بازگشت

لقاء الوفود


بقيت الطائفة في حيرة بعد شهادة الامام الرضا عليه السلام في صفر من سنة (203 ه)، و اختلفت الكلمة بين الناس، و استصغر سن أبي جعفر، و تحير الشيعة في سائر الأمصار، و اضطربوا في من يكون الامام بعد أبي الحسن الثاني، و ابنه أبوجعفر ابن ست سنين، ظنا من البعض أن من كان بهذه السن الصغيرة لا يمكنه تقلد منصب الامامة الخطير.

اجتمع الريان بن الصلت، و صفوان بن يحيي، و محمد بن حكيم، و عبدالرحمن بن الحجاج، و يونس بن عبدالرحمن و جماعة من وجوه الشيعة و ثقاتهم في دار عبدالرحمن بن الحجاج في بركة زلزل [1] يبكون و يتوجعون من المصيبة.

فقال لهم يونس: دعوا البكاء، من لهذا الأمر يفتي المسائل الي أن يكبر هذا الصبي - يعني أباجعفر -؟ و كان له ست سنين و شهور.

ثم قال: أنا و من مثلي.

فقام اليه الريان بن الصلت فرد عليه قائلا: ان كان أمره من الله جل و علا فلو أنه كان ابن يومين لكان مثل ابن مئة سنة، و ان لم يكن من عندالله فلو عمر الواحد من الناس خمسة آلاف سنة كان يأتي بمثل ما يأتي به السادة أو بعضه، و هذا مما ينبغي أن ينظر فيه.

و علي أي حال، أقبل المجتمعون - تقول الرواية - علي يونس بن عبدالرحمن يعذلونه عما بدر منه من موقف متزلزل تجاه امامة أبي جعفر الجواد عليه السلام،



[ صفحه 90]



فان كبر السن و صغره لا دخل لهما في تولي منصب الامامة الذي يتعين من قبل الله تبارك و تعالي، كما هو الحال في منصب النبوة الذي يشاكله في كثير من خصوصياته.

و يقترب موسم الحج من ذلك العام و هو سنة (203 ه)، فاجتمع من فقهاء بغداد و الأمصار و علمائهم ثمانون رجلا، و خرجوا الي الحج، و قصدوا المدينة، و أتوا دار أبي عبدالله الصادق عليه السلام فدخلوها، و بسط لهم بساط أحمر، و خرج اليهم عبدالله بن موسي بن جعفر، فجلس في صدر المجلس. و قام مناد فنادي: هذا ابن رسول الله، فمن أراد السؤال فليسأل.

فقام اليه رجل من القوم فقال له: ما تقول في رجل قال لامرأته أنت طالق عدد نجوم السماء؟

قال: طلقت ثلاث دون الجوزاء.

فورد علي الشيعة ما زاد في غمهم و حزنهم.

ثم قام اليه رجل آخر فقال: ما تقول في رجل أتي بهيمة؟

قال: تقطع يده، و يجلد مئة جلدة، و ينفي.

فضج الناس بالبكاء، و كان قد اجتمع فقهاء الأمصار، فهم في ذلك اذ فتح باب من صدر المجلس، و خرج موفق ثم خرج أبوجعفر و عليه قميصان و ازار، و عمامة بذؤابتين احداهما من قدام و الأخري من خلف، و نعل بقبالين [2] ، فجلس و أمسك الناس كلهم، ثم قام اليه صاحب المسألة الأولي.

فقال: يابن رسول الله، ما تقول فيمن قال لامرأته أنت طالق عدد نجوم السماء؟



[ صفحه 91]



فقال له: «يا هذا اقرأ كتاب الله، قال الله تبارك و تعالي: (الطلاق مرتان فامساك بمعروف أو تسريح باحسان) [3] في الثالثة».

قال: فان عمك أفتاني بكيت و كيت.

فقال: «يا عم اتق الله و لا تفت و في الأمة من هو أعلم منك».

فقام اليه صاحب المسألة الثانية، فقال له: يابن رسول الله، ما تقول في رجل أتي بهيمة؟

فقال: «يعزر و يحمي ظهر البهيمة و تخرج من البلد حتي لا يبقي علي الرجل عارها».

فقال: ان عمك أفتاني بكيت و كيت.

فالتفت و قال بأعلي صوته: «لا اله الا الله يا عبدالله انه عظيم عندالله أن تقف غدا بين يدي الله فيقول لك لم أفتيت عبادي بما لا تعلم، و في الأمة من هو أعلم منك.»

فقال عبدالله بن موسي: رأيت أخي الرضا و قد أجاب في هذه المسألة بهذا الجواب.

فقال أبوجعفر: «انما سئل الرضا عن نباش نبش قبر امرأة ففجر بها، و أخذ ثيابها ]كفنها[، فأمر بقطعه للسرقة، و جلده للزنا، و نفيه للمثلة». ففرح القوم. [4] .

فرح القوم بما أيقنوا من امامة أبي جعفر الثاني عليه السلام، و أن الأمة لم تبق بلا امام تتمسك به، و يقودها الي حيث الهدي و الرشاد..

و فرحوا لما لمسوا من سعة علوم و معارف هذا الصبي المعجزة..



[ صفحه 92]



و روي الطبري أيضا في دلائل الامامة ص 208، فقال:

و كان ممن خرج مع الجماعة، علي بن حسان الواسطي المعروف بالعمش [5] ، قال: حملت معي اليه عليه السلام من الآلة التي للصبيان، بعضها من فضة، و قلت أتحف مولاي أباجعفر بها.

فلما تفرق الناس عنه بعد جواب الجميع، قال فمضي ]الي صريا [6] [ فاتبعته، فلقيت موفقا ]خادم الامام[ فقلت: استأذن لي علي أبي جعفر.

فدخلت، و سلمت، فرد علي السلام و في وجهه الكراهة، و لم يأمرني [7] بالجلوس، فدنوت منه و أفرغت ما كان في كمي بين يديه، فنظر الي ]نظر[ مغضب، ثم رنا يمينا و شمالا، و قال: «ما لهذا خلقني الله، ما أنا و اللعب؟!»

فاستعفيته، فعفا عني، فأخذتها فخرجت.


پاورقي

[1] بركة زلزل: محلة ببغداد بين الكرخ و السراة و باب المحول و سويقة أبي الورد و زلزل اسم مغن كان أيام المهدي و الهادي و الرشيد، حفر بركة و وقفها للمسلمين فسميت المحلة باسمه. معجم البلدان: 1 / 402.

[2] القبال من النعل: السير من الجلد يربط به علي الرجل.

[3] البقرة: 229.

[4] دلائل الامامة / الطبري الصغير: ص 200، بحارالأنوار / المجلسي: 50 / 99.

[5] كذا في المصدر و في البحار أيضا، و الصحيح: المنمس كما سيأتي في ترجمته في باب الرواة.

[6] صريا: قرية بناها الامام موسي بن جعفر عليه السلام خارج المدينة، علي ثلاثة أميال منها، كمنتجع له، و ليبتعد فيها عن عيون السلطة.

[7] كذا في البحار: 50 / 59، و في المصدر: يأتي، و هي خطأ مركب كما تلاحظ.