بازگشت

من الذي يتولي شؤون المعصوم؟


فيما مضي من الروايات التي ذكرت أن الواثق بن المعتصم العباسي صلي علي الامام أبي جعفر الثاني عليه السلام و تولي عملية دفنه، لابد من وقفة قصيرة عندها لتوضيح مغزي صلاة مثل الواثق أو غيره علي الامام المعصوم.

فمن المعلوم و الثابت عقليا و نقليا عند الشيعة الامامية أن المعصوم المتوفي لا يلي شؤون تغسيله و الصلاة عليه الا معصوم مثله. و هكذا جري مع النبي المصطفي محمد صلي الله عليه و آله و سلم، ثم من بعده ابنته الزهراء عليهاالسلام ثم أميرالمؤمنين علي بن أبي



[ صفحه 54]



طالب عليه السلام و بقية الأئمة من بنيه، فكان الامام المنصوص عليه هو الذي يتولي أمور الامام المر تحل من غسل و صلاة و اجنان أحيانا.

و فذلكة هذا الأمر: ان المعصوم مطهر منزه عن الخطأ و الزلل فضلا عن ارتكاب الذنب و المعصية. و ان الله سبحانه و تعالي عصم أهل بيت نبيه بنص الذكر الحكيم في آية التطهير، فطهر منهم الأبدان كما طهر أرواحهم عليهم أفضل الصلاة و التسليم. من هنا أصبح جسد المعصوم مطهرا زكيا كما طهرت و زكت روحه.

فالنبي صلي الله عليه و آله و سلم معصوم. و مما لا شك و لا ريب فيه قداسة و طهر روحه الزكية، و بدنه الشريف. كذلك حال من ورث العصمة من بنيه و التي ثبتت لهم بنص آية التطهير - كما ذكرنا - دون غيرهم، و لا معني للعصمة الا الطهارة من الذنوب.

و بما أن غسل الانسان الميت يعتبر تطهيرا لبدنه من أدران الدنيا [1] ، و ما يكون قد علق به أو ارتكب من خطايا و مآثم. فان هذا بالتأكيد لا ينطبق علي المعصوم بأي حال من الأحوال، و لو لا سنة الحياة البشرية، و لزوم جري الأمور عامة في مقاديرها الطبيعية.. لما احتاج المعصوم الي غسل و تطهير. بل، و لما ينبغي أن تضمه الأرض فيقبر فيها. و عليه فلا يمكن للأيادي الخاطئة أو المقصرة أن تمس جسدا قدسيا مطهرا من الرجس فتغسله؛ لذا يلزم أن يكون مغسل المعصوم المطهر، يماثله في العصمة و الطهارة.

من هذا المبدأ و المنطق قلنا أن الامام - باعتبار عصمته - لا يلي شؤونه الا امام مثله. و كما هو الحال في التغسيل، كذلك في الصلاة. اذا ان الصلاة علي الميت دعاء له بالرحمة، و غفران الذنب، و التجاوز عن السيئات التي ارتكبها، أو



[ صفحه 55]



الأعمال التي قصر فيها، و هذا لا ينطبق بطبيعة الحال علي المعصوم أيضا. اذ كيف يمكن لمذنب أو خاطئ أو من لم يعصم عن الخطأ، علي الأقل، أن يدعو بغفران ذنب من لا ذنب له؟ أم كيف يعقل أو يستساغ أن أقف أنا أو تقف أنت - مثلا - أو فلان من الناس أمام جثمان الرسول الأكرم صلي الله عليه و آله و سلم و يصلي عليه و يقول في صلاته: اللهم ان كان محسنا فزد في احسانه، و ان كان مسيئا فتجاوز عن سيئاته؟ أليس في هذا حط لمقام العصمة، و انتقاص من منزلة المعصوم؟

فمما لا شك فيه أن ذلك لا يتناسب و مقام العصمة الالهية الشامخ، و عليه اذا تصبح الصلاة كالغسل من مختصات الامام المعصوم بالامام المعصوم المماثل. فالامام المتوفي اذا غسله و صلي عليه امام مثله، فلا ضير بعد ذلك أن يغسل مئة مرة أو يصلي عليه ألف من مثل الواثق. فالسنة قد أجريت في المرة الأولي، و ما كان بعدها فنافلة.

و هناك بعض الأخبار عن المعصومين تشير الي أن الذي يغسل الامام المعصوم عليه السلام من عامة الناس يتصور أنه يغسله، لكن الحقيقة هي أن أيديهم لا تصل اليه باذن الله.

أما الهدف من وراء صلاة الواثق علي جنازة الامام الجواد عليه السلام فكان:

أولا: للتغطية عما ارتكبه البلاط العباسي من جريمة آثمة و هي قتلهم لشاب من أبناء رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم في ريعان شبابه، لم يصل الي العقد الثالث من عمره.

و ثانيا: للتمويه علي عوام الناس و بسطائهم، بأن العباسيين هم المعزون في هذا الحادث الجلل. فمرة تجد بالأمس مأمونهم يمشي وراء جنازة الامام الرضا عليه السلام حافيا حاسرا، ذارفا دموع التماسيح، و مظهرا الحزن و الجزع، و أخري واثقهم اليوم يصلي علي الجثمان الطاهر و يبكي و يتأوه لما حل بهم من مصاب.



[ صفحه 56]



و لابد لهم من الصلاة، و اظهار الجزع و الحزن الكاذب، و أنهم أصحاب العزاء؛ لأن أصابع الاتهام بالاغتيال متوجهة اليهم لا تعدو غيرهم.

و ثالثا: لعلهم أرادوا بصلاة الواثق علي الامام عليه السلام أن يقولوا للشيعة أنه ليس بعد أبي جعفر الثاني ابن الرضا امام يتولي الصلاة عليه. في نفس الوقت هو تشكيك بامامة الجواد عليه السلام، اذ لو كان اماما معصوما لحضره امام معصوم و صلي عليه كما تدعون.

لكن الامام الجواد عليه السلام كآبائه الطاهرين قد حضره ابنه الامام الهادي عليه السلام من المدينة، فغسله و صلي عليه مع عدد من شيعته المقربين في سرية و كتمان شديدين، و عاد من فوره الي المدينة دون أن يعلم به أحد من حاشية البلاط أو عيون السلطان.

كما صلي الامام السجاد علي أبيه الحسين، و الامام الرضا علي أبيه موسي ابن جعفر عليه السلام و الامام الجواد علي أبيه الرضا عليه السلام.



[ صفحه 59]




پاورقي

[1] جاء في علل الشرائع للشيخ الصدوق رحمه الله: 1 / 348 ان من علل تشريع الغسل للميت هو أن النطفة التي خلق منها الانسان تخرج من بدنه حال خروج روحه.