بازگشت

احداث الزواج


قال الشيخ المفيد رحمه الله: و كان المأمون قد شغف بأبي جعفر عليه السلام لما رأي من فضله مع صغر سنه، و بلوغه في العلم و الحكمة و الأدب و كمال العقل ما لم يساوه فيه أحد من مشائخ أهل الزمان، فزوجه ابنته أم الفضل، و حملها الي المدينة و كان متوفرا علي اكرامه و تعظيمه و اجلال قدره. [1] .

و قال السيد محسن الأمين في خبر زواجه عليه السلام من أم الفضل في كتابه أعيان الشيعة لدي ترجمته للامام الجواد عليه السلام ما نصه: روي ذلك المفيد في الارشاد عن الحسن بن محمد بن سليمان، عن علي بن ابراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن الريان ابن شبيب، و رواه الحسن بن علي بن شعبة الحلبي في تحف العقول مرسلا، و بين الروايتين بعض التفاوت، و نحن نذكره منتزعا منهما.

قال الشيخ المفيد: لما أراد المأمون أن يزوج ابنته أم الفضل أباجعفر محمد ابن علي عليهماالسلام بلغ ذلك العباسيين فغلظ عليهم و استكبروه، و خافوا أن ينتهي الأمر معه الي ما انتهي اليه مع الرضا عليه السلام فخاضوا في ذلك، و اجتمع اليه منهم أهل بيته الأدنون منه فقالوا له: ننشدك الله يا أميرالمؤمنين أن تقيم علي هذا الأمر الذي قد عزمت عليه، من تزويج ابن الرضا، فانا نخاف أن تخرج به عنا أمرا قد ملكناه



[ صفحه 112]



الله، و تنزع منا عزا قد ألبسناه الله، فقد عرفت ما بيننا و بين هؤلاء القوم آل علي قديما و حديثا، و ما كان عليه الخلفاء الراشدون قبلك من تبعيدهم و التصغير بهم، و قد كنا في وهلة من عملك مع الرضا ما عملت، حتي كفانا الله المهم من ذلك، فالله الله أن تردنا الي غم قد انحسر عنا، و اصرف رأيك عن ابن الرضا، و اعدل الي من تراه من أهل بيتك يصلح لذلك دون غيرهم.

فقال لهم المأمون: أما ما بينكم و بين آل أبي طالب فأنتم السبب فيه، و لو أنصفتم القوم لكانوا أولي بكم، و أما ما كان يفعله من قبلي بهم فقد كانوا به قاطعا للرحم، و أعوذ بالله من ذلك. و والله ما ندمت علي ما كان مني من استخلاف الرضا، و لقد سألته أن يقوم بالأمر و أنزعه عن نفسي فأبي، و كان أمر الله قدرا مقدورا. و أما أبوجعفر محمد بن علي فوالله لا قبلت من واحد منكم في أمره شيئا، فقد اخترته لتبريزه علي كافة أهل الفضل في العلم و الفضل مع صغر سنه، و الأعجوبة فيه بذلك، و أنا أرجو أن يظهر للناس ما قد عرفته منه، فيعلموا أن الرأي ما رأيت فيه.

فقالوا: يا أميرالمؤمنين أتزوج ابنتك و قرة عينك صبيا لم يتفقه في دين الله، و لا يعرف حلاله من حرامه، و لا فرضا من سنته؟ ان هذا الفتي و ان راقك منه هديه، فانه صبي لا معرفة له و لا فقه، فأمهله ليتأدب، و يقرأ القرآن، و يتفقه في الدين، و يعرف الحلال من الحرام، ثم اصنع ما تراه بعد ذلك.

فقال لهم المأمون: و يحكم! اني أعرف بهذا الفتي منكم، و انه لأفقه منكم، و أعلم بالله و رسوله و سنته و أحكامه، و أقرأ لكتاب الله منكم، و أعلم بمحكمه و متشابهه، و ناسخه و منسوخه، و ظاهره و باطنه، و خاصه و عامه، و تنزيله و تأويله منكم، ]و ان هذا من أهل بيت علمهم من الله و مواده و الهامه، لم يزل آباؤه أغنياء في علم الدين و الأدب عن الرعايا الناقصة عن حد الكمال[، فان



[ صفحه 113]



شئتم فامتحنوا أباجعفر، فان كان الأمر كما وصفتم قبلت منكم، و ان كان الأمر علي ما وصفت علمت أن الرجل خلف منكم.

قالوا له: قد رضينا لك يا أميرالمؤمنين و لأنفسنا بامتحانه، فخل بيننا و بينه لننصب من يسأله بحضرتك عن شي ء من فقه الشريعة، فان أصاب الجواب عنه لم يكن لنا اعتراض في أمره، و ظهر للخاصة و العامة سديد رأي أميرالمؤمنين، و ان عجز عن ذلك فقد كفينا الخطب في معناه.

فقال لهم المأمون: شأنكم و ذاك متي أردتم، فخرجوا من عنده و اجتمع رأيهم علي مسألة يحيي بن أكثم و هو يومئذ قاضي القضاة علي أن يسأله مسألة لا يعرف الجواب فيها، و وعدوه بأموال نفيسة علي ذلك، و عادوا الي المأمون فسألوه أن يختار لهم يوما للاجتماع، فأجابهم الي ذلك.

و اجتمعوا في اليوم الذي اتفقوا عليه و حضر معهم يحيي بن أكثم، فأمر المأمون أن يفرش لأبي جعفر عليه السلام دست [2] ، و يجعل له فيه مسورتان [3] ، ففعل ذلك، و خرج أبوجعفر عليه السلام ]و هو يومئذ ابن تسع سنين و أشهر[، فجلس بين المسورتين، و جلس يحيي بن أكثم بين يديه، و قام الناس في مراتبهم، و المأمون جالس في دست متصل بدست أبي جعفر عليه السلام.

فقالوا: يا أميرالمؤمنين هذا القاضي ان أذنت له أن يسأل أباجعفر.

فقال له المأمون: استأذنه في ذلك.

فأقبل عليه يحيي بن أكثم، فقال؛ أتأذن لي - جعلت فداك - في مسألة؟

قال له أبوجعفر عليه السلام: «سل ان شئت».



[ صفحه 114]



قال يحيي: ما تقول - جعلني الله فداك (أو يا أباجعفر أصلحك الله ما تقول) - في محرم قتل صيدا؟

فقال له أبوجعفر عليه السلام «قتله في حل أو حرم؟ عالما كان المحرم أم جاهلا؟ قتله عمدا أو خطأ؟ حرا كان المحرم أم عبدا؟ صغيرا كان أو كبيرا؟ مبتدئا بالقتل أم معيدا؟ من ذوات الطير كان الصيد أم من غيرها؟ من صغار الصيد كان أم من كباره؟ مصرا علي ما فعل أو نادما؟ في الليل كان قتله للصيد في أو كارها أم نهارا و عيانا؟ محرما كان بالعمرة اذ قتله أو بالحج كان محرما؟».

فتحير يحيي بن أكثم و انقطع انقطاعا لم يخف علي أحد من أهل المجلس، و بان في وجهه العجز و الانقطاع، و تلجلج حتي عرف جماعة أهل المجلس أمره، و تحير الناس عجبا من جواب أبي جعفر عليه السلام.

فقال المأمون: الحمد لله علي هذه النعمة و التوفيق لي في الرأي. ثم نظر الي أهل بيته، و قال لهم: أعرفتم الآن ما كنتم تنكرونه؟

فلما تفرق الناس، و بقي من الخاصة من بقي، قال المأمون لأبي جعفر عليه السلام: ان رأيت - جعلت فداك - أن تذكر الفقه فيما فصلته من وجوه قتل المحرم الصيد، و تعرفنا ما يجب علي كل صنف من هذه الأصناف في قتل الصيد؛ لنعلمه و نستفيده.

فقال أبوجعفر عليه السلام: «نعم، ان المحرم اذا قتل صيدا في الحل و كان الصيد من ذوات الطير و كان من كبارها فعليه شاة، فان أصابه في الحرم فعليه الجزاء مضاعفا، و اذا قتل فرخا في الحل فعليه حمل قد فطم من اللبن، و ليست عليه القيمة؛ لأنه ليس في الحرم، و اذا قتله في الحرم فعليه الحمل و قيمة الفرخ، و ان كان من الوحش و كان حمار وحش فعليه بقرة، و ان كان نعامة فعليه بدنة، فان لم يقدر فاطعام ستين مسكينا، فان لم يقدر فليصم ثمانية عشر يوما. و ان كان بقرة



[ صفحه 115]



فعليه بقرة، فان لم يقدر فليطعم ثلاثين مسكينا، فان لم يقدر فليصم تسعة أيام. و ان كان ظبيا فعليه شاة، فان لم يقدر فليطعم عشرة مساكين، فان لم يجد فليصم ثلاثة أيام. فان قتل شيئا من ذلك في الحرم فعليه الجزاء مضاعفا (هديا بالغ الكعبة) [4] ، و اذا أصاب المحرم ما يجب عليه الهدي فيه و كان احرامه للحج نحره بمني، حيث ينحر الناس. و ان كان احرامه للعمرة نحره بمكة، في فناء الكعبة، و يتصدق بمثل ثمنه حتي يكون مضاعفا. و كذلك اذا أصاب أرنبا أو ثعلبا فعليه شاة، و يتصدق بمثل ثمن شاة. و ان قتل حماما من حمام الحرم فعليه درهم يتصدق به، و درهم يشتري به علفا لحمام الحرم. و في الفرخ نصف درهم، و في البيضة ربع درهم. و كلما أتي به المحرم بجهالة أو خطأ فلا شي ء عليه الا الصيد، فان عليه فيه الفداء بجهالة كان أم بعلم، بخطأ كان أم بعمد. و جزاء الصيد علي العالم و الجاهل سواء، و في العمد له المأثم، و هو موضوع عنه في الخطأ و الكفارة علي الحر في نفسه، و علي السيد في عبده، و الصغير لا كفارة عليه، و هي علي الكبير واجبة، و النادم يسقط بندمه عنه عقاب الآخرة، و المصر يجب عليه العقاب في الآخرة. و ان دل علي الصيد و هو محرم و قتل الصيد فعليه فيه الفداء، و ان أصابه ليلا في أوكارها خطأ فلا شي ء عليه ان لم يتصيد، فان تصيد بليل أو نهار فعليه فيه الفداء».

فقال له المأمون: أحسنت يا أباجعفر، أحسن الله اليك، و أمر أن يكتب ذلك عنه. [5] .

و في الارشاد: فقال له المأمون: أحسنت - أباجعفر - أحسن الله اليك، فان



[ صفحه 116]



رأيت أن تسأل يحيي عن مسألة كما سألك.

فقال أبوجعفر ليحيي: «أسألك؟».

قال: ذلك اليك - جعلت فداك - فان عرفت جواب ما تسألني عنه و الا استفدته منك.

فقال له أبوجعفر عليه السلام: «خبرني عن رجل نظر الي امرأة في أول النهار فكان نظره اليها حراما عليه، فلما ارتفع النهار حلت له، فلما زالت الشمس حرمت عليه، فلما كان وقت العصر حلت له، فلما غربت الشمس حرمت عليه، فلما دخل عليه وقت العشاء الآخرة حلت له، فلما كان انتصاف الليل حرمت عليه، فلما طلع الفجر حلت له، ما حال هذه المرأة و بماذا حلت له و حرمت عليه؟».

فقال له يحيي بن أكثم، لا والله ما أهتدي الي جواب هذا السؤال، و لا أعرف الوجه فيه، فان رأيت أن تفيدناه.

فقال له أبوجعفر عليه السلام: «هذه أمة لرجل من الناس نظر اليها أجنبي في أول النهار فكان نظره اليها حراما عليه، فلما ارتفع النهار ابتاعها من مولاها فحلت له، فلما كان الظهر أعتقها فحرمت عليه، فلما كان وقت العصر تزوجها فحلت له، فلما كان وقت المغرب ظاهر منها فحرمت عليه، فلما كان وقت العشاء الآخرة كفر عن الظهار فحلت له، فلما كان نصف الليل طلقها واحدة فحرمت عليه، فلما كان عند الفجر راجعها فحلت له».

قال ]الريان بن شبيب[: فأقبل المأمون علي من حضره من أهل بيته فقال لهم: هل فيكم أحد يجيب عن هذه المسألة بمثل هذا الجواب، أو يعرف القول فيما تقدم من السؤال؟!

قالوا: لا والله، ان أميرالمؤمنين أعلم و ما أري.

فقال لهم: و يحكم، ان أهل هذا البيت خصوا من الخلق بما ترون من



[ صفحه 117]



الفضل، و ان صغر السن فيهم لا يمنعهم من الكمال، أما علمتم أن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم افتتح دعوته بدعاء أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام و هو ابن عشر سنين، و قبل منه الاسلام و حكم له به، و لم يدع أحدا في سنه غيره، و بايع الحسن و الحسين عليهماالسلام و هما ابنا دون الست سنين و لم يبايع صبيا غيرهما، أفلا تعلمون الآن ما اختص الله به هؤلاء القوم، و أنهم ذرية بعضها من بعض، يجري لآخرهم ما يجري لأولهم؟!

قالوا: صدقت يا أميرالمؤمنين. [6] .

ثم أقبل المأمون علي أبي جعفر عليه السلام فقال له: أتخطب يا أباجعفر؟

قال: «نعم، يا أميرالمؤمنين».

فقال له المأمون: اخطب - جعلت فداك - لنفسك، فقد رضيتك لنفسي، و أنا مزوجك أم الفضل ابنتي و ان رغم قوم لذلك.

فقال أبوجعفر عليه السلام: «الحمد لله اقرارا بنعمته، و لا اله الا الله اخلاصا لوحدانيته، و صلي الله علي محمد سيد بريته و الأصفياء من عترته.

أما بعد، فقد كان من فضل الله علي الأنام أن أغناهم بالحلال من الحرام، فقال سبحانه: (و أنكحوا الأيامي منكم و الصالحين من عبادكم و امائكم ان يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله و الله واسع عليم) [7] ، ثم ان محمد بن علي بن موسي يخطب أم الفضل بنت عبدالله المأمون، و قد بذل لها من الصداق مهر جدته فاطمة بنت محمد عليهماالسلام و هو خمس مئة درهم جيادا، فهل زوجته يا أميرالمؤمنين بها علي هذا الصداق المذكور؟».



[ صفحه 118]



قال المأمون: نعم، قد زوجتك يا أباجعفر أم الفضل ابنتي علي الصداق المذكور، فهل قبلت النكاح؟

فقال أبوجعفر عليه السلام: «قد قبلت ذلك و رضيت به».

و ذكر نحوه في تحف العقول مع بعض التغيير، و قال: قد قبلت هذا التزويج بهذا الصداق.

و رواية المسعودي في اثبات الوصية تخالف رواية المفيد في الخطبة.

و في تحف العقول، فأولم المأمون و أجاز الناس علي مراتبهم أهل الخاصة و أهل العامة و الأشراف و العمال، و أوصل الي كل طبقة برا علي ما تستحقه.

و قال المفيد: فأمر المأمون أن يقعد الناس علي مراتبهم في الخاصة و العامة.

قال الريان: و لم نلبث أن سمعنا أصواتا تشبه أصوات الملاحين في محاوراتهم، فاذا الخدم يجرون سفينة مصنوعة من فضة مشدودة بالحبال من الابريسم علي عجلة مملوءة من الغالية [8] فأمر المأمون أن تخضب لحي الخاصة من تلك الغالية، ثم مدت الي دار العامة فطيبوا منها، و وضعت الموائد فأكل الناس، و خرجت الجوائز الي كل قوم علي قدرهم.

فلما كان من الغد حضر الناس، و حضر أبوجعفر عليه السلام، و صار القواد و الحجاب و الخاصة و العمال لتهنئة المأمون و أبي جعفر عليه السلام، فأخرجت ثلاثة أطباق من الفضة فيها بنادق مسك و زعفران معجون، في أجواف تلك البنادق رقاع مكتوبة بأموال جزيلة، و عطايا سنية، و اقطاعات. فأمر المأمون بنثرها علي القوم من خاصته، فكان كل من وقع في يده بندقة، أخرج الرقعة التي فيها و التمسه



[ صفحه 119]



فأطلق له. و وضعت البدر [9] ، فنثر ما فيها علي القواد و غيرهم، و انصرف الناس و هم أغنياء بالجوائز و العطايا. و تقدم المأمون بالصدقة علي كافة المساكين.

و قال غير المفيد: ثم أمر فنثر علي أبي جعفر رقاع فيها ضياع، و طعم، و عمالات.

قال المفيد: و لم يزل المأمون مكرما لأبي جعفر عليه السلام معظما لقدره مدة حياته، و يؤثره علي ولده و جماعة أهل بيته. [10] .

و قيل: ان الخطيب البغدادي روي في تاريخ بغداد عن يحيي بن أكثم أن المأمون خطب فقال: الحمد لله الذي تصاغرت الأمور لمشيئته، و لا اله الا الله اقرارا بربوبيته، و صلي الله علي محمد عبده و خيرته.

أما بعد، فان الله جعل النكاح الذي رضيه لكمال سبب المناسبة، ألا و اني قد زوجت زينب ابنتي من محمد بن علي بن موسي الرضا، أمهرناها عنه أربعمائة درهم.

و يقال: انه عليه السلام كان ابن تسع سنين و أشهر، و لم يزل المأمون متوافرا علي اكرامه و اجلال قدره. [11] .

و جاء في مهج الدعوات للسيد ابن طاووس صفحة 258:

عن ابراهيم بن محمد بن الحارث النوفلي قال: حدثني أبي - و كان خادما لمحمد بن علي الجواد عليه السلام - لما زوج المأمون أباجعفر محمد بن علي بن موسي



[ صفحه 120]



الرضا عليه السلام ابنته، كتب ]الجواد[ اليه: «ان لكل زوجة صداقا من مال زوجها، و قد جعل الله أموالنا في الآخرة، مؤجلة مذخورة هناك، كما جعل أموالكم معجلة في الدنيا، و كنزها ههنا.

و قد أمهرت ابنتك (الوسائل الي المسائل) و هي مناجاة دفعها الي أبي، قال: دفعها الي أبي، قال: دفعها الي أبي جعفر، قال: دفعها الي محمد أبي، قال: دفعها الي علي بن الحسين أبي، قال: دفعها الي الحسين أبي، قال: دفعها الي الحسن أخي، قال: دفعها الي أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب، قال: دفعها الي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم قال: دفعها الي جبرائيل قال: يا محمد... رب العزة يقرؤك السلام و يقول لك: هذه مفاتيح كنوز الدنيا و الآخرة، فاجعلها و سائلك الي مسائلك، تصل الي بغيتك، فتنجح في طلبتك، فلا تؤثرها في حوائج الدنيا فتبخس بها الحظ من آخرتك.

و هي عشر وسائل الي عشر مسائل، تطرق بها أبواب الرغبات فتفتح، و تطلب بها الحاجات فتنجح».

و سنأتي عليها بعد قليل في هذا الفصل، في موضوع ما أثر عنه من الدعاء ان شاء الله.

و روي الكليني في الكافي بسنده عن محمد بن الريان قال: احتال المأمون علي أبي جعفر عليه السلام بكل حيلة، فلم يمكنه فيه شي ء، فلما اعتل و أراد أن يبني عليه ابنته، دفع الي [12] مئتي [13] وصيفة - من أجمل ما يكن - الي كل واحدة منهن جاما فيه جوهر يستقبلن أباجعفر عليه السلام اذا قعد في موضع الأختان [14] ، فلم يلتفت اليهن.



[ صفحه 121]



و كان رجل يقال له: (مخارق) صاحب صوت و عود و ضرب، طويل اللحية، فدعاه المأمون، فقال، يا أميرالمؤمنين ان كان في شي ء من أمر الدنيا، فأنا أكفيك أمره.

فقعد بين يدي أبي جعفر عليه السلام فشهق مخارق شهقة اجتمع عليه أهل الدار، و جعل يضرب بعوده و يغني.

فلما فعل ساعة و اذا أبوجعفر لا يلتفت يمينا و لا شمالا، ثم رفع ]الامام[ اليه رأسه، و قال: «اتق الله يا ذا العثنون». [15] .

قال ]الراوي[: فسقط المضراب من يده و العود، فلم ينتفع بيديه الي أن مات.

قال: فسأله المأمون عن حاله، قال: لما صاح بي أبوجعفر فزعت فزعة لا أفيق منها أبدا. [16] .

و في تحف العقول لابن شعبة الحراني: قال له أبوهاشم الجعفري في يوم تزوج أم الفضل ابنة المأمون: يا مولاي لقد عظمت علينا بركة هذا اليوم.

فقال عليه السلام: «يا أباهاشم! عظمت بركات الله علينا فيه».

قلت: نعم يا مولاي، فما أقول في اليوم.

فقال: «تقول فيه خيرا فانه يصيبك».



[ صفحه 122]



قلت: يا مولاي أفعل هذا و لا أخالفه.

قال عليه السلام: «اذا، ترشد و لا تري الا خيرا». [17] .


پاورقي

[1] الارشاد: 2 / 281.

[2] فارسية و تعني: المجلس أو صدر البيت، و قد مر ذكرها.

[3] المسور و المسورة: متكأ من جلد.

[4] المائدة: 95.

[5] أعيان الشيعة / محسن الأمين: 2 / 34 - 33.

[6] الارشاد: 2 / 287 - 286، تحف العقول: ص 337 و 338.

[7] النور: 32.

[8] الغالية: ضرب من الطيب مركب من مسك و عنبر و كافور و دهن البان و عود.

[9] البدر جمع بدرة: و هي الكيس فيه عشرة آلاف درهم.

[10] أعيان الشيعة: 2 / 34، و الرواية مذكورة في عدد من المصادر منها: الارشاد، تحف العقول، اعلام الوري، الاحتجاج، دلائل الامامة، الفصول المهمة، بحارالأنوار، و غيرها.

[11] و لم أجده في تاريخ بغداد. أشرت الي ذلك في باب الاستدعاء الي بغداد عند تعرضنا لقول الخطيب البغدادي.

[12] لعل الصواب: الي أو اليه.

[13] في بحارالأنوار: 50 / 61 نقلا عن مناقب آل أبي طالب 4 / 396: مئة.

[14] في المصدر: الأخيار، و ما أثبتناه، فمن مناقب ابن شهر آشوب و بحار العلامة المجلسي. و أغلب الظن أنها جمع ختن و هو الصهر، و قيل: أبوالزوجة. و قيل: بل كل من كان من قبل المرأة كالأب و الأخ. و بهذا يكون موضع الأختان هو الموضع المعد لجلوس أب المرأة و اخوتها و أعمامها مثلا. راجع المصباح المنير: 1 / 199 مادة ختن.

[15] العثنون: اللحية علي الذقن و تحته فقط. و يقال أيضا للشعيرات النابتة تحت حنك البعير. و قد أراد الامام تحقيره بهذا الوصف.

[16] أصول الكافي: 1 / 494 ح 4.

[17] تحف العقول: ص 339.