاء بلحاظ كونها أموالا أو دراهم أو دنانير أو ثياب و غيرها. و أما تعبير الراوي عنها بالتأنيث مرة، و التذكير بأخري، انما جاء بلحاظ كونها دراهم أو أموالا مرة، و بلحاظ أنه مال ثانيا. و قد احتاج اليه لسد نفقات سفره أو لتأمين احتياجات عياله بعد ما سرق.

هذا استدلالنا المنطقي علي ما قيل من أنه (حق).

و لدينا رواية تأتي في باب التوسم و الفراسة أوردها أبوجعفر المشهدي في كتابه الثاقب في المناقب رواها بسنده عن محمد بن القاسم عن أبيه يمكن الاستئناس بها و اعتبارها دليلا آخر علي ما ذكرنا؛ لأنها صرحت بأن الرجل وضع بين يدي الامام كذا و كذا دينارا. كما أنها تلتقي في أكثر من جانب مع هذه الرواية، و لا يبعد أن تكون هي نفسها و قد رويت بصيغة أخري، و لو أن القادم فيها علي أبي جعفر عليه السلام بالمدينة، رجل خراساني و هذا الذي في هذه الرواية كرماني، الا ان هناك عددا من المشتركات بين الروايتين كما تلاحظ.

[34] في تاريخ بغداد: يزيد.

[35] في تاريخ بغداد: محمد بن منذر بن مهزبر.

[36] تاريخ بغداد: 3 / 54، وفيات الأعيان: 4 / 175، الوافي بالوفيات: 4 / 106.